موقع النيلين:
2025-01-27@17:02:35 GMT

مواقف دول الجوار من حرب السودان (2)

تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT

مواقف دول الجوار من حرب السودان (2)
____________________________________
ثالثاً : تشاد
=======
تشاد تجاور السودان من الناحية الغربية و تمتد الحدود بينهما لأكثر من 1400 كيلومتر ، و توجد في البلدين قبائل مشتركة كثيرة أبرزها : الزغاوة ، المحاميد ، السلامات ، أولاد راشد ، التنجر ، الفلاتة ، البني هلبة ، الداجو ، الوداي ، الخزام ، و غيرها !!
بحكم هذا الجوار و التداخل و تحركات القبائل المشتركة فإن الحدود بين البلدين تعتبر حدود مفتوحة خاصة و أنه لا توجد بينها حواجز و موانع طبيعية ، و بسبب هذا الوضع فقد انطلقت معظم قوى المعارضة التشادية التي نجحت في استلام السلطة من مناطق عمقها القبلي و الإجتماعي في دارفور ، و كانت آخرها قوات (جبهة الإنقاذ الوطنية) بقيادة إدريس ديبي و التي نجحت فى الإطاحة بحكومة الرئيس (حسين حبري) بدعم من ليبيا و السودان في ديسمبر 1990 .


و قد استمر (ديبي) في الحكم حتى مقتله في العشرين من أبريل 2021 متأثراً بإصابته في اشتباكات مع قوات المعارضة شمالي تشاد .
في العام 2006 قامت قوات (الجبهة المتحدة للتغيير الديمقراطي) في تشاد بقيادة محمد نور عبد الكريم بهجوم مباغت علي العاصمة أنجمينا و كادت أن تستلم القصر الرئاسي قبل أن تتراجع بسبب خلافات نشبت بين الفصائل السياسية المكونة للجبهة ، الحكومة التشادية من جانبها إتهمت السودان بأنه يقف وراء الهجوم و محاولة تغيير نظام الحكم .
و من جانب آخر فإن تشاد ظلت تمثل عمقاً لحركات التمرد المسلحة خاصة تلك التي تنتمي إلى قبيلة آلزغاوة ، و ظلت كذلك تقدم لها الدعم العسكري و اللوجستي ، و قد إتهم السودان تشاد بأنها كانت تقف وراء عملية الذراع الطويل التي قامت بها قوات حركة العدل و المساواة و استطاعت أن تصل فيها حتى أمدرمان في مايو 2008 .
تحركات المعارضات المسلحة بين البلدين و الإتهامات المتبادلة ظلت تمثل عنصر شد في العلاقات بينهما خاصة و أنهما يجاوران ليبيا المضطربة و أن بعض الفصائل المعارضة فيهما متورطة في الصراع الليبي ، و تتلقى الدعم من الجهات الليبية التي تقاتل إلى جانبها !!
عندما بدأت حرب السودان الأخيرة بعد تمرد المليشيا كان الموقف التشادي في البداية متحفظاً بل و أقرب إلى المساند للحكومة الشرعية و الجيش لأن تشاد تدرك تماماً بأن أمن السودان من أمنها و استقراره من إستقرارها .
و لكن فجأة و بعد زيارة قام بها محمد إدريس ديبي إلى أبوظبي في يونيو 2023 (بعد أقل من شهرين من إندلاع التمرد و الحرب) و وقع خلال زيارته هذه إتفاقية تعاون عسكري بين البلدين و تلقى دعماً مالياً مباشراً بمبلغ مليار و نصف دولار تغير الموقف التشادي إلى موقف داعم للمليشيا ، و تمثل ذلك الدعم في الآتي :
١/ منح الإمارات حق تشغيل مطار أم جرس في شرق البلاد و التي بدورها حولته إلى قاعدة جوية لإمداد المليشيا بالسلاح والذخائر و العتاد (مقابل إيجار تتلقاه) !!
٢/ سمحت بتجنيد عشرات الآلاف من مواطنيها للإنخراط في القتال مع قوات المليشيا !!
٣/ فتحت حدودها لمرور المرتزقة الذين يتدفقون من عدة بلدان أفريقية للإلتحاق بصفوف المليشيا !!
٤/ سمحت بدخول المسروقات و المنهوبات من سيارات و ممتلكات و أموال الشعب السوداني إلى أراضيها و سمحت بمرور بعضها إلى بعض دول غرب أفريقيا !!
٥/ في الأشهر الأخيرة و دعماً للمليشيا للإستيلاء على الفاشر سمحت بإطلاق الصواريخ و الطائرات المسيرة من داخل أراضيها كما كشفت ذلك الجهات السودانية !!
٦/ آوت و ما تزال تؤوي قيادات المليشيا المتمردة و تسمح لهم باستخدام أراضيها و مطاراتها في التنقل من و إلى السودان !!
الموقف التشادي الداعم للمليشيا تأثر بفرنسا التي تشارك الإمارات في الحرب على السودان بغية تحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل في البحث عن وطن بديل لعربان الشتات المنتشرين في مستعمراتها القديمة أو التخلص منهم في محرقة الحرب حيث أنهم باتوا يشكلون خطراً على مصالحها مع صعود تأثيرهم السياسي !!
السودان من جانبه و بعد توفر كل الأدلة و الإثباتات المادية و التقارير الأممية التي تثبت تورط تشاد في الحرب تقدم بشكوى رسمية ضدها إلى مجلس الأمن و تبادل معها طرد الدبلوماسيين !!
إستمرار الدور السالب للجارة تشاد و دعمها للمليشيا ربما يدفع السودان لتطبيق مبدأ (التعامل بالمثل) !!
رابعاً : أفريقيا الوسطى
==============
تقع أفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي للسودان و يبلغ طول الحدود بينهما حوالي 174 كيلومتر .
و تعتبر أفريقيا الوسطى من البلدان التي لها تأريخ طويل مع الإضطرابات و عدم الإستقرار و قد بدأت فيها الحرب الأهلية منذ العام 2003 عندما استولى الجنرال (بوزيزيه) على السلطة بدعم من تشاد و السودان ، فتمرد عليه في العام 2004 (إتحاد القوى الديمقراطية من أجل الوحدة) في شمال شرق البلاد بقيادة (ميشيل جوتوديا) و الذي نجح في إستلام السلطة في مارس 2013 ثم ما لبثت أن تحولت الأوضاع فيها إلى حرب أهلية مدمرة تفاقمت بصورة كبيرة في الفترة بين عامي 2012 ـ 2014 ، ثم شهدت البلاد فترات إنتقالية أجريت بعدها إنتخابات فاز بها الرئيس الحالي (فوستان آرشانج) في مارس 2016 و الذي فاز بدورة أخرى في 2020 .
أفريقيا الوسطى من مستعمرات فرنسا التي ما تزال تتمتع فيها بسيطرة و نفوذ كبير رغم توجهات الرئيس الحالي الذي انفتح على روسيا و منحها إمتيازات للتعدين كانت تديرها شركة فاغنر الأمنية و التي تقوم أيضاً بحماية النظام الحاكم .
الأوضاع الهشة في أفريقيا الوسطى و تأثير (فاغنر) و الإمارات بالإضافة إلى وجود مليشيا (د . س) المتمردة التي كانت مسئولة عن تأمين الحدود و وجود بعض المجموعات (المستعربة) في حدودها الشرقية جعلها تصبح واحدة من دول الجوار الداعمة للمليشيا في حربها ضد الدولة السودانية !!
و قد أصبحت منطقة (أم دافوق) الحدود مركزاً كبيراً لتجميع المرتزقة من عدة دول أفريقية و تدريبهم و إعدادهم ثم الدفع بهم للإلتحاق بصفوف المليشيا و ما يزال هذا العمل السالب مستمراً حتى اليوم برضا حكومة أفريقيا الوسطى و تحت مرأى و مسمع فرنسا و في الأشهر الأخيرة إنسحبت منه (فاغنر) ربما بإيعاز من الحكومة الروسية !!
يبدو أن السودان أيضاً سيضطر للتعامل مع حكومة أفريقيا الوسطى بمبدأ (المعاملة بالمثل) !!
#كتابات_حاج_ماجد_سوار
21 ديسمبر 2024

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: أفریقیا الوسطى

إقرأ أيضاً:

ثلاث معضلات رئيسية شهدها السودان

تسببت الحرب التي تدور رحاها الآن في السودان منذ 15 أبريل/ نيسان 2023 في أضرار كبيرة وخراب واسع النطاق، ودمار في البنية الأساسية والمرافق الحيوية في الدولة، وخلفت وراءها عشرات آلاف القتلى من المدنيين والملايين من النازحين داخل السودان، واللاجئين إلى خارج الحدود، إلا أنه بالرغم من ذلك كان لها وجه آخر أفرزت فيه نتائج يمكن وصفها بالإيجابية، على قاعدة (رب ضارة نافعة).

وهي نتائج ما كان لها أن تبرز لولا اندلاع الحرب، ولم تكن مقصودة أو تم الترتيب لها مسبقًا من طرفٍ بالداخل أو بالخارج، بل تداعت بصورة تلقائية وولدت من رحم الحرب.

هذه النتائج سيكون لها دور كبير في طي معضلات أساسية مزمنة لازمت الحياة السياسية والاجتماعية في السودان منذ الاستقلال، وتسبب بعضها في أزمات وصراعات ونزاعات داخلية، كان أكبرها الحرب في جنوب السودان التي استمرت نحو 33 عامًا، وأفضت إلى انفصال جنوب السودان باستفتاء مشهود في يناير/ كانون الثاني 2011، ليصبح دولة مستقلة قائمة بذاتها.

وكان من إفرازات تلك المعضلات أيضًا أزمة دارفور التي اندلعت في العام 2003، واستمرت 17 عامًا تخللتها 3 اتفاقيات سلام، منها اثنتان لم تصمدا طويلًا، وهما اتفاقيتا (أبوجا 2006)، و(الدوحة 2011)، أما الثالثة فتم توقيعها في أغسطس /آب 2020 في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، ولا تزال سارية حتى الآن.

إعلان

وإذا أنعمنا النظر في طبيعة المعضلات الأساسية التي لازمت الحياة السياسية في السودان، نجد بعضها وبصورة أساسية نتاج أسباب جغرافية وديمغرافية وتاريخية موروثة، ولكن جلها كان نتاج ممارسات سياسية من قبل الأحزاب والكيانات السياسية التي وجدت بعد الاستقلال، وبسبب أخطاء ارتكبتها الأنظمة والحكومات المتعاقبة.

ويمكن تحديد هذه المعضلات بصورة إجمالية لأغراض هذا المقال دون الخوض في تفصيلها في ثلاث معضلات رئيسية هي:

أولًا: مسألة تداول السلطة

برزت هذه المعضلة بعد عامين فقط من استقلال السودان، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، تسلم الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش السوداني وقتها مقاليد الحكم من رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل بعد إلحاح وملاحقة من هذا الأخير؛ بسبب احتدام الخلافات داخل كل حزب من الأحزاب السياسية، وفيما بين بعضها البعض، وهي مسألة تعكس مدى سوء الممارسة السياسية للأحزاب القائمة في ذلك الوقت.

وقد استمر الفريق عبود في الحكم باسم الجيش لمدة 6 سنوات، حتى تمت الإطاحة به في ثورة شعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 1964.

وأعقب هذه الثورة إنشاء نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة تمت الإطاحة بها بانقلاب عسكري دبره الحزب الشيوعي السوداني في 25 مايو/ آيار 1969 عبر ضباط بعضُهم كانوا منتمين للحزب، وآخرون لا ينتمون له، وكان الانقلاب بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري، والذي استمر حكمه 16 عامًا بعد أن تخلص من الشيوعيين بعد عامين من الانقلاب حين حاول الحزب الشيوعي الإطاحة به بانقلاب عسكري فاشل بواسطة ضباط شيوعيين داخل الجيش.

وقد تخلل فترة حكم نميري عدد من المحاولات الانقلابية باءت كلها بالفشل، حتى أطاحت به انتفاضة شعبية في أبريل/ نيسان 1985، أعقبتها انتخابات وشكلت حكومة منتخبة برئاسة زعيم طائفة الأنصار الراحل الصادق المهدي، حيث شهدت فترة حكمه اضطرابات كثيرة وسادت حالة سيولة أمنية وتردٍ في الحالة الاقتصادية، وسوء في الممارسة السياسية، وتفشٍ للفساد السياسي، قبل أن يطيح بحكومته انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير في يونيو/ حزيران 1989.

إعلان

وقد استمر حكم البشير زهاء 30 عامًا، وتخللتها أحداث سياسية كبرى وطالت السودان فيها مهددات وتحديات عديدة كان جلها خارجيًا، وقد أطاحت بنظامه ثورة شعبية مدعومة من الخارج في أبريل / نيسان 2019. وتم بعدها تشكيل مجلس سيادة انتقالي برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وتعيين عبدالله حمدوك رئيسًا لمجلس الوزراء.

وشهدت هذه الفترة بدورها اضطرابات عديدة، وتميزت بعدم الاستقرار والتشاكس والعداء للجيش من قبل القوى المدنية التي تصدرت المشهد السياسي، وكانت نتيجة ذلك كله محاولة هذه القوى المدنية التي تحالفت مع قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة حينها (حميدتي) الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح بواسطة قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، وهي المحاولة التي فشلت وأشعلت الحرب التي لا تزال دائرة حتى اليوم.

ويتّضح من هذا السرد المجمل لمسألة تداول السلطة في السودان منذ الاستقلال حجم الأزمة، وحالة الاحتقان وعدم الاستقرار والاضطراب الذي تميزت به هذه المسألة على مدى 69 عامًا.

ثانيًا: وضع الجيش

وهي المعضلة الثانية، فقد ظل وضع الجيش السوداني منذ الاستقلال محلًا للتجاذبات والمزايدات والكيد السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية في السودان، كما أنه واجه عداءً شديدًا من كثير من هذه الأحزاب خاصة أحزاب اليسار السوداني، وتعرض لكثير من الإهمال المتعمد، وأخضع لعمليات إضعاف مقصودة، وكان ذلك بغرض شلّ قدرته على التدخل في السياسة، والحيلولة بينه وبين توسع نفوذه بما يمكنه من توجيه بوصلة الحياة السياسية أو استيلائه على السلطة عبر الانقلابات.

وقد تصاعدت حالة العداء للجيش من قبل الأحزاب السياسية بشكل واضح في فترتين من فترات الحكم المدني:

الفترة الأولى، وهي فترة حكم الصادق المهدي في التجربة الديمقراطية الثالثة، حيث تعرض الجيش السوداني لعملية إضعاف ممنهجة لم يتعرض لها من قبل، رغم أن الحرب في الجنوب كانت في أوج استعارها، ووصل هذا الإضعاف الممنهج من قبل حكومة الصادق المهدي أن جنود الجيش في جبهات القتال بالجنوب كانوا يقاتلون حفاة وبلا مؤن ويعانون نقصًا حادًا في قطع السلاح، بل وصل الأمر حد إرسال ذخائر ألعاب نارية لوحدات الجيش المقاتلة على جبهة القتال، وهي واقعة مشهودة ومعروفة تم تبريرها بأنها تم شحنها بالخطأ..!! إعلان

وقد استطاعت قوات التمرد الجنوبي بقيادة جون قرنق الاستيلاء على العديد من المناطق والمدن في جنوب السودان بسبب هذا الإضعاف الممنهج.

أما الفترة الثانية التي تعرض فيها الجيش للإضعاف المتعمد فهي التي تلت الإطاحة بالبشير وتحديدًا ما بين أبريل / نيسان 2019، وأكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث تعرض الجيش السوداني لأكبر محاولة ليس فقط لإضعافه، وإنما لتفكيكه كلية وإحلال قوات الدعم السريع مكانه، وذلك بزعم أن الجيش يهيمن عليه التيار الإسلامي الذي كان ممسكًا بمقاليد السلطة طوال 30 عامًا، وقد سميت عملية التفكيك تدليلًا وتخفيفًا لها بـ (إعادة الهيكلة).

وتعرض الجيش في هذه الفترة لكثير من التهكم والسخرية والتقليل من شأنه ودوره، وكان شباب الثورة المنتمون إلى الأحزاب اليسارية يرددون أهازيج تسخر من الجيش وتتهكم به، وتمجد قوات الدعم السريع وتعلي من شأن قائدها حميدتي.

ووصل ازدراء القوى السياسية والمؤسسات الرسمية المدنية بالجيش أن تقدم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك – دون مشورة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش البرهان – بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إرسال بعثة سياسية تضم قوات أممية مهمتها ما سماه "بناء السلام". وقد كانت هذه الواقعة أولى محطات التوتر في العلاقة ما بين البرهان وحمدوك.

ثالثًا: التنمية وتوزيع السلطة والثروة

وهي ثالثة أثافي أزمة السودان ومعضلته المزمنة. فهذه المعضلة هي الأكثر رواجًا وسط الاتجاهات والتيارات والحركات المطلبية التي عرفها السودان.

وهي الخلفية التي مثّلت متكأً لهذه التيارات، وشعارًا ظل مرفوعًا في وجه الحكومات المتعاقبة، وتقوم سردية هذا الاتجاه على أن هناك – ومنذ الاستقلال – خللًا حادًا في التنمية، وفي توزيع السلطة والثروة بين أقاليم السودان المختلفة لصالح إقليم واحد، هو ما أطلق عليه في أولى مراحل تطور هذا الاتجاه المطلبي بـ (الشمال) الذي يشمل حاليًا ولايتي نهر النيل والشمالية، ثم لاحقًا أطلق عليه مسمى (الشريط النيلي)، ثم مؤخرًا، ومع اندلاع الحرب الحالية، ابتكرت القوى المتحالفة مع مليشيا الدعم السريع مصطلحًا محدّثًا لنفس المسمى، وهو (دولة 56).

إعلان

وكل هذه المسميات تنطوي على اعتقاد معتنقيها أن ثمة احتكارًا ممنهجًا للتنمية والسلطة والثروة من جانب سكان إقليم (شمال السودان)، وحرمانًا لسكان بقية أقاليم السودان منها، والذين أطلق عليهم أصحاب هذا الاتجاه مصطلح (المهمشين)!!

كل الحركات التي حملت السلاح في وجه الحكومات المركزية المتعاقبة منذ الاستقلال كان منطلقها الأساسي هو هذا المفهوم: (التهميش). كل الدماء التي أريقت وسفحت في الحروب والنزاعات التي شهدها السودان كانت بفعل رفع هذه الراية، من لدن تمرّد الجنوب وحتى تمرد مليشيا الدعم السريع، الذي يعيش الشعب السوداني فصوله المأساوية الآن.

إن قضية التهميش هي واحدة من أكبر وأخطر إفرازات الممارسة السياسية الخاطئة في السودان، وإحدى كبريات الموبقات التي ارتكبتها بعض النخب السياسية السودانية في سعيها نحو الاستحواذ على السلطة ومتعلقاتها الاقتصادية والاجتماعية.

فإقليم شمال السودان لا يختلف عن بقية أقاليم السودان، التي يجمع بينها قاسم مشترك، وهو التخلف وما ينطوي عليه من فقر وجهل ومرض ونقص في التعليم والصحة والخدمات الأساسية، وانعدام البنية التحتية من طرق ومرافق حيوية واتصالات، وغيرها من مظاهر التخلف الأخرى. فكل أقاليم السودان الطرفية ظلت تعاني من هذه المظاهر، والعاصمة الخرطوم التي تتوسط السودان لم تسلم منها.

فجغرافيا السودان وتضاريسه وتقاعس وفشل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في إحداث التنمية المطلوبة، كل ذلك ساهم في خلق هذا الخلل الذي هو حتى الآن موجود.

ويطل السؤال المهم برأسه عند هذه النقطة: ما هي النتائج الإيجابية المترتبة عن الحرب الحالية والتي يمكن أن تساهم في الحل الجذري لهذه المعضلات الثلاث المذكورة آنفًا؟

أولًا: في شأن تداول السلطة، وهي المعضلة الأولى، فإن الدرس الذي ينبغي أن تعيه النخبة السياسية السودانية من واقع الحرب الحالية، هو أن الوسيلة الفضلى والمثلى لتداول السلطة في هذا البلد شديد التنوع، هي الاحتكام إلى إرادة الشعب والنزول عند اختياره عبر نظام ديمقراطي (نزيه) مبرأ من كل الشوائب والأخطاء والخطايا التي وقعت في التجارب السابقة.

إعلان

وبمفهوم المخالفة فإن الاستيلاء على السلطة بالقوة في سودان ما بعد الحرب، يجب أن يكون مجرَّمًا ومحرَّمًا بالدستور والقانون، وقبل ذلك أن تتواثق القوى السياسية على استبعاد هذه الوسيلة تمامًا من أجندتها اعتبارًا واتعاظًا بما حدث، وأن تحصر هذه القوى خلافاتها داخل السياج الوطني ولا تشرك في شأن الوطن أيادي أجنبية.

ثانيًا: وفي شأن وضع الجيش ومُقامَه بين مؤسسات الدولة، فإن تجربة الحرب الحالية أشاعت قناعة ويقينًا ظل يترسخ في أذهان الشعب السوداني وفي وجدانه، مفاده أن الجيش هو صمام الأمان للدولة وعمودها ورأس الأمر فيها، ووجوده متماسكًا وقويًا ومتسلحًا بالعتاد العسكري كمًّا ونوعًا هو أمر ضروري ولا غنى عنه البتّة.

وانعكس هذا اليقين الشعبي في الوقفة الصلبة التي وقفها الشعب السوداني بكل طيفه السياسي والاجتماعي والمناطقي خلف الجيش بالتأييد والمساندة، وتشهد بذلك يوميات الحرب وأحداثها، حيث يتجه النازحون من المناطق التي تدخلها مليشيا الدعم السريع إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش، ويتم استقبال قوات الجيش حين تحرر منطقة من قبضة الدعم السريع بمظاهر الفرح والاحتفال والشعور بالطمأنينة.

وهو أمر له دلالة عميقة ويعتبر نقلة نوعية في نظرة الشعب السوداني إلى الجيش بعد أن شابها في الماضي بعض (الضبابية) بتأثير من حملات (الشيطنة) التي شنتها بعض القوى السياسية المعادية للجيش.

بل أكثر من ذلك، فإن حركات الكفاح المسلح التي ظلت تقاتل الجيش في الماضي قد انحازت إلى صف الجيش تقاتل مليشيا الدعم السريع تحت إمرته وقيادته في الحرب الآن، وأعلنت قيادات هذه الحركات التي تعرف بالقوات المشتركة أنها ستدمج قواتها في الجيش بعد أن تضع الحرب أوزارها وفقًا لقواعد الدمج والتسريح المعروفة.

وشددت هذه القيادات على أنه لن تكون هناك قوات موازية للجيش في سودان ما بعد الحرب. ويعد هذا تطورًا شديد الأهمية سيكسب الجيش وضعًا أكثر تميزًا مضافًا إليه اكتسابه خبرات جديدة ومراسًا قويًا بسبب الحرب وبلائه فيها بلاءً مهنيًا حسنًا ومشهودًا.

إعلان ثالثًا: أما بخصوص المعضلة الثالثة والأخيرة وهي التنمية وتوزيع السلطة والثروة، فقد كشفت الحرب للجميع أن ما يسمى بالتهميش هو القاسم المشترك الذي ينتظم كل أقاليم السودان، وعلى رأسها الشمال، حيث ساعد على هذا الكشف عاملان اثنان: الأول؛ هو أن الحرب بدأت في العاصمة الخرطوم، وهي بمثابة القلب للسودان وكبرى مدنه، وتقطنها كل مكوناته الإثنية شمالًا ووسطًا، شرقًا وغربًا وجنوبًا، وهو مؤشر على أن كل سكان تلك الأقاليم جاؤوا إلى الخرطوم بحثًا عن أوضاع أفضل من تلك التي تسود في أقاليمهم، بمن فيهم أهل الشمال. وأما الثاني؛ فإن الذين نزحوا من العاصمة وولاية الجزيرة وسنار، بسبب الحرب واتجهوا شمالًا وشرقًا رأوا بعيونهم أحوال هذه الأقاليم والمناطق والتي هي مشابهة لمناطقهم الأصلية، ولا تتميز عنها بشيء وتعاني نفس مشاكل التخلف.

أضف إلى هذا وذاك أن مليشيا الدعم السريع استعْدَت كل المكونات الإثنية والطائفية والدينية في السودان من خلال ارتكابها مجازر مروعة وانتهاكات بشعة في حق أهالي المناطق التي سيطرت عليها مما وحد هذه المكونات ضدها وضد مشروعها لحكم السودان، وفوق ذلك كله ارتباطها بالأجنبي وتنفيذها أجندة أجنبية، وجلبها مرتزقة أجانب لقتل مواطنيهم وشركائهم في الدين والوطن.

ومن عجب أنَّ القوات الدارفورية التابعة لحركات دارفور التي كانت تناصب (الشمال) العداء على خلفية مزاعم التهميش، هي الآن تقف دفاعًا عن الشمال وعن إنسان الشمال من هجمات مليشيا الدعم السريع، وأن الجيش السوداني الذي كانت تقاتله في السابق، أصبح الآن حليفًا وصديقًا ستلتئم معه وتندمج فيه دفاعًا عن السودان كله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أول مدرب للغة الإشارة الخاصة بالصم.. استشهاد أمين مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بشمال دارفور جراء قصف المليشيا
  • ثلاث معضلات رئيسية شهدها السودان
  • دور التعايش السلمي في وأد الفتن
  • الحرب ومستقبل السياسة في السودان
  • المبادرة الغائبة التي ينتظرها الفلسطينيون
  • سلطة النقد تكشف حجم الأموال التي نُهبت من بنوك غزة خلال الحرب
  • رئيس الهيئة الشعبية السودانية لإسناد القوات المسلحة وبناء السودان يشيد بإلتقاء الجيوش الذي يمثل نهاية المليشيا
  • كل ما يحدث من انتصارات ودحر للمليشيا في ربوع السودان، هو عالة على 35 ضابط سوداني
  • تجمع قوى تحرير السودان: الإنتصارات التي تحققت تؤكد عزيمة القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية
  • يونيسف: 30 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مقدّمتها السودان وقطاع غزة محرومون من التعليم