جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-06@07:45:17 GMT

ما الذي يحمي الدول من السقوط؟

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

ما الذي يحمي الدول من السقوط؟

د. محمد بن عوض المشيخي **
الحكم الرشيد في إدارة الناس من أصعب التحديات التي تواجه الزعماء والقادة والحكومات الديمقراطية منها والديكتاتورية على مستوى هذا الكوكب؛ فالإرادة العامة للشعوب أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى من التاريخ الإنساني عبر مختلف المراحل. 
وتكمُن أهمية قياس الرأي العام في الذخيرة المعرفية التي تزود صناع القرار في أي حكومة بالمعلومات الصحيحة والحقائق الدامغة عن ما يدور في ذهن المواطن الواعي الذي يدرك ما يُحاك من حوله من قرارات بعضها صائبة وأخرى ضبابية لا تخدم إلا عددا قليلا من علية القوم من المتنفذين الذين نراهم في كثير من الدول يفصلون القوانين والأنظمة على قياسهم ومصالحهم الشخصية على حساب المجتمع الذي يطمع إلى العدالة في توزيع الثروة والمناصب على جميع أبنائه بدون تمييز، وذلك من منطلق الكفاءة والتميز وفي العطاء وخدمة الناس وليس التكبر عليهم وتجاهلهم والبعد عن همومهم والتحديات اليومية التي تواجه عامة الناس في مجتمعاتنا العربية أصبحت لا تطاق، ولا يغفل عنها إلّا هالك ولو بعد حين؛ بل وفي دول العالم الثالث قاطبة.

 
ولا شك أن نتيجة الدراسات العلمية الرصينة للمراكز المتخصصة التي تملك الإمكانيات المالية والبشرية والمهارات البحثية، في بيئة صحية بعيدًا عن مقص الرقيب في طرح الأسئلة المُعبِّرة عن معاناة الناس ويسودها حرية التعبير بعيدًا عن الرقابة الضيقة للحرس القديم في دول الإقليم، سوف تؤتي ثمارها على المدى القريب والبعيد في توجيه بوصلة الوطن نحو بر الأمان، معتمدةً في ذلك على الاستنتاجات المستقبلية لتلك البحوث، مُتجنبةً بذلك الأخطاء، مع العمل بجهد مُضاعف على تصحيح المسار في صنع القرارات الرشيدة التي تنقذ الأوطان من الدخول في حروب وفتن وصراعات لا تنتهي بسبب الظلم والتجاوزات من البعض.
الحكومات التي تُهمِّش الرأي العام ودراسته المُتعمِّقة وتعجز عن فك مفاتيح وطلاسم ما يفكر فيه المجتمع المدني وخاصة الشباب وتصم آذانها عن مطالب الناس؛ فهي لا شك تعيش في أبراج عاجية بعيدة عن الواقع، وسقوطها في الهاوية أمرٌ حتمي وهو مسألة وقت مهما تعددت الأجهزة الأمنية التي تحرس مثل تلك الأنظمة. ولعلنا نتذكَّر ما يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي" التي أسقط فيها الشارع العربي 6 أنظمة، بدايةً من تونس التي فجَّرت فيها حادثة محمد البوعزيزي ثورة الياسمين، وحتى الثورة السودانية التي أسقطت حكم البشير. وكانت الثورة السورية التي استمرت 14 سنة حتى تمكنت أخيرًا من إسقاط نظام بشار الأسد. 
ومن المُفارقات العجيبة أن يزعم بشار الأسد فوزه بولاية رئاسية رابعة وبنسبة تجاوزت 95% وذلك في عام 2021؛ بينما يرفض الحوار مع المعارضة السورية قُبيل سقوط دمشق بأسابيع قليلة، وهذا يشير إلى جهله أو تجاهله لواقع الحال من حوله، خاصة في كيفية تفكير الشعب السوري، وما هي طموحات هذا الشعب وخياراته المستقبلية؟ ونتيجة لذلك الإهمال تخلّى عنه الجميع، بداية ممن زعموا أنهم مساندون لنظام حزب البعث، ليس فقط من أعضاء الحزب؛ بل وحتى الجيش السوري والأجهزة الأمنية، والذين فضَّلوا جميعًا الهروب أو الاستسلام؛ بدلًا من الدفاع عن نظام غارق في الوهم والنرجسية. 
يبدو لي أنَّ هناك حكومات في المنطقة العربية لا تهتم لا من بعيد ولا من قريب بالدراسات والبحوث المُتعلِّقة باستقراء المستقبل، وعلى الجانب الآخر تقوم مراكز الدراسات العالمية وخاصة في الدول الغربية بإجراء بحوث مُتعمِّقة ليس فقط في دولها؛ بل في دولنا العربية أيضًا، لمعرفة اتجاهات الشعوب. الخبراء في أمريكا وأوروبا استخلصوا من دراستهم المستقبلية سقوط شاه إيران في أواخر سبعينيات القرن الماضي؛ وذلك قبل هروبه من طهران بأكثر من 7 سنوات؛ إذ تحرَّكت على عجل الحكومات الفرنسية والألمانية والأمريكية نحو عقد صفقاتٍ نفطية مع الثورة الإسلامية التي كان وصولها إلى حكم إيران أمرًا حتمياً، ولهذا سبب تخلَّت الولايات المتحدة عن الحليف والصديق المُخلِص، الذي كانت تُطلق عليه شرطي الخليج في أحلك الظروف، وهذا يعني أن مصالح الدول فوق المبادئ والوعود التي كان يعتمد عليها الشاه في دوام حكمه وسيطرته على شعبه.
صحيحٌ أن جميع "ثورات الربيع العربي" التي أسقطت الحكومات، لم تحقق الأهداف الشعبية، وذلك بسبب تحولها إلى صراعات طائفية ومذهبية والبحث عن المناصب والثروات بين رفاق الأمس، ومن هنا يتأكد لنا أن ظهور صراعات جديدة قادم لا محالة، مثل ما حصل بالضبط في الثورات الأوروبية خاصة الثورة البريطانية والثورة الفرنسية، على أمل تحقق أماني الشعوب مستقبلًا.
إنَّ الدافع وراء كتابة هذا المقال، الرسالة الآتية التي أرسلها لي مجموعة من طلبة جامعة السلطان قابوس في مجال الدراسات الإعلامية، والتي تقول: "نعمل أنا وزملائي على مشروع يتعلق بدور الإعلام في تشكيل الرأي العام السياسي، وقد وجدنا أنَّ هذا الموضوع له أهمية كبيرة في تعزيز الشفافية وتحقيق التنمية. ونطمح في مساعدتك من خلال تسجيل فيديو قصير تتحدث فيه عن أهمية قياس الرأي العام في الوطن العربي، وكيف يُمكن أن يُساهم ذلك في خدمة المصلحة العامة... ستكون مساهمتك ذات قيمة كبيرة لنا، ونقدر وقتك وجهود". 
كانت الخلاصة التي سطَّرتُها لطلبة العلم في تلك الجامعة العريقة التي تُعد بيت خبرة لهذا البلد، عن واقع الرأي العام في الدول النامية، والتي تتمثل في 3 نقاط رئيسية على النحو الآتي: أولًا: هناك مشكلة حقيقية في تكوين الرأي العام، وذلك بسبب شُح المعلومات التي يحصل عليها المواطن من وسائل الإعلام التي لا تُجيد إلّا المدح والتمجيد للمسؤول، وكذلك غياب الحوار الحقيقي بين أفراد المجتمع، رغم أن هذا الحوار يعد جوهر الرأي العام، ومن هنا يجد الإنسان نفسه غير قادر على تكوين رأي حقيقي. ثانيًا: قلة المراكز التي تقيس الرأي العام واستبدالها في بعض الدول بدوائر صغيرة تقوم بإجراء استطلاعات تفتقد إلى المصداقية والمعايير العلمية في اختيار العيِّنات، وتتجنب تلك الدوائر طرح الأسئلة الجادة والاكتفاء بالجوانب السطحية. ثالثًا: تجاهل صُنَّاع القرار في البلاد العربية وعدم قناعتهم بأهمية الدراسات المتعلقة بالرأي العام حتى إن وُجِدَت، والسبب في ذلك أن المسؤول لا يرغب في نشر أرقام وحقائق تُخالفه في الرأي، وهؤلاء يعتقدون أن المجتمع لم يصل بعد إلى مستوى النضج، وبالتالي يجب أن يكونوا بعيدين عن صنع القرار!
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري 
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الرأی العام التی ت

إقرأ أيضاً:

3 أبراج فلكية لا تحب الرأي والمشورة.. «قراراتها من دماغها»

يميل أصحاب بعض الأبراج  إلى  المشورة، لكن البعض الآخر يجد أن ذلك غير متناسب معه، لهذا فإنّ مواليد هذه الأبراج لا يثقون في أراء غيرهم، لهذا وجب على أصحاب هذه الأبراج التفكير في ذلك الأمر جيدًا، وفقا لموقع «yourtango».

برج الدلو 

يجد أصحاب برج الدلو أن مسألة اتخاذ القرارات، واحدة من الأمور التي لا يمكن التهاون بها مطلقا، وهذا ما يجعل مواليد ذلك البرج لا يثقون في أراء غيرهم، لهذا إذ كان في دائرتك أحد من مواليد برج الدلو لا تميل إلى اتخاذ رأيه في أمر مصيري بالنسبة لك، لهذا لا عليك سوى التعامل مع الأمور من وجهة نظرك الخاصة، لهذا فمولود برج الدلو يرى الناس بعين طبعه لهذا تجد أنه لا يرى جميع الآراء غير متناسقة معه.

برج الجدي

يجد برج الجدي أن الثقة في الآخرين أمر صعب المنال، وهذا ما يجعل مواليد هذه الأبراج لا يجدون فرصة للتعامل مع غيرهم، وهذا ما يجعلهم لا يجدون وسيلة افضل للتواصل مع غيرهم، لهذا يجد مولود برج الجدي أن الجلوس بمفردهم و التفكير جيدا في كل قرارتهم، لهذا مولود برج الجدي يرى أن كل الأمور تحتاج إلى استغراق وقت كبير في التفكير، لأنه دوما يكون واثقا في حدسه، لهذا يميل هؤلاء الأشخاص إلى التفكير جيدا في الأمور .

برج العقرب 

أصحاب برج العقرب بجد أن الحصول على رأي الطرف الآخر، من الأمور التي تتطلب وقتا كبيرا، من أجل الحصول على ثقته ورأيه، لأنه يرى أن الأمر إذ كان يتعلق بأمر شخصي هذا ما يجعله في الأخير مترددا في سؤاله، لأنه يخشى أن يكون ذلك الأمر يوقعه في الكثير من المشاكل والعقبات المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • مستشار ترامب عن التهجير: غزة بحاجة لإعادة إعمار وذلك يتطلب دعم الدول العربية|فيديو
  • “مجموعة لاهاي” تحرص على معاقبة إسرائيل وحكامها على المجازر التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني
  • ما هي الدول الأوروبية التي تعاني أكثر من غيرها من مشاكل التركيز والذاكرة؟
  • «تمسكت بحقوق شعبنا».. فلسطين ترحب بمواقف الدول التي رفضت التهجير والضم
  • إحالة أوراق المتهم بقضية «الدارك ويب» للمفتي لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه
  • 3 أبراج فلكية لا تحب الرأي والمشورة.. «قراراتها من دماغها»
  • حكومة الجزيرة: تشغيل جميع الخدمات في المناطق والمدن التي تم تحريرها
  • الرحبي : عمان من الدول التي تبنت سياسات في مجالات التنمية المستدامة ضمن رؤيتها لعام 2040
  • احتمال السقوط.. الحكومة الفرنسية أمام امتحان جديد
  • لغز السقوط.. كواليس مصرع "فتاة المرج" من أعلى العقار