«ربما تتفاجؤون لو أقول إنه لم يكن هناك نظام بأي مرحلة، لو كان هناك نظام لدافع عن نفسه، بل كان هناك منظومة فساد مافيوية رهنت مصالح البلاد لخدمة مآربها الشخصية، ولذلك سقطت بهذه السرعة». هكذا رَطَنَ بشار الجعفري سفير سوريا في موسكو في احتفالية السفارة بسقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، بعد ساعات فقط من سقوط الرئيس ولجوئه إلى روسيا! ولقد تفاجأنا بالفعل كما توقع الجعفري، ليس فقط لأنه كان جزءًا من هذا النظام الذي ينعته بالفساد، ولكن أيضًا لهذه السرعة القياسية التي غيّر فيها موقفه مائة وثمانين درجة.
عندما كان بشّار الجعفري مندوبَ سوريا الدائم في الأمم المتحدة عُرِفَ بدفاعه الشرس عن النظام السوري، وهجومه اللاذع على كل من ينتقد حكومة بلاده؛ فالمعارضة السورية ليست سوى «جماعات إرهابية»، والدول التي تطالب بشار الأسد بحماية شعبه هي دول متآمرة وراعية للإرهاب، والأمانة العامة للأمم المتحدة «منحازة للجماعات المسلحة» ضد حكومة بلاده، إلى آخر التُهم التي كان يطلقها في خطاباته النارية، وكانت هذه الخطابات تلقى ترحيبًا كبيرًا ليس فقط من نظام بلاده، بل من كثير من المثقفين العرب المؤيدين لما كان يسمى «محور الممانعة»، والمؤمنين بأن نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد هو «آخر حائط صدّ» في وجه الصهيونية العالمية. ولأنه أثبتَ إخلاصًا وولاء منقطعَيْ النظير للنظام السوري فقد اختاره هذا النظام ممثلًا له ليكون «كبير المفاوضين» باسمه للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف 2 مطلع عام 2014، وفي جولات التفاوض اللاحقة به في عامَيْ 2015 و2016. باختصار كان بشار الجعفري المتحدث الرسمي باسم النظام السوري، وجزءًا لا يتجزأ من منظومة الفساد التي يتحدث عنها، ولا أدري كيف سوّلتْ له أفكاره أن ذاكرة الشعب السوري ضعيفة إلى هذه الدرجة.
قد يجد البعض العذر للجعفري بالقول إنه في حال سقوط الأنظمة الاستبدادية، غالبًا ما يسارع الموالون السابقون إلى القفز من السفينة الغارقة والتنصل من مواقفهم لتجنب المحاسبة القانونية أو الشعبية، أو لضمان سلامتهم الشخصية وسلامة عائلاتهم، أو الرغبة في أن يكون لهم دور في القيادة الجديدة للبلد. وهذا كله صحيح، لو أن الجعفري اكتفى بالاعتذار للشعب السوري، دون أن يدعي بطولة زائفة، فقد قال في الكلمة نفسها في سفارة سوريا في موسكو: «في الأمم المتحدة كنتُ ابتدعتُ كلمة بلادي ووطني ولم أكن أذكر النظام أو رأسه، لأن بلادنا هي التي تجمعنا، وكان يُوجَّه لي اللوم «من النظام المخلوع» على ذلك»!
قبل سقوط نظام البعث في سوريا بأكثر من عشرين عامًا سقط نظام البعث في العراق عام 2003، وأستدعيه الآن لأن الشيء بالشيء يُذكَر. فقد كان وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الناطقَ الرسمي باسم العراق خلال الحرب، ورغم انتشار أصوات إطلاق النار كان يدعي أن القوات الأمريكية محتَجَزة خارج بغداد من قبل القوات العراقية، وأن الجنود الأمريكيين كانوا يقتلون أنفسهم بالمئات، إلى آخر الأكاذيب التي انتشرت آنئذ، ثم صارت بعد ذلك مجال تندّر في العالم العربي. وحين سقط الرئيس صدام حسين، كان بإمكان الصحاف أن يركب الموجة ويدعي أنه كان مرغمًا على اقتراف تلك الأكاذيب، ويرمي الأمر على رئيسه، لكنه لم يفعل. وهكذا فعل طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي، الذي كان يُعرف في الغرب بالوجه الدبلوماسي لصدام حسين، ففي شهادته التي أدلى بها في محاكمة الرئيس العراقي رفض عزيز إدانته، بل كان يدافع عنه باستماتة، وهو ما تسبب له أن يقضي ما تبقى من عمره في السجن.
خلاصة القول إن بشار الجعفري الذي أرخ لسياسة بلاده في عدد من الكتب، لم يتعلم على ما يبدو درس التاريخ، وهو أن الشعوب، وإن أبدت تسامحًا مؤقتًا، لا تنسى بسهولة من أسهموا في معاناتها أو كانوا أدوات طيّعة في أيدي الأنظمة القمعية، وأن ما يميز المواقف هو الصدق والاعتراف بالمسؤولية، لا اختلاق البطولات الزائفة أو التنصل من المواقف السياسية المشينة، أو القفز من السفينة الغارقة في اللحظة الأخيرة.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
معدات وكوادر.. مطار البحرين يحدث نظام إدارة موارد العمليات
أعلنت شركة خدمات مطار البحرين (باس)، الشركة الرائدة في خدمات المناولة الأرضية، عن ترقية نُظم إدارة العمليات الأرضية بمطار البحرين الدولي من خلال تطبيق نظام إدارة الموارد المتطور RMS من شركة سيتا. يهدف النظام الجديد إلى تحسين توزيع القوى العاملة، واستخدام المعدات بشكل أفضل، وتقديم رؤية فورية للعمليات، مما يعزز كفاءة العمل وتجربة المسافرين.
يوفر نظام RMS الجديد تقنيات متقدمة تساعد فرق العمليات في المطار على إدارة الموارد بشكل دقيق وسريع، مما يضمن مرونة أكبر في التعامل مع احتياجات التشغيل اليومية من قبل شركات الطيران. كما يقلل من فترات التوقف عن العمل ويزيد من كفاءة الخدمات، خاصة في أوقات الذروة.
وأوضحت هناء عبدالواحد، الرئيس التنفيذي للثروة البشرية في باس "نحن ملتزمون بتقديم تجربة سفر مريحة وسلسة للمسافرين، ويعد هذا النظام خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. من خلال هذه التقنية، نستطيع إدارة مواردنا بكفاءة أكبر، مما ينعكس إيجابًا على جودة الخدمة المقدمة لشركات الطيران وللمسافرين."يساعد النظام أيضًا في متابعة استخدام المعدات الأرضية بشكل فعال، مما يطيل عمر المعدات ويقلل من تكاليف الصيانة والطاقة. كما يسمح بجدولة مرنة للموظفين، بما يضمن مرونة مثالية في أوقات الذروة وفترات الركود.
وفي تعليق من السيد سليم بوري، رئيس سيتا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: "مع ازدهار حركة السفر في المنطقة، واستعداد البحرين لاستقبال المزيد من السياح، صار من الضروري تزويد خدمات مطار البحرين بأحدث التقنيات لدعم العمليات التشغيلية بسلاسة. ويساهم نظام سيتا لإدارة الموارد في تعزيز مستوى خدمات مطار البحرين وتعزيز تجربة المسافرين، مع الحرص على تحسين استخدام الموارد، وتقليل التكاليف التشغيلية. ونؤكد على التزام خدمات مطار البحرين بدفع خدماتها إلى الأمام، في تجاوز أعلى المعايير العالمية للمطارات، والاستمرار في تحسين جودة الخدمات.