سيناريو أساسي للاقتصاد العالمي في2025
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
من التقاليد المتبعة في شهر ديسمبر من كل عام دراسة وتقييم العام الذي يقترب من نهايته والنظر فيما قد ينتظرنا في المستقبل. يصدق هذا على مستوى شخصي: في أسرتي، نميل إلى القيام بهذا حول مائدة العشاء. لكنه يصدق أيضا على نطاق أوسع، حيث يدعو هذا الوقت من العام إلى دراسة تقاطع الاقتصاد، والسياسة الوطنية، والأحوال الجيوسياسية العالمية.
أنت معذور إذا توقعت، كنقطة بداية، أن تكون هذه المجالات الثلاثة متساوقة. فهي في النهاية مترابطة بدرجة عميقة، مما يشير إلى ديناميكيات ذاتية التعزيز. لكن عام 2024 جلب بعض التشتت غير المعتاد إلى هذه العلاقة التي اتسعت في الواقع، بدلا من أن تضيق، على مدار العام، لنبدأ بالأحوال الجيوسياسية في عام 2024، نجحت روسيا في تأمين ميزة أكبر في الحرب الدائرة في أوكرانيا مقارنة بكل التوقعات الـمُـجْـمَـع عليها قبل عام. على نحو مماثل، تجاوزت المعاناة الإنسانية والدمار المادي الناجم عن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة توقعات معظم المراقبين والتي كانت متشائمة بالفعل، وامتدت إلى بلدان أخرى، مثل لبنان. وكان إفلات الأقوياء الواضح من العقاب، مقترنا بغياب الوسائل الفعّالة لمنع الأزمات الإنسانية الرهيبة، سببا في تعميق الشعور لدى كثيرين بأن النظام العالمي مختل جوهريا، ويفتقر إلى أي حواجز حماية قابلة للتنفيذ. أما عن السياسة الداخلية، فقد كانت الاضطرابات هي سيد الموقف في عديد من البلدان. فانهارت الحكومة في كل من فرنسا وألمانيا ــ اثنين من أكبر اقتصادات أوروبا ــ ليصبح الاتحاد الأوروبي دون قيادة سياسية. وفي أعقاب فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي، تستعد الولايات المتحدة الأميركية لانتقال سياسي من المرجح أن يُـفضي إلى زيادة كبيرة في النفوذ السياسي لصالح «نخبة مضادة» جديدة. من ناحية أخرى، يسعى «محور الملاءمة» ــ الذي يضم الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا ــ إلى تحدي النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب. وقد عززت تطورات أخرى حديثة ــ من إعلان رئيس كوريا الجنوبية، المعزول الآن، الأحكام العرفية على نحو مفاجئ (والذي سرعان ما أُلغي) إلى انهيار نظام بشار الأسد في سوريا ــ الانطباع بأننا نعيش في زمن يتسم بالتقلبات الجيوسياسية والسياسية الاستثنائية. جلب العام الماضي أيضا بعض التطورات المثيرة للقلق في الاقتصاد الكلي. فقد تعمقت وعكة أوروبا، حيث تتصارع البلدان مع النمو المنخفض وعجز كبير في الميزانية. وفشلت الصين في الاستجابة بمصداقية للخطر الواضح الحاضر المتمثل في «التحول إلى الحالة اليابانية، إذ أدت التركيبة السكانية غير المواتية، وتراكم الديون، وتراجع سوق العقارات لفترة طويلة إلى تقويض النمو، والكفاءة الاقتصادية، وثقة المستهلك.
مع ذلك، ظلت أسواق الأسهم مستقرة نسبيا وحققت عوائد مرتفعة، بما في ذلك ما يقرب من 60 إغلاقا غير مسبوق في الارتفاع لمؤشر S&P. ويُعد أداء الاقتصاد الأمريكي الاستثنائي أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك. فبعيدا عن أي ضعف، كما توقع معظم خبراء الاقتصاد، حققت الولايات المتحدة مزيدا من التقدم، ونظرا لحجم رأس المال الأجنبي الذي تجتذبه الولايات المتحدة، وحجم استثماراتها في محركات الإنتاجية والتنافسية والنمو في المستقبل، من المرجح أن تستمر في التفوق على اقتصادات كبرى أخرى في عام 2025.
تتمثل إحدى نتائج هذا النجاح في امتناع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن تقديم تخفيضات أسعار الفائدة الـمُـهَـدِّئة بنسبة 1.75 إلى 2 نقطة مئوية التي كانت الأسواق تضعها في الحسبان في تقدير الأسعار قبل عام، ومن المنتظر أن يستمر هذا الاتجاه أيضا: في اجتماع السياسة النقدية في ديسمبر، أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيضات أقل في عام 2025، وسعر فائدة نهائي أعلى (في الأمد البعيد). غير أن الاضطرابات السياسية والجيوسياسية ــ والاحتمالات المحدودة لحدوث تحسينات كبيرة ــ تشكل خطرا يهدد دوام الاستثنائية الاقتصادية الأمريكية. وحتى إذا استمرت الولايات المتحدة في التفوق على نظرائها، كما هو متوقع، فإن نطاق النتائج المحتملة، فيما يتصل بالنمو والتضخم، قد اتسع. في الواقع، أصبحت النتائج الاقتصادية والسياسات العالمية ككل خاضعة الآن لمجموعة أكبر من الاحتمالات، سواء كان ذلك بسبب ازدياد المخاطر السلبية أو لأن الإبداعات على الجانب الإيجابي ــ مثل الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والأمن الغذائي، والرعاية الصحية، والدفاع ــ من الممكن أن تحول القطاعات وتسرع من مكاسب الإنتاجية. في غياب إعادة ضبط رئيسية للسياسات، فإن السيناريو الأساسي من منظوري بالنسبة للولايات المتحدة يتضمن معدل نمو فوريا أقل إلى حد ما، حتى مع تفوق الاقتصاد الأمريكي على نظرائه، فضلا عن تضخم ثابت. وهذا يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام خيارين: إما قبول التضخم فوق المستهدف أو محاولة خفضه والمجازفة بدفع الاقتصاد إلى الركود. على الصعيد العالمي، سيستمر التشرذم الاقتصادي، مما سيدفع بعض البلدان إلى تنويع احتياطياتها بعيدا بدرجة أكبر عن الدولار الأمريكي واستكشاف بدائل لأنظمة الدفع الغربية، وسوف يستمر ارتفاع العوائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل عشر سنوات ــ وهي معيار عالمي ــ ليجري تداولها في الأغلب في نطاق 4.75-5%. أما عن الأسواق المالية، فقد تجد الأسواق المالية صعوبة أكبر في الحفاظ على مكانتها باعتبارها «البيت الآمن» في جوار جغرافي اقتصادي عامر بالتحديات. هكذا تبدو الأمور الآن. ولكن، إلى جانب إدراك حالة تشتت النتائج الاقتصادية المحتملة الأوسع نطاقا في عام 2025، سيكون من المهم للغاية على نحو منتظم اختبار أي خط أساس يتبناه المرء مقابل التطورات الفعلية.
محمد العريان، رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج، وأستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية وعدم الاستقرار وتجنب الانهيار التالي».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی عام
إقرأ أيضاً:
المشاط تلتقي وفد من المستثمرين وبنك جي بي مورجان تشيس الأمريكي
استقبلت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، وفد بنك جي بي مورجان JPMorgan Chase ومجموعة من المستثمرين، لبحث آفاق التعاون المستقبلي المشترك، والتعرف على أبرز مستجدات الاقتصاد المصري، وضم الوفد سها علي، المدير التنفيذي لمكتب تمثيل بنك جي بي مورجان تشيس في مصر، وغبولاهان تايوو، كبير الاقتصاديين في لدى البنك في أفريقيا، وعدد من مسئولي ومديري المحافظ الاستثمارية، وإدارة الأصول.
واستعرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، التطورات على مستوى الاقتصاد المصري منذ بداية العام الماضي، وجهود الحكومة لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي وهيكلي، من خلال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والشركاء الدوليين، موضحة أن الحكومة نجحت من خلال الجهود المبذولة منذ مارس الماضي في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، عقب التحديات التي واجهت الاقتصاد المصري في الفترة الماضية، كما وضعت خطوات واضحة من أجل ترسيخ هذا الاستقرار عبر تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، وحوكمة الاستثمارات العامة، واتخاذ إجراءات ضبط المالية العامة، وتهيئة بيئة الاستثمار للقطاع الخاص بما يحفز الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما نجحت في إبرام صفقة رأس الحكمة الأكبر في تاريخ الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر.
كما أشارت إلى جهود الوزارة في متابعة تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والهيكلي، بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنيّة كافة وبالتعاون مع شركاء التنمية الدوليين، لجذب تمويلات دَعم الموازنة لمساندة تنفيذ إصلاحات هيكلية، لافتة إلى الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي التي تتضمن آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم عجز الموازنة بقيمة 5 مليارات يورو، حصلت مصر منها على مليار يورو بنهاية العام الماضي، وبدأت الوزارة استعدادات التفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن الشريحة المقبلة، وذلك لضمان الاستقرار للاقتصاد الكلي وزيادة استثمارات القطاع الخاص وتعزيز القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال، ودعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر وفتح آفاق مستقبلية لتنمية شاملة ومستدامة.
وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، أن التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي عنصر مهم في جهود الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الإقليمي، موضحة أن ذلك التعاون يُعزز الروابط الثقافية والاقتصادية ويسهم في خلق مستقبل أفضل للمواطنين، مما يجعل من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أولوية استراتيجية لمصر، لافتة إلى أن الحزمة المالية الأوروبية في إطار الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي، تضم 6 أولويات مشتركة تتمثل في تعزيز العلاقات السياسية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، والترويج للاستثمار والتجارة، وتعزيز أطر الهجرة والتنقل، ودعم الأمن، وتعزيز المبادرات التي تركز على الإنسان كتطوير المهارات والتعليم.
كما لفتت إلى التزام الحكومة بضبط المالية العامة، وحوكمة ورفع كفاءة الإنفاق الاستثماري، والالتزام بالسقف المحدد بقيمة تريليون جنيه، وهو ما ساهم في انخفاض الاستثمارات العامة في الربع الأول من العام المالي الجاري، مقابل ارتفاع الاستثمارات الخاصة، فضلًا عن تجاوز حجم التمويلات الميسرة للقطاع الخاص عام 2024 لأول مرة التمويلات الميسرة الموجهة للحكومة.
وأكدت أنه نتيجة جهود الدولة لتهيئة مناخ الاستثمار للقطاع الخاص، وخفض الاستثمارات الحكومية، فقد زادت التمويلات الميسرة للقطاع الخاص من الشركاء الدوليين لتتجاوز التمويلات للحكومة في عام 2024، لتصل إلى 4.2 مليار دولار، بينما سجلت التمويلات للقطاع الخاص من 2020 إلى 2024 نحو 14.5 مليار دولار، مشيرة إلى أن تلك التمويلات تم توجيهها لقطاعات متعددة مثل الشركات الناشئة، والتكنولوجيا والابتكار، والصناعات التحويلية، والصحية، والتحول الأخضر، والنقل والخدمات اللوجيستية.
وتحدثت «المشاط»، عن تطورات نمو الناتج المحلي في الربع الأول من العام المالي الجاري، والذي شهد تعافيًا نتيجة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي بدأت الحكومة في تنفيذها منذ مارس الماضي ليصل إلى 3.5%، مضيفة أن النمو في تلك الفترة حقق تطورًا إيجابيًا ليس فقط على مستوى نسبة النمو لكن على مستوى جودته أيضًا، حيث حقق قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية نموًا بنسبة 7.1% في الربع الأول وهو المعدل الأعلى منذ الربع الثالث من العام المالي 2021/2022.
كما أشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى ارتفاع الصادرات في تلك الفترة، في ظل الإجراءات التي قامت بها الدولة للإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج وزيادة معدلات التصنيع في قطاعات متعددة سواء سلع تامة الصنع أو النصف مصنعة، منوهة بأن مختلف القطاعات الاقتصادية حققت نموًا إيجابيًا باستثناء الاستخراجات وقناة السويس بسبب التوترات الإقليمية، ورغم ذلك فإنه من المتوقع أن يعود قطاع الاستخراجات للنمو الإيجابي في الفترة المقبلة، مع سداد مستحقات شركات البترول واستكمال أعمال التنقيب، كما أشارت إلى ارتفاع نمو قطاع السياحة الذي يشكل أهمية كبرى للاقتصاد المصري، لينمو بنسبة 8.2% في الربع الأول من العام المالي الجاري.
وتطرقت إلى المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي»، التي تم في إطارها توقيع اتفاقيات طاقة متجددة بقدرة 4200 ميجاوات حتى نهاية عام 2024، وإتاحة تمويلات لشركات القطاع الخاص المنفذة لتلك المشروعات بنحو 3.9 مليار دولار. كما تم إيقاف تشغيل محطات بقدرة 1200 ميجاوات تعمل بالطاقة الحرارية، موضحة أن أهم ما يميز المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي»، القدرة على الترويج لمشروعات الطاقة المتجددة من أجل جذب القطاع الخاص، وإتاحة التمويلات المبتكرة للشركات المحلية والأجنبية.