تطور الشخصيات والأفكار في المجتمع المعاصر.. جمعة يوضح
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إن التغيرات التي طرأت على البشرية لم تقتصر على المظاهر المادية فحسب، بل شملت أيضًا تطورات جوهرية في الشخصية البشرية والتفاعلات الاجتماعية والفكرية.
وأوضح جمعة أن العالم اليوم بات يتعامل مع ثلاثة عوالم مترابطة ولكنها مختلفة في طبيعتها: عالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار.
أشار جمعة إلى أن "عالم الأشخاص" شهد تطورًا لافتًا، حيث نشأت الشخصية الاعتبارية التي استقلت عن الشخصية الطبيعية، لتصبح كيانًا قائمًا بذاته، يحمل أحكامًا وقواعد مختلفة. وقال:"الشخصية الاعتبارية لا تمتلك نفسًا ناطقة تحتاج إلى شعور أو حب، ولا يُخشى عليها من سوء الخُلق أو دناءة الطبع، مما جعل التعامل معها موضوعيًّا وبعيدًا عن الذاتية التي كانت تسيطر على التعامل مع الشخصية الطبيعية."
وأوضح أن هذا الفصل بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية أدى إلى تغيرات عميقة في العلاقات الاجتماعية والمؤسسية، مما أثر على طريقة التعامل مع الأفراد والمؤسسات.
عالم الأحداث.. بين التفاعل والتحليلوفي حديثه عن "عالم الأحداث"، أكد جمعة أن الأحداث تنشأ من التفاعل بين الأشخاص والأشياء، ما يجعلها تتطلب تحليلاً معمقًا للمضمون وتوقعات دقيقة للمستقبل. وبيّن أن إدارة الأحداث تحتاج إلى:
تحليل المضمون لفهم المعاني والدلالات.توقع المستقبل للتنبؤ بالتغيرات القادمة.السيطرة والتوجيه في بعض الأحيان لضمان تحقيق الأهداف.حساب المآلات وترتيب الأولويات بما يتماشى مع المصالح العامة وواجب الوقت.وأشار جمعة إلى أن هذه التحليلات أصبحت جزءًا أساسيًا من إدارة الواقع المعاصر، حيث تتطلب الأحداث معايير دقيقة للتعامل معها بفعالية.
عالم الأفكار.. معيار إسلامي للتقويمأما "عالم الأفكار"، فقد أكد جمعة أهمية وجود معيار للتقويم يتم من خلاله قبول الأفكار الصالحة ورفض الأفكار الطالحة. وأوضح أن هذا المعيار يرتبط بالنموذج المعرفي الإسلامي، الذي يستند إلى الكتاب والسنة، وفهم الصحابة، والتجربة التاريخية، ومنظومة القيم، ومقاصد الشرع.
وقال:"كل عنصر من هذه العناصر يحمل معانيه الخاصة التي تساهم في تكوين معيار شامل يتيح تقويم الأفكار بما يتماشى مع الرؤية الإسلامية للإنسان والكون والحياة."
النقطة الفارقة في التاريخ الحديثوفي سياق حديثه عن الواقع والتغيرات التي طرأت على العالم، أشار جمعة إلى أن الفترة بين عامي 1830 و1930 شهدت نقلة نوعية في حياة الإنسان اليومية. وقال إن العلماء حددوا عام 1830 كنقطة فارقة بسبب إدخال الإنجليز الحديد في بناء السفن، وهو اكتشاف غيّر التوازن الحضاري بين الشرق والغرب.
وأضاف:"هذا الاختراع لم يقابله في محور الإسلام، الممتد من طنجة إلى جاكرتا، اكتشاف مشابه. أدى هذا الاختلاف إلى شعور بالاحتياج والتبعية في العالم الإسلامي، مما أثر على شعور الندية بين الشرق والغرب، الذي تضاءل بشكل ملحوظ بعد الحروب الصليبية."
رؤية مستقبلية للتفاعل مع العوالم الثلاثةاختتم الدكتور جمعة حديثه بالتأكيد على أهمية إدراك هذه العوالم الثلاثة: الأشخاص، والأحداث، والأفكار، من أجل فهم أعمق للتغيرات التي طرأت على البشرية. ودعا إلى استلهام النموذج الإسلامي في التعامل مع الأفكار والأحداث، لتحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة في مواجهة تحديات الواقع الحديث.
هذا الطرح الفلسفي يعكس رؤية عميقة للتطورات التي مر بها العالم، ويوجه النظر إلى أهمية التفاعل الإيجابي مع هذه العوالم لتحقيق نهضة شاملة تستند إلى القيم والمبادئ الإسلامية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة كبار العلماء عالم الأحداث عالم الأشخاص التعامل مع
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: وسائل الإعلام تلعب دورا مهما في التصدي للشائعات والأفكار المتطرفة
الْتقَى الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بعدد من الإعلاميين والصحفيين في جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أكَّد خلال اللقاء على الدَّور المحوري الذي تقوم به المؤسسات الدينية في تعزيز الوعي الفكري والديني والمشاركة في عملية البناء والتنمية.
المفتي: المؤسسات الدينية شريك أساسي في بناء الوعي وتعزيز الاستقرار المجتمعيوأعرب المفتي عن تقديره الكبير للدَّور الذي يقوم به الإعلام والصحافة في نقل الصورة الصحيحة والتصدي للشائعات والأفكار المتطرفة، مؤكدًا أنَّ التعاون المستمر بين المؤسسات الدينية والإعلامية هو السبيل الأمثل لتحقيق وعي مجتمعي مُتَّزن قائم على العلم والمعرفة والفهم الصحيح للدين.
وأوضح أنَّ دار الإفتاء المصرية تبذل جهودًا كبيرة لمواكبة التحديات المعاصرة والتعامل مع القضايا المجتمعية والفكرية والدينية بواقعية ومنهجية علمية رصينة، مشيرًا إلى أن التصدي للقضايا المعاصرة يتطلب فهمًا دقيقًا للنصوص الشرعية مع مراعاة الواقع، وذلك دون المساس بقدسية هذه النصوص أو تجاهلها تحت دعاوى الحداثة.
المفتي: التعاون بين المؤسسات الدينية والإعلامية ضرورة لمواجهة الشائعات وتصحيح المفاهيم المغلوطةوأوضح أن جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض الكتاب هذا العام يشهد نقلة نوعية في محتواه وطريقة عرضه، ولم يَعُدْ مقتصرًا على عرض الإصدارات العلمية وبيعها، بل أصبح مِنصَّة تفاعلية لمناقشة القضايا المجتمعية الشائكة من خلال ندوات وفعاليات يشارك فيها خبراء في مختلف المجالات، حيث عقدت الدار عدة ندوات مثل:
- الفتوى والدراما، لمناقشة العَلاقة بين الشريعة والفنون.
- الفتوى والظواهر المجتمعية، بمشاركة متخصصين في علم الاجتماع والشريعة.
- الفتوى والصحة النفسية؛ لبحث تأثير الفتاوى على التوازن النفسي للمجتمع.
- الفتوى وفقه التعايش؛ لتعزيز قِيَم التسامح والمواطنة والتعايش المشترك.
وأشار المفتي إلى أن الدار تُولي اهتمامًا خاصًّا بتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يجري ترويجها باسم الدين، وذلك من خلال تقديم الفتاوى المتخصصة التي تتناول قضايا العصر، مثل: الجهاد، والتحول الجنسي، وقضايا المرأة، والفتاوى الطبية، وفقه الدولة، وحقوق المواطنة، مؤكدًا أن هذه الفتاوى تستند إلى قواعد علمية رصينة وتصدر عن أهل التخصص، وهو ما يضمن دقة الطرح وسلامة الاستنتاجات.
كما كشف فضيلة المفتي عن عدد من الإصدارات العلمية الجديدة التي أطلقتها الدار هذا العام، والتي تسلِّط الضوءَ على مختلف القضايا الفكرية والاجتماعية، مثل فتاوى وقضايا تشغل الأذهان في ثلاثة أجزاء، تتناول القضايا الشائكة المتعلقة بالعقيدة، والتكفير، والعبادات، والفنون وغيرها، وكتاب فتاوى المرأة، وهو إصدار شامل يوضح الأحكام الشرعية المتعلقة بشؤون المرأة المختلفة بأسلوب واضح وسَلس، وكتاب دليل الأسرة في الإسلام، وهو كتاب يهدُف إلى تعزيز القيم الأسرية الصحيحة ومواجهة المفاهيم الدخيلة التي تهدف إلى تفكيك بِنية الأسرة التقليدية، وكتاب أصول الفقه تاريخه وتطوره، وهو إصدار علمي يوثق مراحل تطور علم أصول الفقه، ويوضح دَوره في ضبط عملية الفتوى، وكتاب الدليل الإرشادي للإجابة عن أسئلة الأطفال الوجودية، وكتاب فقه الدولة وغيرها من الإصدارات المهمة.
الفتوى المؤسسية تعني الرجوع إلى العلماء المتخصصين في المؤسسات الدينية الرسميةوفي ردِّه على مداخلات الصحفيين، أوضح عياد أن التمييز بين الفتوى الصحيحة وغير الصحيحة يعتمد على أمرين أساسيين؛ الأول هو الرجوع إلى الفتوى المؤسسية الصادرة عن الجهات الدينية المعتبرة، والثاني هو الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة والمنصات الرقمية الموثوقة في نشر الفتاوى وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
وأضاف أن الفتوى المؤسسية تعني الرجوع إلى العلماء المتخصصين في المؤسسات الدينية الرسمية، مصداقًا لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، مشيرًا إلى أن الإنسان في مختلف مجالات الحياة يلجأ إلى أهل التخصص، فالمريض يذهب إلى الطبيب، ومن يريد تشييد بناء يستعين بالمهندس، وكذلك الأمر في الشأن الديني، حيث ينبغي الرجوع إلى العلماء المعتبرين لضمان صحة الفتوى ومواءمتها لمقاصد الشريعة.
وأشار إلى أنَّ مصر تتميز بوجود مؤسسات دينية راسخة تحظى بالاحترام والثقة، على رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف المصرية، والتي تعمل جميعها على تقديم الفتاوى الصحيحة المستندة إلى العلم الشرعي والمنهج الوسطي، مؤكدا أن دار الإفتاء تعمل على توسيع نطاق خدماتها الإفتائية من خلال افتتاح فروع جديدة في مختلف المحافظات؛ وذلك بهدف تيسير وصول المواطنين إلى الفتاوى الصحيحة من مصادرها الموثوقة، ضمن خطة تنموية تهدُف إلى محاربة الجهل والتصدي للأفكار المغلوطة.
وأكَّد أنَّ الوسائل الإلكترونية أصبحت ضرورة لا يمكن التغافل عنها في نشر المعرفة الدينية الصحيحة والتواصل مع الجمهور، مشيرًا إلى أنَّ دار الإفتاء المصرية أدركت أهمية هذه الأدوات وسخَّرت التكنولوجيا الحديثة لخدمة الفتوى الشرعية، منها الفتوى الهاتفية عبر الخط الساخن، والفتوى المكتوبة، والفتوى الشفوية، إضافة إلى الفتوى الإلكترونية عبر موقع الدار الرسمي وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشدَّد فضيلة المفتي على أن اتِّباع الفتوى الصحيحة مسؤولية كبيرة، مما يستوجب على كل فرد الرجوع إلى مُفْتٍ معتمد ينتمي إلى مؤسسة دينية معروفة، حتى إذا ما وُجد خلل أو خطأ في الفتوى، تكون هذه المؤسسة قادرة على تصحيح المسار وضبط الفتوى بما يحقق الأمن والسلم المجتمعي.