لجريدة عمان:
2025-01-30@08:24:14 GMT

من يفتقد الإدراك

تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT

يُتَصَوَّر -وفق إدراك الكثيرين- أن الكل في هذه الحياة عقلاء، ولا ينفك عن صفة العقلاء إلا الاستثناء، والاستثناء هنا محدود جدًا، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في أي تجمع بشري، بمعنى أن غير العقلاء لا يشكلون ظاهرة اجتماعية تبعث على القلق، ولذا فالناس كلهم في مأمن نفسي بأن لا يتطاول عليهم أحد ما، امتثالًا لهذه الـ«عقلاء»، لأنه بخلاف ذلك تتلبس الحالة الاجتماعية الكثير من القلق والتوتر، فيكفي أن يسمع أبناء القرية الواحدة أن فيها إنسانًا غير عاقل، فتستنفر النفوس استعدادًا لمواجهة هذا المارد القادم إليهم من أي جهة كانت، ولذلك لما كنا صغارًا وقعنا تحت مأزق الخوف من هذا غير العاقل الذي ترويه الأمهات سواء على هيئة إنسان، أو حيوان، أو شيء من مخيلة الذاكرة، حيث تخمد النفوس تحت أغطيتها الداكنة حتى لا يصل إليها هذا المارد غير العاقل فينقض عليها، كل ذلك تشيعه الأمهات حتى ينام هذا الطفل، فلا ينبس بكلمة إلى طلوع الشمس، لكنني أتوقع أن أطفال اليوم أكثر ذكاءً من حالنا، وأكثر جرأة، وأكثر وعيًا، فلن تنطلي حيل الأمهات على أبنائهم، هذا إذا كانت هناك أمهات يهمهن أن ينمن بعد أطفالهن.

يأتي ذلك انعكاسًا لتطور الحالة الذهنية التي تتلقى مغذياتها المعرفية من كل حدب وصوب، على خلاف ما كنا عليه قبل أكثر من خمسين عامًا، حيث شح المعرفة، وقلة مصادرها، وإدمان الذاكرة على صور القرية النمطية (حقل، وضاحية، ومسجد، ومجلس، وبيت العائلة، وسكك الحارة ودروبها، وبعض الألعاب التقليدية البسيطة) وفقط، ولذلك لعبت «الجدات» دورًا محوريًا في تغذية الذاكرة الطفولية بقصص خيالية -غير واقعية طبعًا- بعضها تستعذبها الطفولة في ذلك العمر الصغير، حيث تترك للخيال التحليق بعيدًا بعيدًا، وبعضها تجنح بالمخيلة إلى التوجس والانكماش «الخوف»، ولأن الذاكرة المستهدفة غير واعية وغير مدركة، بمعنى غير ناقدة، فإنها كانت تتقبل كل ما يشحن به ذاكرتها، وكفى. هذه المقدمة لا تبعدنا كثيرًا عن المسألة الإدراكية، ونقيضها، ولعل نقيضها هو الذي يهمنا هنا في هذه المناقشة، فعدم الإدراك مصيبة من مصائب الحياة، وهي حالة نعيش صيرورتها الدائمة، وتجثم على المخيلة على أنها صورة نمطية مقبولة اجتماعيًا إلى حد كبير، وذلك من خلال تجاوز المدرك لنتائج سوء أعماله التي يقوم بها، ومع قبولها بهذا التسليم الذي يبدو في ظاهره، إلا أن البعض يجدها فرصة للخروج عن كثير من الحدود الفاصلة بين مختلف الأشياء، ونتيجة لذلك ترتكب الأخطاء المتعمدة، التي قد تجر إلى مآسٍ، ليس فقط للشخص المتعمد على ارتكاب ما يرتكب، ولكن على المجتمع ككل، كل ذلك تحت ذريعة واهية، وهي الحرية الشخصية، فتحت هذه الذريعة «الحرية الشخصية» يقسو الإنسان على نفسه، أكثر بأضعاف مما يعود بنتائج هذه القسوة على الآخرين من حوله، فارتكاب المعاصي -صغيرها وكبيرها- وتجاوز القيم والنظم، وما تعارف عليه أبناء المجتمع، كل ذلك يقع تحت بند الإدراك من قبل الفرد الذي يقوم بها، فهو يمارس ذلك مع «سبق الإصرار والترصد» وهو في الوقت نفسه مدرك مجمل النتائج السلبية المترتبة على ممارساته هذه، سواء أضر بالآخرين من حوله، أو لم يضر، مع اليقين التام، أنه واقع من رأسه حتى أخمص قدميه في الضرر على نفسه، ومدرك لذلك، وبكل تأكيد، وإذا كانت مصيبته في حياته كبيرة، فإن مصيبته -إذا لم يتب ويندم- في آخرته أكبر الكبائر، والسؤال هنا، هل يمكن تصنيف هؤلاء الناس من العقلاء؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بلال حبش: التنسيقية كانت فرصة لتلاقي رؤى الشباب

قال بلال حبش، نائب محافظ بني سويف وعضو مجلس أمناء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن وجود التنسيقية كان ضرورة لملأ المساحة التي منحتها الدولة للأحزاب السياسية وبالتزامن مع الحراك السياسي التي شهدته البلاد مؤخرًا، مشيرًا إلى أن التنسيقية كانت فرص لتلاقي رؤى الشباب.

جاء ذلك خلال ندوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بعنوان "الشباب والعمل العام"، وذلك ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وأضاف "حبش" أن الشباب بدأوا في فتح حالة حوار مع الرئيس السيسي والدولة المصرية، وسط حالة مختلفة من النقاش في ظل تركيبة التنسيقية التي تضم مؤيد ومعارض، مشيرًا إلى أن التنسيقية تقوم على محددات مشتركة تضم تلك التي ترتبط بالأمن القومي المصري.

ونوه بأن الشباب بدأوا في فتح ملفات للنقاش لم يكن يتم الحديث عنها من قبل، على رأس المحبوسين على ذمة قضايا الرأي.

وشدد على أن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين هي تشكل المعيار الحاكم والرئيسي لشكل الحياة السياسية في مصر، فهي "رمانة ميزان" العمل السياسي، لافتا إلى أنه لا يوجد قانون أو قرار يتخذ في البرلمان إلا بالنظر إلى بوصلة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهذا طبيعي أن يكون كيان مؤثر وراسم لشكل الحياة السياسية في مصر في ضوء ما يضمه من تركيبات متعددة.

وتناقش الندوة تمكين الشباب ودورهم في العمل العام منذ عام 2014، وكيفية مساهمة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في تغيير النظرة المجتمعية تجاه قدرة الشباب على القيادة، ومعايير اختيار الكوادر الشبابية للانضمام إلى التنسيقية، وكيفية ضمان التنسيقية استمرار دعم الشباب حتى بعد انتهاء برامجها التدريبية، وهل هناك خطط للتنسيق مع جهات أخرى لتوسيع نطاق تأثيرها على المستوى الإقليمي والدولي، وكيفية تعامل التنسيقية مع التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه الشباب في العمل العام.

وتتطرق المناقشات إلى مدى تأثير تعيين نواب شباب للمحافظين على تحسين أداء الإدارات المحلية، وكيفية إشراك الشباب في وضع خطط التنمية المحلية، وكذلك ما هي آليات قياس نجاح الشباب في المناصب التنفيذية، وكيفية الموازنة بين الطموح الشبابي والخبرة العملية في المناصب القيادية، ودور الشباب المتطوعين في إنجاح الفعاليات الكبرى مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكيفية مساعدة وزارة الشباب والرياضة في تدريب وتأهيل الشباب لتعزيز دورهم في التنمية المجتمعية، وكيف يمكن للجامعات أن تلعب دورًا أكبر في تأهيل الشباب ليصبحوا قادة مستقبليين في مختلف المجالات.

ويدير الندوة مصطفى كريم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ويشارك في النقاش د.إيمان ريان، نائب محافظ القليوبية، وبلال حبش، نائب محافظ بني سويف وعضو مجلس أمناء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ومصطفى عز العرب، معاون وزير الشباب والرياضة لشئون التنمية الثقافية والمجتمعية، ود.أحمد حسام، مدير برنامج قادة الاتحادات والأنشطة الطلابية في المدارس والجامعات بمؤسسة شباب القادة YLF.

مقالات مشابهة

  • حقائق مدرسية من أعماق الذاكرة
  • منها ضعف الذاكرة.. علامات نقص عنصر النحاس في الجسم وكيف يمكن تعويضه؟
  • استشاري: كلما كان الشخص أكثر تعلماً زادت مقاومته لفقدان الذاكرة.. فيديو
  • أمين الفتوى: السيدة زينب كانت صورة حية للصبر على البلاء
  • بلال حبش: التنسيقية كانت فرصة لتلاقي رؤى الشباب
  • من كانت تقاتل إسرائيل في غزة؟
  • محمد الباز: كتاب «شهادات البابا تواضروس» جزءا مهما من الذاكرة الوطنية
  • بتقلل الوزن والكوليسترول وتزيد الذاكرة والشعر .. اكتشف العشبة السحرية
  • علي زين: مواجهة الرأس الأخضر كانت صعبة.. والفوز كان الأهم
  • زوجة تاليسكا: شكرًا للسعودية كانت عائلتنا سعيدة جدًا هنا