لجريدة عمان:
2025-07-29@08:54:20 GMT

لحظة التكامل الخليجي

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

عبر العقدين الماضيين اشتغلت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على بناء منظومة متكاملة لهويتها الوطنية National brand مستندة إلى مجموعة من العناصر الثقافية والمادية، والتي حاولت من خلالها تبديد الصورة الشائعة عن المنطقة Cultural Stereotypes والتي كانت إلى سنوات قريبة تدور في فلك عناصر رمزية محددة، وموارد محددة في الآن ذاته.

لم يكن الطريق سهلًا أمام هذه الدول؛ فاحتدام المنافسة العالمية في الإنتاج، واشتباك الأجندة السياسية، والأحداث والتحولات العالمية والإقليمية، وتبدل التحالفات الدولية كلها كانت تحديات تقف بين الحين والآخر أمام إنتاج العلامة الخليجية الصاعدة Gulf brand. وبالرغم من ذلك ركزت بعض دول الخليج على أن تحمل علامتها وصوتها في صيغة مؤسسات إعلامية تتخطى الحدود، وركزت أخرى على صنع مؤسسات ثقافية تحمل رسالتها عبر العالم، وركزت بعضها على نشاط العمل الإنساني العالمي، واستفرد بعضها بسياسة التوازنات والوساطات الإقليمية والعالمية. وإن تعددت الوسائل يبقى القول إن دول هذه المنطقة استطاعت عبر فترة تاريخية وجيزة الدفع بهوياتها لتتخلق في الفضاء العالمي، وتتدافع مع أشكال من الهويات التقليدية، وأشكال أخرى مستجدة من الهويات الصاعدة.

وعزز اتجاه هذه الدول لاستضافة الأحداث الكبرى من نمط تسويق هوياتها الوطنية، فاستضافة كأس العالم لكرة القدم كأكبر حدث رياضي في دولتين خليجيتين خلال أمد زمني يُحسب بالقصير ليعكس قوة الحضور الخليجي في المشهد العالمي، وكذلك فعاليات إكسبو كحدث ثقافي جامع، عوضًا عن أعمال مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ كحدث عالمي تخصصي يجمع أهل السياسة بأهل العلم والاختصاص، وكذلك سباقات الفورمولا 1 والتي أصبحت حاضرة في أكثر من عاصمة خليجية، بالإضافة لقائمة غير منتهية من الأحداث الكبرى في الفن والثقافة والعلم والرياضة والسياسة. إلى جانب ذلك أصبح الحضور السياسي الخليجي مؤثرًا ليس فقط في القضايا الإقليمية، أو القضايا المرتبطة بمنطقة الخليج العربي، بل حتى في الأحداث والأزمات والمواقف الكبرى عالميًّا. كل هذه العناصر تتشكل ضمن هوية خليجية لتشكل علامة فارقة للمنطقة، وتتحرك في فضائها العالمي مستمدة قوتها من التأثير الاقتصادي ومن ديناميكية القيادات في هذه المنطقة، التي بدورها تتفاعل بشكل إيجابي مع واقعها ومستقبلها. يبقى القول إن هذه اللحظة في تاريخ الخليج العربي تهيئ الفرصة لمستويات أكبر من التكامل الخليجي - الخليجي، ويبقى الرهان هو التفكير الجاد في آليات ذلك التكامل من خلال استفادة هذه الدول من الفرص التي يتيحها صعود الهوية الخليجية العالمية.

فاستضافة الأحداث الكبرى بما تولده من فرص لسلسة القيمة الاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية، تشكل مرتكزًا مهمًّا يمكن البناء عليه والتكامل فيه، فحين تستضيف دولة خليجية حدثا عالميًّا كبيرًا، يمكن أن تبرمج بقية دول الخليج مواسمها السياحية، وتهيئ فرص جذب الزوار، وتمكن قطاعاتها الإنتاجية الداعمة لمتطلبات الحدث وتهيئها لتلبية الاحتياجات المطلوبة، وبذلك يتوسع نطاق الاستفادة. غير أن هذا الأمر يتطلب المزيد من العمل المؤسساتي لتأطيره ضمن سياق التعاون الخليجي، فحتى اليوم لا توجد مؤسسة ثقافية خليجية بصيغة عالمية، قادرة على تطوير منتجات ثقافية عالمية واستقطاب أنظار العالم من خلال تلك المنتجات المنبثقة من هذه الهوية الخليجية الصاعدة، وكذلك ليس هناك حدث خليجي عالمي جامع يمكن القول إن دول المنطقة تستطيع مجتمعة أن تجسد من خلاله هويتها وترسخ صوتها وتظهر ثقافتها للعالم، وهناك أدوار أيضًا على المؤسسة الأكاديمية في الخليج، في زيادة تأثيرها العالمي سواء من ناحية البحث العلمي، واستقطاب العلماء والطلبة الدوليين والتوسع في التأثير في شبكات العلوم العالمية، وهو ما تحاول بعض الجامعات القيام به في الخليج بشكل منفرد وبجهود متفاوتة.

نتفهم أن هناك حالة من التفكير القُطري -على مستوى كل دولة- تطرح فرضية أن هذه الدول في حالة تنافس أكثر من كونها في مُكنة من التكامل في كل المجالات، ونتفهم كذلك أن بعض جوانب التكامل تحكمها الأجندة وأنماط التفكير والاتجاهات السياسية لكل دولة -دون المنظمة الخليجية-، وهذه أحوال طبيعية لكنها لا تلغي في الوقت ذات فرضيات وفرص التكامل، خاصة في السياقات خارج الاقتصاد والسياسة. إن التكامل الذي نراه في الأفق إنما يتكئ على عدة مقومات أساسية: منها الاستفادة من تنوع خبرات وقدرات الموارد البشرية في المنطقة، والعقود من الاستثمار في الرأسمال البشري الخليجي، وثانيها أن السردية حول المنطقة من خارجها هي في أساسها سردية حول (الخليج العربي) مجتمعًا كإقليم وهو ما يمكن البناء عليه والاستفادة منه في تطوير هوية خليجية متكاملة صاعدة، أما ثالثها فهي حالة الديناميكيا في القيادة، فقد حبا الله هذه الدول بقيادات متفاعلة قادرة على التعاطي مع المستقبل وحكومات أكثر أهبة في تقصي الفرص العالمية. وكل تلك المقومات من شأنها أن تعزز فرضية التكامل التي نتحدث عنها. يبقى القول إن منافع التكامل ستكون أبعد من كونها مجرد منافع اقتصادية ومالية، حيث ستمتد إلى تعزيز القدرات ومراكمة الخبرات، وستحول المنطقة إلى منطقة إشعاع علمي وثقافي وفني، وستجسد الصورة المتكاملة للقوى الناعمة التي تحاول كل دولة من دول الخليج بناء منظومتها وتشخيص مزاياها النسبية والتنافسية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دول الخلیج هذه الدول القول إن

إقرأ أيضاً:

الناتج المحلي الخليجي يقفز إلى 588 مليار دولار بنهاية 2024

كشفت أحدث البيانات الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لدول المجلس بلغ 587.8 مليار دولار أميركي، مدفوعا بشكل رئيسي بالأنشطة غير النفطية التي شكلت ما نسبته 77.9% من مجمل الناتج، في مؤشر يعكس عمق التنوع الاقتصادي في المنطقة.

ويمثل هذا الرقم نموا بنسبة 1.5 % مقارنة بـ 579 مليار دولار أميركي قيمة الناتج المحلي الخليجي خلال نفس الفترة من عام 2023، فيما بلغت نسبة إسهام الأنشطة النفطية 22.1 % من إجمالي الناتج المحلي بنهاية 2024.

أخبار ذات صلة النيابة العامة للدولة تشارك في اجتماع لجنة المختصين بـ«دول التعاون» المركز الإحصائي الخليجي يكشف عن عدد سكان دول مجلس التعاون نهاية 2024

وتصدرت الصناعات التحويلية القائمة بنسبة 12.5 %، تلاها نشاط تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 9.9 %، ثم قطاع التشييد بنسبة 8.3 %، كما أسهمت الإدارة العامة والدفاع بنسبة 7.5 %، والأنشطة المالية والتأمينية بنسبة 7 %، والأنشطة العقارية بنسبة 5.7 %، في حين بلغ إسهام الأنشطة الأخرى غير النفطية 27 بالمائة.

 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة يشارك في الاجتماع الوزاري التنسيقي الخليجي
  • الواصل يستعرض الأوضاع في غزة خلال الاجتماع الوزاري التنسيقي الخليجي
  • تحت شعار “ابتسامة العافية”.. أمير القصيم يرعى تدشين فعاليات اليوم العالمي لالتهاب الكبد الفيروسي
  • محافظ الغربية يهنئ مدير الأمن الجديد: التكامل سر استقرار الشارع في عروس الدلتا
  • قراءة خليجية في تفكيك سلاح حزب العمال: فصل جديد في الصراع الكوردي بالمنطقة
  • أمسية خليجية تسدل الستار على فعاليات مهرجان ظفار الشعري الثاني
  • معلومات الوزراء يستعرض جهود وزارة التعليم العالي للارتقاء بالمعاهد وتحقيق التكامل مع الجامعات
  • الناتج المحلي الخليجي يقفز إلى 588 مليار دولار بنهاية 2024
  • النظام العالمي والشرق الأوسط الجديد
  • اجتماع لبحث تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي الأفريقي بالدار البيضاء