جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-29@05:56:49 GMT

شرق أوسط نتنياهو الجديد

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

شرق أوسط نتنياهو الجديد

عبيدلي العبيدلي **

بعيدًا عن خارطتي الشرق الأوسط اللتين حملهما بنيامين نتنياهو معه في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجد عبارة "إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد" هي الأكثر تكرارًا؛ بل ربما تكون الأكثر حضورًا ثابتًا في تصريحاته، التي توالت منذ حرب الإبادة في التي شنها، ولم تتوقف، على غزة، في 7 أكتوبر 2023.


وربما يستغرب البعض منَّا عندما يبحث عن سبب تمسك نتنياهو بالتعبير، والحرص على تكراره في العديد من المناسبات، حول خارطة منطقة معينة، هي الشرق الأوسط الجديد. والأكثر غرابة هو عدم كف نتنياهو عن تباهيه بـ "البعد السلمي" الذي يحمله مشروعه في ثناياه، والذي يمحو قوى الشر، ويفرش طريق قوى الخير بالورود بعد أن يضع حدًا لاندلاع أية حروب مستقبلية في المنطقة. 
الغريب أن نتنياهو، يتباهى علنًا بسلمية مشروعه "الشرق أوسطي" وحالة الاستقرار الثابت التي ستنبثق عن ذلك المشروع، في منطقة لم يعرف تاريخها الحديث الاستقرار إلا في فترات قصيرة، ومتباعدة. والأغرب من ذلك، هو تجاهل نتنياهو شبه الإجماع الدولي على أن إسرائيل ذاتها هي أهم عامل يبرز واضحًا عند تشخيص الأسباب التي تقف وراء الحروب التي عرفتها المنطقة منذ نهاية الحرب الكونية الثانية في نهاية أربعينات القرن الماضي. 
في البدء لا بُد من الاتفاق على أن منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها البلدان العربية هي من المساحات الجغرافية القليلة التي تركت حدودها، بعد الحرب الكونية الثانية - وبشكل مقصود، سائبة وغير متماسكة وتحمل في طياتها الكثير من عناصر الكثير من الصراعات الإثنية، والعرقية، بل وحتى الدينية والسياسية، القابلة للاشتعال، عندما تتطلب مصالح الغير إثارتها. لكن ذلك لا يمت بصلة لما يكتنفه مشروع نتنياهو الشرق أوسطي التي تفصح سلوكيات نتنياهو، من غير قصد، أن أهم مكوناته هي:
1- على الصعيد السياسي: تنضوي دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط برمتها تحت عباءة مشرع إسرائيل الكبرى التي يعرف الجميع أين كانت بداية حدوده، لكن ليس هناك، بخلاف نتنياهو نفسه، من يجرؤ على رسم معالم حدوده النهائية، التي ستبقى تلك المعالم بحوزة إسرائيل وتحت تصرفها. وهي قابلة لتمدد، دون الانكماش، لما يخدم استراتيجيات إشباع شهوة التوسع الإسرائيلي والقوى التي تقف وراءه.
2- على الصعيد الاجتماعي: تضمن هياكل المشروع، وآليات علاقاته، الهيمنة المطلقة للشريحة اليهودية، الممسكة بأليات أداء مفاصلة، والمتحكمة في اتجاهاتها. بما يحقق التفوق المجتمعي لليهود الذين تكتنفهم الحدود السياسية لذلك المشروع، الذي سيحرص نتنياهو على أن تكون مفاصل أدائه الاجتماعية قادرة على بناء، وحماية مخرجات المعادلة التي تنظم العلاقات المجتمعية بين فئاته المختلفة بما يحقق ليس عدم توقف أداء تلك المعادلة فحسب، بل ودون تراجع سرعتها وكفاءة أدائها أيضا.
3- على الصعيد الاقتصادي: يحتفظ اليهود الصهاينة التحكم في مفاصل اقتصاد الدولة اليهودية التي ولدها ذلك المشروع. ويواصل أولئك اليهود، رسم هياكله، وتحديد آليات أدائه، ورسم محيط دائرة علاقاته، بما يضمن سيطرة المؤسسة الصهيونية العالمية على كل ذلك، ويحقق حصة الأسد من العائد المالي إلى أحضانها، على حساب مصالح وأداء الفئات الدينية والإثنية الأخرى. وتسخر كل موارد الدولة التي تسيطر على مقدرات ذلك المشروع الشرق أوسطي الذي يحلم به نتنياهو، وتتحكم فيها المؤسسة الصهيونية العالمية بوصف كونها المستفيدة الأكبر من مخرجات ذلك المشروع، قبل مدخلاته.
4- على الصعيد العسكري: يحرص المشروع على توفير كل مقومات التفوق العسكري للكيان السياسي الذي سيحتضن المشروع على المستويين. على الصعيد الخارجي، سيضمن المشروع تفوق ذلك الكيان على المحيط الجغرافي المجاور له، بحيث يضمن انتصاره في أي كل من أشكال الصدام، مهما كان حجمه ضئيلًا لا ينبغي الاستهانة به، أو كبيرًا لكيلا ينشر الرعب في قلوب الدول المحيطة به.
5- على صعيد الإدارة الدينية: تواصل إسرائيل تحكمها في إدارة المؤسسات الدينية التي تحتضنها حدود ذلك المشروع التوسعي، والسيطرة على أنشطتها، بما يخدم واستراتيجيات الدولة المنضوية تحت تلك الحدود، غير الثابتة، والقابلة للتوسع بشكل مستمر، بما يخدم السياسات الإسرائيلية، ومن ورائها المؤسسة الصهيونية العالمية.
باختصار شديد، يُفسِّر تمسك نتنياهو بالترويج لطموحه، غير المنطقي، وغير المبرر، أن يكون مهندس الشرق الأوسط الجديد، هو تلك الشمولية التي يكتنفها ذلك المشروع، الذي حاول المؤلف، بما تبيحه هوامش الكتابة، التحذير من مشروع متكامل يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي، علانية ودون مواربة.
لقد شكك الكثيرون في حظ نجاح مشروع مارشال الأمريكي، وهو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال جورج مارشال أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي منذ يناير 1947.
لكن جاءت السياسات الخارجية الأمريكية اللاحقة كي تكشف النوايا الأمريكية الحقيقية الكامنة وراء المشروع. اليوم ونحن نتابع تصريحات نتنياهو علينا أن نقرأ ما تبن سطوره، كي لا نفاجأ بها بعد فوات الأوان، تمامًا كما أخذتنا على حين قرة ما أخفته تفاصيل مشروع مارشال الأمريكي تلك الواجهة البراقة التي روجت له.
** خبير إعلامي
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الشرق الأوسط ذلک المشروع على الصعید على أن

إقرأ أيضاً:

" البلياتشو" يحتفل مع أطفال الصعيد محاربي السرطان بالعام الجديد

احتفل "البلياتشو" مع أطفال الصعيد مرضى السرطان، فى مستشفى شفاء الأورمان لعلاج الأورام بالمجان، لقرب قدوم العام الميلادي الجديد، بتوزيع الهدايا فى جو من الفرحة والسعادة، للتأكيد على مساندة المستشفى للمرضى، لبث روح التحدى، والامل والحماس فى نفوس الأطفال مرضى السرطان، ومساعدتهم على تخطي المرض بمعنويات مرتفعة.

وتواجد" البلياتشو" بملابسه الزاهية، وألوانه المبهجة في الوجه ورأسه وعينيه الملونان، بتحرك فى اركان المستشفى بخفة وحركات تدفع الأطفال الى الضحك والإبتسامة، بجانب زيارته لهم فى غرفهم لتوزيع الهدايا، والتقاط الصور التذكارية معهم، وعمل حركات والعاب اكروباتية وفنية مع الاطفال لدعمهم خلال رحلتهم العلاجية، والمساعدة فى تحسين حالتهم الصحية، وإخراجهم من أجواء المرض.

ورحب محمود فؤاد، الرئيس التنفيذي لمؤسسة شفاء الأورمان؛ بمجموعة الشباب القادمين من شبرا الخيمة لمؤازرة ودعم الأطفال داخل المستشفى ، مؤكدا  إن ذلك يخفف من معاناة الأطفال المرضى.
وأشاد فؤاد، بالمبادرات والمؤسسات والهيئات من أجل دعم الأطفال وتقديم الدعم المعنوي بصورة متنوعة تعمل على إسعاد الأطفال المرضي في كافة المناسبات.

مقالات مشابهة

  • الشرق الأوسط الجديد والفوضى اللاخلَّاقة
  • " البلياتشو" يحتفل مع أطفال الصعيد محاربي السرطان بالعام الجديد
  • هكذا سيفاجئهم الشرق الأوسط دائماً
  • العين يحصد جائزة أفضل نادٍ في الشرق الأوسط من "غلوب سوكر"
  • رونالدو يتوج بجائزة أفضل لاعب في الشرق الأوسط
  • الهدنة والمهلة تضيق .. هل سيواجه الشرق الأوسط الجحيم الذي توعده ترمب ؟!
  • شغلت الشرق الأوسط والعالم.. إليك أبرز 10 أخبار كاذبة خلال 2024
  • هل تتنهي حروب إسرائيل في 2025؟  
  • عودة جوائز تيك توك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا