(هذه كلمة أخرى من أيام مفاوضات نيفاشا عن شكواي المستديمة من أن سياستنا في طلاق بينونة مع الثقافة)
لو استعنا بعنوان مسرحية اشتهرت في الستينات عنوانها “سمك عسير الهضم” لقلنا أن ما يجري في نيفاشا منذ شهور هو “مفاوضات عسيرة الهضم”. فهي مفاوضات صعبة جداً حتى أن حصائلها لا تخرج إلا في شكل حزم واحدة في إثر أخرى.
غير أن أصدق وصف ينطبق على جولات نيفاشا هو أنها مثل مذاكرة الدقائق الأخيرة لمن قضوا السنة الدراسية في شغل عن المسألة. فقد جربت مثل هذه المذاكرة بجامعة الخرطوم على أيام ولعي السياسي بالجبهة الديمقراطية واتحاد الطلاب. فقد كنت لا اتفرغ للمذاكرة فحسب في منعطف الامتحانات، بل لإعداد المحاضرات نفسها التي توفرت في وقتها المناسب للحاذقين من الطلاب. ففي حين يبدأ الطلاب بدفتر يذاكرونه أبدأ أنا من لا شيء بتاتاً. فقد كنت اكتب محاضراتي واذاكرها في الوقت نفسه. ولا أعرف أنني عانيت عسراً مثل عسر هذا الإعداد المزدوج. وكنت انتحي ركني من مكتبة جامعة الخرطوم لأعد محاضراتي رأساً من الكتب بعد أن فات علي سماعها وتدوينها من المحاضرين. ولا أذكر أنني استوحشت مثل تلك الوحشة أرتب نفسي للامتحانات. لم أذق مثلها في السجن، او الغربة، أو في مواضع أخرى.
ونيفاشا مثلي يوم يكرم المرء أو يهان. لم يسبقها تحضير، ولم تستعلم عن مفردات مسائلها في الوقت المناسب. حتي المحاضرين والخبراء (الأقانب) جاؤوا بهم لها وهي في قاعة الإمتحانات. وتساءلت هل كان لنيفاشا “هئية أركانحرب بحثية” تجمعت عندها حصيلة الخاطرات والاجتهادات والكتابات تغذي بها المفاوضات وتختصر مساقاتها وتلطف عسرها. فقد استعجبت مثلاً أن من ضمن ما ناقشته نيفاشا في ملف الثروة مبادئ ملكية الأرض. وتساءلت هل كان هذا بنداً خلافياً؟ ولماذا؟ وهل استوقف النائب الأول والعقيد واستغرق بعض وقتهما الغالي؟
لقد اراحتنا الحركة الشعبية وقالت أنها لم تتمخض عن مركز أبحاث منذ نشأتها. والواضح ما فاضح. أما الحكومة فلا عذر لها في الجلوس في نيفاشا علي طريقتي في الإعداد للامتحان. فقد أنشأت معهد الدراسات الإستراتيجية. وأخشى أن تكون مساهمته المؤكدة هي تحول مديره، السيد الخطيب، إلى ناطق رسمي للوفد الحكومي. ولم تستظل نيفاشا بعلم التجمع الوطني (أسمرا) لخلوه منه. فما خلق الله أعدى منه للفكر والرشد. فهو تنظيم الحضور عنده جسدي والمساهمة في أن يكون المرء بشخصه فيه أو لا يكون. أما عن مقررات أسمرا للقضايا المصيرية فلم يفتح الله عليها بحرف تدلي به في زحام الآراء في نيفاشا.
ستدخل نيفاشا التاريخ بوصفها المناسبة التي غابت عنها الثقافة واستفحل فيها الجشع والجشع المضاد حتي أعديا الآخرين في دارفور وكيان الشمال وآخرين. فالثقافة هي برهم الشفاء من التهاب الغرائز وتفاقمها. ولندرة الثقافة في نيفاشا سيخرج علينا وطن مصنوع من “مخامشة” لم تلطفها رؤى، أو يزينها عقل، أو تستحضر مستقبلاً لإلفة شعب السودان كله من غير فرز. سيخرج وطن سيكون كيه مثل كي الكاكي أو زيانة الشيب. وككيان خارج من لجنة في حالة مذاكرة سيخرج الوطن قبيحاً حتي إشعار آخر. فمن كراهة الأمريكان في اللجان ومنتوجاتها قالوا أن حيوان الموس (شين شنه شديدة) هو من تاليف إحدي اللجان. غير اننا شعب أفضل من قادتنا بمراحل كما قال المرحوم محمود محمد طه وسأاخذ موس نيفاشا ونزينه ونجمله غزالاً كالتي لنا . . . في المسالمة.
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هل تفعل واشنطن ما يكفي لمساعدة السودان؟
تشهد نهاية العام 2024 تقديم الولايات المتحدة لمساعدات جديدة للسودان قد تخفيف معاناة سكانه، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة إنسانية كبيرة وحادة وصفت بأنها قد تتجه نحو الكارثة في السنة المقبلة، الدبلوماسي الأميركي السابق، مدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون، قال إن هذه المساعدات "غير كافية" على الصعيد الإنساني.
وقال المرصد العالمي للجوع، الثلاثاء، إن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى بحلول مايو.
وأضاف هدسون أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن لم تستخدم الأدوات السياسية المتوفرة لواشنطن لوقف الحرب، ولم يوجه الرسائل الصحيحة للأطراف المتحاربة أو للقوى الأخرى في المنطقة.
وذكر أن الرؤساء الأميركيين السابقين استخدموا نفوذهم الدبلوماسي للتأكد من وجود تحالف دولي لإرساء السلام في السودان، وهو ما لم تفعله الإدارة الحالية.
وعزى هدسون ذلك إلى عدم إعطاء السودان أي أولوية ضمن أولويات واشنطن، على الرغم من انخراط واشنطن بشكل أكبر سابقا رغم التحديات التي تواجه الولايات المتحدة.
ويواصل الطرفان المتحاربان في السودان في تعطيل المساعدات الإنسانية اللازمة للتخفيف من وطأة واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العصر الحديث.
وذكرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن ظروف المجاعة تأكدت في مخيمي أبو شوك والسلام للنازحين داخليا في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بالإضافة إلى مناطق سكنية وأخرى للنازحين في جبال النوبة.
وخلصت اللجنة أيضا إلى أن المجاعة، التي كُشف عنها لأول مرة في أغسطس، لا تزال مستمرة في مخيم زمزم بشمال دارفور.
المجاعة "تتمدد" في السودان.. وتوقعات كارثية في 2025
كشفت منظمة عالمية تُعنى بقضايا الأمن الغذائي، في بيان الثلاثاء، عن وجود المجاعة في 5 مناطق على الأقل داخل السودان، ومن المتوقع أن تواجه 5 مناطق إضافية المجاعة بين ديسمبر 2024 ومايو 2025.
وتتوقع اللجنة، التي تتألف من خمسة أعضاء وتدقق وتتحقق من وجود المجاعة، امتداد المجاعة إلى خمس مناطق أخرى في شمال دارفور بحلول مايو، وهي أم كدادة ومليط والفاشر والطويشة واللعيت. وحددت اللجنة 17 منطقة أخرى في أنحاء السودان معرضة لخطر المجاعة.
وتشير تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن نحو 24.6 مليون شخص، أي حوالي نصف العدد الكلي للسودانيين، في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية حتى مايو أيار، وهي زيادة كبيرة عما كان متوقعا في يونيو عند 21.1 مليون خلال الفترة من أكتوبر حتى فبراير.
وأدت الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل 2023 إلى تراجع إنتاج المواد الغذائية ومعدلات التجارة فيها ودفعت أكثر من 12 مليون سوداني إلى ترك منازلهم، مما جعلها أكبر أزمة نزوح في العالم.
ونهبت قوات الدعم السريع إمدادات غذائية إنسانية وأخرى تجارية ووضعت عوائق أمام الزراعة وحاصرت بعض المناطق، مما أدى لارتفاع تكلفة التجارة وأسعار المواد الغذائية. كما تمنع الحكومة وصول المنظمات الإنسانية إلى بعض أجزاء البلاد.
الحرة الليلة