د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الوعي الثقافي.. تعضيد الهُوِيَّة
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
ننشغل بماهية الهُوِيَّة؛ كونها من دعائم الاستقرار، ومقوم تحقيق الأمن والأمان للأوطان، ومن الثوابت التي تسهم في تعزيز اللغة، والمعتقد، وداعم رئيس لتوجيه السلوك في مساره الصحيح، وضمانة لحفظ مقدرات الوطن، وما به من تراث، وما يمتلكه من حضارة، وعبر كل ذلك يستطيع الإنسان أن يرسم تطلعاته ويبرهن عن طموحه ويعتز بثقافته ويفتخر بمكون حضارته ويشارك بقوة في نهضة دولته.
والوعي الثقافي من مقومات تعزيز الهُوِيَّة دون مواربة؛ حيث تعضيد شعور الإنسان بالتفرد والتميز في ضوء ما يمتلكه من تراث ثقافي وما لديه من زخائر حضارية متراكمة عبر تاريخ غائر يؤكد على أصالة الجذور وسبق الجميع على وجه المعمورة، وهنا ندعي أن هذا النمط من الوعي يسهم في تحسين المقدرة على الاختيار، بل ويساعد في اكتشاف ما نملكه من مقومات ومهارات نوعية، ويحثنا دومًا على اكتساب مزيد من المعارف والمهارات في مختلف الفنون ومجالاتها.
وعندما يدرك الإنسان ما قدمه السابقون من تراث وما أضافته الأجيال تلو الأخرى من أجل بناء حضارة تتسم بالتسلسل والتكامل؛ فإنه يسعى جاهدًا من أجل أن يكون أداة للبناء، يضيف لهذا الرصيد من خلال ما يقدمه من طيب عمل ومبتكر ناجع وفكر راق رشيد وسلوك قويم يرفع من شأنه ومن مقدار مجتمعه، ويعلى من قدر الدولة ويصبغ الاتجاهات بمتلون الإيجابية لمن يحاول أن يكتشف طبيعة المجتمعات ويدرس خصائصها بطرائق أضحت ممكنة ومتاحة.
وتعضيد الهُوِيَّة عبر بوابة التنمية الثقافية ومسارات تنمية الوعي الممنهجة، تمكن الفرد من أن يواجه مخاطر وسلبيات من يروجون لثقافات أضحت مآربها معلومة لدينا؛ فالخطورة هنا نرصدها في محاولات إضعاف الهُوِيَّة؛ ليستبدل الإنسان ثقافته بأخرى تحقق له تطلعًا وآمالًا مكذوبة، وتذهب بأمنياته لدائرة الغرق التي لا يستطيع أن يخرج منها في ضوء ما تمتلئ به من نفعية صرفه؛ حيث يأتي الوطن في المؤخرة والغاية الخاصة في الصدارة.
وكون أن العالم أصبح قرية صغيرة بات أمرًا لا جدال حوله، وهذا يدعونا أن نولي اهتمامًا خاصًا بتنمية الوعي الثقافي؛ كي نعزز مكنون الهُوِيَّة التي يستطيع الفرد من خلالها أن يتعامل مع كافة المتغيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يحقق النفع العام لوطنه وبما يحميه من الانزلاق في بئر الخلاف والشرذمة؛ ومن ثم يتعرض لمخاطر مثلث تدمير الشعوب والأوطان.
ودعونا نؤكد على أن الوعي الثقافي يهيئ البيئة المواتية التي تجعل المواطن يؤدي ما يوكل إليه من مهام، وفق ما يعزز العادات والتقاليد التي يتبناها المجتمع، وفي ضوء ما يعضد منظومة القيم المجتمعية والخلق الحميد، وهذا ما يضمن تحقيق التماسك المجتمعي والتآلف حول المصالح العليا للوطن، كما يجعل الفرد مطمئنًا لما يقوم به، وهنا اعتقد أن يشعر بمزيد من الرضا والسعادة؛ ومن ثم يؤمن بفلسفة الاندماج الاجتماعي؛ حيث يمكنه من أن يدشن شبكة علاقات داخلية وخارجية تحقق ماهية التعايش السلمي سواءً أكان ذلك في خضم تعامله المباشرة أو عبر الفضاء الرقمي.
ودور الوعي الثقافي في تعضيد الهُوِيَّة يحمينا من كافة المحاولات التي تستهدف صهر الثقافات الأصيلة في بوتقة الثقافات المستحدثة، وهنا أود الإشارة إلى أن الغرض من هذا الأمر ليس فقط إضعاف الهُوِيَّة؛ لكن إصابة المنظومة القيمية بعطب في تفعيل ممارساتها، ودون شك نصف ذلك بالخطر الجسيم؛ حيث إن تعطيل هذه المنظومة تخرجنا من حيز الأمان والتماسك والترابط والتكافل لحيز النفعية وحب التملك والاستحواذ، بل وتمكن أصحاب القلوب المريضة من تفعيل مقدرتهم على ترويج فكرة المزج أو الدمج أو التوليف للثقافة الأصيلة بالثقافة المستوردة.
ومن أجل تعضيد الهُوِيَّة يلزم أن نعي أهمية لغتنا القومية باعتبارها مكون رئيس للثقافة المصرية، وأن الاهتمام بلغتنا الجميلة عبر إتقان فنونها والتعرف على ما بها من ثراء ومعاني لا يقابلها أي لغة أخرى، وهذا يفرض على الآخر احترام ثقافتنا وتقدير مكونها الأصيل من قيم ولغة وعادات وتقاليد ومكتسبات ساهمت في إثراء المعرفة العالمية.
وندرك أن الثراء الثقافي يقوم على فلسفة التفاعل الثقافي مع العالم بأسره؛ حيث يتوجب علينا الانفتاح المنضبط الذي يقوم على غاية التبادل الفكري والحياتي والحضاري، بما يعزز مجال الخبرة، ويمكن من تنمية كافة المجالات العلمية والعملية والحياتية وفق أسس ومعايير واضحة تقوم على ماهية الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر الإيجابي، بما لا يؤدي إلى النيل من الهُوِيَّة أو محاولة إضعافها.
إن تنمية وتعزيز الوعي الثقافي لدى شبابنا بات من آليات وأدوات تعضيد الهُوِيَّة؛ فمن يدرك عمق ثقافته ويعي غور حضارته ويعلم أن نهضته وتقدم دولته مرهون بتوافر وعي ثقافي يجعله يحافظ على مقدراته في ظل زخم لا متناهي لإفرازات الفضاء الرقمي الذي أضحى التعامل معه فرض عين في شتى مجالات الحياة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مقدرات الوطن تعزيز اله و ي ة المزيد الوعی الثقافی
إقرأ أيضاً:
أمانة العاصمة بالحرية المصري تعقد ندوة بعنوان "الوعي الوطني.. قضية هامة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت أمانة العاصمة بحزب الحرية المصري، برئاسة جلال الزغاط، عضو الهيئة العليا وأمين العاصمة بالحزب، ندوة ثقاقية بعنوان "الوعي الوطني .. قضية هامة "، وذلك بحضور، الدكتور عبدالعزيز السيد، مدير تحرير جريدة الجمهورية، والدكتور محمد أمين، الباحث فى الانثروبولوجيا الثقافية، والشاعر والأديب محمد الشرقاوى، والشاعر والكاتب محمد أبو شادى.
وتحدث جلال الزغاط، عن الوعي مؤكدا هو حالة الإدراك أو الوعي بالذات والبيئة المحيطة، وهو مصطلح يُستخدم لوصف القدرة على الشعور والإدراك والمعرفة بالذات والآخرين والأحداث، مضيفا أن الوعي الوطني هو مصطلح يشير إلى الشعور بالانتماء والولاء للوطن والهوية القومية من جوانب رئيسية تشمل، الشعور بالانتماء للأرض والشعب، والهوية القومية "الثقافية والتاريخية للوطن"، والولاء بالدفاع عن مصالح الوطن، والمواطنة من ناحية الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والدولة.
وأكد جلال الزغاط عضو الهيئة العليا امين عام العاصمة، على ضرورة أن يصل مضمون هذا الحوار والخاص بتنمية الوعى الوطنى بما يحاك لبلدنا وأساليب مواجهة ما يتم إعداده ضد بلدنا إلى كل مواطن مصرى.
واستعرض الدكتور عبد العزيز السيد، أسباب الفرقة فى سوريا بين أهلها وبعضهم البعض ودور دول الجوار والدول الكبرى ومصالحهم المتشابكة داخل دولة سوريا العربية والدور الاسرائيلى الأمريكى فى هذا الصراع والموقف المصرى من الصراع والمحاذير التى اتخذتها مصر فى هذا الاتجاه مؤكدا على ضرورة زيادة الوعى لدى المواطن المصرى فى هذه المرحلة.
ألقي الشاعر والاديب محمد الشرقاوى قصيدة وطنية فى حب مصر باللغة الفصحى بعنوان "سمراء"، قلْ للمدائنِ في العصورِ الزاهرةْ
نبعُ الحضارةِ مِن ضِفافِ القاهرةْ
فَيضٌ سعى في الأرضِ يرسمُ بَسمَةً
فوق الشفاهِ بسنبلاتٍ نادرةْْ.
فيما أوضح محمد امين عبدالصمد، دور الثقافة من عصور التاريخ السابقة فى تشكيل الهوية الوطنية والقومية للشعوب وما فعلته الثقافة فى الهوية الوطنية والقومية للشعب المصرى منذ فجر التاريخ والتى كانت حائط الصد أمام كل الغزوات التى جائت إلى مصر والتى لم تستطيع أن تغير من عادات وتقاليد وثقافات وبيئة الشعب المصر المنتصر فى النهاية على كل اللذين حاولوا استعماره ثقافيا لأن الثقافة المصرية والتى أكدتها الهوية الوطنية والقومية للإنسان المصرى والتى أصبحت عقيدة بالنسبة للمصريين من حيث ارتباطها القوى بين قياداتها وجيشها وشعبها حيث أصبحت الثقافة هى الإنسان والانسان هو الثقافة.
وأكد أن الموروث الثقافى للشعب المصرى هو الدرع الواقى ضد أى محاولات للتدخل بين القيادة والجيش والشعب المصرى وستبوء كل هذه المحاولات بالفشل طالما ظل هذا الشعب متمسكا بهويته الوطنية والقومية ضد أى افكار تتعارض وموروثه الثقافى المتأصل فيه؟
كما ألقي الشاعر والكاتب محمد أبو شادى، قصيدة بعنوان "انتباه" ومنها
إنت مين يلي جا ي تهت مصر
إنت واهم وألاجاي من أي عصر
إنتبـــــــــــاه .. إنتبــــــــــاه
جاء ذلك بحضور المهندس وائل يحيى امين المهنيين بأمانة المقطم، والدكتور حسين مسلم امين قسم عين شمس، وسيد الشاعر امين شئون العضوية بالعاصمة، واللواء رفعت الضرغامى، والروائى والفنان التشكيلى السعودى الجنسية محمد المهدى، والشاعر متولى حجازى، وكذلك بحضور احمد كمال امين مساعد العاصمة، والدكتوره زينب الجندى رئيس لجنة التنمية البشرية بالعاصمة، والدكتوره هبه بدران امينة المرأة بالعاصمة، والدكتور أيمن شبايك رئيس لجنة الصحة بالعاصمة، وفوز تاج الدين رئيس لجنة الثقافة والفنون بالعاصمة، وعبدالرازق ابراهيم أمين شباب العاصمة، وخلود ابوالسعود مساعد امين الإعلام بالعاصمة، وأمناء الأقسام وهيئات مكاتبهم.