شرق أوسط نتنياهو الجديد
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
عبيدلي العبيدلي **
بعيدًا عن خارطتي الشرق الأوسط اللتين حملهما بنيامين نتنياهو معه في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجد عبارة "إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد" هي الأكثر تكرارًا؛ بل ربما تكون الأكثر حضورًا ثابتًا في تصريحاته، التي توالت منذ حرب الإبادة في التي شنها، ولم تتوقف، على غزة، في 7 أكتوبر 2023.
وربما يستغرب البعض منَّا عندما يبحث عن سبب تمسك نتنياهو بالتعبير، والحرص على تكراره في العديد من المناسبات، حول خارطة منطقة معينة، هي الشرق الأوسط الجديد. والأكثر غرابة هو عدم كف نتنياهو عن تباهيه بـ "البعد السلمي" الذي يحمله مشروعه في ثناياه، والذي يمحو قوى الشر، ويفرش طريق قوى الخير بالورود بعد أن يضع حدًا لاندلاع أية حروب مستقبلية في المنطقة.
الغريب أن نتنياهو، يتباهى علنًا بسلمية مشروعه "الشرق أوسطي" وحالة الاستقرار الثابت التي ستنبثق عن ذلك المشروع، في منطقة لم يعرف تاريخها الحديث الاستقرار إلا في فترات قصيرة، ومتباعدة. والأغرب من ذلك، هو تجاهل نتنياهو شبه الإجماع الدولي على أن إسرائيل ذاتها هي أهم عامل يبرز واضحًا عند تشخيص الأسباب التي تقف وراء الحروب التي عرفتها المنطقة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية في نهاية أربعينات القرن الماضي.
في البدء لا بُد من الاتفاق على أن منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها البلدان العربية هي من المساحات الجغرافية القليلة التي تركت حدودها، بعد الحرب الكونية الثانية - وبشكل مقصود، سائبة وغير متماسكة وتحمل في طياتها الكثير من عناصر الكثير من الصراعات الإثنية، والعرقية، بل وحتى الدينية والسياسية، القابلة للاشتعال، عندما تتطلب مصالح الغير إثارتها. لكن ذلك لا يمت بصلة لما يكتنفه مشروع نتنياهو الشرق أوسطي التي تفصح سلوكيات نتنياهو، من غير قصد، أن أهم مكوناته هي:
1- على الصعيد السياسي: تنضوي دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط برمتها تحت عباءة مشرع إسرائيل الكبرى التي يعرف الجميع أين كانت بداية حدوده، لكن ليس هناك، بخلاف نتنياهو نفسه، من يجرؤ على رسم معالم حدوده النهائية، التي ستبقى تلك المعالم بحوزة إسرائيل وتحت تصرفها. وهي قابلة لتمدد، دون الانكماش، لما يخدم استراتيجيات إشباع شهوة التوسع الإسرائيلي والقوى التي تقف وراءه.
2- على الصعيد الاجتماعي: تضمن هياكل المشروع، وآليات علاقاته، الهيمنة المطلقة للشريحة اليهودية، الممسكة بأليات أداء مفاصلة، والمتحكمة في اتجاهاتها. بما يحقق التفوق المجتمعي لليهود الذين تكتنفهم الحدود السياسية لذلك المشروع، الذي سيحرص نتنياهو على أن تكون مفاصل أدائه الاجتماعية قادرة على بناء، وحماية مخرجات المعادلة التي تنظم العلاقات المجتمعية بين فئاته المختلفة بما يحقق ليس عدم توقف أداء تلك المعادلة فحسب، بل ودون تراجع سرعتها وكفاءة أدائها أيضا.
3- على الصعيد الاقتصادي: يحتفظ اليهود الصهاينة التحكم في مفاصل اقتصاد الدولة اليهودية التي ولدها ذلك المشروع. ويواصل أولئك اليهود، رسم هياكله، وتحديد آليات أدائه، ورسم محيط دائرة علاقاته، بما يضمن سيطرة المؤسسة الصهيونية العالمية على كل ذلك، ويحقق حصة الأسد من العائد المالي إلى أحضانها، على حساب مصالح وأداء الفئات الدينية والإثنية الأخرى. وتسخر كل موارد الدولة التي تسيطر على مقدرات ذلك المشروع الشرق أوسطي الذي يحلم به نتنياهو، وتتحكم فيها المؤسسة الصهيونية العالمية بوصف كونها المستفيدة الأكبر من مخرجات ذلك المشروع، قبل مدخلاته.
4- على الصعيد العسكري: يحرص المشروع على توفير كل مقومات التفوق العسكري للكيان السياسي الذي سيحتضن المشروع على المستويين. على الصعيد الخارجي، سيضمن المشروع تفوق ذلك الكيان على المحيط الجغرافي المجاور له، بحيث يضمن انتصاره في أي كل من أشكال الصدام، مهما كان حجمه ضئيلًا لا ينبغي الاستهانة به، أو كبيرًا لكيلا ينشر الرعب في قلوب الدول المحيطة به.
5- على صعيد الإدارة الدينية: تواصل إسرائيل تحكمها في إدارة المؤسسات الدينية التي تحتضنها حدود ذلك المشروع التوسعي، والسيطرة على أنشطتها، بما يخدم واستراتيجيات الدولة المنضوية تحت تلك الحدود، غير الثابتة، والقابلة للتوسع بشكل مستمر، بما يخدم السياسات الإسرائيلية، ومن ورائها المؤسسة الصهيونية العالمية.
باختصار شديد، يُفسِّر تمسك نتنياهو بالترويج لطموحه، غير المنطقي، وغير المبرر، أن يكون مهندس الشرق الأوسط الجديد، هو تلك الشمولية التي يكتنفها ذلك المشروع، الذي حاول المؤلف، بما تبيحه هوامش الكتابة، التحذير من مشروع متكامل يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي، علانية ودون مواربة.
لقد شكك الكثيرون في حظ نجاح مشروع مارشال الأمريكي، وهو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال جورج مارشال أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947.
لكن جاءت السياسات الخارجية الأمريكية اللاحقة كي تكشف النوايا الأمريكية الحقيقية الكامنة وراء المشروع. اليوم ونحن نتابع تصريحات نتنياهو علينا أن نقرأ ما تبن سطوره، كي لا نفاجأ بها بعد فوات الأوان، تمامًا كما أخذتنا على حين قرة ما أخفته تفاصيل مشروع مارشال الأمريكي تلك الواجهة البراقة التي روجت له.
** خبير إعلامي
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الشرق الأوسط ذلک المشروع على الصعید على أن
إقرأ أيضاً:
الرئيس الإندونيسي يزور 5 دول في الشرق الأوسط لدعم غزة
جاكرتا- غادر الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو الليلة جاكرتا ويرافقه وفد وزاري محدود، في جولة إقليمية ستشمل تركيا و4 دول عربية، مؤكدا أن عددا من وزرائه قد سبقوه إلى بعض عواصم هذه الدول.
وفي مؤتمر صحفي قبيل مغادرته، أعلن برابوو -الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة السابقة- أنه سيبدأ جولته بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث سيلتقي في أبو ظبي الشيخَ محمد بن زايد، للتشاور في قضايا سياسية واقتصادية دولية ولتبادل وجهات النظر.
ثم سيتوجه إلى أنقرة في زيارة رسمية لتركيا، ليلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دعاه للمشاركة في أحد المنتديات السياسية في أنطاليا، وقال برابوو إنه سيتشاور مع نظيره التركي بشأن قضايا جيوسياسية وجيواقتصادية، وبشأن التعاون بين البلدين في مجال الصناعات والتجارة والتعليم والثقافة، مؤكدا على متانة العلاقات بين البلدين.
ومن المقرر أيضا أن يزور الرئيس الإندونيسي السبت القادم القاهرة للقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي والتشاور معه، ثم سيتوجه إلى الدوحة في زيارة رسمية يلتقي بها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بهدف إنجاز عدد من الاتفاقيات بين البلدين والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الإستراتيجية، قبل أن يختم زيارته في الأردن بزيارة رسمية أيضا للتشاور مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
إعلان دور فعّالوقال الرئيس برابوو في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل مغادرته، إن زياراته هذه تأتي استجابة لمطالب كثيرة بأن تكون إندونيسيا أكثر فاعلية ونشاطا في دورها بدعم الجهود الرامية لإيجاد حل "للصراع" في قطاع غزة، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
وأضاف برابوو أنه رغم أن إندونيسيا بعيدة جغرافيا عن تلك المنطقة، لكنها تعد أكبر بلد مسلم في العالم، وكذلك لكونها دولة رائدة في حركة عدم الانحياز؛ فهي تتبع سياسة خارجية مستقلة وفاعلة، ولا تقبل الانضمام إلى أي تكتل، وهذا يجعلها ذات قبول لدى أطراف كثيرة.
وقال الرئيس "هذا الموقف يحملنا المسؤولية، ولذلك فإنني أقول إن إندونيسيا مستعدة للقيام بدور لو طلبت الأطراف المعنية ذلك، بما يتفق مع إمكانات وقدرات إندونيسيا".
وأكد برابوو أن بلاده مستعدة لإرسال المزيد من العون الإنساني لغزة، كما قامت بذلك سابقا، حيث أرسلت معونات وفرقا طبية عملت في ظروف صعبة وخطيرة في غزة، وقال إن إندونيسيا مستعدة لاستقبال الضحايا من الجرحى والأيتام الفلسطينيين.
وبشأن ذلك، قال الرئيس إن وزير الخارجية الإندونيسي سوجيونو سيتشاور مع المسؤولين الفلسطينيين والأطراف المعنية، بشأن كيفية تنفيذ إجلاء من هم في حاجة لذلك، قائلا إن "إندونيسيا سترسل طائراتها لنقلهم".
وتوقع برابوو أن يكون عددهم في الدفعة الأولى نحو ألف شخص، ممن يوافق الجانب الفلسطيني على إجلائهم ويريدون المجيء إلى إندونيسيا، مشترطا توافق جميع الأطراف المعنية، وأن يكون بقاؤهم في إندونيسيا مؤقتا إلى حين تعافيهم وتحسن الأوضاع في غزة.
"ولهذا السبب كان يجب التشاور مع قادة الدول في المنطقة" وفق ما قال الرئيس، مشيرا إلى أن إندونيسيا لطالما تلقت اتصالات ورسائل حملتها شخصيات زارتها، بخصوص استعداد إندونيسيا للمساهمة بإيجاد مخرج للوضع في قطاع غزة، وقال "هذا أمر معقد وليس بالسهل، ولكن التزام إندونيسيا بدعم سلامة الشعب الفلسطيني ودعم استقلال فلسطين يدفع الحكومة الإندونيسية إلى أن تقوم بدور أكثر فاعلية".
إعلان