حكم التعزية بعبارة "إن في الله عزاء من كل مصيبة"
تاريخ النشر: 28th, December 2024 GMT
كشفت دار الإفتاء المصرية حكم تعزية أهل الميت بعبارة: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة"، موضحة أنها مستحبةٌ؛ لأن التعزية بصفة عامة مندوبٌ إليها شرعًا، وهذه الصيغة ثابتة في كتب السنة عن الخضر عليه السلام، وقد نص العلماء على استحبابها، ومعناها: إن في كتاب الله تعالى وثوابه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه: تسليةً للعبد في جميع المصائب والبلايا.
حث الشرع الشريف على تقديم التعزية لأهل الميت
تقديم التعزية لأهل الميت من مظاهر الأخلاق الحسنة التي حثَّ عليها الشرع الشريف، ووعد عليها بالثواب والجزاء في الدنيا والآخرة؛ إذ إنها من المروءات المحمودة التي تُعدُّ من باب المشاركة والمؤازرة وجبر الخواطر بين الناس؛ فقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
استحباب تقديم التعزية لأهل الميت وبيان ثوابها
من المقرر شرعًا استحباب تعزية أهل الميت؛ وقد وَعَد الشرع المُعزِّي بالثواب العظيم؛ فقد روى الترمذي وابن ماجه في "سننيهما" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
وورد في "سنن ابن ماجه" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ عَزَّى أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي مُصِيبَةٍ، كَسَاهُ اللهُ حُلَّةً خَضْرَاءَ يُحْبَرُ بِهَا»؛ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُحْبَرُ بِهَا؟ قَالَ: «يُغْبَطُ بِهَا» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
حكم تعزية أهل الميت بعبارة: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة"
أما عبارة: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة" فقد رواها الحاكم في "المستدرك"، والطبراني في "المعجم الأوسط" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: "لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَعَدَ أَصْحَابُهُ حُزَّانًا يَبْكُونَ حَوْلَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ طَوِيلٌ صَبِيحٌ فَصِيحٌ، فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، أَشْعَرُ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ، فَتَخَطَّى أَصْحَابَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَ بِعَضَادَيِ الْبَابِ، فَبَكَى عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فِي الله عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فَإِلَى الله فأَنِيبُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: أَتَعْرِفُونَ الرَّجُلَ؟ فَنَظَرُوا يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الْخَضِرُ أَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ".
قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 317، ط. دار المعرفة) عقب الأثر السابق: [قد عزَّى قوم من الصالحين بتعزية مختلفة فأحب أن يقول قائل هذا القول، ويترحم على الميت، ويدعو لمَن خلفه] اهـ.
وقال الإمام ابن الرفعة في "كفاية النبيه" (5/ 174، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن الصباغ وأبو الطيب: ويقال: إن قائله الخضر عليه السلام. وعبارة ابن يونس مصرحة بأن قائل ذلك الشافعي، وأنه يستحب أن يقول بعد ذلك ما ذكره الشيخ، وهو قضية كلامه في "المهذب" وغيره] اهـ.
أقوال العلماء في التعزية بعبارة: "إن في الله عزاءً من كل مصيبة"
قد نصَّ جماعة من الفقهاء والعلماء على استحباب هذه الصيغة الواردة في هذا الحديث في التعزية:
قال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 229، ط. دار الفكر): [وزاد سند عن ابن حبيب، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما مات وجاءت التعزية سمعوا صوتًا من جانب البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته؛ إنَّ في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفًا من كلّ هالكٍ وعوضًا] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 334، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ويُستحبُّ أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموته: إن في الله عزاءً من كل مصيبةٍ، وخلفًا من كل هالكٍ، ودركًا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب مَن حُرم الثواب] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التعزية صلى الله علیه وآله وسلم أهل المیت وآله و س ل رضی الله ى الله ع ه وآله ی الله ع الله ص
إقرأ أيضاً:
حكم تسمية الأشخاص باسمي "طه وياسين"
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي جاء مضمونه كالتالي: هل يجوز التسمية باسمي طه وياسين؟ وهل هما من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟.
وقالت الإفتاء إنه يجوز شرعًا التسمية بهذين الاسمين، وعدّهما بعض العلماء من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
واوضحت الإفتاء أنه لاحرج في تسمية الأبناء بهذه الأسماء، وكون هذه الأسماء من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ليست من أسمائه أمرٌ مختلفٌ فيه؛ فقد ورد حديثٌ ضعيفٌ عند ابن عدي وابن عساكر يذكر فيه أن (طه، ويس) من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أخرج ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (4/ 509)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3/ 29)، عَن أَبِي الطُّفَيْلِ عامر بن واثلة الكناني رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشْرَةَ أَسْمَاءٍ»، قَالَ أبو الطفيل: قد حفظت منها ثمانية: «محمد، وأحمد، وأبو القاسم، والفاتح، والخاتم، والماحي، والعاقب، والحاشر»، قَالَ أبو يَحْيى: وزعم سيفٌ أن أبا جعفرٍ قَالَ له: إن الاسمين الباقيين: يس، وطه.
وأضافت دار الإفتاء أن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم أسماء كثيرة، بعضهم أوصلها إلى ثلاثمائة اسم، منها أسماء وردت في القرآن الكريم، وهي: (الشاهد، والمبشر، والنذير، والمبين، والداعي إلى الله، والسراج المنير، والمذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين والمزمل، والمدثر).
ومنها ما ورد في القرآن والسنة النبوية، وهي: (أحمد، ومحمد)، ومنها ما ورد في السنة فقط، وهي: (الماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، والمتوكل)، ومن أسمائه المشهورة صلى الله عليه وآله وسلم: (المختار، والمصطفى، والشفيع، والمشفع، والصادق، والمصدوق).
وورد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِي خَمْسَة أسْماءٍ: أَنا محمَّدٌ، وَأَنا أحْمَدٌ، وَأَنا الحاشِرُ الّذِي يُحْشَرُ النّاسُ على قَدَمي، وَأَنا المَاحِي الذِي يَمْحُو الله بِيَ الكُفْرَ، وَأَنا الْعاقِبُ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".
قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (2/ 518) في شرح الحديث السابق: [وفيه جواز التسمية بأكثر من واحد، قال ابن القيم: لكن تركه أولى؛ لأن القصد بالاسم التعريف والتمييز والاسم كاف، وليس كأسماء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن أسماءه كانت نعوتًا دالة على كمال المدح لم يكن إلا من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى لا للتعريف فحسب، (تتمة) قال المؤلف -يقصد السيوطي- في "الخصائص": من خصائصه أن له ألف اسم، واشتقاق اسمه من اسم الله تعالى، وأنه سمي من أسماء الله بنحو سبعين اسمًا، وأنه سمي أحمد، ولم يسم به أحدٌ قبله] اهـ.
ولقد اهتم علماء الأمة رحمهم الله تعالى بإفراد أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتأليف، فأُلِّف في أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة مؤلفات، وفي "كشف الظنون" و"ذيليه" تسمية أربعة عشر كتابًا، وهي للأئمة: ابن دحية، والقرطبي، والرصاع، والسخاوي، والسيوطي، وابن فارس، وغيرهم، وقد طبع منها "الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة" للسيوطي، و"البهجة السنية في الأسماء النبوية" للسيوطي أيضًا.