بغداد- أثارت قرارات حجب بعض المواقع الإخبارية والمنوعة في العراق جدلا واسعا، منها موقعا وكالة أنباء محلية وقاعدة بيانات الأفلام "آي إم دي بي" (IMDb). ففي حين اعتبرها البعض تدخلا في حرية التعبير وتكميما للأفواه، رأى آخرون أنها ضرورية لمواجهة المحتوى "الهابط والابتزاز الذي يتم تحت ستار حرية الرأي".

وبررت وزارة الاتصالات قرار حجب موقع هذه القاعدة "برصد محتوى هابط وغير أخلاقي فيه"، كما عللت حجب موقع قناة "إيه بي سي" بعدم حصولها على الترخيص اللازم، في حين اعتبر المسؤولون عن المؤسسات المحجوبة أن هذه القرارات "مخالفة للقانون وتهدف إلى منع الإعلام من كشف ملفات الفساد".

وأمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإعادة النظر في هذه الإجراءات وطالب بعرضها على مجلس الوزراء قبل اتخاذها.

دور تنفيذي

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الاتصالات عمر العامري إن الوزارة ليست الجهة التي تفرض قيودا أو حظرا أو تغلق المواقع الإخبارية والإلكترونية.

وأوضح للجزيرة نت أن دور الوزارة ينحصر في التنفيذ فقط، فهي تستقبل الإشعارات والإخطارات من الجهات المعنية مثل هيئة الإعلام والاتصالات أو مجلس النواب والأجهزة الأمنية، وتنفذ ما يردها من تعليمات.

إعلان

وأكد العامري أن الحديث عن فرض الوزارة قيودا على حرية التعبير أو الإعلام هو "غير صحيح ويدخل ضمن حملة الاستهداف التي يتعرضون لها". وأضاف أن هيئة الإعلام هي الجهة المختصة بملف وسائل الإعلام والوكالات الإخبارية، والمسؤولة عن أي إجراء يتعلق بإغلاقها أو حجبها.

من جهته، يرى النائب عارف الحمامي أنه يوجد نوعان متضادان من النشطاء "إيجابيون يسعون لخدمة بلادهم، وآخرون مبتزون يسعون لإثارة الفوضى والفتنة". وقال للجزيرة نت إن قرار الحجب يأتي "في إطار السعي للحفاظ على السلم الأهلي ومنع التحريض الطائفي والمخالفات الأخلاقية، وإنه متبّع في العديد من دول العالم".

وشدد على ضرورة تنظيم العمل الإعلامي والسياسي والأمني، محذرا من خطورة ترك المجال مفتوحا أمام كل من يريد "بث الفتنة والتحريض في ظل الظروف الإقليمية والدولية المتأزمة". وأكد أهمية النقد البناء والإيجابي ودعمه قرارات وزارة الاتصالات بحجب المواقع التي "تهدد الأمن الوطني".

وهذه ليست قرارات الحجب الأولى، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرر مجلس المفوضين في هيئة الإعلام والاتصالات إيقاف عمل مكتب قناة "إم بي سي" في العراق والبدء بإجراءات سحب ترخيصها بدعوى انتهاكها للائحة البث الإعلامي. كما اتخذت الهيئة قرارا بإغلاق مكاتب قناة البغدادية في جميع أنحاء البلاد، متهمة إياها بالإخلال بقواعد ونظم البث الإعلامي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أغلقت الهيئة 9 فضائيات و4 إذاعات، وحذرت 5 فضائيات أخرى "بسبب مخالفتها لمدونات السلوك المهني".

حق دستوري

من ناحيته، أكد فاضل الغراوي، رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان، أهمية حرية الرأي والتعبير كحق أساسي مكفول دستوريا يعكس مدى ديمقراطية أي دولة، وأنه على جميع الجهات الحكومية العمل على حماية هذه الحرية وتسهيل ممارستها في جميع المجالات.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الغراوي أن المادة الـ38 من الدستور العراقي تنص على أن الدولة "تكفل وبما لا يخل بالنظام العام والآداب":

أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي والتنظّم بقانون.

ووفق الغراوي، يعمل البرلمان العراقي حاليا على إكمال متطلبات تشريع قانون خاص بحرية التعبير والتظاهر السلمي وحق الحصول على المعلومات، معتبرا أن هذه الخطوة تمثل بيئة تشريعية داعمة لحرية التعبير.

ولفت إلى التعديلات التي طرأت على المادة 226 من قانون العقوبات، و"التي أسهمت في تعزيز حرية الرأي والتعبير"، موضحا أن البلاغات والشكاوى المتعلقة بالمخالفات الإعلامية باتت تُحاكم وفق مواد قانونية تسمح بتمييز النقد البناء عن التجاوز على الأشخاص.

وتنص هذه المادة بعد إجراء التعديلات عليها على:

أولا: يعاقَب بالسجن أو الغرامة من أهان علنا السلطات العامة التشريعية، أو القضائية، أو التنفيذية، أو الإقليمية، أو المحلية، أو دوائر الدولة الرسمية، أو شبه الرسمية. ثانيا: لا تُعتبر إهانة -وفقا لما ورد في البند (أولا) أعلاه- كل قول أو فعل يمارس في إطار حرية التعبير عن الرأي بحدودها الدستورية والقانونية، أو حق نقد السلطات العامة بقصد تقويم الأداء أو إبداء المظلومية. تحديات

ورأى الحقوقي فاضل الغراوي أن تحقيق بيئة حرة للتعبير يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف، بدءا من الحكومة ومؤسساتها "التي يجب أن تستوعب النقد البناء"، وصولا إلى المؤسسات الإعلامية التي عليها مسؤولية ممارسة النقد بشكل يسهم في تعزيز المساءلة والشفافية.

وشدد على أهمية التعاون بين الدولة والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني لتعزيز حرية التعبير، داعيا إلى تنفيذ برامج توعية لتعزيز الثقافة الديمقراطية في المجتمع العراقي.

إعلان

أما الصحفي العراقي علي محمود فلفت إلى حجم التحديات التي يواجهها العاملون بالوسط الإعلامي في البلاد، وبرأيه لا يتعلق الأمر فقط بالتضييق على حرية التعبير وقمع الأصوات المعارضة، بل يتعداه إلى "تهديد مباشر لأمن الصحفي وعائلته". وقال للجزيرة نت إن الدستور العراقي يكفل حرية التعبير "إلا أن الواقع على الأرض يختلف تماما".

وتحدث محمود عن تزايد حالات منع الظهور والشكاوى القضائية ضد الصحفيين والناشطين باستخدام "قوانين فضفاضة تتناقض مع الدستور". وقال إن هذه "الممارسات القمعية تهدف إلى تكميم الأفواه ومنع الشعب من ممارسة حقه في التعبير عن رأيه". وأكد أنها "لن تثني الصحفيين عن مواصلة كفاحهم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حریة التعبیر للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

تقديس المدير

 

جابر حسين العماني

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

[email protected]

 

تعاني بعض المجتمعات العربية والإسلامية من ظاهرة خطيرة على المجتمع، وهي تقديس المديرين المسؤولين، ظاهرة مؤسفة جعلت بعض المديرين شخصيات مغرورة لا ترى إلا نفسها، ترفض النقد البناء، وكأنها لا تزال تعيش في عصر من عصور الطغاة، كفرعون الذي كان يقول: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ"، وهو سلوك سلبي لا يهدد مكانة المؤسسات الحكومية والخاصة فحسب، بل يؤخر التقدم والازدهار ويجعل روح الفريق الواحد في بيئة العمل ضعيفة جدا، لا اعتبار لها ولا مكانة ولا إجادة، وذلك بسبب تقديس المديرين وغرورهم وعدم تقبلهم للنقد البناء.

قال الإمام محمد الباقر: "مَا دَخَلَ قَلْبَ اِمْرِئٍ شَيْءٌ مِنَ اَلْكِبْرِ إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِثْلَ مَا دَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ".

إن من المؤسف جدا أن يتحول النقد البناء للمدير المغرور في بعض المؤسسات العربية والإسلامية إلى جريمة نكراء، تقابل بالتوبيخ أو الإقصاء أحيانا، بينما يحترم الموظف المتملق والمرائي، ويرتفع بسلوكه درجات لا يستحقها في بيئة العمل فقط لأنه لمع مكانة المدير، وكأننا نعمل لخدمة المسؤول، وليس لخدمة الوطن وازدهاره، وحفظ أمجاده.

لا بد أن يعلم كل من يعمل في بيئة العمل أن النقد البناء الصادق يعد البوابة الرئيسية للتطوير والارتقاء إلى بيئة عمل أفضل، وهو من أهم المظاهر الحضارية التي لا غنى عنها، والذي له دلالات واضحة ومن أهمها تجنب الغرور وتعزيز العمل الجماعي على الشراكة الحقيقية والانتماء الوطني المخلص في أثناء العمل.

إن تقديس المدير المسؤول في مواقع العمل لا يصنع البيئة المناسبة والصالحة للإنتاج المثمر في التكامل المهني المطلوب، بل يخلق الكثير من القلق والتوتر بين الموظفين، ويحفزهم على التعامل بالتملق بدلا من إبداء الصراحة والنقد البناء، وهنا من الطبيعي جدا غياب روح الحوار، وانطفاء الأفكار الخلاقة والمطلوبة، واختفاء الإبداع والتألق والنجاح، لأن الموظفين مشغولون بإرضاء المسؤول وتلميع صورته لمصالح خاصة، بدلا من خدمة الوطن والمواطنين، وتغيب بذلك روح العمل الجاد والفاعل الذي ينبغي أن يكون متحققا في بيئة العمل.

اليوم نحن بحاجة ماسة إلى مؤسسات حكومية نافعة وجادة، تتبنى النقد البناء والفعال وترفض الغرور بأشكاله ومسمياته، وتميز بين احترام المسؤولين ومحاسبة قراراتهم، ذلك أن الإدارة سواء كانت في المؤسسات الحكومية أو الخاصة ينبغي أن تنصت للجميع، ولا تميز أحدا دون آخر إلا بالتميز والإجادة، وتؤمن بمبدأ الحوار والنقاش الجاد، وتعيد النظر فيما يخص القرارات المطروحة بهدف التطوير ونقل العمل إلى ما هو أفضل وأجمل وأحسن، بما يخدم الوطن والمواطنين، وتجنيب بيئة العمل سياسة تكميم الأفواه وتقديس المسؤولين مهما كانت درجاتهم ومناصبهم وشأنهم في الوسط الاجتماعي.

اليوم ومن أجل نجاح بيئة العمل، لا بد من التركيز على ممارسة الصفات الأخلاقية والتي منها التواضع، فليس هناك سلوك أرقى منه، فينبغي على المسؤولين، من مديرين وغيرهم من أصحاب المناصب العليا أو ما دون ذلك، أن يتواضعوا مع موظفيهم، ويكون ذلك من خلال الاستماع إليهم، وتحفيزهم على العمل، والمرونة في الإدارة، والقدوة الحسنة، واحترام ثقافة النقد وتقبلها.

أخيرًا: نحن في زمن تكاثرت فيه المناصب بأنواعها المختلفة، وتقلصت الكثير من القيم والمبادئ الإنسانية، ولا زالت أوطاننا العربية والإسلامية بحاجة ماسة إلى مديرين مسؤولين مخلصين يصنعون الفرق بأخلاقهم الطيبة واجتهادهم، يحاربون التفرقة والتمزق والغرور وحب الذات، ساعين لإدارة القلوب قبل الملفات والاجتماعات والقرارات، تلك هي أفضل وأجمل وأقوى أدوات الإدارة الناجحة التي لا بد من ممارستها وتقديمها في بيئة العمل بكل إخلاص ووفاء وتفان، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْم لاحَ لِنَاظِرِ**عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ

وَلا تَكُ كَالدُّخَانِ يَرْفَعُ نَفْسِهُ**إلى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • السوداني يكشف إحباط هجمات ضد إسرائيل وقواعد امريكية بالعراق ويرفض التفاوض مع خاطفي تسوركوف
  • من يحمي وعي الناخب؟ ضوابط صارمة لاستطلاعات الرأي قبل انتخابات الشيوخ
  • بين حرية جورج وغياب زياد
  • خريطة توضح المواقع الثلاث التي تشملها الهدنة التكتيكية في غزة
  • مستويات جفاف تاريخية بالعراق وتحذيرات من كارثة وشيكة
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية
  • محمود مسلم: انتخابات مجلس الشيوخ مختلفة حيث تعتمد على الشخصيات العامة التي لها ثقل سياسي في الشارع
  • تقديس المدير
  • جماعة هاكرز التي نفت هجوم سيبراني على سيرفرات الاتصالات بصنعاء تكشف عن المواقع التي استهدفتها
  • رسالة الى دولة جعفر حسان : دعم المواقع الإلكترونية والصحف من الموازنة العامة.. ضرورة وطنية لا ترف إعلامي