قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إن التغيرات التي طرأت على البشرية لم تقتصر على المظاهر المادية فحسب، بل شملت أيضًا تطورات جوهرية في الشخصية البشرية والتفاعلات الاجتماعية والفكرية.

 وأوضح جمعة أن العالم اليوم بات يتعامل مع ثلاثة عوالم مترابطة ولكنها مختلفة في طبيعتها: عالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار.

الشخصية الاعتبارية.. تطور مستقل

أشار جمعة إلى أن "عالم الأشخاص" شهد تطورًا لافتًا، حيث نشأت الشخصية الاعتبارية التي استقلت عن الشخصية الطبيعية، لتصبح كيانًا قائمًا بذاته، يحمل أحكامًا وقواعد مختلفة. وقال:"الشخصية الاعتبارية لا تمتلك نفسًا ناطقة تحتاج إلى شعور أو حب، ولا يُخشى عليها من سوء الخُلق أو دناءة الطبع، مما جعل التعامل معها موضوعيًّا وبعيدًا عن الذاتية التي كانت تسيطر على التعامل مع الشخصية الطبيعية."

وأوضح أن هذا الفصل بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية أدى إلى تغيرات عميقة في العلاقات الاجتماعية والمؤسسية، مما أثر على طريقة التعامل مع الأفراد والمؤسسات.

عالم الأحداث.. بين التفاعل والتحليل

وفي حديثه عن "عالم الأحداث"، أكد جمعة أن الأحداث تنشأ من التفاعل بين الأشخاص والأشياء، ما يجعلها تتطلب تحليلاً معمقًا للمضمون وتوقعات دقيقة للمستقبل. وبيّن أن إدارة الأحداث تحتاج إلى:

تحليل المضمون لفهم المعاني والدلالات.توقع المستقبل للتنبؤ بالتغيرات القادمة.السيطرة والتوجيه في بعض الأحيان لضمان تحقيق الأهداف.حساب المآلات وترتيب الأولويات بما يتماشى مع المصالح العامة وواجب الوقت.

وأشار جمعة إلى أن هذه التحليلات أصبحت جزءًا أساسيًا من إدارة الواقع المعاصر، حيث تتطلب الأحداث معايير دقيقة للتعامل معها بفعالية.

عالم الأفكار.. معيار إسلامي للتقويم

أما "عالم الأفكار"، فقد أكد جمعة أهمية وجود معيار للتقويم يتم من خلاله قبول الأفكار الصالحة ورفض الأفكار الطالحة. وأوضح أن هذا المعيار يرتبط بالنموذج المعرفي الإسلامي، الذي يستند إلى الكتاب والسنة، وفهم الصحابة، والتجربة التاريخية، ومنظومة القيم، ومقاصد الشرع.

 وقال:"كل عنصر من هذه العناصر يحمل معانيه الخاصة التي تساهم في تكوين معيار شامل يتيح تقويم الأفكار بما يتماشى مع الرؤية الإسلامية للإنسان والكون والحياة."

النقطة الفارقة في التاريخ الحديث

وفي سياق حديثه عن الواقع والتغيرات التي طرأت على العالم، أشار جمعة إلى أن الفترة بين عامي 1830 و1930 شهدت نقلة نوعية في حياة الإنسان اليومية. وقال إن العلماء حددوا عام 1830 كنقطة فارقة بسبب إدخال الإنجليز الحديد في بناء السفن، وهو اكتشاف غيّر التوازن الحضاري بين الشرق والغرب.

وأضاف:"هذا الاختراع لم يقابله في محور الإسلام، الممتد من طنجة إلى جاكرتا، اكتشاف مشابه. أدى هذا الاختلاف إلى شعور بالاحتياج والتبعية في العالم الإسلامي، مما أثر على شعور الندية بين الشرق والغرب، الذي تضاءل بشكل ملحوظ بعد الحروب الصليبية."

رؤية مستقبلية للتفاعل مع العوالم الثلاثة

اختتم الدكتور جمعة حديثه بالتأكيد على أهمية إدراك هذه العوالم الثلاثة: الأشخاص، والأحداث، والأفكار، من أجل فهم أعمق للتغيرات التي طرأت على البشرية. ودعا إلى استلهام النموذج الإسلامي في التعامل مع الأفكار والأحداث، لتحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة في مواجهة تحديات الواقع الحديث.

هذا الطرح الفلسفي يعكس رؤية عميقة للتطورات التي مر بها العالم، ويوجه النظر إلى أهمية التفاعل الإيجابي مع هذه العوالم لتحقيق نهضة شاملة تستند إلى القيم والمبادئ الإسلامية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جمعة كبار العلماء عالم الأحداث عالم الأشخاص التعامل مع

إقرأ أيضاً:

عبد الله مجيد يفجّرها: انسحبت من الترشح لاتحاد الكرة بسبب التكتلات والمصالح الشخصية

عبد الله مجيد يفجّرها: انسحبت من الترشح لاتحاد الكرة بسبب التكتلات والمصالح الشخصية

مقالات مشابهة

  • معرض “فن المملكة: إضاءات شاعرية” يحطّ رحاله في بكين
  • عبد الله مجيد يفجّرها: انسحبت من الترشح لاتحاد الكرة بسبب التكتلات والمصالح الشخصية
  • فعاليات متنوعة على الساحة الرئيسية تجمع بين التراث والفن المعاصر في رحاب جرش
  • ساكاليان لـ سانا: اللجنة على استعداد تام لمواصلة العمل للتخفيف من تبعات الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء على المجتمعات المتأثرة، حيث انضم فريق منها الإثنين الفائت إلى القوافل الإنسانية التابعة للهلال الأحمر العربي السوري التي دخلت محافظة السويداء، ضمن ا
  • علي جمعة: الرضا والتسليم والتوكل مفاتيح النجاة في عالم يملكه الله
  • مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية
  • وظائف حكومية شاغرة ومدعوون للمقابلات الشخصية
  • كيف نؤمن بالمهدى المنتظر؟.. علي جمعة يوضح
  • فتح خزائن الدماغ.. هل يمكن قراءة الأفكار؟
  • أخبار محافظة سوهاج.. أبرز الأحداث في 24 ساعة