هل حديث "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" صحيح؟
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
تعد الصلاة في جماعة من أهم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ومن أهم جوانب الصلاة الجماعية هي تسوية الصفوف بين المصلين، في كثير من الأحيان، نسمع الأئمة في المساجد يقولون: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، وإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"، ولكن هل هذا الحديث صحيح؟
حديث "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"بعد البحث والتدقيق في الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في كتب السنة، تبين أن عبارة "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" لا يوجد لها أي سند صحيح في الأحاديث المعتبرة.
من المعروف أن هذه العبارة شائعة بين الناس وعلى ألسنة بعض الأئمة في المساجد، لكنها في الحقيقة لا توجد في كتب الحديث الصحيحة ولا الضعيفة.
وقد أكد الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه الشرح الممتع أن هذا الحديث ليس له أصل صحيح، وأنه مجرد قول شائع لا يعتمد عليه في الفقه. كما أضاف الشيخ مشهور حسن في كتابه القول المبين في أخطاء المصلين أنه لا يوجد لهذا الحديث أي أساس من الصحة.
لكن ذلك لا يعني أن تسوية الصفوف في الصلاة أمر غير مهم. بل على العكس، تسوية الصفوف تعتبر من السنن الثابتة في الإسلام، وقد وردت في العديد من الأحاديث الصحيحة التي حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة تسوية الصفوف في الصلاة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" (متفق عليه). هذا الحديث يؤكد على أهمية توازي الصفوف وتسويتها قبل أن يبدأ الإمام الصلاة، حيث إن هذه التسوية تُعتبر جزءاً من إتمام الصلاة بشكل صحيح.
الأحاديث التي توضح كيفية تسوية الصفوفوعن هذه القضية، يذكر العديد من الأحاديث التي توضح كيفية تسوية الصفوف وضرورة ذلك. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي بالناس، تقدم إليهم وقال: "تراصوا واعتدلوا" (متفق عليه). وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على ترتيب الصفوف قبل الصلاة.
وفي حديث آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم" (رواه أحمد). في هذا الحديث، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوجه الصحابة إلى ضرورة التسوية التامة بين الصفوف، بل ويوضح أن أي خلل بين المصلين في الصفوف قد يكون مدخلًا للشيطان ليؤثر على الصلاة.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر قوله: "أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر" (رواه أحمد). ويعني بذلك أن الصف الأول هو الأكثر أهمية، ويجب أن يتم حجزه للمصلين الأكثر حرصًا على الصلاة، بينما في حال وجود نقص في الصفوف يمكن أن يكون في الصفوف الخلفية.
من الأحاديث الأخرى التي تبين أهمية تسوية الصفوف قوله صلى الله عليه وسلم: "لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" (متفق عليه). في هذا الحديث، نجد تحذيرًا شديدًا من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتهاون في تسوية الصفوف، ويُظهر ذلك أهمية التسوية في تمام الصلاة وصحتها.
الهدف من تسوية الصفوف في الصلاةوالهدف من تسوية الصفوف في الصلاة ليس فقط الحفاظ على الانضباط والنظام بين المصلين، بل يتعدى ذلك إلى أن هذه التسوية تمثل صورة من الوحدة والترابط بين المسلمين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقال الصحابة: "كيف تصف الملائكة عند ربها؟" فقال صلى الله عليه وسلم: "يتمون الأول ويتراصون في الصف" (رواه مسلم وغيره). وهذا يدل على أن التسوية والتراص في الصفوف يعتبران من صفات الملائكة، ويجب أن يحاكي المسلمون هذا النظام في صفوفهم أثناء الصلاة.
وبذلك، يتضح أن القول "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأي شكل من الأشكال، ولكن يجب على المسلم أن يلتزم بتسوية الصفوف في الصلاة، وأن يحرص على الاتصال التام بين الصفوف والتراص في الصلاة، كما ورد في العديد من الأحاديث الصحيحة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الله الصلاة تسوية الصفوف تسوية الصفوف في الصلاة النبي صلى الله عليه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم من الأحادیث هذا الحدیث فی الصفوف فی الصف
إقرأ أيضاً:
هل التأمين على السيارات حلال أم حرام؟.. الإفتاء تكشف
كشفت دار الإفتاء المصرية، حكم التأمين على السيارات، مشيرة إلى أنه جائزٌ شرعًا؛ لأنه في حقيقته تبرعٌ وليس معاوضةً ولا ضريبةً تحصل بالقوة، بل هو من التكافل والتضامن والتعاون على البر في رفع ما يصيب الأفراد من أضرار الحوادث ونحوها، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
هل يجوز إخراج زكاة المال طعام للفقراء؟.. أمين الإفتاء يجيب
هل يجوز للفتاة صلاة قضاء الحاجة للزواج من شخص معين؟.. الإفتاء توضح
ما التناجي الذي نهى عنه الرسول ومتى يجوز؟.. الإفتاء تجيب
هل تُقبل الصدقة من مال مصدره حرام؟.. الإفتاء توضح الفرق بين التصدّق وتبرئة الذمّة
وسبق لـ دار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى في شأن التأمين ونصت على :
لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملاتِ المستحدثةِ التي لم يرد بشأنها نصٌّ شرعيٌّ بالحلِّ أو بالحرمة شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك فقد خضع التعامل به لاجتهادات العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى» رواه البخاري، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب.
والتأمين على ثلاثة أنواع:
الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات؛ لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم.
الثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، وتقوم به الدولة.
الثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.
والنوع الأول والثاني يكاد الإجماع أن يكون منعقدًا على أنهما موافقان لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعًا في الأصل، وتعاونًا على البر والتقوى، وتحقيقًا لمبدأ التكافل الاجتماعي، والتعاون بين المسلمين دون قصدٍ للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولا تعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربًا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.
أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري ومنه التأمين على الأشخاص فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرامٌ؛ لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالفُ الشريعةَ الإسلامية؛ لأنه قائم أساسًا على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر، وأنه تبرعٌ في الأصل وليس معاوضة، واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، فقالوا: إن لفظ العقود عامٌّ يشمل كل العقود ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورًا لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث لم يبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن العموم يكون مرادًا ويدخل عقد التأمين تحت هذا العموم.
وأما السنة فقد روي عن عمرو بن يثربي الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى، وكان فيما خطب: «وَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» رواه أحمد، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذله من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص فيكون حلالًا.
ومن المعقول: أن التأمين وهو تبرعٌ من المؤمِّن؛ حيث يتبرع بالقسط المدفوع، وتبرع من جهة أخرى من الشركة؛ حيث تتبرع بقيمة التأمين، وذلك على سبيل توزيع المخاطر والتعاون على حمل المبتلى لا يشتمل على منهي شرعًا.
كما استدلوا أيضًا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدرٌ من مصادر التشريع كما هو معلوم، وكذا المصلحة المرسلة، كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه فيكون حلالًا.