الترجمة ودورها في تصحيح المفاهيم وتوضيح السرديات الغربية المغلوطة
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
فـي ظل تفشّي مغالطات السردية الغربية وهيمنتها الموجهة على الإعلام المؤثر وعلى الثقافة الغربية فـي أغلبها، يُعَوَّل على المترجم العربي ليكون السلاح فـي مواجهة السردية الغربية المهيمنة على ذلك المشهد المزدوج بمعاييره، خاصة تلك التي تتعلق بقضايانا الإنسانية الكبرى، وتكتسب القضية الفلسطينية أهمية خاصة كنموذج واقعي لتشويه الحقائق وتزييف الوعي، حيث تتحول المصطلحات من أدوات محايدة لنقل المعنى إلى أسلحة فـي معركة الوعي والإدراك، فحين تصف وسائل الإعلام الغربية الإبادة الجماعية فـي غزة بأنها «عملية عسكرية»، وتصف المقاومة المشروعة بأنها «إرهاب»، يصبح دور المترجم أكثر حساسية وأهمية فـي كشف هذا التلاعب اللغوي وفضح آلياته، وتقف الترجمة على مفترق طرق تاريخي لتتحول من مجرد أداة لنقل النصوص إلى سلاح استراتيجي فـي معركة الوعي العالمي، نحو إعادة تشكيله وتصحيح مفاهيمه المغلوطة.
فـي هذا الاستطلاع الصحفـي، نطرح السؤال: كيف يمكن للترجمة أن تكون وسيلة فعالة لإعادة بناء هذه السرديات وتصحيح المفاهيم الخاطئة؟ وما الاستراتيجيات التي يجب أن يتبنّاها المترجمون لضمان نقل الحقائق بصدق ودقة؟ مستعرضين آراء عدد من المترجمين لتقديم رؤية تستكشف كيفـية توظيف الترجمة كأداة للمقاومة الثقافـية.
بداية يقول الكاتب والمترجم المصري الدكتور شكري مجاهد، أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن المتفرغ بجامعة عين شمس: كل فعل كتابة جزء من سردية، وعى كتابها إطارها الأيديولوجي أو غفلوا عنه. والترجمة فـي عالمنا العربي مثال واضح لهذا لأنها فـي العموم تنحو منحى فرديًّا وإن قام على نشرها دور نشر لها الصفة المؤسسية. فهي فردٌ اعتباري، بمعنى أنها تعبر عن توجه القائمين عليها سواء اتفق مع عموم التوجه المجتمعي (السياسي وغيره) أم لم يتفق، وفئة المترجمين الأولى أناس اطلعوا على فكر وثقافة مغايرة لِما نشأوا عليها ورأوا أنه لازم لإحداث تغيير ظنوه ضروريًّا لمجتمعاتهم. أو هم أصحاب حرفة استعملتهم دُور ترى ضرورة نقل هذه الأفكار بغية الإثراء أو الإحلال. وإنما ما يضاف إلى النص وقبله وطريقة صياغة النص لتعبر عن موقف المترجم أو الناشر فـيما ينقل، كما أن استطلاع تاريخ الترجمة الحديثة من أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين تشير إلى أن من قاموا على ترجمة ما عُدَّ أمهات كتب الفكر والأدب الغربيين كانوا من دعاته أي من ناشري سرديته، وإن أعلن بعضهم تحفظًا وأمسك آخرون. من هنا تكون تراث ترجمة عربي يدخل فـي إطار الدعوة إلى السردية الغربية بتحفظ أو من غيره.
ويضيف الدكتور شكري مجاهد: تبدأ من الزعم بأن أصول الثقافة والحضارة الغربية أصول أوروبية -يونانية رومانية- وأنها ترعرعت فـي حضن المسيحية، ثم بلغت رشدها بفصل المسيحية أو الكنيسة أو الدين عن ممارسات العلم والسياسة (وربما العلوم الإنسانية) ومن ثم اتباع النهج العلماني. هذا فـيما يخص سمات السردية الذاتية، أما ما يخص الجزء المتعلق بالآخر فـي هذه السردية، فهو فـي ذاته سردية لا تقل تعقيدًا إن لم تزد... وتبدأ سردية الآخر بوصف حاله الراهن، والمقصود بالآخر هنا العربي الإسلامي، ووصفه بالتخلف حضاريًّا وثقافـيًّا وتتبع وجوده فـي الماضي. وصورته هذه بأغلب جوانبها فـي ذلك الماضي لا تختلف كثيرًا عن صورته فـي الحاضر، فهو متخلف ومصدر خطر. أي أن الرؤية الغربية للآخر فـي سرديته رؤية معطلة لعمل التاريخ، أي أنها تخرج الآخر من التاريخ. ثم تنتقل السردية الغربية إلى استرجاع التاريخ العربي والإسلامي وهنا أهم مواضع تأثير صياغة السردية التي ستنتقل إلى العالم العربي بالترجمة، من حيث صياغة الأحداث وتفسيرها ومنهج النظر فـيها والمصطلحات المستخدمة والمأخوذة من مباحث شتى لوصف الثقافة العربية سواء صلحت هذه المصطلحات للوصف أم لم تصلح.
وفـي سياق عملية الترجمة يقول المترجم الدكتور شكري مجاهد: يأتي مفهوم الأمانة فـي سياق عملية الترجمة ليُسبب أكبر حالات التدليس والتحريف التاريخي فـي السردية الغربية. فالمترجم هنا بين رجلين، صاحب أيديولوجية -أي معتنق الرؤية الغربية وسرديتها- وصاحب حرفة لا يهمه إلا النقل «الأمين» الذي يتوارى بعده. وكلاهما يُحمّل ما يترجم عناصر السردية الغربية بلا نظر نقدي، فتتحول الترجمات إلى أحصنة طروادية تحمل إلى الثقافة العربية عناصر هدمها من خلال خلق الثنائية الخلافـية التي لم تزل الثقافة العربية تعانيها، ثنائية الحديث والقديم. وينصرف الحديث إلى الغربي والقديم إلى العربي وإن كان الحديث يعود إلى اليونان والقديم لا يتجاوز القرن السابع عشر. وهذه مفارقة تاريخية، حيث يعامل أرسطو معاملة المحدثين ويعامل الشوكاني مثلًا معاملة الأقدمين. وينطوي هذا على فهم مغلوط لحركة التاريخ وطبيعة التطور الثقافـي.. فأحلك لحظات المواجهة أو العداء تتجلى فـي كتب تُرجمت ومقدمات كُتبت وحواشٍ سُطرت للدعوة إلى السردية الغربية بغير وعي أحيانًا وبوعي فـي أغلب الأحيان. ثم تأتي الردود عليها تأليفًا أو نقدًا للترجمات من حيث العوار فـي صياغة متن الترجمة أو إضافة الحواشي المضللة، ثم تبيان مواضع التحيز أو التدليس المقصود.
ويضيف «مجاهد» فـي الطور الحالي من تطور حركة الترجمة الذي نحن فـي عقده الثاني أو الثالث وجدت السردية الغربية من يعيد النظر فـيها بعد اكتشاف عدد ليس بقليل من المثقفـين العرب أن الأكاديميات الغربية ليست مستقلة ولا نزيهة كما يشاع أو يشيع المستغربون اختيارًا أو جهلًا. كما اكتشف ذلك مثلهم من الأكاديميين الغربيين من منظور المراجعة الحقيقية الذين أعادوا النظر فـي جانبي السردية الغربية بأدوات جديدة وافتراضات جديدة أو نموذج معرفـي جديد. فطرحوا السردية الغربية الذاتية التي تبدأ من اليونان وتنتهي بهيمنة أوروبا الغربية وامتدادها فـي العالم الجديد على المشهد الحضاري والثقافـي العالمي واعتبار ما قدمته كل ثقافات العالم وحضاراته مجرد درجات سلم تقود إلى صعود الغرب واعتبار ما قدمت مجرد إرهاصات بالحضارة الغربية العظيمة. وهذا هو مدخل الجانب الآخر من السردية، سردية الآخر غير الغربي، وهو العربي فـي حديثنا هذا.
ويختتم الكاتب والمترجم المصري الدكتور شكري مجاهد، أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن المتفرغ بجامعة عين شمس حديثه بالقول إن مراجعة عناصر سردية العربي المتخلف المتعصب العدو الخطير بدأت بمؤلفات قد تصنف فـي فئة الاستشراق الجديد أو تحت مظلة تاريخ الفكر العام، وهنا تأتي الترجمة مرة أخرى لتنقل هذه الكتب التصويبية التصحيحية التنقيحية بغرض إعادة النظر فـي عناصر السردية وبنيتها وأغراضها. غير أن الكتب الداعية للسردية الغربية بحذافـيرها لم تتوقف ولم يتوقف نوعا الترجمة المشار إليهما فـي أول المقال، أي المتحيزة للنسق الغربي والمراجعة المفندة له. وقد ظهر نوع آخر من الترجمة فـي هذا الطور يتوسل بعناصر مهمة من أبرزها التدقيق فـي صحة مصادر كل ما يرد فـي الكتب الآتية من الأكاديميات الغربية ومراجعة افتراضاتها ومسلماتها وإطارها الأيديولوجي، كما تتبع النقول الواردة فـيها والتأكد من دقة فهمها من جانب المؤلف وما طرأ على ترجمتها من تصرف، سواء كانت من العربية أو من لغات أخرى غير التي يجري ترجمة نصها، إضافة إلى تحرير المسائل والقضايا المثارة ووزن طرق التقرير والترجيح، كما أن التحشية الشارحة والموضحة وربما المفندة وراسمة السياقات لما يرد من معلومات، وكل هذه العناصر السابقة هي بعض من كل، غرضها استرداد عناصر السردية العربية من داخل الإطار المفروض عليها فـي الكتابات الغربية وكذلك بناء سردية عربية لتتطور الحضارة الغربية تلتزم الحقائق أو الأدلة الموضوعية ولا تخدم المشروع الاستعماري الغربي، كما تفعل السردية الشائعة.
مسؤولية المترجمين العرب
من جانبه أوضح الكاتب والمترجم المغربي الدكتور الحسن بنو هاشم أن الترجمة تُعَد أداةً حيويةً لنقل السردية الحقيقية للعالم، خاصة فـي قضايا مثل فلسطين والإسلام التي تواجه تشويهًا أو تحيزًا فـي السرديات الغربية المهيمنة، وأن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية تمثل جسرًا لنقل الصوت العربي وتقديم رؤيته بشكل مباشر إلى العالم.
وأشار إلى أنه، كشخص يعمل فـي الترجمة من الفرنسية إلى العربية، يلاحظ الأهمية الحاسمة التي تؤديها الترجمة فـي تقريب الثقافات وإعادة صياغة السرديات، وأضاف قائلا: ما أحوجنا إلى مترجمين ينقلون السردية العربية إلى العالم بلغاتهم. الترجمة هي الوسيط الأساسي لنقل قضايا الإنسانية والإسلام والهوية العربية، ولا يمكن إيصال صوتنا الحقيقي إلا من خلالها، وهذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المترجمين الذين يشتغلون من العربية إلى اللغات الأجنبية، داعيًا إلى بذل جهود مضاعفة فـي هذا المجال.
تصحيح المفاهيم
وفـي سياق الحديث عن أهمية الترجمة فـي تعزيز الفهم الصحيح للإسلام ونقل الصورة الحقيقية عنه إلى العالم، شدد المترجم التتارستاني راميل أنس على أن الترجمة تعَد أداة أساسية لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروجها بعض السرديات الإعلامية والثقافـية العالمية، حيث إن الترجمة الجيدة، التي تعتمد على الدقة والاحترافـية، ليست مجرد عملية لغوية حرفـية، بل هي عملية ذات أبعاد ثقافـية ومعرفـية تتطلب إدراكًا عميقًا للمعنى والسياق.
وأضاف راميل أنس قائلا: نحن بحاجة ملحة إلى الترجمة فـي هذه المرحلة التاريخية التي يشهد فـيها العالم تحديات فكرية وثقافـية كبيرة. الترجمة الصحيحة ليست مجرد نقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل هي وسيلة لإيصال المعاني الدقيقة والمفاهيم الحقيقية للإسلام بطريقة يفهمها الآخرون ويتفاعلون معها. أحيانًا يكون من الضروري الابتعاد عن الترجمة الحرفـية لصالح الترجمة المعنوية التي تركز على إيصال الرسالة بوضوح وعمق.
وأشار إلى أن الجامعة الإسلامية بقازان، حيث يعمل، تولي اهتمامًا خاصًّا بدور الترجمة فـي بناء جسور التواصل الثقافـي والمعرفـي. وقال: «فـي الجامعة الإسلامية، نعمل على ترجمة المؤلفات الأساسية من اللغة العربية إلى اللغتين التترية والروسية، وهما اللغتان الرسميتان فـي تتارستان، وهذا العمل يُعَد خطوة استراتيجية لنقل العلوم والمعرفة الإسلامية إلى طلبتنا، حيث نبدأ بترجمة ما هو أكثر إلحاحًا وضرورة، مثل كتب التراث الإسلامي، والمؤلفات المعاصرة فـي الدراسات الإسلامية، والثقافة العربية، وتاريخ الإسلام».
وأوضح «أنس» أن هذه الجهود تهدف إلى تمكين الطلبة والمجتمع من الوصول إلى المعرفة الإسلامية بطريقة تتناسب مع لغتهم وثقافتهم، ما يعزز الفهم العميق للهوية الإسلامية ويساعد على ترسيخ القيم الإسلامية بشكل صحيح. وأردف قائلا: ما نقوم به ليس مجرد عمل أكاديمي، بل هو جزء من مسؤوليتنا تجاه الأمة الإسلامية، حيث نسعى من خلال هذه الترجمات إلى مواجهة التحديات الفكرية والثقافـية التي يفرضها العصر.
وختم المترجم التتارستاني راميل أنس حديثه بالتأكيد على أن الترجمة ليست فقط وسيلة لنقل النصوص، بل هي جسر للتواصل الحضاري، ودعا إلى دعم المترجمين وتشجيع المبادرات التي تهدف إلى نشر المعرفة الإسلامية والثقافة العربية فـي العالم، مشددًا على أن هذا العمل يمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الفهم المتبادل وبناء عالم أكثر تعاونًا وفهمًا.
الترجمة كأداة
يقول الدكتور زياد السيد محمد فروح، أستاذ الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية شعبة اللغة الفرنسية بكلية اللغات والترجمة بالقاهرة (الفائز بالمركز الثالث فـي جائزة حمد للترجمة عن ترجمته من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية كتاب «فـي نظم القرآن، قراءة فـي نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن فـي ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس): فـي ظل هيمنة السردية الغربية على الإعلام والثقافة، يمكن للترجمة أن تؤدي دورًا حيويًّا فـي إعادة بناء السرديات الحقيقية للقضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية الأخرى حيث تعَد الترجمة جسرًا حيويًّا بين الثقافات، وهي تؤدي دورًا حاسمًا فـي تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاش حول القضايا العالمية. فـي سياق الهيمنة الإعلامية الغربية، تتحول الترجمة إلى أداة قوية لإعادة بناء السرديات المضادة، وتقديم سرديات أكثر دقة وشمولية للقضايا الإنسانية، مثل القضية الفلسطينية. حيث نجد على سبيل المثال استخدام وسائل الإعلام الغربية لمصطلحات مثل الحرب الإسرائيلية على الإرهاب بدلا من الحديث عن الإبادة الجماعية التي تشنها قوات المحتل الصهيوني على غزة، حيث تؤدي الترجمة دورًا مهمًّا فـي إعادة بناء السرديات، لا سيما فـيما يتعلق ببعض القضايا الإنسانية. وتعَد القضية الفلسطينية من أبرز تلك الأمثلة.
وحول دور الترجمة فـي إعادة بناء السرديات يقول «فروح»: تساهم الترجمة فـي تصحيح الرواية السائدة التي غالبًا ما تكون متحيزة أو مشوهة، وذلك من خلال تقديم سرديات بديلة تعكس الواقع بشكل أكثر دقة، وذلك باستخدام الألفاظ المعبرة بدقة عن الأحداث الواقعة، كما تتيح الترجمة للأصوات المهمشة والمستضعفة، مثل الفلسطينيين، فرصة للتعبير عن أنفسهم بلغتهم الخاصة، وبالتالي كسر احتكار السردية الغربية، إضافة إلى بناء جسور التواصل بين الثقافات والشعوب، ما يسهم فـي تعزيز التضامن الدولي مع القضايا الإنسانية، كما تمثل الترجمة تحديًا للهيمنة الثقافـية، وذلك من خلال تقديم وجهات نظر متعددة وتشجيع الحوار النقدي.
ومن أهم الاستراتيجيات التي يمكن للمترجمين تبنّيها يقول السيد محمد فروح: يجب على المترجمين الالتزام بأعلى معايير الدقة والأمانة فـي ترجمة النصوص، وذلك للحفاظ على المعنى الأصلي للنص وعدم تحريفه، إضافة إلى أنه يجب على المترجم أن يكون لديه فهم عميق للسياق الثقافـي والسياسي الذي ينتمي إليه النص الأصلي، وذلك لتقديم ترجمة دقيقة تعكس هذا السياق، كما يجب أن تكون الترجمة واضحة ومباشرة، وتجنب استخدام المصطلحات المعقدة أو الغامضة التي قد تعيق فهم القارئ، وعلى المترجم أن يقدم السياق الثقافـي اللازم لفهم النص، وذلك لمساعدة القارئ على فهم المعاني الدقيقة للنص، كما يجب على المترجمين التعاون مع الناشطين والباحثين فـي مجال القضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية الأخرى، وذلك للاستفادة من خبراتهم ومعرفتهم، إضافة إلى بناء شبكات من المترجمين المتخصصين فـي ترجمة النصوص المتعلقة بالقضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية، وذلك لتبادل الخبرات والمعرفة.
وضرب «محمد فروح» أمثلة على بعض الممارسات الناجحة ومنها ترجمة شهادات شهود العيان وضحايا الانتهاكات، ما يمنح صوتًا حقيقيًّا لمن عانوا، وترجمة التقارير التي تصدرها المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، ما يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، وترجمة الأعمال الأدبية والفنية التي تعبر عن تجربة الشعب الفلسطيني، ما يسهم فـي نشر الثقافة الفلسطينية، وترجمة الأخبار والتقارير التي تنشرها وسائل الإعلام البديلة الفلسطينية، ما يوفر مصدرًا بديلًا للأخبار.
وفـي الختام أكد الدكتور زياد السيد محمد فروح، أستاذ الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية شعبة اللغة الفرنسية بكلية اللغات والترجمة بالقاهرة على ضرورة إلقاء الضوء على الدور الذي يؤديه الأزهر الشريف فـي بناء جسور التواصل بين مختلف الثقافات، وعمله الدؤوب فـي تعزيز السلام العالمي، وفـي الوقت نفسه اهتمامه بالقضية الفلسطينية التي تعَد الشغل الشاغل للأزهر الشريف، فنجد بعض الوثائق أصدرها الأزهر الشريف بخصوص القضية الفلسطينية بالإضافة إلى البيانات التي تصدر دائمًا عن الوضع المأساوي فـي غزة، ولا يكتفـي الأزهر الشريف بإصدار هذه الوثائق والبيانات باللغة العربية لكنه يقوم بترجمتها من قبل متخصصين فـي الترجمة إلى لغات عدة وتنشر على مختلف صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به كما تنشر على بوابة الأزهر الشريف، وتعَد ترجمة هذه المخرجات من الأدوار المهمة التي يؤديها الأزهر الشريف فـي إيصال حقيقة القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الإنسانية الأخرى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضایا الإنسانیة القضیة الفلسطینیة اللغات الأجنبیة الثقافة العربیة اللغة العربیة الأزهر الشریف الترجمة فـی العربیة إلى على المترجم إلى العالم أن الترجمة النظر فـی إضافة إلى فـی سیاق من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
مفاهيم الإصلاح والتغيير في الرؤية الإسلامية.. مشاتل التغيير (13)
تحيط بفكرة الإصلاح الإسلامي غيوم كثيرة أحدها تتعلق بالطروحات الإسلامية في هذا المقام، وأغلبها نشأت من التوجه العلماني في العالم العربي والذي خاض حربا ضروسا مع التوجهات الإسلامية؛ وبعضهم انتقل من المتدينين الى الدين ذاته، وبدا لهؤلاء أن يهيلوا التراب على كل ما هو إسلامي فيهجمون على الأصول كما يهجمون على التراث. من دون هوادة بدا لهؤلاء الذين يعتنقون العلمانية الفجة أن كل ما هو ديني وجب علينا لو أردنا تقدما وحداثة وتحديثا أن نعلن في بيان عام للأمة قطيعة واضحة شاملة فاصلة مع الدين وحتى مظاهر التدين العام؛ وقالها البعض أن الدين سبب تخلفكم؛ فاطرحوه أرضا يخلو إليكم طريق نهضتكم وتقدمكم.
يقول الدكتور عبد الوهاب الطريري: "تبقى عبارة الإصلاح الديني حمالة وجوه، ولفظة مجملة يمكن تفسيرها بأكثر من معنى بحسب من يستخدمها، فإذا أردنا الإصلاح الديني بمعناه العام وهو "إعادة الناس إلى الدين الصحيح منـزها عما لحقه من انحراف في الفهم، وما تراكم من أخطاء في حياة المسلمين خلال عصور الركود والانحطاط"، فسنجد مجالات الإصلاح الديني في الإصلاح العقدي لتطهر العقائد من المظاهر الوثنية والعبادات من غنوصية الغلو الصوفي، وإصلاح علمي يبث الحياة في فقه الأمة وفكرها بحيث يستوعب التلاحق السريع لإيقاع الحياة المعاصرة، وإصلاح الوعي والفكر بحيث نفتح الآفاق للتألق والإبداع.
والإصلاح بهذا المعنى عملية واسعة ضخمة، ومنجز كبير وهدفه أكبر من العبور إلى الحضارة بل استصلاح عام لواقع المسلمين، وهذا معنى تجديد الدين وحقيقة عمل المجددين في تاريخ الأمة، وسيكون المنجز الحضاري إحدى نتائجه، فإن الإسلام دين حضارة وبالتالي لم ولن يقع في صدام مع الحضارات، وهو بالنسبة لحضارة الغير مهذبٌ أخلاقي. وهذا السر في أن المسلمين في فجر إسلامهم استوعبوا أعظم حضارتين في وقتهم بصورة مذهلة، وكانت بوابة الإسلام أوسع بكثير من الحضارات التي مرت عبرها، ولم يكن بين الإسلام والحضارة جدلية ممانعة، بل علاقة صحيحة ممكنة لصناعة الإسلام داخل الحضارة أو صناعة الحضارة داخل الإسلام".
ويواصل حجته في فهم الإصلاح: "لو أن قُطرا إسلاميا ممثلا في قيادته الفكرية والسياسية أراد العبور إلى طريق الحضارة، فهل سيجد في فهمه لدينه ما يمنعه من إصلاح سياسي يعطي الناس حرية التعبير والمشاركة في الحكم والالتزام بحكم القانون، ومن الأخذ بما هو لازم للدولة الحديثة من مؤسسات اقتصادية وإعلامية وتربوية وإدارية، وهل سيجد ما يمنعه من إقامة علاقات مع دول إسلامية وغير إسلامية يرى من مصلحته إقامة العلاقة معها، ومن الإفادة من كل أنواع العلوم التقنية وتوطينها في قطرهم، هل سيجد ما يمنعه من الاجتهاد لإيجاد حلول لمشكلات عصره لا تتنافى مع الكتاب والسنة بحسب الفهم المُجمع عليه (أما ما لا إجماع عليه فلا إلزام فيه). إن الإجابة عن ذلك ستكون بالنفي، وستكتشف أن الصدام لن يقع في منجز الحضارة العلمي ولا التقني ونحوه، ولكن سيقع الصدام بين الدين وما هو من أهواء الحضارة الغريبة التي صاحبت نهضة الغرب مجرد مصاحبة ولم تكن من أسبابها ولا شرطا لنهضتها، ولا هي مما يُلزم البشرية به عقل ولا خلق وإن رآها البعض من شروط التقدم والمعاصرة".
ومن هنا، وجب علينا أن نتحرك صوب مفهومين يرتبطان لزوما ألا وهما مفهوما "المعاصرة" ومفهوم "التنوير الإسلامي"؛ ضمن رؤية تأسيسية تستند إلى المعايير الكلية في هذين المضمارين وغيرهما. إن الأخذ بكل أسباب الحضارة ممكن إسلاميا، وذلك أن العقل جزء لا يتجزأ من الدين، وأن هذا الدين بهدفه الأسمى يحقق "تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"، وهو دين لا يُلزم الناس إلا بما هم قادرون عليه في ظروفهم الزمانية والمكانية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286)، ولأنه دين إنساني لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو متعلق بالإنسان بما هو إنسان لا بكونه ابن هذا الزمان أو ذاك المكان أو تلك الثقافة. بل إن هذه المفاهيم العمرانية المتعلقة بالبناء الحضاري هي من صميم الرؤية الإسلامية بناء ومعيارا، وهي في كل الحضارات لا تقتصر على حضارة بعينها؛ أرادت أن تفرض مركزيتها وهيمنتها وشروط أن تكون وتستمر غالبة مهيمنة، ومن تلك المفاهيم الحضارة، والثقافة والمدنية المجتمعية والعمرانية.
في يوم ما التقيت أحد هؤلاء من العلمانيين الأخف درجة في مستويات العلمانية والعلمنة؛ وكان يعرف توجهي وأنني حتى أكاديميا أعتبر نفسي جزءا من المشروع الإسلامي ومهتما بدراساته ومستقبله؛ وطفق يملي علي محاضرة حول عورات الخطاب الإسلامي ومطالبا في النهاية بتجديده. ورغم أنني كنت مقتنعا بضرورة تجديد الخطاب الإسلامي والديني وملحقاته لدواع تختلف عن تلك الدواعي التي ألقاها ضمن حواري معه؛ ولكن ألقيت عليه سؤالا يبدو أنه لم يتوقعه؛ مفاده أنكم ألقيتكم علينا بعضا من ضرورات تجديد الخطاب الإسلامي؛ فهل من الممكن أن تعطيني في حديثكم طرفا من ضرورات تجديد الخطاب العلماني الذي يبدو مقلدا لإرث استشراقي أو يجتر دولة بين العلمانيين نفس الحجج وذات الأساليب، بل محاكاة وبحرفية الأسئلة بنصها وفصها.
إن نقد المفاهيم الشائعة بما يسوغ عملية التغيير، يمكن إجمال هذا الموقف في التحفظ على مفاهيم مثل: اليقظة والصحوة والنهضة والبعث، وهي وإن اقترنت في الغالب بوصف "الإسلامية"، فإنه من الأصلح اعتبارها تمثيلا لمرحلة تاريخية لا مستغرقة لمفهوم التغيير بكافة امتداداته وشموله كما ورد شرعا، كما أنها لا تعطي نفس الدلالات المهمة لمفاهيم شرعية مثل: التغيير، التجديد، الإحياء، الإصلاح؛ وجب التوقف عليها وعندها، صحيح أن هذه المفاهيم الشرعية قد تجد لها منافسا من خلال البدائل المطروحة في كتابات علم السياسة المعاصرة مثل: التحديث (الخطأ لغويا والصحيح الإحداث أو الحداثة)، والتنمية، والتقدم، والتطور، والتصنيع والتقنية، وبناء الأمة والمعاصرة والعصرية، إلا أن النظر العميق والبصير وعيا وسعيا لتلك البدائل يستبطن بل ويستظهر مفهوم العلمانية كإطار فكري لفهمها مما يجعلها غير صالحة، كما أنها تستند إلى مقاييس غربية مما يجعل التقليد لها بلا بينة يقع في إطار حركة التغريب، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في استخدامها جميعا.
وخلاصة القول، إن المفاهيم الشرعية مثل: التجديد والتغيير والإصلاح والإحياء؛ هي الأولى بالاستخدام، بل يحق لها أن تنفرد بذلك عما عداها من مفاهيم أخرى؛ حيث تكفّل الكتاب بحفظها محددا إياها في مجمل نصوصه وآياته، ومن ثم يمكن ضبط الانحراف عنها فكرا وحركة أو تلبيسا وتشويها، ذلك أن تلك المفاهيم كلمات الله، "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنعام: 115)، كما أن تبني هذه المفاهيم الغربية دون مراجعتها يفرض اتخاذ مواقف سلبية من الدين والتراث والسلف.. إلخ، هذا من جانب، ومن جانب آخر يؤدي إلى عدم وضوح أساسي للسعي وللحركة ومقاصدها؛ وبناء مشروع حضاري للمستقبل يتخذ من الغرب القدوة والبوصلة في كل ذلك.
كما أن تبني تلك المفاهيم؛ كالتغيير: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11)؛ والنهوض: "كفعل يشكل منظومة الارتقاء والرقي وينتقد مفهوم النهضة المحمل بحمولات الغرب وتاريخه"، والإصلاح: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ" (هود: 88) كمفاهيم مظلة، والتجديد: "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، والإحياء: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)، والانبعاث: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ" "التوبة: 46"؛ كمفاهيم داعمة ضمن منظومات التغيير والإصلاح والنهوض؛ يؤكد على الأبعاد المنظومية التي تدعو تلك المفاهيم بعضها بعضا؛ فهي كالجسد الواحد أو البنيان يشُد بعضه بعضا.
ومن هنا يبدو لنا أن الوعي بالإصلاح الإسلامي ومنظوماته والسعي الحركي بمقتضاهما؛ إنما يعبر عن إمكانات الوعي والسعي في مسار مشاتل التغيير من وجل أو خوف ومن دون خلل في الرؤية أو وهن، فمشاتل التغيير كما يعلمنا مفهوم الإصلاح الإسلامي إنما تعبر عن أشواق الأمة في التغيير وتحرك الطاقات صوب مشروع إصلاحي مكين ورصين واعٍ وبصير.
x.com/Saif_abdelfatah