الموساد وأبواق الدعاية الصهيونية .. تحالف في الظل
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
د. شعفل علي عمير
في عالم تتزايد فيه المؤامرات والألعاب السياسية الخفية، تتشكل علاقات سرية بين قوى وأطراف داخلية وخارجية، تتحد لتحقيق أهداف تتناقض مع القيم الإنسانية وحقوق الأمم الأَسَاسية تنخر في جسد الأُمَّــة لتحدث خللاً أمنيًّا وعسكريًّا وفكريًّا، إنها حرب بين النور والظلامـ حرب تتكشف فيها الأقنعة وتتعرى فيها الأهداف الخبيثة.
إن الإنجاز الأمني الأخير الذي حقّقته أجهزتنا الأمنية شبيهه إلى حَــدٍّ كبير للعملية الاستباقية للقوات المسلحة اليمنية، التي أحبطت خطة الهجوم الواسع على اليمن من قبل أمريكا وحلفائها، والتي تعد عملية استثنائية فقد سبق فيها “رد الفعل بالفعل” فالإنجاز الأمني أحبط مؤامرة لا تقل خطورة مما كان يخطط له العدوّ الصهيوني والأمريكي وحلفائهم من توجيه ضربة واسعة على اليمن ومقدراته؛ فهي عملية نوعية واستثنائية شاركت فيها المؤسّسة الأمنية والمنظومة المجتمعية.
يُعتبر التعاون القائم بين جهاز الموساد الإسرائيلي وأبواق الدعاية الصهيونية والعملاء واحدة من أهم الشبكات التي تسعى دومًا لتعزيز المصالح الإسرائيلية في الداخل اليمني، مستعيناً بتلك الأجهزة الإعلامية المتغلغلة في بعض البلدان العربية والغربية، التي تأخذ على عاتقها تنفيذ أجندات بعيدة كُـلّ البعد عن مصالح شعوبها، فما الرابط الذي يربط بين هذين الكيانين المختلفين في الظاهر، المتفقين في الزوايا المظلمة؟ إنها الأجندات المشتركة المعتمدة على الحروب الناعمة والخشنة إذَا اقتضى الأمر ذلك، وهو ما يحصل حَـاليًّا في بعض الدول العربية فعندما يعجز العدوّ عن الاختراق يلجأ إلى حروبه التقليدية.
ويلجأ العدوّ لهذه الوسائل كأدوات لنشر الأخبار الزائفة، لتحويل الأنظار عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الفلسطينيون والشعوب المظلومة، وتُعتبر الشائعات المتعلقة بالحروب الناعمة والترويج للتطبيع الثقافي والاقتصادي من أبرز الأسلحة المستخدمة، وما يثير التساؤلات الصمت العربي والإسلامي المريب تجاه هذه المؤامرات، والذي قد يُفهم كتواطؤ مع هذه الأجندات، أين هي الأصوات التي تدافع عن حقوق الإنسان؟ وأين المؤسّسات التي تدَّعي حراسة الحريات والديمقراطية؟ يبدو أن المصلحة الذاتية تتفوق على المبادئ.
وهنا يتوجب على كُـلّ حر وشريف مواجهة هذه المؤامرات عبر تفعيل الإرادَة الجماعية، من خلال توعية الشعوب بخطورة الدعاية المتصهينة والوسائل الخفية التي يستخدمها الموساد لزرع الفرقة وزعزعة الاستقرار.
ينبغي على الإعلام العربي أن يتحلى بالمسؤولية لتحسين الوعي وكشف الحقائق وتفكيك الأكاذيب المتداولة عبر وسائل الإعلام المتصهينة بمختلف مسمياتها، ويجب أن تعيَ أمتنا بأن التعاون السري بين الموساد والأبواق المتصهينة يعد خنجرًا مسمومًا في خاصرة الأُمَّــة العربية والإسلامية، وَإذَا لم تتضافر الجهود لكشف وتعرية هذه التحالفات المشبوهة والوقوف في وجهها بوعي وإصرار فَــإنَّ الشعوب الحرة ستظل تدفع ثمن هذه الغفلة والاستسلام من سيادتها وثرواتها وأمنها واستقرارها.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
التفاهمات السرية بين إيران وأمريكا: صفقة في الظل أم صراع بقاء
إلى أين يمكن أن تقودنا التفاهمات السرية بين الولايات المتحدة وإيران؟ هل هي مجرد تمثيلية لتخفيف التوترات أم أن هناك لعبة أكبر تُدار في الخفاء؟ هل يمكن للوساطة السويسرية أن تكون المنفذ الذي يعيد ترتيب القوى الكبرى في الشرق الأوسط؟ وكيف ستنعكس هذه التفاهمات على فصائل مثل حماس، التي قد تصبح محورية في معادلة إقليمية جديدة؟
ما لا يدركه الكثيرون هو أن هذه التفاهمات، مهما بدت سطحية في ظاهرها، هي تجسيد لصراع أكبر، صراع حول الهيمنة والاستمرارية، وليس مجرد محاولات لتسوية مؤقتة.
منذ أن أُسقطت الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر، ومنذ أن بدأت الحرب على الإرهاب، وأمريكا لم تتوقف عن صناعة الفوضى في المنطقة، حتى أصبحت الحدود بين الأعداء والأصدقاء ضبابية للغاية. إيران، التي كانت تنظر إليها في البداية مصدراً للتهديد، أصبحت الآن شريكًا في فصول أكبر من اللعبة السياسية في الشرق الأوسط.
لكن دعونا نكن أكثر صراحة، ليست إيران هي من تسعى إلى الفوضى، بل هناك من يعمل وراء الستار لخلق تحولات إستراتيجية غير مرئية للعيان، حيث لا تكون المواجهة العسكرية هي الحل، بل التفاوض في الخفاء والابتزاز الدبلوماسي. وعندما يدخل اللاعبون مثل سويسرا للوساطة، نعلم أن اللعبة أكبر من مجرد صفقة تجارية.
إيران تتقاطع مع الولايات المتحدة في نقاط إستراتيجية عدة؛ منها النفوذ في المنطقة النفطية، السيطرة على طرق التجارة البحرية، والتأثير على الأنظمة التي أصبحت تترنح تحت ضغط التغييرات الجيوسياسية. لذا، التفاهمات بينهما ليست محض “هدنة”، بل هي محاولة لخلق مستقبل مقسم غير قابل للتوقع.
هل تقوم أمريكا بحيلة لإبقاء إيران في منطقة "الاحتواء الذكي" دون تصعيد يؤدي إلى حرب شاملة؟ في الحقيقة، الولايات المتحدة لم تعد تستطيع تحمل عبء حروب جديدة. ما يحدث اليوم هو “إدارة التوترات”، وهو مفهوم حديث يعكس التوازن الدقيق الذي تسعى أميركا لتحقيقه بين تحجيم إيران والحفاظ على مصالحها في الخليج والعراق.
ولكن، هنا يكمن السؤال، إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في احتواء إيران، فلماذا تكون سويسرا هي الوسيط؟ الإجابة تكمن في أنَّ الولايات المتحدة تدرك تماماً أن أي تصعيد إضافي سيؤدي إلى إشعال الصراع العالمي. بالتالي، يُمكن القول إنَّ أمريكا تسعى لإدارة هذا النزاع بطريقة تبدو أقل كلفة، بما يضمن إبقاء النفوذ الإيراني في حدود قابلة للسيطرة دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام العالمي القائم.
إيران، بتركيبتها السياسية المعقدة، لا تبحث عن حرب. هي تحتاج إلى استقرار داخلي، هذا الاستقرار الذي يزداد هشاشة مع كل يوم من العقوبات الدولية والاحتجاجات الشعبية. لا يمكن لإيران أن تبقى على هذا المنوال من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. لذا، كانت في حاجة إلى تغيير إستراتيجيتها الخارجية بشكل غير مباشر.
إن الخوض في التفاهمات مع الولايات المتحدة هو محاولة لتأمين قدرة إيران على البقاء داخلياً، حتى لو كان ذلك يعني القبول بنوع من التهدئة. ولكن هل تستطيع إيران الحفاظ على صورتها كـ”قوة إقليمية مقاومة” دون التضحية بشيء من سياستها الخارجية؟ هذا هو التحدي الذي ستواجهه طهران في الأشهر القادمة.
حماس، الفصيل الذي يبدو في الظاهر المستفيد الرئيسي من الدعم الإيراني، يجد نفسه الآن في مفترق طرق. إيران، التي قدمت له الدعم العسكري والتقني لسنوات، قد تجد نفسها مضطرة لتقليص هذا الدعم إذا ما تواصلت التفاهمات مع الولايات المتحدة.
هنا تكمن المفارقة، هل ستظل حماس أداة في يد إيران أم أنها ستنجح في تحجيم تأثير إيران عليها وتبحث عن بدائل؟ حماس ليست مجرد “ورقة إيرانية” في لعبة القوى الكبرى؛ إنها تدرك أن وجودها طويل الأمد يتطلب إعادة التفكير في إستراتيجياتها، وإن كانت ستجد توازناً بين قوتها العسكرية والبحث عن حلول أكثر استقلالية.
لكن ماذا لو لعبت حماس لعبتها الخاصة؟ ماذا لو اتخذت قراراتها بمعزل عن طهران، في محاولة للبحث عن دور جديد في ظل التحولات الإقليمية؟ قد يكون هذا هو السيناريو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى إيران، لأنه يعني أن جزءاً من سياستها الإقليمية قد يصبح غير قابل للتنبؤ.
إن التفاهمات الأمريكية الإيرانية، بالرغم من تعقيداتها، قد تكون بداية لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط. ليس الأمر مجرد محاولة لتحديد مسار الأزمة النووية، بل هو إعادة هيكلة لكيفية إدارة النزاعات والتهديدات في المنطقة.
يبدو أن ما يحدث في الخلفية هو إعادة توزيع السلطة بين القوى الإقليمية الكبرى، إيران، السعودية، إسرائيل، وحركات المقاومة. فالتفاهمات قد تؤدي إلى تغييرات دراماتيكية في شكل التوازنات العسكرية والاقتصادية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الصراع سينتهي. بل قد يكون بداية للمرحلة التالية، التي ستكون أكثر تعقيداً، حيث ستندمج المصالح الأميركية مع تلك الإيرانية بشكل خفي.
كلما حاولنا فهم هذه التفاهمات، كلما ازدادت الصورة ضبابية. الصراع في الشرق الأوسط لم يعد يُدار بالطريقة التقليدية؛ بل أصبح عملية معقدة من التنسيق غير المعلن، حيث يتغير كل شيء في لحظة. قد تكون هذه التفاهمات بداية لتغيير عميق في ديناميكيات المنطقة، حيث تُصبح إيران وأميركا على حافة “السلام البارد”، وحيث تلعب القوى الإقليمية الأخرى دورًا أكبر في رسم ملامح المستقبل.
لكن السؤال الأخير يبقى، هل ما نراه الآن مجرد بداية لسلام غير تقليدي، أم أن المنطقة ستغرق أكثر في الفوضى؟ الإجابة، ربما، ستكون في يد حماس، وقراراتها المستقبلية.