WP: سكان حماة يستيعدون ذكريات أول مذبحة ارتكبها الأسد ضدهم
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدّته لويزا لافلاك، من مدينة حماة التي عاشت في الثمانينات من القرن الماضي "مجزرة رهيبة" على يد قوات حافظ الأسد، والد رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.
وفي التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الناجين من أول مذبحة لعائلة الأسد يتذكرون الآن ما حدث، ويتحدثون بحرية وبدون خوف"، مردفة: "المذبحة هذه كانت بمثابة النموذج الذي قام عليه القمع في نظام الأسد بسوريا".
وأضاف التقرير: "اليوم وقد هرب الأسد الإبن أصبح بمقدور الناس حكاية قصصهم"، متابعا: "إنه وعلى مدى أربعة عقود، تأكّدت عائلة الأسد من أن الرعب الذي ارتكبته ظل مخفيا وصامتا، فقد قامت وعلى مدى شهر من الحصار بقتل عشرات الآلاف من سكان المدينة، ثم تصيدت من حملوا ذاكرتها".
"ترددت قلة من سكان المدينة في غرب سوريا في وصف ما حدث خلال عام 1982، ونظروا من خلف ستار النوافذ حيث راقبوا الجنود وهم يفصلون الرجال عن النساء لإعدامهم. وحاولوا نسيان مجموعات الكلاب التي انتشرت في شوارع المدينة بعدما مزقوا الأجساد" بحسب التقرير.
وأبرز: "فقد كانت حماة التي قام من خلالها حافظ الأسد بتعزيز وحشية عائلته من خلال سحق انتفاضة للإخوان المسلمين. وفي هذا الشهر، انهار حكم العائلة في سوريا، وانزاح جدار الصمت الذي بنته على المجزرة، وفي مدى أيام قليلة".
واسترسل: "قادت قوات المعارضة التي خاضت حربا استمرت لمدة أكثر من عقد حملة عسكرية خاطفة من معقلها الرئيسي في شمال البلاد إلى العاصمة، دمشق وتفوقت على دفاعات قوات بشار الأسد التي انهارت معنوياتها واستولت على العاصمة، بينما فرّ الرئيس إلى روسيا".
وأكدت: "على قمة تلة مغطاة بأشجار الصنوبر بالقرب من حماة، حيث خسرت القوات الحكومية معاركها الأخيرة مع مقاتلي المعارضة، كانت الأرض مغطاة بالزي العسكري الأخضر، والطعام الذي حملته القوات معها إلى الجبهة وكانت أجسادهم مرمية على العشب حيث سقطوا".
ويقول سكان المدينة، وفقا للتقرير نفسه، إنّ: الخسارة الفادحة تضخمت بحجم صدمة المذبحة المخفية والتي جعلت روح حماة فارغة.
ومن نواح عديدة، كانت حملة حافظ الأسد هنا بمثابة المخطط الذي استخدمه ابنه لسحق المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، ما أدى لإنزلاق البلاد إلى حرب أهلية.
وعلى الرغم من أن معظم السوريين لم يعرفوا أبدا تفاصيل ما حدث هنا، إلا أنهم فهموا أن حماة كانت مرادفا للمذبحة، وبمثابة تحذير من أن الموت أو السجن هو ثمن الوقوف في وجه النظام.
وقبل ظهور سجن صيدنايا سيء السمعة، كان هناك سجن تدمر حيث سجن رجال حماة وأعدموا فيه. ووصف أحد السجناء السابقين وهو شاعر، ما جرى في السجن بأنه: "مملكة الموت والجنون".
ولدت ميساء زلوخ في عام 1982 في ظل الحصار الحكومي. أخبرتها عمتها أن والدها كان حنونا واجتماعيا، لكن الرجل الذي رباها لم يكن لديه أصدقاء على الإطلاق. لقد قتل أو اختفى أولئك الذين نشأ معهم. قالت زلوخ: "كان خائفا لدرجة أنه لم يكن يثق في أي شخص".
وأوضحت أن المرة الأولى التي رأته يبكي فيها كانت عندما دخلت المعارضة المدينة في 5 كانون الأول/ ديسمبر، حيث أدرك أخيرا أن النظام على وشك السقوط. وقالت: "كان الأمر لا يصدق، لقد كان سعيدا للغاية. قال إنه كان يعتقد أن هناك سبع عجائب فقط في هذا العالم، لكن الآن أصبحت هذه العجائب أصبحت ثماني".
وعلى مقعد في المنتزه ضحك حامد شعبان، ذو 54 عاما، وصديقه، عند سؤالهما عن المرة الأولى التي تحدثا فيها عن مجزرة حماة قبل 42 عاما، وقال معا: "الآن".
ومن المكان الذي جلسا فيه كان بإمكانهما رؤية الساحة العامة التي كانت تعج بالمتظاهرين في عام 2011، وهم يرقصون ويهتفون ويطالبون بالتغيير السياسي. وعندها فتحت قوات الأمن النار عليهم، ثم شكلت "لجان تحقيق" لاعتقال دائرة متزايدة الاتساع من المدنيين بتهمة التورط في الاحتجاجات، سواء كانت حقيقية أو متخيلة.
وقال شعبان: "كنت أشاهد من بعيد آنذاك. كنا نعرف ثمن الانتفاضة، وكنا خائفين جدا".
وفي حي الكيلانية، على الجانب الآخر من النهر ونواعيره الشهيرة، توقّف المارة للاستماع بينما بدأ جيرانهم في مشاركة الذكريات التي احتفظوا بها لسنوات عديدة. وكانت القوة التي أرسلها النظام في عام 1982 مكونة من 12,000 جنديا، بقيادة رفعت الأسد -قائد سرايا الدفاع-، الأخ الأصغر لحافظ الأسد.
وقصف جنوده أحياء بأكملها وحولوها إلى أنقاض. وكان الحصار المفروض على المدينة يعني أنه لم تكن هناك أي فرصة للهروب. ثم جاءت عمليات "التطهير"، كما قال السكان.
وأشار أحدهم إلى المساحة الفارغة حيث كان منزل عائلته، وهو يروي كيف شاهد المسلحين يتنقلون من منزل إلى آخر. وأشار آخر إلى سطح قال إنه شاهد طفلا صغيرا أصيب برصاصة وهو يصرخ طلبا للطعام.
وتحدث رجل، قال إنه لا يزال خائفا جدا الكشف عن اسمه: "من الصعب أن نصدق أن هذا يحدث، حتى أكون صادقا، لم نتخيل ذلك أبدا. كنا نعتقد أنهم بنوا نظاما سوف يستمر إلى الأبد".
وحتى في داخل الأسر، كانت مناقشة المذبحة أمر خطير جد، لدرجة أن معظم الآباء حذّروا أطفالهم من عدم التحدث عنها أبدا. وعليه، فعندما بدا عبد العزيز شمة، ذو 57 عاما بالتقاط الصور من أجل إعادة بناء الأحياء في عام 2011، قرّر أن يضعها على منصات التواصل الإجتماعي مستخدما اسما مستعارا. ومع مرور الوقت واتته الشجاعة، وبدأ بمقابلة سكان المدينة ومعرفة ما حدث في عام 1982.
وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر وبعد فرار الأسد، قرّر شمة وضع فيديو لحماته فاطمة منتش والتي كانت ولأول مرة قادرة على حكاية ما رأته وعاشته بالكامل.
وقال شمة: "كانت تبدأ الحديث، لكنها لم تستطع الاستمرار. لم تكن قادرة على إنهاء حديثها"، مضيفة: "جاء الجنود إلى منزلها وأخذوا اثنين من أبنائها وواحدة من بناتها. وضربوا بقية أفراد الأسرة ونهبوا المنزل وسرقوا المال أثناء مغادرتهم. ولم تسمع أي شيء عن أطفالها المفقودين".
وأبرزت أنها سعت للتنفيس عن حزنها من خلال الجلوس مع نساء أخريات من المدينة يشتركن معها بالألم، وعندما كانت تصلي، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كانت ستدعو للإفراج عن ولديها وابنتها راوة أو الدعوة لأراوحهم وراحتهم في موتهم". وقالت: "كنت أبكي ليل نهار وأتمنى لو أستطيع أن أراهم. حتى لو كانوا موتى. أريد أن أراهم موتى".
وقام شمة بالحديث أمام الكاميرا قائلا: لكل الأمهات اللاتي شاهدن قتل أولادهن، حتى ولو لم يكونوا يحملون أسلحة؛ ولم يكونوا إرهابيين، كانوا أبناء الشام"، وأضاف "نريد نشر هذه القصص، فكل واحد لديه قصة".
وتقول الصحيفة إنّ: الكثيرين من الذين كانوا في سن النضج عندما دخلت قوات النظام المدينة عام 1982، هم في عداد الموتى الآن. وأوضح شمة أن عمته التي أعدم زوجها محمد وستة من أبنائها مصابة بمرض الزهايمر، وتمر عليها أيام جيدة وأياما صعبة.
وعندما زارتها الصحيفة بمنزل العائلة، هذا الأسبوع، كانت أمينة برادة، 88 عاما طريحة الفراش ومغطاة بأغطية ثقيلة لحمايتها من البرد. ولم تكن شبكة الكهرباء عاملة بعد سنوات من الفساد والأزمة الإقتصادية.
وفي ذهن برادة كان الأمر لا يزال وكأنه في سنوات الثمانينات. وكلما فتح الباب الأمامي، اعتقدت أنه ابنها الأصغر، مخلص الذي كان في سن 11 عاما وأنه قد عاد من المدرسة. وكانت تصرخ "أين هم"، وهي تنادي في الليل وتقول "لماذا لم يعودوا إلى المنزل". واقترب شمة من السرير وانحنى وقبّل خد عمته بينما لفت يديها حول خصره واحتضنته بقوة . وظل يقول لها "لا بأس" "يمكننك الإستراحة الآن".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية حماة الأسد سوريا سوريا الأسد حماة سكان حماة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سکان المدینة فی عام عام 1982 لم تکن ما حدث
إقرأ أيضاً:
رغيد الططري.. طيار سوري رفض قصف حماة فاعتقله نظام الأسد 43 سنة
رغيد الططري عسكري سوري لقب بـ"عميد المعتقلين السوريين"، وتعتبره منظمات حقوقية عدة أنه "صاحب أطول فترة اعتقال سياسي" في سجون نظام الأسد المخلوع، إذ اعتقل عام 1982 وتنقّل بين سجون النظام 43 سنة.
أفرجت عنه فصائل المعارضة السورية التي دخلت سجون الأسد وحررت المساجين في أثناء سيطرتها على المدن السورية ضمن عملية "ردع العدوان" التي شنتها ضد النظام السوري، واستطاعت إسقاط بشار الأسد في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2024.
المولد والنشأةولد الططري في دمشق عام 1955، والتحق بالقوات الجوية السورية، وصار طيارا في العشرينيات من عمره.
الطيار السوري رغيد الططري في شبابه (مواقع التواصل) التجربة العسكريةشهدت مدينة حماة حملة عسكرية غير مسبوقة مطلع ثمانينيات القرن العشرين، بعد تصاعد المواجهة بين نظام حافظ الأسد والمعارضة الإسلامية، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين.
وكانت حماة آنذاك معقلا للجماعة، وشاركت في انتفاضات متكررة ضد حكم حزب البعث السوري الذي اتهمها بالتخطيط لانقلاب ومحاولة اغتيال حافظ الأسد الذي استغل مرسوما تشريعيا صدر عام 1980، يقضي بإعدام كل من ينتمي للإخوان المسلمين، ليبرر عملية اجتياح خطط لها.
وأسفرت الحملة عن تدمير واسع للمدينة، وارتكبت مجازر مروعة بحق المدنيين، في محاولة لسحق المعارضة. وفي فبراير/شباط 1982 تعرضت المدينة لواحدة من أسوأ مجازر تاريخ سوريا الحديث حين هاجمتها قوات حافظ الأسد بالأسلحة الثقيلة لمدة شهر تقريبا، مما تسبب بمقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 100 ألف.
وكان الططري في تلك الفترة طيارا حربيا برتبة رائد في القوات الجوية السورية، وجاءه أمر بقصف مواقع بمحافظة حماة، لكنه رفض التعليمات، أو حتى الإبلاغ عن زملائه المنشقين عن الجيش.
وبدأ النظام استجواب الططري بتهمة علمه بانشقاق زميل له هرب إلى الأردن عام 1979، لكنه نفى ذلك، وبعد أيام من التحقيق قرر النظام السوري فصله عن العمل، مما اضطره للسفر إلى الأردن عام 1980.
رغيد الططري صار طيارا عسكريا في القوات الجوية السورية بالعشرينيات من عمره (مواقع التواصل) الاعتقالانتقل الططري من الأردن إلى مصر، ثم قدم طلب لجوء إلى الأمم المتحدة عام 1981، لكنه رفض، فأجبر على العودة إلى سوريا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 1981، واعتقلته قوات حافظ الأسد في مطار دمشق الدولي وكان عمره وقتئذ 27 عاما.
إعلانأودع الططري سجن المخابرات العامة حيث تعرّض للتعذيب الشديد بهدف انتزاع أقواله بالإكراه، ونقل بعدها إلى سجن المزة العسكري، وبقي معتقلا فيه لفترة دون توجيه تهم.
نقل الططري بعدها إلى سجن تدمر الذي بقي فيه نحو 21 عاما، ثم إلى سجن صيدنايا العسكري لـ10 سنوات عايش فيها أحداث "تمرد السجناء" التي رد عليها النظام بالتعذيب والقتل.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، نقل الططري إلى سجن دمشق المركزي في عدرا، وعايش ظروفا إنسانية صعبة، وحرم من رؤية أهله وأقاربه.
الإفراجتحرر الططري من السجن المركزي بمدينة طرطوس -إضافة إلى آخرين- عقب انهيار نظام الأسد وفرار رئيسه بشار، بعد أن سيطرت فصائل معارضة على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وكرّم أهالي محافظة حماة الططري بعد الإفراج عنه من سجون الأسد، وذلك لرفضه أوامر النظام السوري بقصف عوائلهم في هذه المدينة أوائل عام 1982.
وقدم الشيخ معاذ ريحان سيفا مذهبا للططري باسم أهالي حماة، وأفاد خلال تكريمه بأنه هدية رمزية لقضائه أكثر من 4 عقود في سجون النظام المخلوع.