شبكة انباء العراق:
2025-01-30@14:32:07 GMT

حين تقود التفاهة المجتمعات إلى الهاوية

تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

في العصر الحالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، ساحة جديدة لتبادل الأفكار والمحتوى. ولكن ما كان يُفترض أن يكون منصة للإبداع والتعبير، تحول في كثير من الأحيان إلى مروج للتفاهة. لم تعد التفاهة مجرد ظاهرة ثقافية عابرة، بل أصبحت جزءًا من هوية العديد من الأفراد والمجتمعات.

هذه التحولات التي نراها اليوم في شكل المحتوى المنتشر على هذه المنصات تمثل انعكاسًا لمجموعة من التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تعيد تشكيل مفاهيم النجاح والإنجاز. وهذا ما يعكسه قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد: 11)، حيث تظهر الحاجة لتغيير داخلي يعيد القيم إلى مسارها الصحيح.

كذلك في مجتمعاتنا، بدأنا نرى كيف يتحول العديد من الأفراد، خصوصًا الشباب، إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للرزق. هذه المنصات أصبحت محط اهتمام لا لكونها تتيح الفرصة للإبداع والنمو الفكري، بل لأنها توفر سبلًا سريعة للشهرة والمال. كثير من الناس يركزون على التحديات السطحية أو الرقصات الشعبية للحصول على أكبر عدد من المتابعين والمعلنين، تاركين وراءهم القيم التي كانت تشدد على العمل الجاد والالتزام. وهنا يمكن أن نستحضر الحديث النبوي الشريف: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، ليؤكد أهمية الجودة والإتقان كمعيار للنجاح، لا السطحية التي تروجها هذه المنصات.

في هذا السياق، تتضح الفجوة بين القيم التربوية والمفاهيم الجديدة التي تحكم المجتمع. هنا يظهر تداخل مع ما أشار إليه الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، حين قال: “إذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات، ويبرز التافهون، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل.” هذا التشخيص الذي قدمه تشيخوف في وصف المجتمعات الفاشلة ينطبق تمامًا على الوضع الحالي في كثير من الدول التي تهيمن فيها الثقافة السطحية. عندما تصبح التفاهة سيدة المشهد، فإن القيم العليا مثل الفكر النقدي، والابتكار، والعمل الجاد تتراجع إلى الوراء.

هذه الحقيقة تتلاقى مع مقولة الدكتور علي الوردي، الذي أكد: “انظر إلى الأشخاص الذين يقدرهم المجتمع، تعرف اتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره.” هنا، يكشف الوردي عن العلاقة الوثيقة بين الأشخاص الذين يقدرهم المجتمع وبين مصير ذلك المجتمع الحضاري. في مجتمعاتنا اليوم، إذا كانت التفاهة هي المعيار، فنحن أمام معضلة كبيرة في مسارنا الحضاري. فالمجتمع الذي يقدر التافهين ويتبع نماذج السطحية يعكس انحدارًا في قيمه وأخلاقياته، مما يهدد استقراره الثقافي والاجتماعي.

وتُعتبر منصات مثل تيك توك مثالاً على كيف يمكن للتسويق المفرط للمحتوى السطحي أن يغير من توجهات المجتمع. المحتوى الذي يتسم بالحماسة والانفعال يحقق انتشارًا أكبر من المحتوى الجاد الذي يتطلب تفكيرًا نقديًا. الدراسات تشير إلى أن المراهقين والشباب، الذين يشكلون غالبية مستخدمي هذه المنصات، يتأثرون بشكل كبير بالأمثلة التي يقدمها المؤثرون على هذه الشبكات. ولكن هذا التأثير غالبًا ما يكون ضارًا، لأنه يعزز صورة مشوهة للنجاح التي لا تركز على الجهد أو الإبداع، بل على الشهرة السريعة.

إدوارد سعيد أشار إلى هذه الأزمة بقوله: “الثقافة هي ما نصنعه في مواجهة التفاهة”، ما يدعو إلى أن تكون الثقافة أداة للنهوض ومواجهة هذا الانحدار. بينما يتزايد الانجذاب نحو المحتوى السطحي، يواجه المحتوى الثقافي والتربوي تحديات كبيرة في جذب الجمهور. هذه الظاهرة تعكس تراجعًا في قيم المعرفة، وتؤكد أن المجتمعات التي تضع الأولوية للمكاسب السريعة على حساب الفكر العميق هي مجتمعات مهددة بالفشل الحضاري.

ما نشهده اليوم من انتشار التفاهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس مجرد انعكاس للثورة الرقمية، بل هو أيضًا نتيجة لتغيرات ثقافية واجتماعية عميقة. كما أشار تشيخوف، فإن المجتمعات التي تهيمن فيها التفاهة تكون على شفير الانهيار. وفي ضوء مقولة الدكتور علي الوردي، يمكن القول إن المجتمع الذي يقدر التفاهة ويحتفي بها لن ينجح في بناء مستقبله. لذلك، من الضروري أن نعيد النظر في أولوياتنا الثقافية والاجتماعية، وأن نعمل على إعادة تقييم ما نعتمده من قيم ومعايير، كي نعيد التفكير في مصيرنا الحضاري

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات هذه المنصات

إقرأ أيضاً:

مناقشة "تاريخ الدول والملوك" بمحور التراث الحضاري بمعرض الكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت قاعة العرض، بجناح وزارة الثقافة المصرية ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، ندوة بمحور "التراث الحضاري" لمناقشة كتاب "تاريخ الدول والملوك" لابن الفرات، و"زبدة كشف المماليك" لابن شاهين الظاهري، الصادر ضمن سلسلة التراث الحضاري بالهيئة المصرية العامة للكتاب.

ناقش الندوة كل من الدكتور أيمن فؤاد سيد، والدكتور علاء النهر، والدكتور محمد جمال الشوربجي، والدكتور محمد كمال عز الدين، وأدارتها الكاتبة سلوى بكر.

وأكدت سلوى بكر أن تحقيق كتاب "تاريخ الدول والملوك" مهم جدا وتطرق إلى مخطوطات لم تنشر من قبل، موضحة أن الكتاب يضم صفحات مصورة من مخطوطة موجودة بمكتبة الخزانة العامة بالرباط، عليها ختم مخطوطات الأوقاف رقم 241ق، وختم الزاوية الناصرية رقم 2442، وتحمل عنوان “الجزء السادس من تاريخ ابن الفرات" رحمه الله".

وقالت: إن الكتاب يتكون من 301 صفحة بخط المؤلف، تبدأ بحوادث سنة 625 حتى 632هـ، وهي غير كاملة للأخر، وتتوقف عند ترجمة الشيخ المسند أبي عبد الله محمد بن أبي المعالي عماد بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي يعلى الجزري الحراني.

وقال الدكتور علاء النهر، إن ابن الفرات اعتمد في كتابته على النقول؛ فهو غير معاصر لحوادث هذه الحقبة، ونص على أغلب نقوله، سواء فيما يخص الحوادث أم الوفيات، مشيرا إلى أنه فيما يخص الوفيات، فاستقى تراجمَه من مصادر كثيرة، هي: نقل كثيرًا فيما يخص تراجم المصريين عن الحافظ عبد العظيم المنذري المصري، المتوفى سنة 656هـ/1258م، غير أن أغلب هذه التراجم لم ترد في كتابه "التكملة لوفيات النقلة" مع اعتماده كثيرًا عليه بلا عزو.

وقال الدكتور محمد كمال عزالدين، يلحظ أن أغلب نقول الكاتب جاءت عن المنذري غير الواردة في "التكملة" نقلها بخط الحافظ جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري، المتوفى سنة 673هـ/1274م، وكانت نقول ابن الفرات عنه بصيغ كثيرة، منها: "قال الشيخ الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليغموري".. و"نقلتُ من خط الحافظ جمال الدين اليغموري قال الحافظ أبو محمد المنذري".

وأشار إلى أن الكاتب أيضا اعتمد على النقل عن علي بن موسى بن سعيد الأندلسي المغربي، ولغته سهلة سائغة، وأورد نقوله عنه بقوله: "قال ابن سعيد المؤرخ"... وكُلُّ نقوله وجدتُها في كتاب "اختصار القدح المعلّى في التاريخ المحلى" بالنص بلا تصرف.

وقال إن الكتاب اعتمد في ترجمة أحد علماء مدينة مالقة الأندلسية على كتاب "تاريخ مالقة" لقاضي مالقة أبي عبد الله محمد بن علي بن عسكر الغساني، المتوفى سنة 636هـ/1238م، وقد مات ولم يتمه، فأكمله ولد أخته أبو بكر محمد ابن خميس، وصدرت طبعته بعنوان "أعلام مالقة" عن دار الغرب الإسلامي سنة 1999م. وصدَّر نقله، قائلًا: "قال ابن عسكر في تاريخ مالقة"، غير أنَّ نقلَه لم يرد في المطبوع.

كما تطرقت الندوة إلى كتاب "زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك" من تأليف: الأمير غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري الحنفي ت. ٨٧٣ هجرية ١٤٦٨ ميلادية، من تحقيق ودراسة الدكتور محمد جمال الشوربجي، من إصدارات سلسلة التراث الحضاري بالهيئة العامة المصرية للكتاب.

وأكدت الكاتبة سلوى بكر، أن الكتاب مهم جدير بالاقتناء والقراءة، وقد صدر هذا التحقيق عن سلسلة مهمة جدا للنشر في مصر الآن، تهتم بنشر عيون التراث الحضاري على مدى الأزمان، وهي سلسلة التراث الحضاري بالهيئة العامة المصرية للكتاب والتي أتشرف برئاسة تحريرها، ومدير تحريرها الدكتور أسامة السعدوني جميل، المتخصصين في التاريخ الوسيط.

وقال الدكتور محمد جمال الشوربجي، عن كتابه إنه يضم تاريخا مهما حيث شهد أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجري تطورات خطيرة وسريعة على الساحة السياسية المصرية، فاستهلت سنة 647هـ بحملة لويس التاسع ملك فرنسا على دمياط، ثم موت الملك الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب 637-647هـ بمدينة المنصورة في السنة نفسها، ثم معركة المنصورة وهزيمة لويس التاسع وأسره، ثم مجيء الملك توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب من حصن كيفا، وتوليته الملك في أول سنة 648هـ ثم قتله، وتولية شجر الدر ثم عز الدين أيبك التركماني 648-654هـ الملك في السنة نفسها؛ وكان ذلك إيذانًا بنهاية دولة بني أيوب في مصر وقيام دولة المماليك.

وقال "الشوربجي" إن "كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك": أردت أن أوضح لكل ما أشكل عليه وأبين له طرقًا توصله إليه، فصنفت كتابا وسميته كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك، يشتمل على تعظيم ملك مصر وسلطانها، وتفصيل جهاتها وأركانها، لأنها أعظم المدن، وسلطانها أعظم السلاطين، لأن وجوده ظل ظليل على العالمين.

وقال إن الكتاب يستمل على حدود ملك مصر، وما به من المماليك ولم أطول الكلام واخترت الاختصار في ذلك.

ولقد رتب ابن شاهين الذي عاش خلال العصر المملوكي كتابه، أربعين بابًا في مجلدين ضخمين، لكنه انتخب مما ورد بالكتاب، جملة من أساسيات مادته وضمنها كتابه أسماه "زبدة كشف المماليك" رتبها في اثني عشر بابًا وهو ما نضعه بين يدي القارئ، لأن الهدف من ذلك التيسير وكما يقول المؤلف هو: أن لا يحصل للمتأمل الملل، بل يسهل له الوصول لكل مقصد وأمل.

وقال الدكتور أيمن فؤاد سيد، من خلال القراءة نجد أن هدف المؤلف كشف الممالك الخاضعة لدولة المماليك جغرافيًا وإداريًا، وإبراز فضل الأماكن المقدسة بذكر الوارد فيها من الآيات والأحاديث والآثار، وبخاصة القدس التي أفاض في فضائلها وأخبارها القديمة إفاضة خارجة عن الحد، ثم أضاف إليه ما يتعلق بالنصائح الملوكية؛ لأنه أهدى هذا المختصر إلى السلطان الظاهر جقمق 842-857هـ، ثم ختمه بباب عن أخبار الدهر، وبعض الفوائد الشرعية والطبية وغير ذلك، فخرج في صورة دائرة معارف أكثر منه تخصصي في شئون الحكم والإدارة.

مقالات مشابهة

  • فوتومونتاج.. ترامب يضع العالم على حافة الهاوية
  • حافة الهاوية.. ريال مدريد يراهن على "المستحيل" قبل الجولة الأخيرة من دوري الأبطال
  • أمير قطر: دار الأوبرا السلطانية جسر للتواصل الحضاري والثقافي والفني مع العالم
  • «الصحة» تطلق منصتها الصوتية «لنتحدث»
  • ترامب وعقيدة الجنون اللعب على حافة الهاوية
  • الإعلام والاتصالات العراقية تقر لائحة تنظيم عمل المشاهير وأصحاب المحتوى الرقمي
  • مناقشة "تاريخ الدول والملوك" بمحور التراث الحضاري بمعرض الكتاب
  • حكم بحبس رزان أربعة أشهر بتهمة المحتوى الهابط
  • السودان و بداية صناعة الآساطير
  • القومي للبحوث الجنائية: بعض الجرائم التي ترتكب في المجتمع مرتبطة بالأسرة وثقافة الترند