الكادر الطبي ومرضى مستشفى كمال عدوان يخلونه شبه عراة تحت تهديد السلاح
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
ظهر عدد من المرضي والفريق الطبي التابع لمستشفى كمال عدوان في قطاع غزة يخلونه، شبه عراة تحت تهديد السلاح، في مقطع فيديو متداول عبر منصة أكس، وأعلن متحدث الكيان الصهيوني افيخاي أدرعي، عن تفاصيل اقتحام مستشفى كمال عدوان في غزة، قائلا، إن قوات فريق القتال التابعة للواء 401 تحت قيادة الفرقة 162 وبتوجيه استخباراتي من هيئة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك)، بدأت العمل في منطقة مستشفى كمال عدوان بجباليا، وذلك بعد ورود معلومات استخباراتية مسبقة حول وجود مخربين وبنى تحتية إرهابية وتنفيذ أنشطة إرهابية هناك.
وأضاف أفيخاي في بيانه: يُعتبر المستشفى بمثابة مركزا لحماس في شمال قطاع غزة، والذي عمل مخربون منه طوال فترة الحرب، ومنذ نشاط جيش الدفاع وجهاز الأمن العام في المنطقة في شهر أكتوبر من العام 2024، زاعما أن المنطقة عادت تشكل مركز ثقل للمنظمات ومأوى للمخربين، وذلك على الرغم من الدعوات المتكررة لتجنب الاستخدام العسكري للمستشفى.
وأشار أفيخاي: إلى أن القوات تعملت في المنطقة بشكل دقيق مع تجنب المساس بالأشخاص غير المتورطين والمرضى والطواقم الطبية إلى أكبر قدر ممكن، مضيفا أن حماس تنتهك بصورة ممنهجة القانون الدولي، مستغلةً بشكل وحشي السكان المدنيين والمؤسسات الأهلية في القطاع لأغراض ارتكاب عمليات إرهابية.
ولفت متحدث كيان الاحتلال، إلى انه قبل وأثناء النشاط في منطقة المستشفى، تسمح قوات جيش الدفاع وتسهّل على السكان والمرضى والموظفين في المستشفى إخلاء المنطقة بطريقة منظمة، وتتم عملية الإخلاء بالتنسيق من قبل مديرية التنسيق والارتباط غزة التابعة لوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق مع مسؤولي جهاز الصحة المحليين والمنظمات الدولية، وذلك من خلال محاور إخلاء محددة، بما في ذلك النقل على متن سيارات الإسعاف إلى مستشفيات إضافية في قطاع غزة بغية ضمان استمرار العلاج الطبي.
وزعم، أن جيش الدفاع ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق يبذلان جهودًا مكثفة للسماح للمرضى بمتابعة تلقي العلاج في مستشفيات أخرى، بما في ذلك تسهيل إخلاء مستشفى كمال عدوان، من خلال تدابير تٌعنى بتسهيل نقل إمدادات المعدات والمواد الغذائية والوقود، والإمدادات واستئناف نشاط المستشفيات في المنطقة، مع إقامة الحوار المستمر مع الجهات التابعة للمستشفيات.
ورغم ادعاءت الاحتلال بإخلاء مستشفى كمال عدوان بشكل محدد ونقل المرضى على متن سيارات الإسعاف إلى مستشفيات إضافية في قطاع غزة بغية ضمان استمرار العلاج الطبي، إلا أن مقاطع فيديو متداولة عبر منصة أكس تظهر المرضى وأفراد الطاقم الصحي يخرجون من المستشفى شبه عراة، يضعون أيديهم فوق رؤوسهم وكانهم أسرى، دون معرفة مصير من تبقوا من مرضى وأفراد القطاع الطبي داخل المستشفى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكادر الطبي مستشفى كمال عدوان شبه عراة تحت تهديد السلاح تهديد السلاح الفريق الطبي قطاع غزة مستشفى کمال عدوان قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
كمال الجزولي بين التحليل الفلسفي والتشريح السياسي: الرزنامة بوصفها وثيقة نقدية
كتاب الرزنامة لكمال الجزولي ليس مجرد مجموعة مقالات سياسية وأدبية، بل هو تأريخ فكري واجتماعي لحالة السودان، حيث يتقاطع فيه السياسي مع الثقافي، والتاريخي مع الأدبي. الجزولي، كأحد أبرز المثقفين الماركسيين في السودان، يُمارس هنا ما يمكن تسميته بـ”الاشتباك النقدي” مع الواقع، مستعينًا بمنهج تحليلي يُبرز الطبيعة الجدلية للصراعات في البلاد. ومن خلال هذا التداخل بين الحقول المعرفية المختلفة، يقدم الكاتب رؤيةً عميقةً لمآلات المشهد السوداني وتعقيداته، موظفًا أدوات نقدية متعددة للكشف عن جذور الأزمات التي تعصف بالدولة والمجتمع.
حين نتناول البنية الفكرية والنقدية التي يطرحها الجزولي في كتابه، نجد أن النصوص المقدمة ليست مجرد سردٍ للأحداث أو تعليقات عابرة على الوقائع، بل هي مقاربات تحليلية تستند إلى فهمٍ عميقٍ للعوامل التاريخية والاجتماعية التي صنعت المشهد السياسي والثقافي في السودان. الجزولي لا يتعامل مع النصوص ككيانات منفصلة عن سياقاتها، بل يضعها ضمن شبكة من العلاقات الجدلية التي تكشف عن التوترات البنيوية في المجتمع. فهو يقرأ الحدث السياسي، لا بوصفه مجرد انعكاس لحراك السلطة، بل كنتاج لصراع طويل بين الطبقات والقوى الفاعلة في المجتمع، مما يضع كتابه في مصاف الأعمال الفكرية النقدية التي تسعى لفهم الواقع، لا استهلاكه.
من القضايا المركزية التي يناقشها الجزولي في الرزنامة العلاقة بين السلطة والدولة، حيث يُسلط الضوء على آليات القمع التي استخدمتها الأنظمة المتعاقبة في السودان للسيطرة على المجتمع، سواء عبر العنف المباشر أو من خلال الهيمنة الإيديولوجية. هنا نجد تقاطعًا واضحًا مع مفهوم “الهيمنة الثقافية” لدى أنطونيو غرامشي، حيث يوضح الكاتب كيف أن النخب الحاكمة في السودان لم تعتمد فقط على العسكر كأداة للقهر، بل سخّرت كذلك مؤسسات الإعلام والتعليم والدين لصياغة وعي جمعي يخدم مصالحها. وفي هذا السياق، يكشف الجزولي عن تناقضات الدولة السودانية الحديثة، التي نشأت على إرث استعماري لم تستطع الفكاك منه، بل أعادت إنتاجه في أشكال جديدة أكثر تعقيدًا.
ولأن الجزولي لا يكتفي بمناقشة الظواهر من زاوية واحدة، فهو يُمعن في تحليل طبيعة النخبة السودانية وعلاقتها بالتحولات السياسية الكبرى، حيث يبرز كيف أن الفئات المسيطرة داخل المجتمع ظلت تمارس دورًا مزدوجًا بين التبعية للقوى الخارجية واستغلال الموارد الداخلية، مما أفضى إلى خلق بنية اقتصادية مشوهة تُغذي الاستبداد السياسي. هذه الرؤية تلتقي مع أطروحات إرنست ماندل حول العلاقة العضوية بين التشكيلات الاقتصادية وبُنية الدولة، إذ يؤكد ماندل أن الأنظمة السياسية في العالم الثالث غالبًا ما تكون انعكاسًا مباشرًا لتركيبة الاقتصاد الريعي والتبعي، وهو ما ينطبق تمامًا على الحالة السودانية التي فشل فيها مشروع الدولة الوطنية في تحقيق استقلالية اقتصادية حقيقية.
في تحليله لمسألة الديمقراطية، لا يقف الجزولي عند حدود المطالبة بالإصلاحات الشكلية، بل يسعى إلى تقديم تصورٍ أكثر عمقًا حول الديمقراطية بوصفها عملية اجتماعية مستمرة، لا مجرد آلية إجرائية لصناديق الاقتراع. وهو هنا يتماهى مع رؤية روزا لوكسمبورغ، التي رأت أن الديمقراطية لا يمكن أن تنفصل عن النضال الطبقي، إذ لا معنى للحقوق السياسية إذا لم تكن مدعومة بتحولات اقتصادية تُعيد توزيع الثروة والسلطة داخل المجتمع. ومن هذا المنطلق، ينتقد الجزولي النخب السياسية السودانية التي ظلت تتعامل مع الديمقراطية كأداة للوصول إلى الحكم، لا كمنظومة قيمية تُعيد تشكيل المجال العام.
ولا يُغفل الكاتب في الرزنامة تناول أثر العوامل الإقليمية والدولية في تشكيل مسار السودان الحديث، حيث يبرز كيف أن التدخلات الخارجية، سواء عبر المؤسسات المالية الدولية أو من خلال التدخل العسكري المباشر، أسهمت في تكريس حالة اللااستقرار التي يعاني منها البلد. وهنا، يستحضر الجزولي مفهوم “الاستشراق الداخلي”، الذي يشير إلى الطريقة التي تتبنى بها النخب الحاكمة ذات الرؤى الاستعمارية التي فُرضت عليها في السابق، لتُعيد إنتاجها داخل حدود الدولة، وهو ما يتقاطع مع تحليل إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق، حيث يوضح كيف أن النخب المحلية غالبًا ما تستبطن الخطابات الاستعمارية وتحولها إلى أدوات للسيطرة الداخلية.
وفي إطار نقده للبُنى الثقافية، يتناول الجزولي بحدة مسألة الخطاب الديني في السودان، حيث يُشير إلى كيف أن القوى الحاكمة، وعلى رأسها الجبهة الإسلامية، قد استخدمت الدين كأداة سياسية لإضفاء الشرعية على ممارساتها الاستبدادية، وهو نهج يتكرر في العديد من الدول التي سقطت تحت حكم الأصوليات الدينية. هذا التوظيف الإيديولوجي للدين جعله أداة تقسيم داخل المجتمع، حيث تم استغلاله لإثارة النعرات العرقية والطائفية، بدلاً من أن يكون عنصرًا للتوحيد والتكامل. وهنا، تتجلى القراءة الماركسية بوضوح في تحليل الجزولي، حيث يُبرز كيف أن البنية الاقتصادية والاجتماعية تلعب الدور الأساس في تشكيل الخطاب الديني، لا العكس.
وبالانتقال إلى اللغة والأسلوب، فإن الجزولي يُقدم نصوصه بلغة نقدية حادة، لكنها لا تخلو من البُعد الأدبي والشاعري، مما يمنح كتاباته طابعًا مزدوجًا يجمع بين التحليل السياسي والتأمل الفلسفي. هذه القدرة على المزج بين مستويين من الكتابة تجعله قريبًا في أسلوبه من بيير بورديو، الذي كان يستخدم لغة مكثفة تجمع بين التحليل السوسيولوجي والنقد الثقافي، حيث تتداخل المفاهيم النظرية مع الأمثلة الملموسة، لخلق نص مفتوح على التأويلات المتعددة.
كتاب الرزنامة ليس مجرد مجموعة مقالات عابرة، بل هو وثيقة نقدية حية تُحاول تفكيك البُنى العميقة التي شكلت السودان الحديث، وهو بهذا المعنى ليس كتابًا يُقرأ لمرة واحدة، بل نص يتطلب العودة إليه مرارًا لاستخلاص دروسه النقدية العميقة. بقراءته من خلال عدسة الفكر الاشتراكي، يمكن القول إن الجزولي يمارس ما يسميه غرامشي بـ”النقد العضوي”، أي النقد الذي لا يكتفي بتفسير الواقع، بل يسعى إلى تغييره عبر كشف التناقضات الكامنة في بنيته، وإعادة توجيه الوعي نحو آفاق أكثر تحررًا وعدالة.
zoolsaay@yahoo.com