بوابة الوفد:
2025-04-29@15:36:50 GMT

نبع الحنان.. كم أفتقدكِ!!

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

 

كثيراً ما يمر بخيالى طيفٌ من الذكريات، فيحتل وجهها عقلى وتسيطر عليه قَسماته الحنون، فتجتاحنى مشاعر متباينة هى مزيج من الحنين والاشتياق لرؤيتها مجدداً، رغم يقينى أن ذلك محض أوهام وحينما لا أتمكن من ذلك تسيطر على غُصة مقبضة للقلب، فتتناوبنى صور أشبه بمشاهد «الفلاش باك» السينمائية من حياتى؛ طفولتى، صباى، أتصبر بها،  فأتذكر من خلالها وجهها الغائب عنى منذ أن وافتها المنية؛ ذلك الوجه البشوش الذى دائماً ما يبعث فى قلبى الطمأنينة والحنان والأمان، أتذكر المزيد والمزيد من المواقف؛ فها هى فى أحدها تصيح بى عندما وجدتنى عائداً ذات مرة من إحدى مشاجرات المدرسة مع أحد زملائى وقد تمزقت ملابسى وهى تنهرنى: «لو ما خدتش حقك من اللى ضربك لا أنت ابنى ولا أعرفك»!! ثم لا تلبث أن تعانقنى وهى تبكى ولا تهدأ إلا بعد أن ترافقنى بعدها إلى المدرسة كى تطمئن علىّ، وهكذا كان دأبها فى أى مشكلة أتعرض لها فكانت بمثابة الملاذ والدرع الواقية التى أحتمى بها ولا أبالى شيئاً فى الحياة مهما تعاظم ما دامت بجانبى.

وها هو صوتها فى موقف آخر يتسلل إلى عقلى عندما كنت مريضاً وهى تضع يدها على وجههى وصوتها ينضح بالحنان قائلة لى «مالك شكلك تعبان يا حبيبى، أعملك حاجة سخنة، أو أقولك تعال معايا للدكتور أحسن»، وها أنا أتذكر رجائى لها فى مشهد آخر قبل كل امتحان «والنبى يا أمى ادعيلى علشان الامتحان يعدّى».

وتتعدد المشاهد والصور والذكريات فأرى نفسى وقد تزوجت وتأخذنى مشاغل الحياة فلا أراها ردحاً من الزمان، فأجد صوتها الحنون عبر التليفون دائم الاتصال بى للاطمئنان علىَّ قائلة: «عامل إيه يا حبيبى إنت كويس، ربنا يسلملك طريقك»، فتمنحنى طاقة قدر ما فى الكون تعيننى على إرهاق العمل ومسئولية الأسرة ناهيك عن حبها الجارف لأولادى والذين كانوا يهيمون عشقاً بها لفرط حنانها وحبها لهم.

فقدتها فأحسست بأن جداراً داخل قلبى قد تهاوى فأصبحت مزعزعاً لا أكاد أقوى على صلب عودى، شريداً دون نور هادٍ، فمجرد صوتها كان يقوينى ويشد من أزرى فأواجه ما يقابلنى من مشكلات الحياة التى لا تنتهى دون وجل، كانت السند والعضد، وبرحيلها أصبحت أشبه بالعارى فى ليالى الشتاء القارسة، مفتقداً حنانها الذى كان يبث فى جسدى الدفء والطمأنينة والأمان.

حقاً لا يعرف المرء قيمة الشىء إلا عندما يفقده، فأمك تظل بجوارك كالنهر الرقراق تنهل منه قدر كفايتك وتعطيك من حنانها ما تعطيك دون انتظار لأى مقابل سوى أن تراك فى أحسن حال، قد تقسو عليك أحياناً كى تقوِّم من سلوكك، فهى الوحيدة التى تحبك من شغاف قلبها حباً نقياً لا تشوبه شائبة، لذا فالجنة تحت أقدامهن والبر بالأم هو طريق رضا الله تعالى فهى أحق الناس بصحابتك وبرك وحنانك.

كم تعبتِ من أجلى يا أمى، كم حزنتِ من أجلى، كم خفتِ علىّ من أقل الأشياء، كم سعدت ودمعت عيناك عند نجاحى، كم أتشوق إليك كى أسمع صوتك الدافئ من جديد، كم أتمنى أن تعودى ولو «لحيظات» كى أتبادل معكى أطراف الحديث أحدثك وتحدثيننى، أمازحك فتغضبى قليلاً ثم لا تلبث أن تعاود وجهك تلك الابتسامة التى أعشقها فتملأ قلبى السعادة.

حقاً مَن لديه أم فقد حاز الدنيا بما فيها؛ فنظرتها كنز لا يفنى ولمستها لآلئ وحنانها فيض ومِنَّة من الخالق، رحمك الله يا أمى وأكرم مأواك، فأنتِ نبع الحنان الفياض الذى لا ينضب مهما مرت سنوات العمر.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبع الحنان

إقرأ أيضاً:

كريمة أبو العينين تكتب: الموت من الداخل

فى واحدة من أجمل ما كتب الأديب الأمريكي العالمي إرنست همنجواي ما قاله على لسان أحد أبطال رواياته وهو ينظر إلى المرآة ويقول : بالطبع ما أراه الآن هو ما تبقى منى ، فقد مات كلي جزءا وراء الآخر ، مت يوم إن ودعتني أمي ولم أدر كيف تركتني فى هذا الفراغ العمري، لم أشبع منها بعد ، وازداد موتي حينما لحقها أبي وصرت بلا سند ولا داعم حقيقي، ثم أخذني الموت أخذا حينما مات ابني لم أكن أدرك ولم أتذوق طعما مرا بمثل طعم فقدان فلذة كبدي، والآن أنظر إلى نفسي كي أتأكد أنني خارج القبر مع أنني دخلته منذ زمن … بهذا الوصف العبقري والمشاعر الصادقة تستطيع أن تقيس عليها بعضا من الوجوه بل أكثر من الوجوه وليس بعضا فى الشوارع ووسائل المواصلات والجيران وزملاء العمل ، وبالطبع إذا نظرت إلى نفسك ستجد ثمة عامل مشترك بينك وبين كل هؤلاء وهو أنك وأنهم وأننا كلنا بلا استثناء مات فينا جزء وربما أجزاء وكلنا أموات من الداخل وفي انتظار الموت النهائي وتوديع الحياة وبداية الحياة الأخرى والتي وصفها الخالق بالقول" يا ليتني قدمت لحياتي" فما نعيشه ليس حياة ولكنه موتا بالبطيء يبدأ بالفقد الجزئى فيموت منك عضو وشعور ومقوم من مقومات مواصلة العيش والتأقلم مع ما يسمى بهذه الدنيا.

الموت على أجزاء هو أكثر أنواع الموت ألما وجرحا فهو يفرغك من داخلك فتصبح مجرد شكل بلا قلب لأن قلبك قد مات حزنا مع كل فقد وفقدان.

الموت من الداخل من الممكن ان يحدث بالخذلان وليس بالفقد الموتى ، فالغدر والخيانة سكينا يغرس فى قلب قلبك ويجعلك تنزف من الداخل ويصبح وجهك مكسورا منكسرا وتصاب بكسرة القلب التي تنتزع منك شرايين حياتك وبقاءك متماسكا صلبا ، وحينما يغدر بك أو أن يخونك من وثقت به وسلمت  له كل صمام عمرك وسعادتك حينها تصبح قشرة باهتة صدئة بعد أن كنت ذهبا لامعا تشع سعادة وإقبال على الحياة.

الموت من الداخل ليس فقط موت أفراد ولكنه موت دول ايضا فالولايات المتحدة بدأت مرحلة الموت من الداخل منذ طوفان الاقصى وربما قبلها بقليل فرغم التقدم والهيمنة إلا أن المواطن الأمريكي متشقق من الداخل شأنه شأن كل الدول التى تجمع عرقيات كثيرة وغرور أكبر ، الأمريكي بدأ يشعر بالاستنزاف الصهيونى وبأنه مضطر أن يدفع من ضرائبه ومن صورته أمام العالم ليرضي إسرائيل وبني صهيون ، الوضع هناك أصبح يحمل علامة استفهام كبيرة تبحث عن إجابة مقنعة ومرضية لمعظم الأمريكيين والتى قد تكون مسمار فى نعش الامبراطورية الامريكية ومعولا لهدمها وتفككها ليحل محلها امبراطورية اخرى بالطبع الصين تعد نفسا لهذه المرحلة منذ فترة ومن الان فصاعدا . اسرائيل ذلك الكيان المغتصب يموت من الداخل ويحضرني هنا حوار قاله زميل دراسة فى الجامعة الأمريكية كان يهودى الديانة ويحمل جنسية امريكية اسرائيلية مزدوجة . ديفيد قال ان لايوجد من يسمح او يرضى او يوافق على اقامة الدولة الفلسطينية ، لان ذلك معناه تآكل المواطنين اليهود من انفسهم وبأنفسهم ، لان الوضع السكانى فى اسرائيل يجمع طبقات متفاوتة من اليهود ودرجات من التقدير المجتمعى وفى المقابل هناك منظومة سياسية تعمل منذ بداية المجتمع اليهودى واقامة الدولة اليهودية تعمل على مفهوم واحد وهو ان هناك عدوا يريد ان يخرجك من هذه الارض ويعود اليها هذا العدو هو الفلسطينى ، فاذا ماتم اقامة دولة لهم وعاشوا فى سلام وامن فان الاسرائيليون سيتفرغون لانفسهم وستقوم فتنة بسبب التنوع الديموجرافى فاليهود درجات منهم المميز ومنهم الخادم الشحات ولذا فحينها سيصبح الوضع مخيفا وستندلع الخلافات والمواجهات التى ستنتهى بنهاية دولتنا . كلام ديفيد اتذكره وانا اتحدث عن الموت من الداخل لان بوادره ظهرت منذ طوفان الاقصى وراينا وقرأنا مايأتى به الداخل الاسرائيلي من نزاعات وتخبط واختلافات .. الموت من الداخل ليس مجرد حالة او شعور او هرمونات ولكنه مرحلة من المراحل التى تشبه القشة التى تقطم ظهر البعير لانها تانى فى وقت وتوقيت يصعب التنبؤ بما سيخلفه هذا الموت الداخلى .. اللهم خفف عنا أقدارنا وخذنا موتة واحدة وليست على اجزاء ولا من الداخل ..

طباعة شارك فلسطين إسرائيل طوفان الأقصى

مقالات مشابهة

  • عندما تكون أقصي الطموحات هي إيقاف الحرب !!..
  • عندما يرسم الكاتب
  • حكاية أطفال الأنابيب (٢)
  • أن تأتي متأخرا..
  • قناة الأمة
  • كريمة أبو العينين تكتب: الموت من الداخل
  • ضجيج بلا طحين
  • أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه
  • الله محبة.. إلهام شاهين تعلق على انضمامها لسفينة السلام
  • القائد وفهم سيكلوجيا الجماهير