الإسكندرية مدينة السينما.. دور عرض تاريخية تتحول إلى صالات أفراح
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
الإسكندرية- تعاني دور السينما القديمة في محافظة الإسكندرية شمالي مصر من خطر الهدم والإهمال، حيث تتحول تدريجيا إلى مشروعات عقارية وأبراج شاهقة، في ظل غياب حماية الدولة للمباني الثقافية التاريخية التي تمثل جزءا من تراث وتاريخ مصر. هذا الزحف العمراني يهدد ليس فقط السينما، بل الهوية الثقافية للمدينة بأكملها.
الإسكندرية، التي تعد رمزا للتعدد الثقافي والحضاري، شهدت أول عرض سينمائي في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط عام 1896، بعد أشهر فقط من أول عرض سينمائي عالمي في فرنسا. ومع ذلك، فإن المدينة فقدت على مدار السنوات الماضية عددا كبيرا من مبانيها السينمائية التاريخية التي تحولت إلى مواقف سيارات، ومحلات تجارية، أو أماكن مهجورة خالية من أي نشاط ثقافي أو فني.
وأعرب العديد من المثقفين والنشطاء عن قلقهم في شكاوى رسمية، مشيرين إلى أن المدينة التي كانت تضم نحو 400 مبنى وقاعة سينما تاريخية أصبحت شبه خالية منها، رغم أن هذه المباني كانت شاهدة على مراحل مهمة من التاريخ المصري وثقافتها الغنية.
ومن بين السينمات التي اختفت أو أُغلقت أبوابها، تبرز سينما طوسون باشا، أقدم دار سينما في مصر والشرق الأوسط. ورغم تحويلها إلى مركز ثقافي حكومي كإجراء لإنقاذها، إلا أن ذلك أثار جدلا بين من يعتبره حفاظا على المبنى ومن يراه تغييرا يشوه قيمته التراثية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أساطير الشاشة.. نجوم عالميون رحلوا عام 2024list 2 of 2أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024end of list إعلانتحولت سينما ريكس، التي كانت يوما معلما ثقافيا بارزا في قلب الإسكندرية، إلى موقف سيارات عشوائي، بينما أصبحت سينما إسماعيل ياسين، المعروفة بعروضها الكوميدية المميزة، مركزا للدروس الخصوصية. الأمر ذاته طال العديد من السينمات الأخرى، مثل سبورتنج، رأس التين، الحضرة، محرم بك، والمعمورة، التي أُزيلت بالكامل لتحل مكانها أبراج سكنية ومحال تجارية.
وفي حي بحري، فقدت سينما التتويج هويتها الثقافية، وأعيد استخدامها كمخبز، في مشهد يعكس التدهور الذي طال هذه المعالم. أما سينما الدورادو في ميدان الشهداء، فتحولت من مسرح أفراح يحمل اسم "الحبايب" إلى متجر للأدوات المكتبية.
سينما ومسرح الهمبرا، التي أُنشئت عام 1900 بمنطقة محطة الرمل، واشتهرت باستضافة كبار الفنانين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، أصبحت أطلالا متهدمة. حالها كحال عشرات دور العرض الأخرى المنتشرة في الأحياء الشعبية، التي باتت مهجورة ومهدمة.
في الآونة الأخيرة، طالت موجة الهدم سينما الهلال، التي شُيدت عام 1943 غرب الإسكندرية، وحلّ مكانها جسر علوي. كما أُزيلت سينما كونكورد لإقامة مول تجاري، وسينما كليوباترا التي استُبدلت بثلاجة لحفظ الخضروات والفاكهة. أما سينما الجمهورية والكراكون، فتحولتا إلى قاعة أفراح، في حين أصبحت دور عرض أخرى مثل رمسيس بلازا والشرق مباني خالية ومكبات للنفايات.
مثقفو الإسكندرية أعربوا عن استيائهم العميق لما آل إليه حال دور السينما التاريخية. ووصفوا الأمر بأنه "طمس ممنهج" لتراث المدينة، لصالح أبنية حديثة ومشروعات تجارية تسعى للربح المادي. الكاتب الإسكندري عمر الحسيني، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، عبّر عن حزنه قائلا: "لم تكن السينما مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت مرآة تعكس نبض المجتمع وتاريخه. اليوم، نفقد جزءا من روح الإسكندرية وهويتها الثقافية".
إعلانووصف الحسيني إغلاق وتحويل دور السينما في الإسكندرية بأنه أكثر من مجرد فقدان مبانٍ، بل هو طمس لجزء من ذاكرة المدينة. وقال الحسيني لـ"الجزيرة نت": "كانت هذه السينمات شريان الحياة الثقافية والاجتماعية، تجمع العائلات وتبني الذوق الفني لدى الأجيال. مع غيابها، يخسر المجتمع نافذة للإبداع، وتبتعد الإسكندرية عن دورها كعاصمة للفنون".
من جانبه، أبدى الشاعر جابر بسيوني، أمين صندوق اتحاد كتاب مصر، أسفه للحال الثقافية في الإسكندرية، معتبرا أن الوضع الحالي لا يعكس تاريخ المدينة العريق. وأوضح بسيوني لـ"الجزيرة نت" أن المسؤولين لا يولون الثقافة أي اهتمام، وأن الإسكندرية تشهد تراجعا حادا في الأنشطة الثقافية والفنية، بسبب عدم فعالية الأجهزة الحكومية في مواجهة فقدان المباني الثقافية وهدم دور السينما، سواء كانت مملوكة للدولة أو للأفراد.
وأشار بسيوني إلى أن دُور السينما التابعة لوزارة الثقافة تعاني من البيروقراطية الحكومية، وتفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع التطورات الحديثة. وأوضح أن صالات العرض الكبيرة ذات الأسقف العالية، التي تتسع لآلاف المقاعد، باتت غير مناسبة لاحتياجات السوق والجمهور اليوم. واعتبر أن الحل يكمن في إعادة تأهيل دُور السينما هذه، وتقسيمها إلى قاعات صغيرة تواكب التطور التقني في هذه الصناعة. كما شدد على ضرورة استخدام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للترويج لهذه القاعات، داعيا إلى عقد مؤتمر عاجل لدراسة مستقبل السينما في المدينة.
كما عبّر الناقد السينمائي سامي حلمي عن حزنه العميق لما وصفه بانهيار إرث الإسكندرية السينمائي، مشيرا إلى أن المدينة كانت مهد السينما في الشرق الأوسط وأفريقيا. وأوضح حلمي أن الإسكندرية شهدت أول عرض سينمائي بعد باريس بعام واحد في 1896، وتفاعلت مع هذا الفن بشكل كبير، وهذا أدى إلى ازدهار صناعة السينما وافتتاح العديد من دور العرض التي جعلت المدينة تُلقب بـ"هوليود الشرق".
وأضاف حلمي أن الإسكندرية لم تكتفِ بريادتها في العروض السينمائية، بل كانت موطنا لأول فيلم صُوِّر في المنطقة بعنوان "وصول قطار إلى محطة الرمل" عام 1897، من إخراج مسيو بروميو. ورغم ذلك، فإن هذا الإرث الثقافي يتعرض لتراجع مستمر. وأوضح حلمي أن نحو 400 مبنى وقاعة سينما تعرضت للإهمال والهدم منذ تأميم صناعة السينما في الستينيات، وحتى الفترة الأخيرة التي شهدت استبدال دور العرض بمشاريع عقارية تهدف لتحقيق أرباح سريعة على حساب التاريخ.
إعلانوأشار إلى أن هذه الممارسات أدت إلى انكماش النشاط السينمائي، وضياع جزء من هوية الإسكندرية الثقافية، التي كانت ذات يوم مركزا للإبداع الفني في المنطقة.
يرى الناقد السينمائي سامي حلمي أن التحدي الأكبر الذي يواجه دور السينما القديمة والتقليدية يكمن في صمودها أمام تطورات العصر الرقمي. وأشار إلى أن استمرار تراجع الإقبال الجماهيري وانتشار منصات البث الإلكتروني والتسوق عبر الإنترنت يضعف قدرتها على تحقيق الإيرادات. وأكد حلمي ضرورة نضال المثقفين والتنويريين لإحياء هذه الدور من خلال إعادة ترميم بعضها، وإقامة مهرجانات سينمائية في المدن المصرية كافة لتعزيز الوعي بقيمة التراث الفني واستعادة روح الإسكندرية الكوزموبوليتانية التي تتآكل تدريجيا.
محمد صابر، فني عرض سينمائي سابق بسينما الهلال، تحدث لـ"الجزيرة نت" عن ذكرياته قائلا: "قبل أكثر من 30 عاما، كانت دور العرض تعيش أزهى عصورها، تتنافس على تقديم العروض الجديدة. كنا نشهد ازدحاما على شباك التذاكر، والأسر والشباب كانوا يتوافدون أيام الأعياد والإجازات لمشاهدة الأفلام". وأوضح أن سينما الهلال، التي أُنشئت عام 1943، كانت تجتذب الجمهور من مختلف المناطق، وكانت تُدار بعناية وكأنها احتفالية فنية.
وأشار صابر بأسف إلى أن الجهات الحكومية هدمت جزءا كبيرا من السينما لإنشاء كوبري علوي، بينما بقيت المساحة المتبقية مؤجرة كمحال تجارية. "لم يعد للسينما مكان"، يقول صابر، مطالبا بتحويل دور السينما القديمة إلى مراكز ثقافية أو متاحف لتاريخ السينما، أو حتى مسارح صغيرة تحافظ على هويتها الأصلية. كما شدد على ضرورة إصدار قوانين تمنع تغيير استخدام هذه المعالم الثقافية إلا بما يخدم التراث.
بدوره، أكد خالد كمال، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للقصور الثقافية والسينمائية، على أهمية دور السينما باعتبارها وسيلة ترفيه وتوعية حيوية. وقال كمال لـ"الجزيرة نت": "ليست كل دور السينما التي هُدمت أو تغيّر نشاطها في الإسكندرية مملوكة لوزارة الثقافة. ضعف الإمكانيات والمعدات القديمة دفع العديد من الملاك إلى التخلي عن دور السينما كمصدر استثماري مربح".
إعلانوأوضح كمال أن الشركة القابضة تمتلك إمكانيات تؤهلها لإدارة الأصول الثقافية والسينمائية، بما في ذلك قاعات سينما تاريخية مثل ريو وراديو وريكس بالإسكندرية، التي تتميز بطرازها المعماري الفريد. كما تمتلك الشركة أحد أقدم وأكبر أستوديوهات السينما في مصر.
وأشار إلى أن العقبة الرئيسة التي تعرقل عمليات التحديث والصيانة هي نقص الاعتمادات المالية اللازمة. ومع ذلك، شدد كمال على أن الحفاظ على هذه المعالم لا يقتصر على ترميمها، بل يشمل إعادة دمجها في الحياة الثقافية بطريقة تجذب الجمهور وتواكب التطورات الحديثة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما عرض سینمائی دور السینما الجزیرة نت السینما فی العدید من دور العرض سینما فی حلمی أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تكشف كيف اخترقت إسرائيل البروتوكول الإنساني في غزة
غزة- يفتح قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف دخول جميع البضائع والإمدادات إلى غزة -بدءا من صباح اليوم الأحد- ملف خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار وعرقلة دخول المساعدات إلى القطاع خلال المرحلة الأولى التي انتهت أمس السبت.
وحصلت الجزيرة نت على تقرير خاص يكشف معلومات مفصلة لخرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار منذ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني الماضي حتى 28 فبراير/شباط، وعدم الالتزام بتنفيذ بنود البروتوكول الإنساني، مما يكشف نية نتنياهو المسبقة للتهرب من استحقاقات ومراحل الاتفاق.
قتل ومنع وعرقلة
وسجَّل التقرير حوادث إطلاق القوات الإسرائيلية نيرانها تجاه الفلسطينيين مباشرة، مما أدى لاستشهاد أكثر من 50 منهم بمناطق متفرقة من قطاع غزة خاصة مدينة رفح، وذلك منذ اللحظات الأولى لسريان اتفاق وقف إطلاق النار حتى نهاية المرحلة الأولى.
وتشير البيانات إلى تهرب الاحتلال من التزامه بإدخال 50 شاحنة وقود يوميا وفق نص البروتوكول الإنساني، ولم يسمح خلال 40 يوما إلا بإدخال 957 شاحنة بمتوسط أقل من 24 شاحنة يوميا، أي ما نسبته 47.8% من الكم المتفق عليه، في حين تراجع معدل دخول الشاحنات في الأسبوع الأخير إلى متوسط 10 شاحنات يوميا فقط.
إعلانولم تسمح إسرائيل بسفر الفلسطينيين بمختلف فئاتهم عبر معبر رفح، ولم ترفع عدد المسافرين والمرضى والجرحى رغم حاجتهم للعلاج. ورفضت كذلك خفض أعداد قواتها الموجودة في محور صلاح الدين (فيلادلفيا) خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تعهد الوسطاء بأن يتم تقليص مساحة الممر بعرض 50 مترا أسبوعيا، لكن الاحتلال لم يلتزم بذلك.
وفيما يتعلق بالكرفانات (البيوت المتنقلة) لم يدخل جيش الاحتلال غير 15 ألف بيت من مجموع 60 ألفا نص عليها الاتفاق.
وعرقل الاحتلال دخول المعدات الثقيلة الخاصة برفع الركام وفتح الشوارع واستخراج الجثث من تحت الأنقاض، ولم يدخل سوى 9 آليات فقط، بينما يحتاج قطاع غزة 500 من الآليات الثقيلة مختلفة الأنواع، ولم يسمح أيضا للمؤسسات والشركات ورجال الأعمال بشرائها أو استئجارها.
ولم يتخذ الجيش الإسرائيلي أيضا أي خطوة تجاه تشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة بقطاع غزة، أو يسمح بدخول معدات ومستلزمات إعادة تأهيلها أو الوقود الخاص بتشغيلها.
كما منع جيش الاحتلال الصيادين من النزول للبحر لممارسة الصيد اليومي، وتكررت عمليات إطلاق النار عليهم من الزوارق الحربية، واعتقل اثنين منهم أثناء وجودهما في بحر خان يونس نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
ورصدت الجهات المختصة تحليق طيران الاحتلال المُسيَّر في أجواء القطاع 172 مرة في الأوقات التي تم الاتفاق على تغييبها بشكل كامل، لإتمام عملية الافراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
وسجَّل التقرير الخاص تقدم آليات الاحتلال 32 مرة خارج المناطق التي تم الاتفاق على التراجع إليها وعدم تجاوزها، وأطلقت النار على المواطنين، ونفذت عمليات تجريف ببعض المناطق.
إعلانووفق التقرير، أطلقت قوات الاحتلال المتمركزة في المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية لقطاع غزة نيرانها 27 مرة، أسفرت عن إصابة نحو 100 فلسطيني، في حين شهدت المناطق ذاتها 13 عملية قصف مدفعي.
واحتجزت قوات الاحتلال في 4 فبراير/شباط الماضي عددا من سائقي شاحنات المساعدات خلال وجودهم في معبر كرم أبو سالم جنوبي قطاع غزة، وحقَّقت معهم قبل أن تطلق سراحهم.
كما رصد التقرير عمليات تحليق للطائرات المسيَّرة 3 مرات داخل مدينة غزة، وإطلاقها تهديدات للمواطنين في المنطقة.
وأحرق جيش الاحتلال الإسرائيلي شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية، في منطقة المطار شرق من مدينة رفح، بعدما حاصرها في 19 فبراير/شباط المنصرم.
وقد شملت انتهاكات الاحتلال منعه عددا كبيرا -من عائلات أسرى الضفة الغربية المبعدين إلى الخارج- من السفر للالتقاء بأبنائهم المفرج عنهم.