لجريدة عمان:
2024-12-29@08:50:06 GMT

مهرجان ليالي مسقط 2024

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

إن المهرجانات السياحية أحد أشكال التواصل الاجتماعي، التي تنطلق من أهداف اجتماعية وسياحية؛ إذ تعتمد على إمكانات نقل القيم الاجتماعية والثقافية ضمن مفاهيم تلك الأنماط التي تقدمها، فالمهرجانات وسيط فاعل لتعليم الأجيال الناشئة والشابة، وتقديم التراث الحضاري والممارسات الحديثة في صور وأشكال جديدة، قادرة على إحداث تفاعلات خارج أنماط الممارسات المعهودة، فهو فرصة لتقديم أنماط التراث الثقافي والثقافة الوطنية، مما يُسهم في الحفاظ على الهُوية الثقافية للمجتمع ويُعزِّز آفاق الانتماء، والمواطنة الفاعلة بين أفراد المجتمع، إضافة إلى دوره في تعزيز الوعي بهذه الهُوية ونشر المعارف المرتبطة بها.

إذ تقدِّم هذه المهرجانات شكلا من أشكال العلاقات القائمة على المشاركة المجتمعية، وتعزيز تبادل الموارد وفتح فرص الأعمال، إضافة إلى دورها في تقديم مجالات الإبداع والابتكار؛ حيث تنهض بأنماط الثقافة بشتى أنواعها خاصة على مستوى الفنون البصرية (الإنشاد، والغناء، والمسرح، وغيرها)، وإبراز العادات والتقاليد وأنماط التراث المتنوعة؛ حيث توفِّر تلك المهرجانات تجارب ابتكارية وإبداعية قائمة على الاستفادة من الثورة التقنية سواء على مستوى التسويق والترويج أو على مستوى الفعاليات والبرامج التي تقدمها، مما يفتح آفاقا جديدة للشباب للتفاعل والمشاركة والإفادة من التجارب المختلفة.

ولعل ما يقدمه مهرجان (ليالي مسقط 2024) خلال هذه الأيام منذ افتتاحه في الثالث والعشرين من ديسمبر الحالي، من أشكال التواصل والتفاعل المجتمعي، وما يعكسه من تأثيرات تنموية على الفرد والمجتمع، يأتي ضمن تلك العوائد الاجتماعية والاقتصادية والسياحية التي تظهر في توافد الزوار وتفاعلهم مع هذا الحدث الاجتماعي المهم؛ حيث يقدِّم حالة ثقافية مجتمعية ذات قيمة مضافة، تحفِّز منصاته على التواصل المجتمعي بين الأفراد، وتدعم القضايا المجتمعية والتوعية بأهمية التكافل وتحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية.

إن ليالي مسقط تكشف الدور الرائد للمهرجانات السياحية والثقافية من خلال ما يقدمه من فعاليات وبرامج من ناحية، واتساع الرقعة الجغرافية التي تتوزَّع فيها تلك الفعاليات؛ حيث يقدِّم المهرجان فعالياته في العديد من المواقع التي تخاطب شرائح مختلفة من المجتمع، سواء تلك التي تُقدم في الحدائق العامة والمتنزهات، أو في الجمعية العمانية للسيارات، أو في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، أو الشواطئ والأماكن المفتوحة، أو تلك التي تقدَّم في المراكز الثقافية والمجمعات وغيرها، الأمر الذي يُسهم في تسويق تلك الفعاليات ويعزِّز قدرتها على التفاعل مع زوارها.

بالإضافة إلى ذلك فإن المشاركات الخارجية التي تقدمها الفرق والمؤسسات من دول العالم، تقدِّم لوحات ثقافية ذات أبعاد حضارية، تُسهم في تعزيز التعارف بين الشعوب، وتبرز الدور الذي تقوم به الثقافة في التلاقح الحضاري، والتفاعل فيما بينها، مما يقدِّم أنماط التعايش الثقافي والتنويع والتبادل القائم على التفاهم والتسامح، والمشاركة الإيجابية؛ وهذا ما يراه الزائر واضحا من خلال فعاليات (القرية العالمية)، التي تستعرض التراث الثقافي للدول، المتمثِّل في العادات والتقاليد والفنون وغير ذلك، وما تقدمه الفرق المختلفة من مشاركات في كافة الفعاليات والمواقع.

إن مهرجان (ليالي مسقط 2024) يمثِّل بيئة استثمارية وسياحية مهمة، سواء أكانت ثقافية فنية، أو رياضية، أو تجارية أو غير ذلك، فهو رافد تنموي يعزِّز التنمية المجتمعية، ويدفع العوائد الاقتصادية من ناحية، ويُسهم في تطوير البنية التحتية الخاصة بمناطق إقامة فعالياته ومناشطه، وبالتالي فإنه فعل تنموي مستدام الأثر، يدعم توجهات المجتمع نحو التطوير والتنمية؛ فقد تم الإعلان عن مشاركة ما يزيد على (700) مؤسسة صغيرة ومتوسطة في تنفيذ تلك الفعاليات، الأمر الذي يكشف الحرص على التشارك المجتمعي الداعم لتلك المؤسسات.

فالمهرجان يقدِّم فرصا مختلفة للمشاركين من كافة الفئات لتحقيق دخل مباشر؛ إذ يحفِّز أصحاب الأعمال للاستثمار في مجالاته ومناشطه، ويدفعهم إلى تسويق خدماتهم خاصة في المجالات الثقافية والسياحية والاقتصادية، وتقديم منتجاتهم، مما يدعم فرص زيادة دخلهم وتطوير تلك الخدمات بما يتوافق مع متطلبات رواد المهرجان من ناحية، وأهدافه من ناحية أخرى، إضافة إلى ذلك فإن المهرجان يمثِّل منطقة جذب سياحي مهمة، الأمر الذي ينعكس على تمكين تلك المؤسسات من تسويق منتجاتها وخدماتها بما يعزِّز دورها المجتمعي، ويحفِّزها على التطوير، ويمكِّنها من الاستدامة.

كما أن المهرجان يمثِّل إضافة مهمة للباحثين عن عمل؛ إذ تم تعيين ما يزيد على (500) شخص -حسب الصحف المحلية-، وهي وإن كانت وظائف مؤقتة لكنها عتبة مهمة بالنسبة للأشخاص الذين ما زالوا ينتظرون الوظائف، وهي فرصة للخبرة والتدريب، والتعلُّم الذي قد ينتج الكثير من الأفكار الإبداعية التي تفتح أمامهم فرص ريادة الأعمال أو التعيين في المؤسسات المشاركة، الأمر الذي يمثِّل أهمية على المستوى الاجتماعي.

إن التنوُّع الثقافي والسياحي الذي يقدمه مهرجان (ليالي مسقط 2024)؛ يقدِّم تجارب جديدة من خلال مجموعة من المهرجانات التخصصية مثل (مهرجان الزهور)، الذي يحتفي بالزهور والنباتات وما يرتبط بها من جماليات الطبيعة من ناحية، وما يهدف إليه من توعية بيئية وتعليمية من ناحية أخرى، وما يفتحه من فرص للاستثمار في النباتات المزهرة من ناحية ثالثة؛ فتلك النباتات ليست جمالا وحسب بقدر ما هي إمكانات بيئية واستثمارية تشارك في عرضها مجموعة من المؤسسات المحلية والعالمية.

بالإضافة إلى (مهرجان الطعام)، الذي يمثِّل أحد أبرز مجالات الثقافة، التي تتصف بالتفرُّد والتميُّز بين دولة وأخرى؛ فلكل دولة طرائقها ونكهاتها في الإعداد، وعاداتها وتقاليدها في التقديم، ولهذا فإن المهرجان يستعرض ذلك كله في طابع تفاعلي ثقافي، وتعليمي جاذب، يجعل من الطعام تجربة فريدة لها أصالتها وقدرتها على تمثيل حضارتها وثقافتها المميَّزة، ويفتح فرصا استثمارية متعددة في مجالات الطعام والصناعات المرتبطة به.

فالمهرجان بما يعرضه من فعاليات وبرامج سواء على المستوى الثقافي أو الرياضي الذي يتفرَّد ويتوسَّع في نطاقات وأماكن عدة، أو التقني الذي يفتح مجالات متنوِّعة للوسائط الرقمية وتقنيات الواقع الافتراضي والمعزَّز، والألعاب الإلكترونية المتنوِّعة، وبما يستعرضه من برامج تفاعلية أو استعراضية، أو معارض تجارية أو غير ذلك، فإنه يجعل من تجاربه حالة استثنائية من الترفيه على المستوى العائلي و الفردي، إذ أنه لا يهدف من ذلك إلى الإمتاع وحسب، بل أيضا تحقيق أهداف ثقافية واجتماعية قائمة على التشارك والتفاعل والتعلُّم، وبالتالي فإنه ترفيه معزَّز بالتجربة.

إن إقامة المهرجانات لا يمثِّل أهمية على المستوى الثقافي والاقتصادي وحسب، بل هو بيئة لتعزيز الصحة النفسية لأفراد المجتمع؛ حيث يمثِّل متنفَّسا لتجديد الطاقات، وبناء علاقات إيجابية بين أفراد الأسرة، وبين أفراد المجتمع عامة. إنه بيئة جاذبة لتحقيق الإمتاع والتعلُّم في جو من التفاعل والتجربة والإفادة من التجارب المحلية والعالمية، فهو مهرجان ترفيهي على مستوى الإمتاع، وتعليمي سياحي على مستوى التجربة. لذا فإن مهرجان (ليالي مسقط 2024)، يقدِّم نفسه باعتباره تطوُّرا لتجارب المهرجانات في عُمان، من خلال تلك التوسعة المكانية والتنوُّع الذي يسعى إلى الوصول إلى المستفيدين، والإفادة من التطورات التقنية والرقمية، وإشراك المؤسسات المختلفة خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى المشاركات الدولية. إن ذلك كله يفتح مجالا واسعا ومتنوعا للزوَّار للمشاركة والإثراء.

إلاَّ أن المهرجان في سعيه للتطوير والانفتاح على عوالم جديدة أكثر إبداعا وابتكارا، عليه أن لا يغفل تحسين عمليات التقييم، التي يمكن أن تشكِّل أساسا للتطوير وتقديم ما هو أفضل في النسخ المقبلة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على المستوى الأمر الذی إضافة إلى على مستوى من ناحیة من خلال سهم فی

إقرأ أيضاً:

حصاد الهيئة العامة لقصور الثقافة في 2024

قدمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، أكثر من 90 ألف نشاط ثقافي وفني، استفاد منها قرابة 4 ملايين مواطن في مختلف أنحاء الجمهورية، وتنوعت الفعاليات بين مشروعات تطوير البنية التحتية الثقافية، أنشطة العدالة الثقافية، تعزيز القيم الإيجابية، تنمية الموهوبين والنابغين، وحماية التراث الثقافي.

جاء ذلك في إطار جهود الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت إشراف الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة، لتحقيق تنمية ثقافية مستدامة.

وشهد العام 2024 حراكًا ثقافيًا مثمرًا على كافة الأصعدة، حيث واصلت الهيئة تطوير ورفع كفاءة العديد من المواقع الثقافية في كافة محافظات الجمهورية، تم افتتاح 3 مواقع جديدة خلال العام، هي: مسرح فوزي فوزي الصيفي بأسوان، المسرح الصيفي بمدينة الطور في جنوب سيناء، وقصر الإبداع الفني بالحي السابع في مدينة 6 أكتوبر. وتستمر الهيئة في تطوير العديد من المواقع الأخرى لتوسيع نطاق الوصول للأنشطة الثقافية والفنية.

ونفذت الهيئة مجموعة من الفعاليات الموجهة لخدمة المناطق الأكثر احتياجًا، في إطار برنامج "العدالة الثقافية"، بهدف تعزيز الوصول للخدمات الثقافية في القرى والمناطق النائية. شملت الأنشطة تنفيذ 336 فعالية في إطار المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، استفاد منها 25 ألف مواطن، و352 فعالية ضمن مبادرة "أنت الحياة"، التي استهدفت 70 ألف مواطن في 17 محافظة.

كما نفذت الهيئة 5000 فعالية ضمن برنامج "الإسكان الآمن بديل العشوائيات" في 8 محافظات، و600 فعالية في برنامج "المسارح المتنقلة" في 5 محافظات.

واستمرارا  لجهود اكتشاف ورعاية الموهوبين، شهد برنامج "مصر جميلة" تنفيذ 69 ورشة في 11 محافظة، استفاد منها 7000 شخص. كما شارك 750 متسابقًا في مسابقة "مواهبنا مستقبلنا" في مجالات الأدب، الشعر، الفنون التشكيلية، المسرح، والموسيقى. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الهيئة أول تطبيق لكتب ومجلات الأطفال تحت اسم "توت"، إلى جانب مهرجان "مسرح الطفل" الأول.

وأولت الهيئة اهتمامًا خاصًا بذوي القدرات الخاصة، حيث نظمت 2000 فعالية لدعمهم، شملت تكريم المتفوقين، عروضا مسرحية وفنية، وتنظيم فعاليات بمناسبة اليوم العالمي لذوي الهمم. كما حققت فرق الهيئة نجاحات كبيرة في المهرجانات الدولية، مثل فوز فرقة "النور" في مهرجان "أولادنا" لفنون ذوي القدرات، وجائزة خاصة لفرقة الإسكندرية الاستعراضية.

وواصلت الهيئة تنظيم الفعاليات والمهرجانات الثقافية المتميزة على مدار العام، حيث قدمت 15 لقاء ضمن برنامج "عطر الأحباب" لإحياء ذكرى الأدباء والمثقفين، إضافة إلى تنفيذ 8 لقاءات ضمن برنامج "العودة إلى الجذور". كما نظمت الهيئة 10 مؤتمرات كبرى، بما في ذلك المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ36 تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عامًا من العبور".
وأعلنت الهيئة عن جائزة جديدة تحت عنوان "جائزة الثقافة الجماهيرية للآداب والفنون" التي شملت 4 جوائز في مجالي الأدب والفنون، قيمة كل جائزة 100 ألف جنيه. كما تم تنظيم العديد من المسابقات والمهرجانات، منها مهرجان مسرح الهواة في دورته الـ20، والمهرجان الختامي لنوادي المسرح في دورته 31.

وفي مجال النشر، أصدرت الهيئة 106 إصدارات متنوعة من السلاسل الثقافية والفكرية والدراسات النقدية، بالإضافة إلى 68 دورية ومجلة ثقافية. كما نظمت الهيئة 81 معرضًا للحرف التراثية والبيئية، وشاركت في مهرجانات دولية ومحلية، حيث حصلت فرقة "التنورة التراثية" على جائزة أفضل عرض فني في مهرجان "البحر الأبيض المتوسط" في قبرص.

مقالات مشابهة

  • شؤون البلاط السلطاني يُضفي إبداعات خاصة على "مهرجان الزهور"
  • "وارنر براذرز" و"ليالي مسقط"
  • شؤون البلاط السُّلطاني يُشارك في مهرجان مسقط للزهور
  • تعرف على أبرز الروبوتات التي تقوم بمهام البشر في 2024
  • حصاد الهيئة العامة لقصور الثقافة في 2024
  • الموت في طريقه إليك فلا تجتهد لتعرف من (ياتو ناحية)
  • أمير منطقة حائل يدشّن مهرجان حمضيات حائل 2024
  • تفاصيل الغارات التي استهدفت صنعاء قبل قليل.. خسائر وضحايا
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم