لجريدة عمان:
2025-01-30@16:20:32 GMT

لحظة التكامل الخليجي

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

عبر العقدين الماضيين اشتغلت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على بناء منظومة متكاملة لهويتها الوطنية National brand مستندة إلى مجموعة من العناصر الثقافية والمادية، والتي حاولت من خلالها تبديد الصورة الشائعة عن المنطقة Cultural Stereotypes والتي كانت إلى سنوات قريبة تدور في فلك عناصر رمزية محددة، وموارد محددة في الآن ذاته.

لم يكن الطريق سهلًا أمام هذه الدول؛ فاحتدام المنافسة العالمية في الإنتاج، واشتباك الأجندة السياسية، والأحداث والتحولات العالمية والإقليمية، وتبدل التحالفات الدولية كلها كانت تحديات تقف بين الحين والآخر أمام إنتاج العلامة الخليجية الصاعدة Gulf brand. وبالرغم من ذلك ركزت بعض دول الخليج على أن تحمل علامتها وصوتها في صيغة مؤسسات إعلامية تتخطى الحدود، وركزت أخرى على صنع مؤسسات ثقافية تحمل رسالتها عبر العالم، وركزت بعضها على نشاط العمل الإنساني العالمي، واستفرد بعضها بسياسة التوازنات والوساطات الإقليمية والعالمية. وإن تعددت الوسائل يبقى القول إن دول هذه المنطقة استطاعت عبر فترة تاريخية وجيزة الدفع بهوياتها لتتخلق في الفضاء العالمي، وتتدافع مع أشكال من الهويات التقليدية، وأشكال أخرى مستجدة من الهويات الصاعدة.

وعزز اتجاه هذه الدول لاستضافة الأحداث الكبرى من نمط تسويق هوياتها الوطنية، فاستضافة كأس العالم لكرة القدم كأكبر حدث رياضي في دولتين خليجيتين خلال أمد زمني يُحسب بالقصير ليعكس قوة الحضور الخليجي في المشهد العالمي، وكذلك فعاليات إكسبو كحدث ثقافي جامع، عوضًا عن أعمال مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ كحدث عالمي تخصصي يجمع أهل السياسة بأهل العلم والاختصاص، وكذلك سباقات الفورمولا 1 والتي أصبحت حاضرة في أكثر من عاصمة خليجية، بالإضافة لقائمة غير منتهية من الأحداث الكبرى في الفن والثقافة والعلم والرياضة والسياسة. إلى جانب ذلك أصبح الحضور السياسي الخليجي مؤثرًا ليس فقط في القضايا الإقليمية، أو القضايا المرتبطة بمنطقة الخليج العربي، بل حتى في الأحداث والأزمات والمواقف الكبرى عالميًّا. كل هذه العناصر تتشكل ضمن هوية خليجية لتشكل علامة فارقة للمنطقة، وتتحرك في فضائها العالمي مستمدة قوتها من التأثير الاقتصادي ومن ديناميكية القيادات في هذه المنطقة، التي بدورها تتفاعل بشكل إيجابي مع واقعها ومستقبلها. يبقى القول إن هذه اللحظة في تاريخ الخليج العربي تهيئ الفرصة لمستويات أكبر من التكامل الخليجي - الخليجي، ويبقى الرهان هو التفكير الجاد في آليات ذلك التكامل من خلال استفادة هذه الدول من الفرص التي يتيحها صعود الهوية الخليجية العالمية.

فاستضافة الأحداث الكبرى بما تولده من فرص لسلسة القيمة الاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية، تشكل مرتكزًا مهمًّا يمكن البناء عليه والتكامل فيه، فحين تستضيف دولة خليجية حدثا عالميًّا كبيرًا، يمكن أن تبرمج بقية دول الخليج مواسمها السياحية، وتهيئ فرص جذب الزوار، وتمكن قطاعاتها الإنتاجية الداعمة لمتطلبات الحدث وتهيئها لتلبية الاحتياجات المطلوبة، وبذلك يتوسع نطاق الاستفادة. غير أن هذا الأمر يتطلب المزيد من العمل المؤسساتي لتأطيره ضمن سياق التعاون الخليجي، فحتى اليوم لا توجد مؤسسة ثقافية خليجية بصيغة عالمية، قادرة على تطوير منتجات ثقافية عالمية واستقطاب أنظار العالم من خلال تلك المنتجات المنبثقة من هذه الهوية الخليجية الصاعدة، وكذلك ليس هناك حدث خليجي عالمي جامع يمكن القول إن دول المنطقة تستطيع مجتمعة أن تجسد من خلاله هويتها وترسخ صوتها وتظهر ثقافتها للعالم، وهناك أدوار أيضًا على المؤسسة الأكاديمية في الخليج، في زيادة تأثيرها العالمي سواء من ناحية البحث العلمي، واستقطاب العلماء والطلبة الدوليين والتوسع في التأثير في شبكات العلوم العالمية، وهو ما تحاول بعض الجامعات القيام به في الخليج بشكل منفرد وبجهود متفاوتة.

نتفهم أن هناك حالة من التفكير القُطري -على مستوى كل دولة- تطرح فرضية أن هذه الدول في حالة تنافس أكثر من كونها في مُكنة من التكامل في كل المجالات، ونتفهم كذلك أن بعض جوانب التكامل تحكمها الأجندة وأنماط التفكير والاتجاهات السياسية لكل دولة -دون المنظمة الخليجية-، وهذه أحوال طبيعية لكنها لا تلغي في الوقت ذات فرضيات وفرص التكامل، خاصة في السياقات خارج الاقتصاد والسياسة. إن التكامل الذي نراه في الأفق إنما يتكئ على عدة مقومات أساسية: منها الاستفادة من تنوع خبرات وقدرات الموارد البشرية في المنطقة، والعقود من الاستثمار في الرأسمال البشري الخليجي، وثانيها أن السردية حول المنطقة من خارجها هي في أساسها سردية حول (الخليج العربي) مجتمعًا كإقليم وهو ما يمكن البناء عليه والاستفادة منه في تطوير هوية خليجية متكاملة صاعدة، أما ثالثها فهي حالة الديناميكيا في القيادة، فقد حبا الله هذه الدول بقيادات متفاعلة قادرة على التعاطي مع المستقبل وحكومات أكثر أهبة في تقصي الفرص العالمية. وكل تلك المقومات من شأنها أن تعزز فرضية التكامل التي نتحدث عنها. يبقى القول إن منافع التكامل ستكون أبعد من كونها مجرد منافع اقتصادية ومالية، حيث ستمتد إلى تعزيز القدرات ومراكمة الخبرات، وستحول المنطقة إلى منطقة إشعاع علمي وثقافي وفني، وستجسد الصورة المتكاملة للقوى الناعمة التي تحاول كل دولة من دول الخليج بناء منظومتها وتشخيص مزاياها النسبية والتنافسية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دول الخلیج هذه الدول القول إن

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الخليجي يعلن تفاصيل "بطولة الأساطير" في نسختها الأولى

أعلن اتحاد كأس الخليج العربي لكرة القدم، أن جميع الاتحادات الخليجية أبدت موافقتها على المشاركة في النسخة الأولى من بطولة أساطير الخليج، في الكويت خلال الفترة من 20 إلى 24 فبراير (شباط) المقبل.

وأكد حمد المناعي، ممثل اتحاد كأس الخليج العربي لكرة القدم، أن المكتب التنفيذي لاتحاد كأس الخليج العربي وافق على إقامة بطولة أساطير الخليج، استجابة لمبادرة عبد الرحمن المطيري، وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب في دولة الكويت.
وأوضح في تصريح اليوم بمناسبة الإعلان عن الحدث، أن البطولة كان مخططاً لها أن تقام على هامش فعاليات خليجي "زين 26 " بالكويت في ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، إلا أنه تقرر تأجيلها لتتزامن مع فعاليات المهرجان الوطني السنوي الذي تستضيفه الكويت في فبراير (شباط) المقبل.

وأوضح أن البطولة لم تفرض أي شروط على اللاعبين، باستثناء أن يكون عمر اللاعب 40 عاماً فما فوق، وفقاً للوائح التي تم إرسالها إلى الاتحادات الخليجية، مشيراً إلى أن نظام البطولة لا يختلف كثيراً عن بطولة كأس الخليج الأخيرة التي استضافتها الكويت، وستقام المنافسات بنظام المجموعات، بحيث تضم كل مجموعة 4 منتخبات، ويتأهل الأول والثاني من كل مجموعة إلى الدور نصف النهائي، وصولاً إلى المباراة النهائية.
وذكر أن حكام الساحة لمباريات البطولة من القدامى في دول الخليج، بينما تم اعتماد الأطقم المساعدة من الكويت، على أن يضم كل وفد 20 لاعباً، إلى جانب الطاقم الإداري والفني، ليصل إجمالي عدد أفراد الوفد إلى 30 شخصاً، مع إمكانية زيادة العدد على أن تتحمل الاتحادات تكاليف الأعضاء الإضافيين.
وكشف المناعي أن مدة المباراة ستكون 40 دقيقة، موزعة على شوطين مدة كل منهما 20 دقيقة، مع اعتماد نظام 11 لاعباً ضد 11، والسماح بالتبديلات المفتوحة، وعدم استخدام تقنية الفيديو، موضحاً أن ملعب النصر هو الخيار الأكثر جاهزية لاستضافة البطولة، نظراً لوجود ملاعب تدريب مخصصة، ما يمنح الفرق فرصة لإجراء تدريباتها وعمليات الإحماء في موقع واحد، وهو ما يمنحه أفضلية تنظيمية في البطولة.
وقال المناعي إن البطولة تمثل إضافة مميزة لبطولات كرة القدم الخليجية، وستكون فرصة لتجمع أساطير اللعبة، وإحياء ذكريات المنافسات التاريخية في أجواء مثيرة ومميزة، كما تهدف إلى إبراز التراث الكروي الخليجي من خلال مشاركة أبرز نجوم كرة القدم السابقين في المنطقة، وتعزيز التجربة الرياضية والثقافية المستفادة من النسخة الحالية للبطولة.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الخليجي يعلن تفاصيل "بطولة الأساطير" في نسختها الأولى
  • الخليج” وOMV يناقشان خطة التعاقد لعام 2025 لتعزيز الإنتاج النفطي
  • WP: دول خليجية تتطلّع لـما بعد الحرب بغزة منذ وقف إطلاق النار
  • الجنوب العالمي يعيد صياغة القواعد الدولية
  • الكهرباء العراقية: الربط الخليجي يكتمل نهاية 2025 وسنشترك بالمنصة الإلكترونية لشراء الطاقة
  • وزير الخارجية الكويتي يؤكد أهمية التعاون الخليجي لمواجهة التحولات في المنطقة والعالم
  • العلاقات العمانية القطرية نحو التكامل والشراكة
  • أبو الغيط يؤكد استقرار المنطقة العربية مشروطا بمعالجة أزمات فلسطين والسودان وليبيا
  • السفير المنزلاوي: الأسلحة النووية الإسرائيلية التهديد الأكبر لأمن شعوب المنطقة
  • تناحر مستمر| دور الأيديولوجيات الدينية في تقويض الأمن العربي