شيطنة إيران وروسيا في سوريا.. مُؤامرة على المقاومة
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
أخيرًا اعترفت إسرائيل رسميًا يوم 25 ديسمبر 2024 بأنَّها من أزاح نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أنها هي التي اغتالت كلًا من القائد إسماعيل هنية زعيم حركة "حماس" في العاصمة الإيرانية طهران، وحسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، وقد قيل الكثير لدس السم في العسل ضد إيران، العدو اللدود لإسرائيل، من خلال استعداء قسم من الشعب السوري ضد إيران وروسيا.
وللإيضاح نُركِّز شرحنا في الملاحظات الآتية:
أولًا: أن الرئيس الأسد الابن والوالد ظهر أنهما ارتكبا جرائم فظيعة ضد أفراد الشعب السوري. صحيح أنَّ معظم النظم في الدول المُتخلِّفة تعتقد أن التنكيل بالمعارضين هو دفاع عن الوطن، ولو سُجن الشعب كله وقُطِّع إربًا؛ فهذه تضحية من الشعب في سبيل الوطن، وهذه قاعدة عامة رأيناها في العالم العربي!
ثانيًا: يبدو أن بشار الأسد اعتقد أنَّه يدافع عن الدولة السورية وأن تعذيب المواطن والمبالغة في ذلك فداءً للدولة السورية، وربما اعتقد أن المحافظة على الدولة بأي ثمن هو قمَّة الوطنية، خاصةً وأنه حدث تحول خطير جعل الأسد المتوحش على الثورة بطلًا في الدفاع عن الدولة التي تكالبت عليها عشرات الدول، وقد ركَّز ليس على كرامة المواطن، لكن ركَّز على دعم سوريا للمقاومة ضد إسرائيل، ولا شك أن دعم المقاومة شيء، والفُحش في التنكيل بالمعارضين أمر مختلف لغير المُنافقين للنظام. لا بُد من الإدانة الكاملة لكل نظام لا يُؤمن بأن المواطن الحُر هو أساس الدولة الحُرة، وليس كما قال الصحفي المصري محمد حسنين هيكل "حرية الوطن مُقدمة على حرية المواطن"، لأنه بذلك كأنما أجاز للحاكم أن يستعبد الشعب مقابل أن يكون هدفه حرية الدولة تجاه الدول الأخرى.
ثالثًا: لا دعم القومية ولا دعم المقاومة ولا التعصب ضد إسرائيل يُبرِّر مُطلقًا إهدار كرامة المواطن؛ بل بالعكس تأكيد كرامة المواطن مقدمة حتمًا للتصدي لإسرائيل ودعم المقاومة.
رابعًا: أن إيران وروسيا وحزب الله دعموا الجيش السوري في مرحلة الدفاع عن الدولة، ودعموه كحلفاء لهم عدو واحد هم المتطرفون المسلحون من جانب دول لها مصلحة في توظيفهم لتحقيق مصالحها وليس دفاعًا عن المصالح السورية.
والجيش السوري ليس وحده جيش النظام الذي تحوَّل من جيش للدولة إلى جيش للنظام شأنه شأن جيوش عربية أخرى؛ فما دام النظام مُستبدًا فهو يملك كل شيء ويُديره لصالحه. وقد رأى الجيش أن عشرات الدول تُصفِّي حساباتها على حساب الدولة السورية والشعب؛ فالحلفاء الإيرانيون والروس وحزب الله يدافعون عن الدولة السورية كما إن واشنطن تعادي هذه الأطراف.
رابعًا: هل كان الروس والإيرانيون يعلمون أنَّ أجهزة الأسد تُنكِّل بالمواطنين؟! نعلم أن العدو مشترك بين سوريا والحلفاء، وهو الجماعات المسلحة التي تحارب روسيا في الشيشان وتعادي إيران وتُكفِّر الشيعة، ولذلك فإنَّ علاقة إيران وروسيا تدخل في إطار مساعدة الجيش السوري على المحافظة على الدولة السورية، إضافة إلى مصلحتها ضد الجماعات، ولا تساعد النظام بالذات وتُعينه على الجرائم، وإلّا كان ذلك تدخلًا في الشؤون الداخلية السورية، ولا علاقة لها بجرائم النظام.
وهناك فارق بين تحالف روسيا وإيران مع سوريا، وتحالف الغرب مع إسرائيل؛ فإسرائيل تعتدي على الغير وتبيد الشعوب العربية، والغرب يُمدها بوسائل الإبادة ويتستر على جرائمها، وينتهك القانون الدولي، ويُغالط نفسه بالزعم أنَّ إبادة إسرائيل للمنطقة هو دفاع شرعي عن النظام!
خامسًا: التحالف الروسي والإيراني في صف سوريا الدولة، وليس النظام، ويتمنى الغرب أن يضر بالدولة السورية، حتى يحولها من مُسانِد للمقاومة إلى مُستسلم لإسرائيل. وعلاقات التحالف هذه تمنع الحلفاء من مراقبة سلوك النظام السوري مع مواطنيه؛ لأنها من وجهة نظرهم، خارجة عن التحالف، ويُعد الأمر تدخلًا في شؤون سوريا الداخلية.
إنَّ ممارسات نظام الأسد لا يُمكن تبريرها، وأن عداء الغرب لإيران وشن حملة كراهية ضدها في سوريا ولبنان، هدفه ليس مصلحة سوريا، وإنما لأنَّ إيران تُساند المقاومة وتقف ضد إسرائيل.
الخلاصة.. إنَ روسيا وإيران كانتا تدعمان في السابق الدولة السورية، وليستا مسؤولتين عن الجرائم التي ارتكبها النظام؛ لأنهما حليفان وليسا شركاء في الجرائم. ولا ريب أنَّ الهدف من حملة شيطنة إيران وروسيا يتمثل في خدمة إسرائيل، واستهداف المقاومة والحط من شأنها، بينما الغرب شريك لإسرائيل في حرب الإبادة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الدولة السوریة إیران وروسیا عن الدولة
إقرأ أيضاً:
أسلحة المقاومة وحمراء الأسد ولزوم الثبات
حمراء الأسد.. الكل يعرف جيدا غزوة أُحد، وأنها إحدى الغزوات التي هزم فيها المسلمون حين تركوا أسلحتهم، ونزلوا من الجبل لجمع الغنائم، لكن أحدا لم يركز الضوء على موقعة حمراء الأسد التي جاءت في نفس يوم غزوة أحد. فقد نادى بلال بالجهاد بعد ساعات مما شهده جيش المسلمين بعد حادثة الرماة، ورغم جراحهم تداعوا وتجمعوا حول النبي متمسكين بسلاحهم، عازمين على تلبية نداء الله ورسوله. وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم هو التأكيد على أن المسلمين، وإن غُدر بهم أو أخطأوا، لا ينامون على هزيمة، ولا يقبلون الدنية، فطارد فلول المشركين، وانتهت ليلة أُحد بفرارهم بعد أثخن فيهم المسلمون، وانتصار معنوي كبير لذلك الجيش الذي ظن المشركون أنه هُزم.
الحديث عن تسليم المقاومة في غزة أو في غيرها لسلاحها هو حديث المرجفين العجزة، لا يتناقله إلا المثبطون، ولا يروج له إلا المنافقون، فالمقترح الذي نُقل للمقاومة في غزة كمقترح من قبل النظام المصري بصفته وسيط، من جملة مقترحات حل الأزمة، تضمن شرطا صريحا بنزع سلاح المقاومة، كجزء من اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهو الحل الذي توصلت إليه القاهرة في محاولة لدفع ما هو أكبر، على حد تحليل محلليها وإعلامييها ولجانها الإلكترونية، الذين ما إن أعلنوا عن الحل حتى انبروا في لوم المقاومة في ما وصلت إليه الأوضاع في القطاع، وتحميلها وزر دماء ما يقارب الــ60 ألف شهيد وآلام ما يقارب الـ117 ألف جريح، وتهجير مليوني مدني، بفعل "غبائها السياسي"، وبفعل تمسكها بهذا السلاح!
على الرغم من هذه الحملة الإعلامية الشرسة التي شنها إعلام الوسيط الرسمية والإلكترونية بمساعدة دول الممانعة للحرية والانعتاق من الذل وبدعم من الاحتلال نفسه، رفضت حماس هذا الشرط بشكل قاطع، وأكد قادتها أن سلاح المقاومة هو حق أساسي من حقوق الشعب الفلسطيني غير خاضع للنقاش، وأبلغت الوسيط بأن المدخل لأي اتفاق يجب أن يكون وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وليس مناقشة مسألة السلاح، كأن الوجود والسلاح متلازمان، وجودا وعدما، حتى مع تصريحات القيادي خليل الحية بأن الحركة مستعدة للتخلي عن أسلحتها والتحول إلى حزب سياسي إذا تم تنفيذ "حل الدولتين" وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
هذا التصريح الذي تخطفه إعلام دول الممانعة للحرية والانعتاق من الذل، لتروج له بأن الحركة مستعدة لإلقاء السلاح، أو أن الحركة أخيرا قبلت بالذل كي لا تكون شاذة بين أقرانها في الجوار -وليس لها قرين- وبالتالي قبل أن تدخل حظيرة الإمبريالية الغربية، لكن المدقق في تصريحات الحية يفهم أن الرجل علّق القبول على شرط، وإن كنا لا نقبله، لكنه في النهاية شرط تعجيزي أمام رغبات وأطماع المحتل الإسرائيلي، الذي يرفض بالكلية أي وجود عربي مسلم على أراضي فلسطين المسلمة بالأساس، ولمّا كان الترويج لتصريحات الحية على هذا النحو، كان الرد على الأرض مغايرا.
فقد عادت عمليات المقاومة، وهو ما يشير إلى تصعيد من المقاومة ردا على المجازر الإسرائيلية المستمرة ضد المدنيين، في رسائل متعددة يمكن قراءتها من خلال التطويف على شكل هذه العمليات ومناطق تنفيذها، فالعمليات شملت اشتباكات مباشرة مع الاحتلال، أدت إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم، وكذا عمليات قنص لعناصره، واستخدام العبوات الناسفة ضد الآليات والأفراد، مع عودة إلى كمائن الأنفاق التي عانى منها الاحتلال رغم كل التقنيات التي أمدته بها أوروبا وأمريكا، كما أن المفاجأة تمثلت في عودة صواريخ المقاومة إلى الزغردة فوق المغتصبات والمواقع العسكرية في غلاف غزة وما بعده. هذا على مستوى النوعي للعمليات، ولكن بالنظر إلى جغرافيا تنفيذ هذه العمليات، فنجدها شملت خان يونس، وسط القطاع، ورفح في جنوبه، وبيت حانون في الشمال الشرقي للقطاع، وحي الشجاعية في شرق مدينة غزة، بالوسط، ما يعني أن المقاومة عادت لتترجم ما أُشكل فهمه ممن لا يُفهمه إلا الرصاص.
سلاح المقاومة لا يقف عند الصواريخ المتعددة المديات، ولا قاذف الياسين، أو الطائرات أبابيل والزواري، وإنما تشمل أيضا العمل الإعلامي في ظل الهجمة الشرسة التي يشنها إعلام الاحتلال وحلفاؤه وداعموه وبلجانهم الإلكترونية، مستغلين في ذلك طول أمد الحرب، وبشاعة نتائجها، ووقوف المقاومة من غير داعم ولا نصير غير هذه الشعوب الرافضة لجرائم الاحتلال وداعميه؛ سواء على المستوى العسكري، متمثلا في شحنات الأسلحة والذخيرة التي لا تتوقف سواء علنا من واشنطن أو سرا من الدول الأوروبية، أو على المستوى السياسي، بشكل لا يقبل المجادلة من الدول الغربية وأمريكا وبعض الدول الإقليمية، أو على المستوى الإعلامي، الذي يمكر بأهل غزة ومناصريهم ليل نهار، بل زاد الأمر سوءا بعمليات استخباراتية لتأليب الغزاوية الصامدين على قادتهم، ليكونوا من بعدهم صيدا سهلا؛ لو لم يُلق بهم في البحر فإنهم على أقل تقدير سيُعيدون تغريبة جديدة كتلك التي عاشوها بعد النكبة.
القضية الفلسطينية بعمومها قضية عادلة، ومقاومة أهل غزة -بمدنييها قبل عسكرييها- أكثر وضوحا في عدالتها. تراجع الزخم الإعلامي على المستوى المؤسساتي والشعبي بعد فترة هدنة أراد بها العدو أن يبرد الشارع العالمي المنقلب عليه، وإيهام العالم أن الحرب انتهت، والآن يلعب بورقة أنه يريد السلام ولكن المقاومة هي من ترفض، ليقلب الطاولة على صاحب الحق، ويظهره أنه السبب في الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون في غزة، وكأن الاحتلال وداعميه يريدون للضحية ألا تدفع عن نفسها الصفعات، بل لا يريدونها حتى أن تصرخ من الألم.
بدأت حرب فيتنام عام 1954 وقادت جبهة التحرير الوطنية لفيتنام المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي وحكومة الجنوب المدعومة من واشنطن، ورغم استخدام أمريكا لكل الأسلحة المحرمة، رفضت المقاومة الاستسلام أو الرضوخ أو الموافقة على أي اتفاق يضمن بقاء النظام الموالي للغرب في بلادها. واعتمدت المقاومة على حرب العصابات، والشبكات الشعبية، والأنفاق، وبعد أكثر من أربعة عشر عاما بدأت مفاوضات؛ لم تقف على شهر أو شهرين، بل استمرت خمس سنوات، والحرب مستمرة والمجازر على أشدها، مع ذلك تمسكت المقاومة بخروج الأمريكيين من بلادهما ورفض الشعب الفيتنامي إلا أن تكون جبهة التحرير الوطنية هي الممثل الشرعي له، حتى مع إغراء الشعب بمساعدات اقتصادية؛ تخرجهم من حالة الجوع التي يعيشها، لينتهي الأمر بتوقيع اتفاق باريس عام 1973، أي بعد 19 عاما من الحرب والقتل والمجازر التي قامت بها واشنطن ضد المدنيين، إلا أن النهاية كانت كما وعد الله كل من تمسك بالحق، ولم يرض الذل، فرضخت أمريكا لمطالب المقاومة، وخرجت من البلاد صاغرة لتكتب فصلا جديدا في كتاب أيام الله الذي لا يرضى لعباده الظلم، ففي زمن اللا قانون.. القوة تنشئ الحق وتحميه.