بوابة الوفد:
2025-03-03@10:07:15 GMT

جسر القطيعة

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

من منا لم يشعر بالغيرة على صديق لديه؟! فالغيرة أحد أساليب التعبير عن الحب والمشاعر، بل تعد شعوراً إنسانياً طبيعياً، ولكن الغيرة على الأصدقاء تعد أمراً حساساً، فلا يفضل أى شخص الاعتراف بأنه شعر بالغيرة ذات مرة على صديق مقرب له، ظنا منه أنه قد يبدو من محبى التملك، ولا يدرى أنه يمكن أن تكون مثل هذه الغيرة دافعا للإنسان، طالما أنه ليس هناك تطرف فى المشاعر.

 
فالمشاعر فى العلاقات الإنسانية قد تضطرب ما بين الخوف من فقدان عزيز نتيجة لتدخل طرف ثالث، أو الغضب والشعور بالاضطهاد وعدم تقدير التضحيات التى يقدمها لمن يكن له هذا الحب، وهى تصيب جميع العلاقات الانسانية مثل العلاقات العاطفية، والعلاقات التى تربط الأصدقاء، والعلاقات الأسرية كعلاقة الأخوة فيما بينهم وتنافسهم للحصول على اهتمام الوالدين. 
وفى بعض الأحيان ومع تطرف مشاعر الغيرة، قد يتطور الأمر ليعانى بعض الأشخاص من «متلازمة الشخصية الرئيسية»، إذ يميل قليلا إلى السير فى العالم كما لو كان يدور كل هذا العالم حوله، ويشعر بالاهتزاز عندما يدرك أنه ليس محور حياة الجميع، وهذا ما يحدث غالبا عندما يعلم بأن صديقه خرج مع شخص آخر، أو حتى عندما يتحدث الصديق عن قضاء الوقت مع أشخاص آخرين. وعند ذلك يشعر بالفعل بعدم الأمان فى روابطه الاجتماعية، وقد يتسرع فى افتراض أن صديقه ينسحب من صداقته، أو لا يضعه بقائمة الأولويات.
والخطير فى الأمر هنا أن مثل هذه الغيرة قد تتحول فيما بعد إلى مرض الحسد، وهنا يتحتم علينا معرفة كيفية التحكم بتطور الغيرة، من خلال تجنب المقارنة الاجتماعية بين الأفراد، فكل صديق له مكانته الخاصة المرتبطة بفيض من المواقف والذكريات التى لا يقلل منها وجود صديق آخر فى إطار أحداث ومواقف وذكريات أخرى، ومن خلال تجنب التدنى فى تقدير الذات والشعور بالضغط للتأقلم مع الواقع، فأنت مؤثر وفعال فى حياة كل من حولك ما لم تضع نفسك فى مقارنة دائمة بين قيمتك وقيمة الآخرين، وأيضا من خلال الابتعاد عن الإهمال الاجتماعى للأشخاص، مثل: عدم الحصول على دعوة فى المناسبات الاجتماعية، فكل هذا يؤدى إلى تأجج الغيرة، فمن الطبيعى أن يحب الفرد أن يكون متقبّلاً اجتماعياً. 
وقبل ذلك كله، اعلم أن الأصل أن يفتخر الصديق بنجاحات أصدقائه وعمق علاقاتهم ووسعها؛ لتشمل أعدادا كبيرة من الأشخاص، أما الغيرة من أصدقاء الأصدقاء فهى دليل على ضعف الشخصية وضيق الأفق وحب «التملك» حتى فى العلاقات، وقد يعبر الشخص عن هذه المشاعر بالضيق عند سماع أسماء الأصدقاء الآخرين، وقد يقوم بالتقليل من شأنهم وذمهم وانتقادهم واستعمال ألفاظ غير لائقة بحقهم.
وفى النهاية، عليك أن تدرك جيدا أن الصور التذكارية للأشخاص المبتسمين «لا تعنى بالضرورة أنَّهم سعداء»، حتَّى حالة «يشعر بالسعادة» ليست حقيقة مطلقة.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب - جامعة المنصورة.
‏[email protected]
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جامعة المنصورة د أحمد عثمان

إقرأ أيضاً:

عندما يُختزلُ المعتقلُ في جسده!

يحاولُ الجسدُ جاهدا فـي السجون «محو تمايزه خشية إثارة رد فعل وحشي من الحراس»، إلا أننا شاهدنا مؤخرا أجسادا من أعمار مختلفة تمهر نفسها لقضيتها، رغم معرفتها بترصد الآخر لها، وبرغبته المحمومة فـي إفنائها كما تفعل كل السياسات القاتمة.

بتنا نرى ونسمع قصص الخارجين من السجون من مسافة قريبة، أقرب مما كانت تُتيحه لنا السرديات التقليدية. نُبصر نحولهم وذبولهم، وتفزعنا التحولات التي تصيبهم، لا سيما عندما توضع صور المقارنة بين ما كانوا عليه وما آلت إليه أجسادهم.. هكذا تغدو الأجساد علامة كافـية لاستيعاب الشراسة التي طحنتهم وغيرتهم.

يكسرُ السجان المُدجج بأسلحته، التماع العينين، يكسرُ الرؤوس المرفوعة، تلك التي لا تراوغ فـي التخفـي. ففـي تلك الأماكن المحجوبة عن الأعين تتلاشى «الملكية الفردية للجسد»، ففـي وجود السجان والمُعذَب «يُختزلُ المعتقلُ فـي حقيقة واحدة.. جسده»، فتُحشد كل القوى لإضعافه وسحقه وتذويبه أيضا.

فـي السجون حيث يغدو الجسد مُتاحا لغصص المعاناة، يتكثفُ النضال اليومي فـي سبيل البقاء، فتغدو مهمة إسكات الجوع ومقاومة البرد وتحمل سوء المعاملة والتعذيب تحت سياط التنكيل مهمة غير يسيرة، كما يشير دافـيد لوبروتون فـي كتابه المهم «انثروبولوجيا الجسد والحداثة»، ت: محمد الحاج سالم، صفحة٧، فالتجاور فـي السجن يكشف سمات حياة أجساد الآخرين، وهذا ما تُكثف السرديات كتابته، أعني كل ما هو مكبوت فـي العيش اليومي.

«ففـي الحياة اليومية المعتادة تخف تضاريس الجسد حدّة، وكأنّ عملياته تتم فـي سراديب مغلقة، بينما فـي السجن، حيثُ يُجرد الإنسان من إنسانيته يتحول تركيزه المكثف إلى أحشائه التي ينبغي أن تُملأ لتفرغ لاحقا، فتكبر معركة المسجون مع اليومي فـي كل لحظة.

يستعينُ السجناء بذكرياتهم، يحاولون جاهدين صونها بعيدا عن الأيدي المُعذِبة، فـيتلاعبُ السجان بالضحية عبر قتل الذكرى، عبر تلفـيق قصص موت الأحبة، لتفتيت شريط الذكريات. لقد شاهدنا صدمة البعض عندما وجدوا الحقيقة مُغايرة لما لفقه السجان، بينما خرج بعض آخر للخواء الشاسع جراء الموت الفعلي لأصل الذكرى!

فقد بعض من قضى عقودا فـي السجن الألفة مع اليومي، فبدا مذهولا كإنسان الكهف عندما رأى الهواتف المحمولة ونمط العيش المتبدل، ولذا خرج إلى الحياة ليُكابد اغترابا مضاعفا، فكل ما كان يشحذ به عقله ليبقى متماسكا تغير بصورة جذرية، ولذا ليس علينا أن نتعجب من الذين ماتوا بعد أيام أو أسابيع من خروجهم من السجن، وكأن كل قوى النضال، انهارت دفعة واحدة فـي لحظة الانفراج المنتظرة.

وإن بدا التعذيب سببا أساسيا فـي فقد بعض السجناء لإدراكهم، فإنّ عدم كفاية «المُحفزات الحسية الطبيعة قد تكون سببا آخر»، حيث تبدأ الهلوسات فـي الظهور لسد هذا النقص. وهو ما يطلق عليه «التعذيب النظيف» أي الحرمان الحسي كما يحدث فـي السجون الانفرادية على سبيل المثال، فالإدراك الحسي للعالم - كما يصفه لوبروتون- يصطبغ بمسحة عاطفـية، تتشكل من نغمات الصوت الروائح والضوضاء، فنحن نتحركُ ضمن مجال سمعي وبصري ونسجل ما يلتقطه جلدنا من تقلبات الحرارة، جوار الشم والتذوق لقياس علاقتنا بهذا العالم. «والإدراك لا يعني مطابقة الحقيقة بل تفسيرها. فهذا العالم هو نتاج جسد يُحول العالم إلى معانٍ، وهكذا يغدو الجسد أشبه ما يكون بمصفاة دلالية». وعليه فعندما يُحجب هذا العالم الحيوي عن السجين -ولعليّ أتذكر قصّة الرجل الذي لم يُبصر الشمس طوال فترة مكوثه فـي السجن- فهو يسقط فـي لُجة الهلاوس المروعة!

لكن ورغم السوداوية المفرطة التي كابدها الخارجون من ظلمات جحور العدو، إلا أنّنا عندما شاهدنا بأس من بقي لعقودٍ مُستعينا بوقود إيمانه وصلابته العميقة، فذلك يُعلمنا أيضا كم تتخاذل النظريات وتغدو محدودة ومبتورة أمام التجربة الحية والواقعية، فذلك الانشداد للأفكار العظيمة والراسخة، يجعلنا ننظر بذهول وتعجب إلى ما لا يكسره السجان فـي الروح المتقدة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

مقالات مشابهة

  • نتانياهو: ترامب "أعظم صديق" لإسرائيل
  • عندما يُختزلُ المعتقلُ في جسده!
  • الشيخ محمد صديق المنشاوي.. انطلق من المنشأة بسوهاج إلى المساجد العالمية
  • "اتمنى" تطلق خاصية "التسوق مع الأصدقاء" لأول مرة في الشرق الأوسط
  • ريال مدريد يخسر من بيتيس بواسطة صديق الأمس منافس اليوم
  • نيمار :رونالدو كان يطمئن علي دائما عندما كنت في المملكة
  • عندما تُملي السياسة على التكنولوجيا.. كيف غيّر ترامب مسار غوغل؟
  • "أبشر".. عندما ينطق بها السيِّد ذي يزن
  • يشعر بالراحة.. آخر تطورات الحالة الصحية لـ«البابا فرانسيس»
  • برلماني: الرئيس السيسي يشعر بحالة المواطنين .. وحزمة الحماية الاجتماعية مهمة