إيران.. التحريض على مواصلة التخريب في سوريا
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
عندما انهار نظام الأسد أمام تقدّم المعارضة السورية وفرّ زعيم النظام بشّار الأسد إلى موسكو، تلقى الجانب الإيراني الأنباء بصدمة كبيرة، مما اضطر وزير خارجية إيران عبّاس عراقجي الذي كان حاضراً آنذاك في منتدى الدوحة إلى قطع زيارته والعودة فوراّ إلى طهران لتقييم الوضع. إنهيار نظام بشّار الأسد يعني بكل بساطة أنّ استراتيجية النظام الإيراني التي استثمر بها منذ العام 1979 قد انهارت تماماً.
المسؤولون الإيرانيون لم يتقبّلوا الهزيمة المذلّة لهم بشرف، ويعدّون العدّة الآن لتخريب الوضع في سوريا. هذه السياسة بمثابة المدخل الرئيسي لنفوذهم في كل الدول العربية التي يتواجدون فيها حيث تشكّل الفوضى وضعف الدولة المركزية والطائفية والفساد محدّدات رئيسية لتواجد النفوذ الإيراني.
الخامنئي كان قد وصف الضربة القاسية التي تعرّض لها نظامه مع سقوط نظام بشّار الأسد بأنّها مؤامرة أمريكية ـ إسرائيلية شاركت فيها إحدى الدول المجاورة التي لعبت دوراً رئيسياً في الأحداث على حدّ قوله في إشارة منه إلى تركيا. لم يكتف خامنئي معها بإنكار تداعيات إسقاط بشار في سوريا على نفوذ نظامه في المنطقة، بل وأنكر حتى وجود أذرع لإيران في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّ إيران لا تحتاج إلى أذرع، وهو أمر لا يستقيم مع الحقاق التي باتت معروفة للجميع.
المسؤولون الإيرانيون لم يتقبّلوا الهزيمة المذلّة لهم بشرف، ويعدّون العدّة الآن لتخريب الوضع في سوريا. هذه السياسة بمثابة المدخل الرئيسي لنفوذهم في كل الدول العربية التي يتواجدون فيها حيث تشكّل الفوضى وضعف الدولة المركزية والطائفية والفساد محدّدات رئيسية لتواجد النفوذ الإيراني.ويمكن تفسير كلمة خامنئي الأخيرة الأسبوع الماضي على أنّها بمثابة أوامر بإسقاط الإدارة السورية الجديدة، حيث أشار المرشد الأعلى إلى "ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء" في سوريا مستقبلاً، لافتاً إلى أنّه "ليس لدى الشباب السوري ما يخسره". وجاء هذا التحريض على الحكومة السورية الجديدة وعلى إذكاء الفتن والصراعات الفئوية والطائفية في سوريا متّسقاً مع تصريحات أخرى لمسؤولين إيرانيين.
وزير الخارجية عباس عرقجي هدّد في تصريح له، قائلاً "من يعتقدون أنهم حققوا انتصارات في سوريا عليهم التمهّل في الحكم،.. فالمستقبل مليء بالتطورات المثيرة." ومثله كان تصريح محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثورية الإيراني وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، والذي هدّد فيه بأن “المقاومة السورية” سيتم إحياؤها في غضون أقل من عام.
ولوحظ أنّه خلال أيام قليلة من هذه التصريحات، ظهرت موجة من العنف والتجمّعات والهتافات الطائفية في بعض المناطق التي يتواجد فيها العلويون في سوريا، وهو ما فسّر على أنّه استجابة لنداءات التحريض والفتنة التي تدعو إليها طهران لاثارة البلبلة وحالة عدم الاستقرار، والفوضى وهي جميعاً مداخل للنفوذ الإيراني مستقبلاً.
النظام الإيراني لا يجيد أي شيء باستثناء سياسات التخريب وبث الفرقة والطائفية والفساد، وذلك من الصعب عليه تقبّل الهزيمة في سوريا. من وجهة نظر إيرانية، سيتم العمل على عدّة خيارات تبعاً للمسار الزمني على أمل عودة النفوذ الإيراني يوما ما في سوريا. المسار الأوّل هو مسار التخريب ويطال هذا المصار حكماً العملية الانتقالية وأي حكومة مستقبلية مستقلة في سوريا من خلال التحريض وإثارة النعرات الطائفية ودعم الأقليات الشيعية والعلوية المحسوبة عليها وربما القيام بعمليات إرهابية كتفجير للسيارات الملغومة أو غيرها من العمليات التي احترف الجانب الإيراني تنفيذها في العراق ولبنان وغيرها من البلدان.
أمّا المسار الثاني، فهو المسار المتعلق بالتأثير على العملية السياسية مستقبلاً من خلال شراء محسوبيات أو زعامات او قبائل أو هو عادة ما يتم بموازاة التغلغل الطائفي ومحاولات تغيري الولاءات الطائفية، تماماً كما حصل في العراق ولبنان سابقاً حيث نجحت إيران في شراء ذمم ونفوذ سياسي في بغداد حتى عند التجمعات غير المحسوبة عليها، كما استطاعت على مدى عقود من تغيري التقليد التاريخي لشيعة لبنان من النجف الى قم مع ما يستتبع ذلك من استجابة سياسية واجتماعية وأمنية للمقلّدين.
إنكار الهزائم وإسكات المنتقدين وتعمّد الاستمرار في نفس السياسات التخريبية في سوريا بحجّة مقاومة إسرائيل أو أمريكا سيكون له عواقب وخيمة على النظام الإيراني نفسه قبل غيره.أمّا المسار الثالث، فهو مسار يعتمد على ركوب ورقة "مقاومة" الاحتلال الإسرائيلي، حيث يوفّر ذلك لطهران ذريعة بناء أذرع ودعمها وتوظيفها في أجندتها للتوسّع الإقليمي. وبما أنّ هناك احتلال إسرائيلي في سوريا، علينا ألاّ نستبعد مثل هذه السيناريو مستقبلا ولو حتى من الناحية النظرية على اعتبار أن تطبيقه يتطلّب أكثر من وجود احتلال إسرائيلي وإنما ضعف الدولة المركزية ومجموعات أو طوائف مستعدة لأن تخدم الأجندة الإيرانية تحت مسمى مقاومة إسرائيل تماماً كما هو الحال في لبنان.
على أيّة حال، فإنّ وجود النظام الإيراني نسفه مثار تساؤل الآن، وهناك شكوك حول إمكانية أن يبقى متماسكاً خلال المرحلة المقبلة بشكل يسمح له بالتخطيط على هذا النحو أو حياكة المؤامرات والسياسيات التخريبية لسوريا أو لبنان. إنكار الهزائم وإسكات المنتقدين وتعمّد الاستمرار في نفس السياسات التخريبية في سوريا بحجّة مقاومة إسرائيل أو أمريكا سيكون له عواقب وخيمة على النظام الإيراني نفسه قبل غيره. على الجانب الإيراني ألا ينسى أنّ هذه الأسباب بالتحديد بالإضافة إلى التكبّر وإنكار الحقائق والوقائع والاستمرار في الغي والظلم والطغيان كانت سبباً اساسياً في سقوط حزب الله ونظام الأسد خلال المرحلة التالية، وليست طهران بمحصّنة عن ملاقاة نفس المصير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني سوريا إيران سوريا علاقات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة من هنا وهناك من هنا وهناك سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الإیرانی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الواقع الخدمي والمعيشي بعد 50 يوم منذ سقوط الأسد
دمشق – تنتهج الإدارة الجديدة في سوريا نموذج اقتصاد السوق الحرّ التنافسي، ونتج عن هذا الخيار مظاهر جديدة في الأسواق السوريّة، تُلخّص بحضور السلع الأجنبية، وتوفّر الوقود بأنواعٍ متعدّدة، وإيقاف العمل بعدّة تسعيراتٍ للمواد المدعومة مثل الخبز والوقود، لكنّ هذه المواد التي كانت شحيحة التوافر أيّام نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد قد ازداد سعرها على المواطن فيما لم يطرأ جديدٌ على قوّته الشرائيّة، بانتظار زيادة الأجور المأمولة للعاملين في القطّاع العام بداية الشهر القادم بنسبة 400% كما هو متداول.
ونتيجة لرصد حركة السوق والخدمات، باتت معظم السلع أقل سعرا، لأسبابٍ تتعلق بالمنافسة وإلغاء بعض أنواع الرسوم الجمركية التي كانت في عهد النظام المخلوع، ويُستثنى من ذلك السلع التي كانت مدعومةً في السابق التي شهدت ارتفاعا، وكذلك أجور بعض الخدمات التي كانت تستند للمواد الأولية المدعومة، وأهمها المواصلات، والجدير بالذكر أن التكاليف المنخفضة للخبز والمواصلات كانت مرتبطةً بعدم توفّرهم، واللجوء للسوق السوداء لتأمينهم بأسعار تفوق السعر المعتمد حاليًّا.
في حديثٍ سابق لوزير التجارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال السورية ماهر خليل الحسن مع الجزيرة نت يوضّح أن تقييد السوق وتعقيد القيود والضوابط والرسوم والقوانين، أمر تقوم به بعض الأنظمة الدكتاتورية وتستخدمه وسيلة وغطاء لنهب ثروات الشعب وجعلها محصورة في يد العصابة الحاكمة وأزلامها.
أحد باعة الفواكه يرتب بضاعته المعروضة للبيع (الفرنسية) الوقود والخبز المدعومتحدّد سعر ربطة الخبز (12 رغيفًا) بسعر 4000 ليرة سورية (0.32 دولار)، دون الالتزام بآليةٍ محدّدة لتوزيعه كما كان الوضع سابقًا عبر الاستعانة بالبطاقة الذكيّة، وتحديد كمية الخبز وفقًا لعدد أفراد كلّ أسرة، كما يبلغ سعر تبديل جرّة الغاز 7 كيلو بسعر 160 ألف تقريبًا، يُضاف لها زيادة أجور النقل، وذلك وفقًا لآلية البطاقة الذكيّة، بعد أن كان سعرها 21 ألفًا قبل سقوط النظام، إلّا أن هذا السعر كان يمنح العائلة (حامل البطاقة الذكيّة) إمكانية تبديل الجرّة مرّة واحدة بين فتراتٍ لا تقلّ عن 3 شهور. وتجوب الشوارع منذ سقوط الأسد صهاريجٌ من الغاز المسال بسعر 27 ألفًا للكيلو، إضافةً للسيّارات التي تبدّل عبوات الغاز المنزلي بنفس السعر تقريبًا، وفقًا لمشاهدات الجزيرة نت.
تنتشر على الأرصفة عبواتٌ بلاستيكية مختومة للوقود بسعر متبدّل في حدود 13 ألف ليرة (نحو دولار) لليتر البنزين الواحد، وأنواع مختلفة من المازوت للمحرّكات والتدفئة بسعر 8-9 آلاف لليتر الواحد، يتصف بلونه الغامق ورائحته السيئة، كما يتوفر المازوت الجيّد بسعرٍ أعلاه 13 ألف ليرة لليتر.
وكانت استراتيجية النظام قبل سقوطه تمنح المركبات كمية محددّة من الوقود وفق البطاقة الذكيّة، لا تكفيهم مما يضطرهم لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعارٍ فاقت 23 ألف ليرة لليتر الواحد، كما ألزمت مركبات المواصلات (14 راكب) بوضع جهاز جي بي أسGPS لتحديد موقع المركبة للتأكد من مزاولة السائق لعمله على خطّ المواصلات، مقابل منحه المازوت بسعر مدعوم.
إعلانوتشهد الشوارع كثافةً مروريّة وازديادًا بعمل الحافلات العامّة وسيارات الأجرة بعد توفّر المادّة، مع زيادةٍ في تعرفة الركوب بسبب سعر الوقود الجديد، وتتدرّج أجرة الراكب من 2000 ليرة ضمن الوحدة الإدارية وصولًا لـ 6000 بين مركز المدينة ومدن ريف دمشق المحيطة للمواصلات العامة، وقد تضاعفت أجور النقل بين المحافظات من 3 إلى 4 أضعاف مع تحرير سعر الوقود وتوفّره.
يبقى وضع الكهرباء في أشدّ حالاته سوءًا مع اقتصار التغذية الكهربائية لساعةٍ واحدة كلّ 12 ساعة، وكانت شركات الكهرباء الخاصة قد خفّضت سعر الكيلووات من 15 ألفا في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى ما بين 9000 و11000 ألف ليرة للكيلو، وتعمل الشركات الخاصة وفق نموذج تحصيل الفواتير أسبوعيًّا.
سجلت الليرة السورية استقرار أمام العملات الأجنبية في الأسابيع الأخيرة (غيتي) سلع التغذية الأساسيّةخلال جولة للجزيرة نت في سوق باب سريجة الشعبي يفي دمشق تم ملاحظة انخفاض أسعار الخضار والفواكه بشكلٍ كبير منذ سقوط النظام، وتوفّرت كذلك بعض أنواع الفاكهة الاستوائية بعد أن كان توافرها يقتصر على المحال في الاحياء الراقيّة، ومرد هذا الانخفاض دخول أنواعٍ مستوردة؛ مما حدا بالتجّار لعرض بضائعهم من المستودعات نتيجة المنافسة، وزوال حواجز النظام التي أثقلت مسار شحن البضائع بالأتاوات والمصادرات، كما يوضّح أحد باعة بسطات الخضار.
أمّا الدواجن واللحوم فقد انخفض سعرها بشكلٍ ملحوظ، حيث تراجع بنسبة 40% في حالة اللحوم الحمراء بحسب جمعية اللحامين في دمشق، وعاد السمك للتوفّر ضمن الأسواق السوريّة بسعرٍ أخفض من الدجاج لبعض الأنواع، وتحضر كذلك اللحوم المجمدة المستوردة ضمن السوق السوريّة، ونزل سعر البيض للنصف عن الأيام الأخيرة للأسد، وبحسب تاجر للحوم البيضاء يُفسّر ذلك بانخفاض سعر العلف نتيجة تخفيف القيود الجمركية، ويقيّم حركة البيع والشراء بأنها ضعيفة، رغم الازدحام الذي تشهده الأسواق، إذ أن الكثيرين ينتظرون متأملين انخفاض الأسعار في الفترات القادمة.
إعلانوتشهد مواد البقالة انخفاضًا واضحًا في أسعارها بنحو 50% تقريبًا لمعظم المواد الأساسيّة كالسكّر والزيت والطحين، وبدأت انواعٌ مفقودة تعود للرفوف في محال الجملة والمفرّق بعد تدفقّها من المناطق المحرّرة أو من خارج الحدود، وكان حضور بعض الماركات في العهد السابق سرّيًا بسبب تكاليفها الجمركية العالية أو وصولها عبر التهريب.
ومع الانتشار البسطات الكثيف ومن ضمنها الثياب المستعملة (البالة) بدأت بعض متاجر الثياب بتخفيض أسعارها، ويمكن القول أن عديد المتاجر قدّ حوّلت نشاطها الأساسي لتصريف العملات.
كتل نقدية محدودة
إن أحد عوامل استقرار سعر الصرف لليرة السورية أمام العملات الأجنبية يرتكز على تمسّك البنك المركزي في سوريا بكتله الماليّة، وحددت المصارف سقف السحب بـ 2.5 مليون أسبوعيا، و500 ألف كأعلى مبلغ للسحب الواحد، وينعكس هذا على المبالغ المتداولة في عمليات البيع والشراء الكبرى كالعقارات والسيارات.
يتضح من العروض المتداولة ارتفاع الإيجارات ضمن دمشق، وتحديدها بالليرة السوريّة، تخوّفًا من ارتفاع سعر الليرة مقابل الدولار، ولم يعد طلب الدفع سلفا لمدة سنة أو 6 أشهر أساسيًّا كما السابق، بل تقسيم الدفعات شهريًّا أو كلّ 3 أشهر.
وبحسب متعاملٍ ضمن سوق العقارات فإن حركة البيع شبه معدومة، وأن العروض المتداولة هي محاولة للحفاظ على سعر العقارات التي يتوقع أن تنخفض. ومنيت بعض أنواع السيارات بخسارة كبيرة في سعرها، خاصة الكوريّة مثل موديل كيا ريو، الأكثر حضورًا ضمن مناطق النظام قبل تحريرها، وذلك بعد وصول السيارات الأوروبية من المناطق المحرّرة، وقد وصلت أمس (26- كانون الثاني) أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات إلى مرفأ اللاذقية بحسب إعلام محلي، بينما لا تزال قطع السيارات وأجور صيانتها في حدود أسعارها قبل سقوط النظام.
إعلان