سالم الخياري: أميل إلى رسم الطبيعة ومفردات التراث العماني
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
تأثر بطبيعة ولاية الحمراء الساحرة وبلدته ذات الخيل وما تتمتع به من العراقة والقدم، فقد جمعت بين مختلف مكونات التراث، وتمثل ذلك في برجها وحارتها ومناظرها الطبيعية. إنه الفنان التشكيلي سالم بن علي بن خلفان الخياري معلم ومشرف متقاعد لمادة اللغة الانجليزية. وخلال لقائنا به حدثنا عن بدايته فقال: كان لدي الاهتمام منذ المراحل الأولى في المدرسة، لكن البداية الفعلية كانت عندما كنت في الصف العاشر، إذ بدأت في استكشاف استخدام خامات لأول مرة كالألوان الزيتية.
وبكل تأكيد الأسرة كان لها دور مهم من خلال التشجيع وتوفير الأدوات اللازمة لممارسة هذه الهواية، أما المدرسة فكان لها دور من خلال حصص التربية الفنية التي قدمت لي التشجيع.
ويضيف: لا يمكنني القول إنني تخصصت في مجال فني معين، فأنا هاوٍ للفنون التشكيلية، وطورت مهاراتي ذاتيا من خلال الممارسة والاطلاع والمحاولة والخطأ والاطلاع على أعمال الآخرين. أما الدافع فهو الرغبة الداخلية والحب الفطري للمجال الفني. موضحا أن أفضل الأعمال الفنية التي كنت دائما أجد في نفسي ميلاً لها هي صنع المجسمات باستخدام خامات البيئة، وكانت لدي محاولات في هذا المجال، لكن في الفترة الأخيرة بدأت أهتم أكثر بصنع المجسمات. وتحدث الخياري عن طريقته في الرسم والتشكيل موضحا أن الأسلوب يعتمد على فكرة وطبيعة العمل قيد التنفيذ، فبعد أن تولد الفكرة، أحاول أن أتخيل العمل وطريقة التنفيذ سواء كان ذلك لوحة فنية أم مجسما أو غير ذلك. بعد ذلك أبحث عن المواد اللازمة لتنفيذ العمل، ثم يكون التنفيذ على مراحل، وفي بعض الأحيان لا أكون راضيا عن النتيجة، فإما أن أبدأ من جديد أو أترك العمل وأعود له بعد فترة قد تطول أو تقصر. أما اختاري لخلفيات العمل والألوان والمعالجات الفنية التي استعملها، فيعتمد على طبيعة العمل نفسه، ولكل شخص أسلوبه الخاص وهو ما يميز أعماله عن أعمال غيره. وأظن أن استخدام الأسلوب الخاص يكون تلقائيا بحكم أنه يصبح مع الزمن جزءًا من الشخصية الفنية للفنان.
وعن اختاري ما بين الأعمال المسطحة والأعمال المجسمة، فإني لا أفضل شيئا على شيء، بل يعتمد ذلك على فكرة العمل ونظرة صاحب العمل، وأنا شخصيا أحب البساطة في الأعمال.
وأشار الخياري إلى استعماله التقانة والذكاء الاصطناعي في تنفيذ الأعمال قائلا: لم يسبق لي فعل ذلك، لكن التقانة والذكاء الاصطناعي أصبحا جزءا من حياتنا المعاصرة وربما أجد نفسي أستعملها في يوم من الأيام. وأنا حريص لنقل مهاراتي للجمهور عندما تتاح لي الفرصة أو عندما يطلب مني ذلك. ولي جمهوري من المقربين لي من أفراد العائلة والأصدقاء، وفي ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي تتوسع الدائرة شيئا فشيئا.
ووجه الخياري رسالته قائلا: هناك بكل تأكيد رسائل ضمنية تنقل من خلال الفن التشكيلي بمختلف أنواعه، فمن خلال إبراز دلالات عناصر العمل الفني تنتقل تلك الرسائل بشكل تلقائي وعفوي، كما أن المتلقي يفهمها من خلال قناعاته وثقافته وحسه الفني الذي يختلف من شخص إلى شخص.
وأكد الخياري كانت بدايتي في المشاركة في المعارض منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وكنت أشارك في المعارض التي كان يقيمها نادي الحمراء، وفي عام 1995 تقريبا شاركت في معرض تشكيلي مشترك مع اثنين من الزملاء وكان أول معرض من نوعه يقام في ولاية الحمراء في ذلك الوقت. كما أقمت أول معرض شخصي لي في عام 2023 ضم - بالإضافة إلى اللوحات الفنية والمجسمات - أعمال أخرى باستخدام الخشب. وآخر معرض شاركت به كان (معرض الحمراء للفنون) وكان في شهر سبتمبر الماضي.
وتعرفت على المدارس الفنية المختلفة كالواقعية والانطباعية والتكعيبية والتجريدية وغيرها وفنانيها من خلال أحد المساقات التي درستها في الكلية ومن مطالعاتي، لكن لا أستطيع القول إنني تبنيت إحداها أو أنني تأثرت بها، إلا أنه لا بد أن أكون قد استفدت منها بشكل أو بآخر. على أية حال فأنا أميل إلى رسم الطبيعة ومفردات التراث العماني كالمباني والأدوات الأثرية وما شابهها، وبطبيعة الحال أحتاج إلى أن أكون واقعيا نوعا ما.
واختتم الخياري حديثه: طموحي أن أستمر في تطوير مهاراتي الفنية من خلال حضور بعض الورش الفنية المتخصصة، وكذلك زيارة المعارض والمشاركة في معارض متى ما أمكن ذلك. وأطمح في أن أجد طريقة لإنتاج أعمال فنية باستخدام خامة الخشب، بحيث تكون أعمالا تجمع بين الفن وكونها مقتنيات مستخدمة في الحياة اليومية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
كيف نُعيد الطفل إلى الطبيعة؟
ريتّا دار **
في خضمّ الحياة الرقمية المتسارعة أصبحت الأجهزة الذكيّة تحتلّ مكان المساحات الخضراء؛ حيث يعيش الأطفال اليوم بعيدين عن أبسط أشكال التواصل مع الطبيعة، ما يهدّد توازنهم النّفسي والجسدي، والسّؤال الّذي يفرض نفسه هنا: كيف نُعيد أطفالنا إلى أحضان الطّبيعة قبل أن تفقد مكانتها في وجدانهم؟
تشير الدّراسات إلى أنّ غياب الطّبيعة عن حياة الطّفل ليس تفصيلًا هامشيًّا، بل يؤثّر بشكل مباشر على نموّه وسلوكه. فقد كشف تقرير المجلس العربيّ للطفولة والتّنمية لعام 2020 أنّ 70% من الأطفال العرب يقضون أوقات فراغهم في استخدام الأجهزة الإلكترونية، بينما تقلّ نسبة مشاركتهم في أنشطة بيئية أو رياضيّة في الهواء الطّلق إلى أقلّ من 20%.
وعلى الصّعيد العالميّ، تؤكد منظمة الصّحة العالميّة أن قضاء الأطفال وقتًا منتظمًا في الطّبيعة يحسّن المزاج العام، ويخفض مستويات التوتّر، ويعزز مهارات التّركيز والتعلّم.
كما أظهرت مراجعة علميّة نشرتها مجلّة علم النّفس الأمامي عام 2019 أنّ التّفاعل مع البيئة الطّبيعية يُسهم في تحسين القدرات الاجتماعيّة والحدّ من السّلوكيات العدوانية لدى الأطفال.
وفي هذا السياق نؤكّد أن "العودة إلى الطّبيعة" ليست ترفًا تربويًّا؛ بل ضرورةً حيويةً لصناعة جيلٍ متوازنٍ نفسيًا وجسديًا.
لم تغفل الدّراسات أهمية النشاطات البيئية المباشرة؛ إذ أثبتت دراسة جامعة كولومبيا البريطانية أنَّ زراعة الأطفال للنباتات، حتى في بيئات حضريّة صغيرة، تعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية والانتماء، وغرس قيم التعاون والمثابرة.
أما في سلطنة عُمان، فقد أطلقت وزارة التربية والتعليم مبادرة "المدارس الخضراء"، التي تهدف إلى غرس الوعي البيئي في نفوس الطلاب عبر أنشطة عملية مثل الزراعة المدرسية وإعادة التدوير، مما يُعزز العلاقة بين الطفل والبيئة المحيطة به.
ورغم ما قد يبدو من تحدّيات، إلّا أنّ العودة إلى الطبيعة لا تتطلب إمكانيات ضخمة أو استثنائية. يكفي تنظيم نزهة أسبوعية إلى حديقة قريبة، أو مشاركة الطفل في زراعة نبتة بسيطة مثل الحبق أو النعناع على شرفة المنزل؛ والاحتفال بإنجازاته الصغيرة باستخدام بعضٍ مما زرعه والثّناء عليه وتشجيعه. كما يمكن تخصيص "ركن أخضر" في المنزل حيث يتابع الطفل نمو النباتات ويتعلم الصبر والرعاية.
تلعب القدوة دورًا جوهريًا في تشكيل علاقة الطفل بكل ما حوله. الطفل الّذي يرى والديه يهتمّان بالبيئة سيتبنّى هذا السلوك بالفطرة وسيتعلّم أن الأرض كائن حيّ يمنحنا الحياة.
توصي منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أيضًا بإدخال أنشطة الزراعة البسيطة ضمن الحياة اليومية للأطفال، لترسيخ مفاهيم الاستدامة والمسؤولية البيئية.
إنَّ إعادة الطفل إلى الطبيعة أصبحت مسؤولية حقيقية تقع على عاتق الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره؛ فلنعمل على أن تبقى الطبيعة جزءًا حيًّا في حياة أطفالنا، لا مجرّد صورة رقمية تمرّ عبر الشاشات.
***********
المصادر:
تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية 2020
منظمة الصحة العالمية (WHO)
مراجعة علمية بمجلة علم النفس الأمامي 2019 (Frontiers in Psychology)
دراسة جامعة كولومبيا البريطانية.
مبادرة المدارس الخضراء، وزارة التربية والتعليم في سلطنة عُمان.
منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
** كاتبة سورية