خطبتا الجمعة بالحرمَين: التعصب في الأشخاص والمذاهب والقبائل يُنبت العداوة ويهدد استقرار المجتمعات.. والاعتصام بالوحيَين سبيل النجاة
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل- في جميع الأحوال.
وقال فضيلته: إن التعامل بالرفق مع الحبيب يستديم المودة، ومع الغريب يجلب المحبة، ومع العدو يكف الشر، ومع الغضوب يطفئ الجمر.. وكرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم جفوة، ولئام الناس أبطؤهم مودة، وأسرعهم عداوة.
وبيّن أن داء التعصب ومرض العصبية يعدان داءً اجتماعيًا خطيرًا، يورث الكراهية، وينبت العداوة، ويمزق العلاقات، ويزرع الضغائن، ويفرق الجماعات، ويهدد الاستقرار، وينشر القطيعة.. مرض كريه، يبني جدارًا صلبًا بين المبتلى به والآخرين، ويمنع التفاهم، ويغلق باب الحوار، ويعمم في الأحكام، ويزدري المخالف.
وأكد فضيلته أن التعصب داء فتاك، وهو علة كل بلاء، وجمود في العقل، وانغلاق في الفكر، يعمي عن الحق، ويصد عن الهدى، ويثير النعرات، ويقود إلى الحروب، ويغذي النزاعات، ويطيل أمد الخلاف.. لافتًا النظر إلى أن التعصب عنف وإقصاء، ويدعو إلى كتم الحق وسَتْرِه؛ لأن صاحبه يرى في الحق حجةً لمخالفه، كما أنه يقلل من فرص التوصل إلى الحلول الصحيحة، وينشر الظلم، وهضمَ الحقوق، ويضعف الأمة، وينشر الفتن والحروب الداخلية.
وأفاد فضيلته بأن التعصب يكون غلوًا في الأشخاص، وفي الأسر، وفي المذاهب، وفي القوم، وفي القبيلة، وفي المنطقة، وفي الفكر، وفي الثقافة، وفي الإعلام، وفي الرياضة، وفي كل شأن اجتماعي. مستدلاً بالموقف النبوي الحازم الصارم، حيث أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين – أي ضرب – رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجرون: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما بالُ دعوى الجاهلية؟!”، ثم قال: “دعوها فإنها منتنة”.
وأبان الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن الهجرة والنصرة وصفان شريفان كريمان، والمهاجرون والأنصار هم الأولون السابقون رضي الله عنهم ورضوا عنه، ولكن لما أراد هذان الرجلان توظيف هذه الألقابِ الشريفة والنعوتِ الكريمة توظيفًا عصبيًا فَزِع النبي صلى الله عليه وسلم، وبادر باحتواء الموقف بقوله: “أبدعوى الجاهلية؟!”، أي إن شرف الهجرة وشرف النصرة تحول بالعصبية إلى نعت غير حميد، بل صار مسلكًا منتنًا مكروهًا، وصار من دعوى الجاهلية: “دعوها فإنها منتنة”. لا أشد إنكارًا من هذا الوصف، ولا أعظم ذمًا من هذا النعت. مبينًا أنه في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: “من قاتل الناس تحت راية عِمِّيةٍ يغضب لعصبية، أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقُتل، فقتلة الجاهلية”، وفي لفظ “فليس من أمتي” رواه مسلم .
وأوضح فضيلته أن المتعصب ينسُب نقائصه وعيوبه إلى غيره. والمتعصب يعرف الحق بالرجال، ولا يعرف الرجال بالحق. والمتعصب لا يود أن يكون الحق مع الطرف الآخر؛ فهو أسير أفكاره ورؤيته الضيقة، همه المراء، والترفع على الأقران. المتعصب يعتقد أنه على الحق بحجة وبغير حجة، ومن خالفه فهو على الباطل بحجة وبغير حجة. والمتعصب لا يرى إلا ما يريد أن يراه .
وبين أن من صفات المتعصب التشدد في الرأي، والجمود في الفكر، والميل إلى العنف ضد المخالف.. موضحًا أن المتعصب يميز الناس ويقيِّمهم حسب انتماءاتهم الدينية، والقبلية، والمناطقية، والمذهبية، والطائفية، والسياسية.
وأضاف فضيلته بأن المرء لا يولد متعصبًا، وإنما يكتسب التعصب من أسرته، ومن أقرانه، ومن مدرسته، ومن الوسط المحيط به.. لافتًا الأنظار إلى أنه من أجل علاج التعصب لا بد من تقرير المساواة بين الناس، ونشر ثقافة الحوار، والتعايش، وقبول الآخر، والمحبة، والاعتذار، وبذل المعروف لمن عرفت ومن لمن تعرف.
وأردف فضيلته قائلًا: يقي من التعصب – بإذن الله – الاعتقاد الجازم، واليقين الصادق، أنه لا عصمة لغير كتاب الله، ولا لبشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر إلى العلماء والشيوخ على أنهم أدلاء على الحق، مبلّغون عن الله بحسب اجتهادهم وطاقتهم غير معصومين، ولا مبرئين من الأخطاء والأغلاط. وكذلك القوة والعزيمة في نبذ العادات والأعراف الخاطئة، والتقاليد المجافية للحق والعدل. هذا كله من مسؤولية أهل العلم، والفضل، والصلاح، والوجهاء، ورجالات التربية، والغيورين على الأمة، والعمل على بناء الإنسان السوي، وإشاعة الصلاح والإصلاح، ومقاومة الفساد بكل أشكاله، وقبل ذلك وبعده الإخلاص، وحسن السريرة، وقطع النفس عن شهوة الغلبة، والانتصار، والسلامة من فتنة التطلع، للمدح والرئاسات، ونشر المحبة في البيت، والمدرسة، وفي السوق، وفي الإعلام بكل وسائله وأدواته، وسلامة النفس من الأحقاد، والتحرر من الأنانية. ويجمع ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم في كلمته الجامعة: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “.
وبين أن أهل العلم قالوا: “كل من نصَب شخصًا كائنًا من كان فيوالي على موافقته ويعادي على مخالفته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون. وهذه طريقة أهل البدع والأهواء المذمومين، فمن تعصب لواحد بعينه ففيه شبه منهم، وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية”، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه”.
وأكد فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن التعصب حجاب غليظ، يحول بين صاحبه وبين الحق، وبينه وبين الحب. التعصب حجاب غليظ عن العلم النافع، والعمل الصالح، وعقبة كؤود عن الاستفادة من الآخرين، ويمنع الإبداع والابتكار. مبينًا أنه لا يقضي على التعصب إلا التسامح، ذلك أن التسامح احترام التنوع، وقبول الاختلاف. ويسلم من التعصب من كان همه الوصول إلى الحق، وليس الانتصار للنفس، أو المذهب، أو الطائفة.
* وفي المسجد النبوي الشريف أوصى الشيخ الدكتور خالد المهنا المسلمين بتقوى الله عز وجل مستشهدًا بقولة جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
وقال: الوحي هو كرامة الله لهذه الأمة، وهو عزها ومجدها الذي سمت به على جميع الأمم إلى آخر الدهر. مبينًا أن الوحي هو النور الذي أنزله الله على رسوله، وهو حكمه وشرعه، وبشارته ونذارته، مستشهدًا بقولة تعالى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}.
وأوضح فضيلته أن الوحي هو الصلة بين الأرض والسماوات، وفيه حياة القلوب والأرواح، وبه تحيا مصالح الدين والدنيا، والنور الذي يهدي به الله من يشاء من عبادة، مستشهدًا بقوله جل وعلا {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}.
وتابع قائلًا: إن الله تعالى امتن بوحيه على عبده ورسوله خاتم النبيين وقائد المرسلين، فكان معجزته التي فاقت كل معجزة لرسول كريم قبله، كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة”.
وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي أن جبريل عليه السلام، أمين الوحي من رب العالمين، ينزل على الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ـ بالقرآن والسنة، مبينًا أن الوحي إما قرآنًا متلوًا متعبدًا بتلاوته وهو كلام الله المنزل على نبيه، أو سنةً نبويةً تفسر القرآن وتبين مجمله، وتعبر عنه وتدل عليه.
وبيّن الدكتور المهنا أن لأئمة السنة والحديث من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتابعيهم ومن بعدهم، الذين حملوا ميراث نبينا إلينا حقًا عظيمًا علينا، وأن نتقرب إلى الله بحبهم وموالاتهم والدفاع عنهم، مشيرًا إلى أن من علامات صحة الإيمان وسلامة المعتقد تعظيم سنة المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ، واعتقاد حجيتها، والإذعان لها، والتحاكم إليها، فمن كان مؤمنًا بكتاب الله تعالى فهو مؤمن حكمًا ولزومًا بسنة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وحث إمام وخطيب المسجد النبوي على الاعتصام بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآثاره، والتمسك بها، والعض عليها بالنواجذ، فهي الحق المبين، وبها صلاح الأمة وسبيلها إلى الاجتماع والائتلاف، ونجاتها من الفرقة والاختلاف.
وختم فضيلته الخطبة مبينًا أن من أعظم بركات اتباع الوحيين الشريفين وتعظيمهما والوقوف عند حدودهما سلامة معتقد المسلم في توحيد ربه، وإخلاص الدين له، وعصمته من التلبس بالبدع والمحدثات، فمن عظّم الوحي أمرًا ونهيًا وخبرًا فقد عظّم الله تعالى.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم الشیخ الدکتور
إقرأ أيضاً:
فضل الدعاء قبل صلاة الجمعة
يوم الجمعة من خصائص الأمة المحمدية؛ فقد ورد في الحديث الشريف: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؛ فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ».
الصَّلَاةُ الْخَمْسُ
كما أن يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في "مسند أحمد"، وهو أفضل أيام الأسبوع، خصَّه الله تعالى بعدة خصائص لمزيد فضله ولبيان مكانته؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» رواه مسلم، ومن مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» رواه أحمد والترمذي.
ومن أجل هذه الفضائل فقد اختص يوم الجمعة بعدة وظائف يستحب للمسلم أن لا يغفل عنها، ومن ذلك الغُسل يومها، ولبس أحسن الثياب، والأبيض أفضلها، والتعطر، والتبكير لصلاة الجمعة، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة سورة الكهف، ومن الوظائف أيضًا التماس ساعة الإجابة؛ فقد ورد في عدة أحاديث أن يوم الجمعة فيه ساعة لا يرد فيها الدعاء، وقد اختلفت ألفاظ هذه الأحاديث، وبناءً على هذا الاختلاف تفرَّق العلماء في تحديد هذه الساعة.
أما الأحاديث: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي بعض الروايات: «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ»
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث في شأن ساعة الجمعة -يعني: ساعة إجابة الدعاء- فقال: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» رواه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الحديث: «التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
ومن الأحاديث أيضًا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» رواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث جابر رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلا آتَاهُ الله إِيَّاه»، قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: «حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا» رواه الترمذي وابن ماجه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ابْتَغُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وَهِيَ قَدْرُ هَذَا»، يقول: قبضة. رواه الطبراني في "الكبير".
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي كُنْتُ قَدْ أُعْلِمْتُهَا -يعني ساعة الجمعة-، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ -يعني ساعة الإجابة-» رواه مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه.
دعاء زهران: تعليم الأبناء الإنتماء للوطن واجب وطني علي كل أم مصريةوالواضح من هذه الأحاديث إثبات أن في يوم الجمعة ساعة لا يرد فيها الدعاء، وقد ذكرت هذه الأحاديث صفة هذه الساعة كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من أنها ساعة خفيفة، وحديث الطبراني السابق عن أنس رضي الله عنه، وورد في رواية سلمة بن علقمة عند البخاري: ووضع -أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر، قلنا: يُزهِّدها. فالمأخوذ من ذلك أن وقت الإجابة في يوم الجمعة ليس وقتًا كبيرًا، بل هو وقت لطيف لا يهتدي إليه إلا من وُفِّق، هذا من حيث صفتها، أما من حيث تحديدها فالأقوال في ذلك كثيرة، أوصلها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 416 وما بعدها، ط. دار المعرفة) إلى ثلاثة وأربعين قولًا، لكنه عقَّب قائلًا: [ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى، وحديث عبد الله بن سلام] اهـ.
وهذان القولان هما أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، أو الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، فكل واحدة من هاتين الساعتين تُرجى فيها إجابة الدعاء؛ قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر، وتُرجى بعد زوال الشمس. انظر: "سنن الترمذي" (2/ 360، ط. مصطفى الحلبي).
أفضل دعاء بوقت اذان الفجرمسألة خلافية
فتحديد وقت إجابة الدعاء في يوم الجمعة مسألة خلافية، حتى إن من رجَّح قولًا معيَّنًا لم يحكم على باقي الأقوال بالتخطئة، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 422): [وسلك صاحب الهدى مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دلَّ على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك أحمد، وهو أولى في طريق الجمع، وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بيَّن لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها] اهـ.
فالتقيد بوقت محدِّد والتشبث به على أنه وقت الإجابة يوم الجمعة وإنكار كون باقي الأوقات فيه وقتًا للإجابة؛ غير سديد، فينبغي للعبد أن يكون مثابرًا على الدعاء في اليوم كله فيعظم بذلك الأجر.
إذا علم ذلك فلا بأس بالدعاء عندما يجلس الإمام بين الخطبتين، فهذا الوقت داخل فيما قيل إنه ساعة الإجابة يوم الجمعة، يعني بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، فعلى هذا يكون الدعاء أثناء جلسة الإمام بين الخطبتين مشروعًا لإصابة ساعة الإجابة على رأيٍ، ولا ينبغي الإنكار على من يفعل ذلك أو يتركه، فالمسألة خلافية لا حَجر فيها على رأي بعينه أو قول بذاته.