سوريا الجديدة في مواجهة المشروع الصهيوني
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
نسبت مراسلة إذاعة إن بيه آر الأمريكية، واسمها هديل الشلاشي، في تقرير لها نشرته في السادس والعشرين من ديسمبر 2024 لمحافظ دمشق الجديد ماهر مروان تصريحات حول العلاقة مع إسرائيل، ادعت أنه قال فيها إن الحكومة تريد أن تقيم علاقات ودية بين إسرائيل وسوريا.
بعد وصفها للمكتب الذي استقبل فيه ماهر مروان فريق إذاعة إن بيه آر، وحرصها على ذكر أنه لم يصافح سوى الذكور منهم، نقلت عن المحافظ قوله إنه يمكن تفهم أن إسرائيل أصيبت بالقلق حينما تسلمت السلطة حكومة سورية جديدة، وذلك بسبب بعض الفصائل.
ثم قالت إنه مضى ليقول: "لربما شعرت إسرائيل بالخوف، ولذلك تقدمت قليلاً، وقصفت قليلاً، إلى آخره." ونقلت عنه القول إن مثل هذا الخوف كان طبيعياً. وإنه بوصفه ممثل العاصمة دمشق وكممثل لوجهة نظر الرئيس أحمد الشرع ووزارة الخارجية فإنه يرغب في توجيه رسالة. لن يلوم أحد حكام سوريا الجدد إذا لم تكن مواجهة إسرائيل من أولوياتهم، رغم أن إسرائيل تحتل مساحة شاسعة من الأرض، وهي مرتفعات الجولان ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة، والتي قدمها النظام البائد على طبق من ذهب للصهاينة في عام 1967.
يتفهم الناس جميعاً أن هذا شعب مكلوم، وبلد مهدم محطم، ولذلك فإن من المنطق أن تكون الأولوية الأولى بلا نزاع لإعادة بناء البلد، ولم شعث الناس، وإعادة المشردين واستيعابهم، وحل المشاكل الداخلية العالقة والمتراكمة، ورد المظالم إلى أهلها، ومعاقبة من أجرموا بحق الشعب، فعذبوا وسفكوا دماء الملايين من أبنائه، وشردوا الملايين منهم في أصقاع الأرض، ونهبوا خيراتهم، وأفقروا الملايين منهم.
بالعودة إلى ما كتبته مراسلة إذاعة إن بيه آر، ما هي الرسالة التي أراد ماهر مروان بزعمها إيصالها؟ بحسب ما نقلته عنه الشلاشي، قال ماهر مروان: "ليس لدينا خوف تجاه إسرائيل، ومشكلتنا ليست مع إسرائيل. ولا نريد أن نعبث في أي شيء قد يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي بلد آخر." مضت المراسلة لتقول إن ماهر مروان لم يشر للفلسطينيين ولا إلى الحرب في غزة، في انسجام مع موقف الحكومة السورية الجديدة. وهذا أمر يمكن تفهمه من قبل الفلسطينيين وأنصارهم في كل مكان.
فجرح سوريا لا يقل عمقاً عن جرح فلسطين، ومن حق السوريين أن يتفرغوا بادئ ذي بدء إلى علاج جراحاتهم. إلا أن الخطورة تكمن فيما أوردته بعد ذلك، حين قالت: بينما قال الشرع نفسه من قبل إنه لا يريد صراعاً مع إسرائيل، إلا أن مروان ذهب إلى أبعد من ذلك حين دعا الولايات المتحدة إلى تسهيل إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل.
لا يلام أحد في استهجان أن يصدر عن أي من المسؤولين السوريين في الحكومة الجديدة مثل هذا التسول للاعتراف بإسرائيل بوساطة من الولايات المتحدة، فهذا أمر لا يمكن أن يقبل به سوري ولا عربي ولا مسلم، بل ولا يقبل به ملايين الأحرار حول العالم ممن باتوا يدركون خطورة المشروع الصهيوني على الإنسانية قاطبة.
سرعان ما تناقل الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً صوتياً مسرباً للمحافظ يكاد يؤكد ما نسبته إليه الإذاعة. ثم بعد ضجة أثيرت حوله، واستفسارات وردت من شرق المعمورة وغربها، ومن شمالها وجنوبها، حول نوايا الحكومة الجديدة في دمشق، خرج ماهر مروان على الناس بمقطع مصور ينكر فيه كل ما نُسب إليه.
يسعدني، كما يسعد الملايين، ألا يكون محافظ دمشق الجديد قد قال شيئاً مما نُسب إليه في تقرير الإذاعة الأمريكية. ونرجو بالفعل أن يكون ما صرح به قد تعرض للتحريف من حذف أو إضافة، لأنه لا يُصدق بأن سورياً حراً واحداً يمكن أن يعترف بشرعية الاحتلال الصهيوني لأي جزء من الأراضي العربية من غزة إلى الجولان.
بل أعلم يقيناً أن السوريين بمجملهم لم يكونوا أقل عداوة للمشروع الصهيوني من أي من العرب الآخرين، رغم أن النظام البغيض البائد الذي سامهم العذاب عقوداً طويلة كان يتجمل بادعاء الممانعة والمقاومة. لكن يبدو لي في ضوء هذه الحادثة أن مسؤولي الحكومة الجديدة، وكل من يتصدر فيها لوسائل الإعلام، بحاجة إلى التمرس في التعامل مع وسائل الإعلام، والأجنبية منها بالذات، والتي سوف يسعى مراسلوها إلى نصب الفخاخ لهم.
وجل من لا يخطئ أو يسهو. إننا نفترض حسن النية في جميع إخواننا في إدارة الحكم في سوريا الجديدة، ولا نقبل في حقهم أي اتهام ينال من أمانتهم ووطنيتهم وصدقهم. وإذا قال ماهر مروان إنه لم يقل ما نسب إليه فإننا نصدقه فيما قال.
ولكننا رغم ذلك نلفت نظر إخواننا إلى أن من بين التحديات الكبيرة التي تقف في مواجهتهم إجادة التعامل مع وسائل الإعلام، وضبط الموجة فيما يتعلق بالمواقف من القضايا الأساسية، وعلى رأسها الموقف من المشروع الصهيوني الاستعماري والإحلالي، الذي لا يريد خيراً بأحد من أبناء الأمة. إن التعبير عن المواقف السياسية يتطلب مهارة فائقة، وهذه يمكن أن تُكتسب بالتدريب والمراس. كما أن صاحب المبدأ حامل الرسالة لا يداهن ولا ينطق بما يناقض مبدأه أو يقوض رسالته.
وإذا لم يكن المرء منا قادراً على نصرة الحق، فلا يجوز بحال أن ينحاز إلى الباطل. سوريا اليوم بحاجة إلى وحدة أهلها وإلى تضافرهم وتعاونهم جميعاً في عملية إعادة البناء ومواجهة التحديات، وهي بحاجة كذلك إلى دعم وتضامن أنصار الحق والعدل والحرية في المنطقة وحول العالم.
لا ينبغي إطلاقاً التضحية بشيء من ذلك مقابل أوهام. وقد يكون من هذه الأوهام حديث حول أهمية كسب الود الأمريكي أو الغربي من أجل تأمين المشروع. ليكن معلوماً أن هذا طريق سلكه من قبل بعض العرب، من كامب ديفيد إلى أوسلو فوادي عربا فاتفاقيات أبراهام، فخابوا وخسروا، ولم ينل من رفعوا شعار "إن الطريق إلى قلب واشنطن يمر عبر إسرائيل" سوى الخزي والندامة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرع سوريا الفلسطينيين سوريا فلسطين الشرع الادارة العسكرية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ماهر مروان مع إسرائیل
إقرأ أيضاً:
ملتقى الجامع الأزهر : سيدنا موسى تدرب على مواجهة بني إسرائيل في أرض سيناء
عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد، ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي تحت عنوان "مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن أرض سيناء" بمشاركة الدكتور مجدي عبد الغفار، الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، والدكتور ربيع الغفير، استاذ اللغويات بجامعة الأزهر.
وأدار اللقاء الدكتور مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى، من رواد الجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال فضيلة الدكتور ربيع الغفير: إن سيناء لها مكانة خاصة لأن فيها البقعة المباركة التي تجلى فيها الحق سبحانه وتعالى لسيدنا موسى وهذه البقعة هي جبل الطور العظيم "فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا"، الذي أقسم به الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز "وَالطُّورِ، وَكِتَابٍ مَّسْطُور فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور"، وهذا القسم هو شاهد على مكانة جبل الطور في عقيدتنا الإسلامية، لأن قسم الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بجبل الطور دليل على أن هذا المكان عزيز وله شأن عظيم، لهذا سمى الوادي المقدس "إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى"، وهو دليل تأكيد على أن هذه البقعة لها قداسة ولها مكانة عظيمة.
وأوضح الدكتور ربيع الغفير، أن الأماكن التي تحدث عنها القرآن الكريم بالبركة تشهد بركة في كل شيء، "أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" لهذا فإن أرض سيناء أرض مباركة في شعبها وفي مقدراتها وفي أمنها وسلامها إلى قيام الساعة، مثلما نجد البركة في بيت المقدس "الذي باركنا حوله"، لهذا نفهم صمود أخوتنا الفلسطينيين العزل أمام طواغيت الأرض ومن خلفهم طغاة الدينا تساعدهم وتمدهم بالعتاد والعدة، فإن الصمود هو أثر من آثار البركة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على هذه البقعة.
وأشار إلى أهمية وعي شباب مصر بمكانة بلده وعظم مكانتها عند المولى سبحانه وتعالى، لكي يحرصوا على الدفاع عنها أمام كل الأطماع، وعليهم أن يدركوا أن كل الخطط هدفها الحقيقي هو هذا البلد، وأن دماء شهدائنا هي خير شاهد على هذه الأطماع.
من جانبه قال الدكتور مجدي عبد الغفار: يجب أن نقف على فهم دقيق وعميق لمعاني الآيات التي ذكرت فيها سيناء في القرآن الكريم، لأنها توضح لنا المكانة العظيمة لأرض سيناء المباركة، وهذه الآيات هي دليل قدسية لهذه البقعة التي شهدت تجلي الحق سبحانه وتعالى، لأن هذه البقعة هي الوحيدة التي تجلى الله سبحانه وتعالى عليها، كما لا توجد بقعة في الأرض مر عليها من الأنبياء مثلما مر على أرض سيناء، لذلك فإن أرض سيناء هي أرض النماء لما فيها من البركة، ومظهر الانتماء لما لها من القدسية والمكانة التي توجب علينا أن نعرف مكانتها وأن نُعرّف بها.
كما أن أرض سيناء شاهدة على هلاك الطغاة ونجاة الصالحين كما هلك فرعون ونُجى موسى ومن معه، وهذا دليل على أن أرض سيناء لا مكان فيها لطاغية أو ظالم.
وأضاف الدكتور مجدي عبد الغفار، أن أرض سيناء كانت بمثابة مكان آمن لسيدنا موسى عليه وعلى نبينا السلام، لتستقر فيه نفسه وتهدأ، وكانت هذه المرحلة ضرورية لسيدنا موسى ليتهيأ لما بعد ذلك، وكان لا بد أن يوجهه الحق سبحانه وتعالى لمكان له قدسية ومكانة عظيمة، لهذا اختار له الحق سبحانه وتعالى أرض سيناء، لتكون موطنًا لتأهيل وتدريب سيدنا موسى عليه وعلى نبينا السلام لمواجهة بني إسرائيل "وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى".
وفي ختام الملتقى أوصى الدكتور مجدي عبد الغفار الشباب بضرورة أن يتدبروا آيات القرآن الكريم، لأنه لا يمكن أن يفهموا ما جاء في القرآن من دروس وعبر وأحكام ومعاني بدون التدبر "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية"، لذلك عليهم تدبر ما جاء في القرآن الكريم، حتى يحصنوا أنفسهم ضد كل من يحاول أن يهدم ثوابتهم، مستغلًا جهلهم بمعاني القرآن والأحكام التي جاءت القرآن الكريم.
يذكر أن ملتقى "التفسير ووجوه الإعجاز القرآني "يُعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.