د. إبراهيم بن سالم السيابي

غيَّب الموت إحدى أمهات الزمن الجميل بعدما خسرت معركتها الأخيرة في هذه الدنيا، بعد رحلة أثمرت تأسيس بيت وأسرة وأبناء يُكملون رسالتها في هذه الحياة، هي امرأة كانت تنتمي لهذا هذا الجيل من الأمهات الذي لا يعوض، أُمَّهات يُمثلن رمزًا للطيبة ودفء المشاعر الذي يجمع بينها وبين جيرانها وأبناء الحارة القديمة بكل معانيها وقيمها الثرية.


ورغم الظروف وقسوة الحياة، كانت تلك الأمهات حاضرات دائمًا يُقدمن العون والمساندة بلا تردد فهن ربات بيوت يقمن بإعداد كافة مستلزمات البيت والأسرة بلا كلل ولا ملل وهنَّ كذلك معلمات بلا مؤهلات علمية وهن طبيبات قبل أن تعلق شهادات الطب في أروقة المستشفيات والعيادات وهن ممرضات يضعن بلسمهن الخاص لكي يداوي كل أنواع الجروح والآلام، وتراهن الابتسامة لا تفارق مُحيَّاهُن في كل وقت وكل حين، وكانت هؤلاء الأمهات وكلماتهن تنطق بالحكمة ويجبرن الخواطر ويخففن عن الجميع قسوة الزمن والأحزان، كنَّ مثالا يحتذى به، والواحدة منهن كانت تحمل في قلبها صبر السنين وروحًا مليئة بالتفاؤل والأمل، كنَّ يجمعن بين القوة والحنان، وبين الصلابة في مواجهة المحن والدفء الذي يجعل كل من حولهن يشعر بالأمان، .لم يكنَّ فقط أمهات لأبنائهن؛ بل أمهات للحارة بأكملها، كن يشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم، ويفتحن أبواب بيوتهن وقلبوهن لجبر الخواطر لكل محتاج. كانت كلماتهن تلامس القلوب، ونصائحهن تُنير الدروب ولم تكن أيديهن تعرف الراحة، فقد كانت أيديهن مشغولة دائمًا بالعمل من أجل الآخرين، وعيونهن مليئة بالحب والاهتمام.
ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره وسنته في هذه الأرض منذ بدء الخليقة بأن كل من عيلها فان والإنسان مهما طالت رحلته في هذه الدنيا فلاشك أنه راحل، ولكن كم يؤلمنا كثيرا هذا الرحيل وهذا الفقد، بالإضافة إلى ما يتركه هذا الفقد في قلوب الأهل والأصحاب والأقارب من حسرة وحزن، كما إنَّ مثل هؤلاء الأمهات لا يمكن تكرارهن أو تعويضهن؛ فكُل واحدة منهن قد رحلت تركت بصمة لا تمحى في نفوس كل من عرفها، وعزاؤنا بأن تبقى كل واحدة منهن دائمًا مصدر إلهام لنا لنحيا بروحها وقيمها، فهن نموذج للمرأة التي لا تنحني أمام الصعاب، والتي تسعى دائمًا لأن تجعل من حولها أفضل وأقوى وذكراها يجب أن تبقى في كل زاوية من الحارة، وفي كل قلب عرف قيمتها وحبها، وكل واحدة منهن نموذج لامرأة من ذلك الزمن الجميل يفتقده ويحن إليه كل من عاش ذلك الزمن.
فقدان الأم موقف من أصعب المواقف لما فيه من الحزن والانكسار الذي يمر به الأبناء وتمر الأسرة به في حياتها.
لا شك أن رحيل الأم عن الدنيا لا يعني فقط فقدان شخص عزيز، بل هو غياب الحنان والحب الذي لا يعوضه شيء؛ إذ إنَّ الأُم هي الملاذ الأول والأخير، هي من تمنحنا القوة لمواجهة الحياة، وهي النبض الذي يدق في أرواحنا مهما ابتعدنا أو تغيرنا.
عندما ترحل الأم، يشعر الإنسان وكأنه فقد ركنًا أساسيًا من أركان وجوده، فهي التي كانت تبني لنا عالما من الأمان والدفء بحضورها، وحين تغيب، يصبح العالم مكانًا أكثر برودة وأكثر وحدة. غيابها يشبه انطفاء شمسٍ كانت تشرق كل يوم لتمنح الحياة لونها وبهجتها، إنه ألم لا يمكن وصفه بالكلمات، بل هو شعور دائم بالحسرة والحنين.
يقول أحدهم إنه لم يحس بأنَّه تعدى مرحلة الطفولة إلّا عندما رحلت أمه عن هذه الدنيا فقد كان يعيش كطفل صغير في أحضانها بالرغم أنه أصبح أبًا؛ بل جِدًّا منذ سنين.
الحياة بدون آلام تأخذ طابعًا مختلفًا، فذكرياتها وفي المواقف التي كانت تملاها بحضورها وحنانها شيء آخر وحلم آخر فهي مصدر للدفء أحيانًا، وسبب في الحزن عند فقدانها.
الأم ليست مجرد شخص، بل هي رمز للحب الصادق والتضحية غير المشروطة فهي التي تعبت وسهرت وضحت من أجل أن ترى أبناءها في أفضل حال، وعندما نفتقدها نفقد ليس فقط الحاضر، بل نفقد الماضي بكل تفاصيله والمستقبل الذي كنا نتخيله معها وتصبح الأعياد والمناسبات بلا طعم، ويصبح كل فرح ناقصًا، وكأننا نفتقد جزءًا من أرواحنا.
كم هو صعب عندما يعيدنا الحنين إلى الذكريات، إلى ضحكاتها التي كانت تملأ المكان، وكلماتها التي كانت تهدئ القلوب، وحتى نظراتها التي كانت تحمل كل معاني الحب والاهتمام ودعائها الذي يعطي القلب الراحة والسكينة هذه الذكريات بالرغم صعوبتها قد تصبح وقودًا نستمد منه الطاقة لمواجهة الأيام. 
الحقيقة لا يمكن تجاوز فقدان الأم بسهولة، ولكن يمكننا أن نحول هذا الفقد الى قوة تلهمنا لنكون أشخاصًا أفضل، يمكننا أن نكرم ذكراها من خلال العيش وفق القيم التي غرسَتها فينا، ومن خلال مشاركة حبها وعطائها مع الاخرين وكل فعل طيب نقوم به وكل دعاء نصليه هو امتداد لإرثها الذي لن يمحوه الزمن.
نعم إن رحيل الأم هو واقع مؤلم يترك أثرًا لا يمحى في القلب وانكسارًا ما بعده انكسار لا يُجبر أبدًا مهما طالت الأيام ويبقى مكانها فارغاً لا يمكن أن يملأه أحد، ولكنه أيضًا يفتح أعيننا على جمال الحياة الذي كانت تصنعه لنا بحضورها وكانت تكافح من أجلها لكي نكون سعداء، بالتالي يجب أن نستمر في تذكرها بكل الحب والامتنان، وأن نجعل من ذكراها دافعًا لنكون أشخاصًا يحملون في قلوبهم شيئًا من حنانها وعطائها.
إن فقدان الأم رغم الألم والفقد يُعلمنا الكثير عن الحياة، عن الحب، وعن قيمة الأشخاص الذين يحيطون بنا ويجعلنا نقدر أكثر قيمة العائلة والأسرة وقيمة الوقت الذي نقضيه مع أحبائنا.
وفي الختام.. الله نسأل الصبر لكل من فَقَدَ أمّه، والدعاء لكل الأمهات اللاتي رحلن عن هذه الدنيا بأن يتغمدهن الله بواسع رحمته ويدخلهن فسيج جناته إنِّه قريب سميع الدعاء.
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذه الدنیا التی کانت لا یمکن دائم ا فی هذه

إقرأ أيضاً:

«البوابة نيوز» تفتح الملف| سر الحنين إلى الماضى وزمن الفن الجميل.. خبراء: الجمهور المصري يحن إلى زمن المثاليات.. ويبحث عن الجمال والقدوة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

_ عزة هيكل: نعاني من فراغ قيمي وفني وموضوعي.. وعلى الدولة دعم العقول 

_ محمد شوقي: الأفلام المقدمة حاليًا لا تشبع ولا ترضى الذوق العام 

_عزة فتحي: نعيش عصر ثقافة الازدحام.. والناس تحن لأخلاقيات الفنانين الراقية ووطنيتهم

_ حسن يوسف: الفن تولى معالجة القضايا الهادفة في الخمسينيات والستينيات.. والآن يسود التفكير السطحي و«الهيافة»

انتشرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعرض وتُمجد زمن الفن الجميل، ويدخلها المتابعون؛ بحثًا عن أغنية أو فيلم قديم، يسترجع معه ذكرياته، ويعيد إليه روحا افتقدها، وأحاسيس أصبحت كالخيال، فيما يُسمى بـ«النوستالجيا». ولكن الغريب، أن الأجيال الشابة أيضا تنفعل وتتحمس لما ينشر من أعمال فنية من العصور القديمة، فهل ذلك يعود إلى قيمة وتفرد تلك الأعمال، أم السبب هو حالة الفراغ الفني والقيمي التي يعيشها المجتمع.

«البوابة نيوز» تفتح ملف الحنين إلى الماضي، وسبب غياب قيم الجمال والفراغ الفني الذي يشهده المجتمع، عبر استطلاع آراء نقاد الفن وأساتذة الفلسفة وعلم الجمال وعلم الاجتماع ومؤرخي الفنون.

تقول الكاتبة والناقدة الدكتورة عزة هيكل، أستاذ الأدب المقارن، مستشار رئيس الأكاديمية العربية للإعلام، إن هناك فراغا قيميا وفنى وموضوعيا، لذلك يلجأ الناس الى المرحلة التى يوجد بها الفترة الزمنية الخصبة، المليئة بالإنتاج الفني الحقيقي والدرامي والسينمائي، والمسرحي، والاستعراضي. 

وأضافت أستاذ الأدب المقارن، إنه فى هذه المرحلة، يصبح لدى الناس حنين للزمن الجميل المليء بالثقافة والفن الحقيقى، والذى يوجد به بعض المثاليات، لا نستطيع ان نقول إن كل ما كان يعرض مثاليا، ولكن كان هناك زخم وحالة فنية كبيرة، على سبيل المثال مصر كانت تعرض ٢٠٠ مسلسل فى العام الواحد، نجد منها ٢٠ مثلا بجودة عالية، لكن الآن يُعرض ٤٠ عملا دراميا، منها عملا أو اثنين جيدين وأحيانا لا يوجد.

وتابعت: نفس الأمر تشهده السينما، وكان لدينا إنتاج سينمائى يتخطى الـ ٥٠ او ٦٠ عملًا فى العام الواحد، أما الآن الأعمال تُعد على أصابع اليد الواحدة، وكان هناك مسرح متنوع به تعريب وترجمات وإعادة لأعمال قديمة، لكن الآن المسرح "بعافية كبيرة"، ولدينا قصور ثقافة جماهيرية كان من الممكن أن نعمل من خلالها، وهذه قضية كبيرة أتمنى أن نلتفت إليها وأن يصبح هناك قياسات للرأى العام.

كما انتقدت الدكتورة عزة هيكل، الصفحات التى تتحدث عن ثروات هؤلاء الفنانين والفنانات، أو تتحدث عن أحدث ظهور لهم فى إطلالاتهم، وما يرتدون، وما يمتلكون، من ملابس، وساعات ثمينة، وإكسسوارت، وسيارات فاخرة، وغيرها من الصفحات التى تتحدث عن زواج وطلاق الفنانين والفنانات والعلاقات غير السوية مثل المساكنة، أو نشر صور فاضحة لهم، كل ذلك استهلاك واستدعاء للشهرة. 

وأكدت "هيكل" أن المجتمع المصرى أو المتلقى المصرى لديه فهم ووعى عن ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي، من أخبار المشاهير التى باتت للأسف الشديد جميعها مستفزة، اخبار تستفز المشاهد والمتلقي والمتابع اقتصاديا واجتماعيًا ونفسيًا.

وأوضحت أن من الطبيعي أن المتلقي والجمهور المصري، يحن الى زمن المثاليات، للبحث عن جمال طبيعى، والبحث عن مواقف إنسانية نبيلة، وعن قدوة ومثل، لأن الفنانين حاليا ليس لديهم إنتاج فنى حقيقى، فهم يعملون بالإعلانات ويحضرون مهرجانات ويقومون بعمل جلسات للتصوير، لكن ما هو الإنتاج الثقافى والفنى لهم وما هو الدور الذى يقدموه فى المجتمع لا يوجد.

وتساءلت "هيكل" أين هي الدراما التى تُناقش قضايا المجتمع وما يعيشه المواطن؟ جميعها أعمال مقتبسة وأعمال ورش ومفبركة لا تعبر عن الواقع ولا تمسه، فكثير من الفنانين أصبحوا غير مرتبطين بالواقع، ولكنهم مرتبطين بكل من يدفع، يهرولون وراء من يدفع لهم، يقومون بحضور مهرجانات لكل من يدفع لهم، ولم نر فنانًا متعاطفًا مع ما يجري من حولنا لما يحدث فى سوريا وغزة والسودان واليمن وليبيا، كل ما يهم أن يظهروا بشكل مبالغ فيه من أناقة، مع جنوح إلى كل ما هو استهلاكي.

وتؤكد أستاذ الأدب المقارن أن هناك أصواتا مصرية رائعة، وفنانين كان لديهم دور والحان جميعها ذات معنى وقيمة وكل مرة تتلقاها بأسلوب مختلف فن حقيقى، لذلك نقوم بسماعه أكثر من مرة، لكن ما يسمى بالمهرجانات هى موجة من موجات الغضب والرفض تأتى بسبب انقلابات فى السلم الاجتماعى وهزات شديدة، كما حدثت فى أمريكا خلال حرب فيتنام، وحدثت فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، يحدث موجات وواقع جديد من الفن يحاول أن يعبر عن الطبقة العشوائية الكادحة التى لم تتلق القدر الكافي من التعليم والثقافة، وتعبر عن مرحلة ربما تتلاشى أو تتطور أو تتغير أن تصبح أفضل، ونختار منها الأنسب، أعتقد أننا قادرون على حسم الأمر.

وأضافت: "الفنان لا بد وأن يكون لديه رسالة ودور، وقيمة فى المجتمع لا بد وأن يقدم للمجتمع ما يرضيه ليس ليخاطب غرائزهم ولكن ما يتماشى ويعبر عنهم، والطبيعى أن الجمهور يلفظ هذا النوع من الفن وهؤلاء الفنانين".

وقدمت الدكتورة عزة هيكل روشتة للخروج من الأزمة، وطالبت بإفراد مساحة للنقاد الحقيقيين، وليس فقط نقاد الموقف أو النقاد الشخصيين، ولكن النقد العلمى الفنى المدروس، والذى يتميز بالموضوعية وليس مجرد الرفض والهجوم أو التقليل من الشأن. 

وتابعت: "النقد هو إبراز الجوانب السيئة والجوانب المضيئة هو نوع من تنمية الذائقة الفنية عند الجمهور وعند المتلقى، ويجب أن يصبح هناك برامج ثقافية وفنية أكثر لتتنافس فيها الفنون المختلفة وليس الدراما والمسرح والسينما فقط، نتمنى أن يصبح أن هناك برامج فنية وموضوعية حقيقية، وليس تلك التى تستضيف فنانين أو أشباه فنانين، وتتحدث عن زواجهم وطلاقهم وفساتينهم". 

وأردفت: "وعلى الدولة دور فى ذلك، مثلما تنفق الدولة على دعم الغذاء، لا بد وأن يصبح هناك دعم للعقول، مثل الثقافة والتعليم ولا بد أن يصبح هناك مهرجانات للأغاني والدراما والمسرح والسينما ليس للتكريم والحفلات فقط، وأن يصبح هناك عرض لأعمال مصرية مسرحية وسينمائية ودرامية. 

كما طالبت "هيكل" بضرورة أن يصبح لدينا مهرجانات تجوب المحافظات وأن يصبح لدينا إنتاج لجميع أنواع الفنون "فن تشكيلي وإيقاعي واستعراضي ومسرح في كل المحافظات بفعاليات وعروض على مدار شهر أو أسبوع وأن يعمل فيها العاملون الحقيقيون، ويعرض فيه أفلام قصيرة وروائية وتسجيلية.

الزمن الجميل

وقال الأستاذ الدكتور حسن يوسف، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون، إن ما يدفعنا إلى وصف الفن في الماضي بأنه كان الأفضل، يعود إلى أن الزمن الجميل وخاصة القرن الماضي، كان لديه فكرة وله قيمة يقدمها.

والفنون تسقط داخل المجتمعات عندما نفتقد الهوية، ونفتقد الاتجاه، وبالتالي في الخمسينات والستينيات كان هناك قضية يتولاها الفن، وكان له قيمة لأنه يعبر عن فكرة وقضية ما، وهو ما كان يعبر عنه الفن في السينما والغناء..

وأضاف أستاذ الفلسفة والجمال، أننا في زمن الفقر الفني لأنه لا يوجد توجه ولا رؤية وبالتالي نحن نعاني، ومثال على ذلك أيام الستينيات، ثروت عكاشة كان وزيرًا للثقافة، وهو من اقترح على الرئيس جمال عبد الناصر، إنشاء أكاديمية الفنون نظًرًا لأهميتها للمجتمع وللفنون، وكان الفن في بؤرة اهتمامه، فكان الجيل المعاصر يجد قيما وأفكارا وجمالا وقضية، أما الآن فنجد جيل فاقد للتوجه والاتجاه.

وعن نشر السوشيال ميديا للسلبيات فقط دون الإيجابيات، أرجع الدكتور حسن يوسف السبب الأساسي إلى سيادة التفكير السطحي والهيافة، ولم تعد لديك قضية، ناهيك عن تدمير التعليم منذ الثمانينيات، وطالب بعودة حصة الموسيقى في المدارس مرة أخر، لأنها أحد العلاجات لهذا المجتمع مع الاسرة في المنزل.

ويرى أن السبب الرئيسي والأساسي فى انتشار الأغاني الهابطة هو إنهاء واختفاء الطبقة الوسطى وهي تعد أهم طبقة في المجتمع، والطبقة السائدة الآن هي الطبقة الشعبية أو الشعبوية، وهي التي تتحكم في المشهد الفني ولذلك البيئة الاجتماعية بها خلل كبير.

بينما تؤكد الأستاذة الدكتورة عزة فتحى، أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، خبيرة الأمن الفكرى، أن السوشيال ميديا تحولت للحنين للفن الجميل والزمن الماضى، لأننا الآن نعيش عصر ثقافة الازدحام، فكل شىء سريع.

وأوضحت أن الناس أصبحت تحن لأخلاقيات الفنانين الراقية ووطنيتهم وكيف وقفوا بجانب الوطن فى حرب ٦٧ وحرب ٧٣ وضحوا بالمال والجهد، لصالح المجهود الحربي، ونذكر على سبيل المثال أم كلثوم، وعبد الحليم وكيف شاركوا الناس همومهم وأحزانهم وأفراحهم، واختيارهم لمعانى الكلمات، ومستوى الإتقان، لكل شىء من كلمة ولحن وملابس، وفرق موسيقية، حتى الأفلام حسن اختيار النص، وضروري أن يعبر عن مشكلات المجتمع وآماله وأهدافه.

وعن العشوائية فى الغناء أو الموسيقى، أكدت الدكتورة عزة فتحي، أن ما يحدث الآن من انتشار لأغان هابطة، ومزعجة، تجذب جيل الشباب لا تعد فنا شعبيا بل هى نوع من الكلمات الغريبة مع موسيقي صاخبة، أو راقصة بهدف استهلاك وقتى لفئة معينه منها، سائقو التوكتوك، أو الميكروباص، والشباب ينجرفون بفعل حب المغامرة والتغيير، و"الروشنة" كما يطلقون.

الحنين إلى الماضى

وفيما يتعلق بالحنين إلى الماضي، رأى المؤرخ الفني محمد شوقي، أن الفن يعبر عن المجتمع بكل طوائفه، وبكل أحداثه وسلوكياته، وبكل تغييراته، وهذا ما شاهدناه في أفلام الزمن الجميل، من سلوكيات الناس في الشارع، وهذا كان يعبر عن هذه الحقبة الزمنية، بالإضافة إلى أن الأفلام كانت تُعالج قضايا، وسلوكيات المجتمع بشكل يحترم الُمشاهد، وهناك أفلام كثيرة عبرت عن ذلك، مثل "جعلوني مجرما" و"أولاد الشوارع"، و"رصيف نمرة خمسة"، وكانت تُحاكي الواقع ولها رسالة من مضمون محتواها.

وأشار المؤرخ الفنى الى أن مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالحديث عن نجوم الزمن الجميل "نوستالجيا"، وعندما نشاهد الأفلام القديمة على موقع "يوتيوب"، نرى تعليقات من شباب في مرحلة العشرينيات، ونفاجأ باتجاهات الشباب نحو هذه الأفلام التي مر عليها سنوات عديدة، وهذا يدل على أن الأفلام التي تقدم حاليا لا تشبع ولا ترضي الذوق العام، ومثال على ذلك أنك تشاهد أفضل الأفلام الحالية مرة واحدة فقط، ولا تريد أن تشاهده ثانية، بخلاف ما يحدث لأفلام الزمن الجميل، لأن في زمن الفن الجميل كانت الأعمال السينمائية او الدرامية لها حضور، ولا يزال يشاهده جيل بعد الآخر.

ولفت إلى أن الأجانب حتى الآن يستمعون الي كوكب الشرق أم كلثوم، وفي العام الماضي جرى استفتاء على أهم ٢٠٠ فنان في العالم، وكوكب الشرق كانت من ضمنهم، وهذا فخر لنا وشرف كبير، لأن الفن المصري في عصر زمن الفن الجميل ملا زال موجودا خارج مصر بشكل كبير.

وعن المهرجانات الفنية، أشار "شوقي" إلى أن الأحداث الفنية من مهرجانات فنية تختلف كليا عن المعنى الحقيقي لها، حيث لا نري حاليا سوى الريد كاربت، والأزياء، ولا نعرف ما يقدمه هذا المهرجان، وطوال أوقات المهرجانات، التي حدثت مؤخرا كانت السوشيال ميديا لا تتحدث إلا على زمن الفن الجميل.

وتابع: " وجميعنا لاحظنا هذا وتعجبنا من هذا التصرف، وعلي سبيل المثال تحدث السوشيال ميديا عن مهرجان كان السينمائي ومشاركة نجمات ونجوم مصريين، وكم كانوا وجهة مشرفة لمصر بحضورهم المميز والراقي، وحتي المناسبات الأسرية لفناني الجيل القديم كانوا حريصين علي الظهور أمام الكاميرا بشكل يحترم المشاهد ويقدره وهذا يعكس ما نحن فيه".

ويرى "شوقي" أننا نعود لنشاهد أفلام الزمن الجميل، ومشاهدة هذه الأفلام تأتي بعلاج نفسي ورحلة جميلة للخروج من مشاكلنا، وأزماتنا، لأن الزمن الجميل به جماليات كثيرة، بدليل أنه يعيش حتى الآن.

وقال "شوقى": "لدينا إمكانيات ضخمة جدا ومهمة ونحتاج أن نقدمها بشكل يواكب الذوق العام، ونحتاج أن نقدم فن أكثر منه صناعة أو تجارة، فالأعمال السينمائية بعضها يحقق نجاحا كبيرا، لكنها لم تعيش وللأسف نحتاج الموهبة تصبح أقوى في الكتابة والخراج والتأليف، ونحن الآن لا يوجد بيننا إحسان عبدالقدوس، ولا يوسف السباعى، لكننا لدينا العديد من المواهب ولو بحثنا عنهم لوجدناهم بيننا لكن يحتاجون الى أن نرعاهم". 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • «البوابة نيوز» تفتح الملف| سر الحنين إلى الماضى وزمن الفن الجميل.. خبراء: الجمهور المصري يحن إلى زمن المثاليات.. ويبحث عن الجمال والقدوة
  • عائلات الأسرى الصهاينة: “نتنياهو” ينسف صفقة التبادل من خلال الشروط التي يضعها
  • هرم المسرح وعملاق الزمن الجميل..صباح الخير يا مصر يحيى ذكرى عبد المنعم مدبولي
  • إبداعات|| "ثمن التلاعب بالزمن".. إسراء محمد عبد الوهاب - الأقصر
  • 448 يوما من العدوان.. غزة تحت القصف المستمر وانعدام الأمن الغذائي بين الأمهات
  • أمهات مصرعن تطبيق البوكليت في 5 محافظات: خطوة جيدة تساعد في تقليل الغش
  • القناة 12 العبرية: القنبلة التي استهدفت هنية كانت في وسادته
  • كانت بتعدي الطريق.. مخرج تلفزيوني يدهس سيدة بسيارته حتى الموت
  • «أمهات مصر» تشيد بتطبيق «البوكليت» بـ 5 محافظات