إبداع|| محمد الجوهري يكتب: الغريب الذي غير مساري
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في إحدى الليالي الشتوية الممطرة، وبينما كنت أعود بسيارتي إلى المنزل بعد يومٍ شاق في العمل، قررت أن أسلك طريقًا مختلفًا.. كان الطريق الذي اخترته مهجورًا، تحيط به الأشجار على الجانبين، ويكاد الظلام يبتلعه بالكامل، لم أكن أعرف لماذا قررت أن أسلك هذا الطريق بالذات، ربما كنت بحاجة إلى الهدوء، أو إلى بعض اللحظات التي أكون فيها بعيدًا عن ضجيج العالم.
بينما كنت أقود، شعرت بشيء غريب، ربما كان شعورًا بالوحدة أو ثقل يومٍ مليء بالقرارات والمشاكل، فجأة، تعطل المحرك وتوقفت السيارة تمامًا وسط الطريق حاولت تشغيلها مرارًا، لكن دون جدوى، بحثت عن هاتفي لأتصل بشخص ما، فقط لأجد أن البطارية قد نفدت، بدت اللحظة وكأنها تتحداني، وكأن العالم يريد مني أن أتوقف وأعيد التفكير في كل شيء.
خرجت من السيارة تحت المطر الخفيف الذي زاد من برودة الجو، وقفت هناك، أنظر حولي بلا أي فكرة عمّا يمكن أن أفعله، الطريق كان فارغًا تمامًا، إلا من صوت قطرات المطر وأوراق الأشجار التي تحركها الرياح، كان شعورًا غريبًا، كأنني الوحيد في هذا العالم.
بعد دقائق، ظهرت من بعيد إضاءة خافتة، كان هناك رجل يسير ببطء، يحمل حقيبة صغيرة، ارتدى معطفًا طويلًا وقبعة سوداء، تخفي ملامحه بشكل جزئي، اقترب مني بهدوء، وعندما أصبح قريبًا بما يكفي، لاحظت أن وجهه كان يحمل تعبيرًا غامضًا، مزيجًا من الحكمة والهدوء.
"تبدو في ورطة"، قال بصوت هادئ.. "السيارة تعطلت، وهاتفي بلا بطارية لا أعرف ما الذي يمكنني فعله الآن".. ابتسم وقال: "ربما توقفك هنا ليس مجرد صدفة أحيانًا، الحياة تعطينا لحظات كهذه لتُرينا شيئًا مختلفًا".
رغم غرابة كلماته، شعرت بالراحة، كان هناك شيء مطمئن في وجوده، وكأن حضوره يزيل بعضًا من التوتر الذي كنت أشعر به.. بدون أن ينتظر إجابتي، بدأ الرجل في فحص السيارة، تحرك بثقة وكأنه يعرف ما يفعل، بينما بقيت أنا واقفًا أراقب، بعد دقائق، رفع رأسه وقال: "المشكلة بسيطة، لكن عليك أن تنتظر قليلًا، المحرك بحاجة لبعض الوقت ليبرد".
جلس الرجل على حافة الطريق، وأخرج من حقيبته قطعة قماش صغيرة مسح بها يديه، نظرت إليه بفضول وسألته: "هل تسير دائمًا في هذا الطريق؟ يبدو مكانًا غير مأهول".. ضحك بخفوت وقال: "أنا هنا دائمًا، لكنني لا أرى أحدًا إلا نادرًا، هذا الطريق ليس لمن يبحث عن اختصار، بل لمن يبحث عن طريق طويل ليعيد التفكير".. كلماته بدت وكأنها تحمل معاني أكبر مما يقول، لكنها أثارت فضولي أكثر.
بينما كنا نجلس ننتظر، بدأ يحدثني عن حياته.. قال إنه كان يعيش حياة مزدحمة، مليئة بالعمل والسعي خلف النجاح، لكنه أدرك في لحظة ما أنه فقد نفسه في الزحام "كنت أركض طوال الوقت، أبحث عن المال والمكانة، لكنني لم أكن سعيدًا، حتى أنني لم أكن أعرف لماذا أفعل كل ذلك، الحياة ليست سباقًا يا صديقي، بل رحلة، وكل ما عليك هو أن تعرف كيف تستمتع بالمحطات".
شعرت وكأنه يتحدث عني، كنت قد قضيت سنوات في السعي وراء أهداف لم أكن متأكدًا من معناها، كل يوم كان يمر وكأنه نسخة مكررة من الذي سبقه.. سألته: "وكيف عرفت أنك بحاجة للتغيير؟".. قال: "عندما توقفت فجأة، تمامًا كما توقفت سيارتك الآن، تلك اللحظة كانت دعوة للحياة أن تقول لي: توقف، فكر، وابحث عن المعنى".
مر رجل آخر بدراجة قديمة، يبدو عليه التعب، لكنه توقف عندما رآنا "تحتاجون إلى مساعدة؟" سأل بصوت خشن.. "لا بأس، الأمور تحت السيطرة"، أجاب الغريب بابتسامة ودودة.
لكن الرجل بالدراجة لم يذهب، جلس بجانبنا وبدأ يشاركنا الحديث، قال إنه يعمل في الحقول القريبة، وإنه يمر من هذا الطريق كل يوم، بدأ يحكي عن حياته البسيطة.. لفت انتباهي تلك الجملة التي كانت نصلًا في روحي "السعادة ليست في الأشياء الكبيرة، بل في التفاصيل الصغيرة"، قال وهو ينظر إلى السماء الممطرة.
بعد حوالي نصف ساعة، حاولت تشغيل السيارة مرة أخرى، وعادت للعمل بشكل مفاجئ، شعرت بالارتياح وشكرت الغريب على مساعدته، لكنه لم يبدُ مستعجلًا للمغادرة، نظر إليّ وقال: "قبل أن ترحل، تذكر شيئًا: كل توقف هو فرصة. فرصة لتعيد التفكير، لتسأل نفسك: هل أنا على الطريق الصحيح؟"، ثم أضاف بابتسامة غامضة: "وأحيانًا، الأشخاص الذين تقابلهم في هذه اللحظات يكونون مجرد رسائل".
ركبت السيارة وبدأت في القيادة، بينما كان الغريب والرجل بالدراجة يلوحان لي، شعرت بشيء غريب، وكأنني غادرت مكانًا ليس مجرد طريق، بل محطة من محطات الحياة.
عندما وصلت إلى المنزل، جلست أفكر في كل ما حدث، الغريب، الرجل بالدراجة، الكلمات التي قيلت، أدركت أنني كنت أحتاج إلى تلك اللحظة، ليس لأن سيارتي تعطلت، بل لأن حياتي نفسها كانت بحاجة إلى إعادة تشغيل.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت أتعامل مع الحياة بشكل مختلف، أصبحت أبحث عن المعنى في التفاصيل، وأتوقف عند كل لحظة لأفهمها "الحياة مليئة بالإشارات، لكننا نحتاج فقط إلى أن نفتح أعيننا لنراها".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: محمد الجوهري هذا الطریق لم أکن
إقرأ أيضاً:
كلمة القائد العسكري عزام الغريب في مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية
عزام الغريب 2025-01-30Hassan Nasrسابق كلمة القائد العسكري أحمد عيسى الشيخ ضمن فعاليات مؤتمر إعلان انتصار الثورة السوريةآخر الأخبار 2025-01-29وزير الخارجية والمغتربين يلتقي وفداً أوروبياً في دمشق 2025-01-29انطلاق فعاليات مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية وسط حضور موسع من فصائل إدارة العمليات العسكرية وقوى الثورة السورية 2025-01-29وفاة أربعة أشخاص وإصابة أربعة جراء انفجار لغم أرضي في ريف حماة الشرقي 2025-01-29(حماة تنبض من جديد).. مبادرةٌ أطلقتها المحافظة لتعزيز العمل التطوعي وإعادة تأهيل البنية التحتية 2025-01-29وزارة النقل: ندرس تعرفة خطوط نقل الركاب بشكل دقيق 2025-01-29وفاة شخصين وإصابة 4 آخرين نتيجة حادث سير على طريق إدلب سرمين 2025-01-29وزير المالية في لقاء مع بعثة الاتحاد الأوروبي: ضرورة رفع كامل العقوبات عن سوريا 2025-01-29ورشة في وزارة الصحة لتنسيق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في سوريا 2025-01-29وزارة التربية والتعليم تناقش مع منظمات دولية ومحلية خطتها وأولويات النهوض بالواقع التربوي 2025-01-29تشخيص وعلاج الانصمام الرئوي في محاضرة للجمعية الطبية السورية الأمريكية بمشفى دمشق
صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23 الخارجية تعلن برنامج اختبارات المرحلة الرابعة في مسابقتها لتعيين عاملين دبلوماسيين 2024-12-05حدث في مثل هذا اليوم 2024-12-077 كانون الأول-اليوم العالمي للطيران المدني 2024-12-066 كانون الأول 2004- اقتحام القنصلية الأمريكية في جدة بالمملكة العربية السعودية 2024-12-05 5 كانون الأول – اليوم الوطني في تايلاند 2024-12-033 كانون الأول 1621- عالم الفلك الإيطالي جاليليو جاليلي يخترع التلسكوب الخاص به 2024-12-022 كانون الأول- اليوم الوطني في الإمارات العربية المتحدة 2024-12-011 كانون الأول 1942 – إمبراطور اليابان هيروهيتو يوقع على قرار إعلان الحرب على الولايات المتحدة
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |