تقديم كتاب الأستاذ الدكتور محمود عبد الرحمن الشيخ

الدكتور الخضر هارون

maqamaat@hotmail.com

الاغتيالات السياسية في إفريقيا

هذا كتاب جدير بالقراءة كتبه بروفسور ظل في حقل تدريس التأريخ لعقود في أماكن عديدة وجامعات مرموقة عتيقة ,تلمس ذلك من الدقة في كل معلومة ترد في ثنايا السرد مرتبطة بمصادرها وفق مقتضيات الكتابة الأكاديمية التي تعاف الحكايات التي تسرد لمجرد التشويق والإثارة .

ولا غرو فقد شغل بروفسور محمود عبد الرحمن الشيخ منصب مدير الجودة في أكثر من جامعة والتدقيق والتماس الدقة المتناهية من لوازم العمل الأكاديمي المحترم البحث والتنقيب في حوادث الاغتيالات يستلزم الدقة لما يلازم فعل الاغتيال من العواطف الجياشة التي قد تجور وتبتعد عن الانصاف وتفضي الي التسرع في الإدانة وتغييب الفاعل أو الفاعلين الجديرين بالإدانة وبالتالي ضياع الحقيقة.
سبب آخر لإبراز أهمية هذا الكتاب والتنويه بجهد المؤلف في تأليفه هو ضمه لعدد كبير من الاغتيالات في افريقيا والمألوف أن جل الكتابات التي كانت تبحث في خبايا الاغتيالات كانت تستغرق الجهد في حادثة واحدة لكن هذا السقر احتوي عددا مما عانت منه القارة الإفريقية. وهذا لعمري يعطي هذا العمل قيمة إضافية في وقت تحاول فيه القارة انتزاع حريتها من مستعمريها القدامى الذين منحوها استقلالاً شكليا بينما ظلت في الحقيقة ترزح في حبائل الاستغلال البشع.
الأمر الآخر الذي يستحق التنويه في الكتاب ,هو أن كل حادثة رويت في سياق تعريف تام بدولة الزعيم المغتال حتي تقرأ حادثة الاغتيال في السياق السياسي والجيوسياسي لأن الزعماء العشرة ما عدا المعارض المغربي المهدي بن بركة كانوا رؤساء دول وراح بعضهم بسبب الحرب الباردة بين القطبين وقتذاك الرأسمالي الغربي والاشتراكي الشرقي فالغرب الذي استعمر القارة لعقود كان متخوفاً من تغلغل الشيوعية في افريقيا والاستحواذ علي ما فيها وأوضح مثال علي ذلك اغتيال رئيس وزراء الكونغو السيد باتريس لوممبا . والمستندات التي كشف عنها النقاب تؤكد تواطؤ أكثر من دولة غربية في التخلص من الرجل.
وسياسة فرق تسد التي اعتمدها الاستعمار في إدارة البلاد المستعمرة رسخت التناقضات القبلية والدينية وجمعت في كل حيازة تناقضات جمة من عرقيات وحرصت علي زرع البغضاء بينها حتي يخلو لها الجو ،طفت عواقب تلك السياسة إلي الواجهة بعد خروج المستعمر وتسببت في انقلابات عسكرية وحروب جهوية ساهمت فيما وقع من بعض الاغتيالات وإن خلت من تدخل الأيادي الخارجية التي تظل سببا غير مباشر لوقوعها مثل الذي وقع لسلفانوس أولمبيو في توغو عام 1963 وكذلك مصير صمويل دو في ليبريا وكذلك فرانسو تمبلباي وبعده ادريس دبي في تشاد .بعض هؤلاء تجبروا علي شعوبهم وتاقوا للبقاء في نعيم السلطة حتي الموت وتلك متلازمة لا زالت تميز الواقع الافريقي حيث لا يقنع القادة بعهدتين في السلطة فيعمدوا لتغيير الدساتير فتنفتح الأطماع ويعرضون أنفسهم للنقمة بدوافع تغذيها العرقيان والجهويات لبلاد تفتقر للتجانس فقد أقامت حدودها المطامع الأوربية فتمكن الكبار الأقوياء منهم يومئذ من الحصول علي حيازات كبيرة تضم عرقيات وتقاليد متباينة لا يربط بينها رباط وسرعان ما تتهدم مثل قصور الرمال . هناك اغتيالات سببها جوار من دول عدة تقطنها عرقيات مشتركة كالكنغو المجاور لدول منطقة البحيرات العظمي , رواند, اوغندا وبورندي تتسبب أي قلاقل في احداها في نزوح متبادل واتهامات . واحدة منها أفضت لاغتيال لوران كابيلا مع بعض أخطائه. أما توماس سنكارا الذي وصفه المولف ب "تشي جيفارا " افريقيا فقد قضي بسبب تآمر أخلص خلصائه بليس كومباوري في تراجيديا تشبه قصة يوليوس قيصر وصديقه بروتس. ولا تستبعد فيها الأيدي الخارجية.
أما مقتل الرئيس المصري أنور السادات فأرجح أنه عمل مصري خالص صنع أسبابه السادات في أخريات أيامه. أما اغتيال المهدي بن بركة فيختلف شيئا ما حيث لم يكن الرجل يحظى بمنصب مهم في بلده بلد كان معارضاً شرساً ذا ميول اشتراكية في بلد تحكمه ملكية تقليدية راسخة عمرها يصل إلي ثلاثة قرون لم تزل حتي ذلك الحين تحظي بقبول شعبي واسع ويثورالجدل حتي اليوم هل كان الهدف من اختطافه الذي ساهم فيه الموساد الإسرائيلي يروم قتله أم أخذه للمغرب سيما وقد أطلق ملك المغرب الراحل الحسن الثاني ،اسمه علي احد الشوارع في العاصمة الرباط وأبدي أسفاً علي مقتله.
يجئ الكتاب في وقت تستشرف فيه القارة الأفريقية ما يشبه الانتفاضة خاصة إزاء السيطرة الفرنسية والغربية بشكل عام يقودها انقلابيون شباب يحظون بتأييد قطاعات واسعة من الشباب في وقت تتزايد فيه شراسة القوي الاستعمارية القديمة مع التناقص المستمر للمواد الأولية والمعادن والتي لم يعد جلها موجودا سوي في افريقيا وهي لازمة لرفاهية الشعوب في أوروبا والغرب بما قد يجدد فكرة اجتياح افريقيا مجددا مثلما حدث في القرن التاسع عشر. ذلك ليس غائبا عن الشعوب الثائرة في افريقيا لكن يعضد خطاها أن أوروبا ليست أوروبا الأمس وأن العالم يستشرف عهدا آخر متعدد الأقطاب لكنه في رأيي تعدد غير متجانس ولم يبلغ بعد مرحلة اكمال الشوط في منافسة الغرب. بالطبع يتيح تعدد الأقطاب مساحة للحركة الذاتية بذكاء وحنكة دون استبدال سيد بسيد آخر فعلي هؤلاء الشباب الثوار توخي الحذر وتحسس مواقع أقدامهم في زمن الأحابيل والحيل والذكاء الأصطناعي.
التهنئة موصولة للأخ البروفسور محمود عبد الرحمن الشيخ علي هذا السفر القيم وتمنياتنا له بموفور الصحة ليواصل جهده في إثراء المعرفة الإنسانية بالجديد المفيد.


السفير الدكتور الخضر هارون
واشنطن العاصمة الثلاثاء 22 رمضان 1445
الموافق 2 أبريل

(صدر الكتاب مؤخراً)

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی افریقیا

إقرأ أيضاً:

إبداعات|| الغريب الذي غيَّر مساري.. محمود الجوهري- القاهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في إحدى الليالي الشتوية الممطرة، وبينما كنت أعود بسيارتي إلى المنزل بعد يومٍ شاق في العمل، قررت أن أسلك طريقًا مختلفًا.. كان الطريق الذي اخترته مهجورًا، تحيط به الأشجار على الجانبين، ويكاد الظلام يبتلعه بالكامل، لم أكن أعرف لماذا قررت أن أسلك هذا الطريق بالذات، ربما كنت بحاجة إلى الهدوء، أو إلى بعض اللحظات التي أكون فيها بعيدًا عن ضجيج العالم.

بينما كنت أقود، شعرت بشيء غريب، ربما كان شعورًا بالوحدة أو ثقل يومٍ مليء بالقرارات والمشاكل، فجأة، تعطل المحرك وتوقفت السيارة تمامًا وسط الطريق حاولت تشغيلها مرارًا، لكن دون جدوى، بحثت عن هاتفي لأتصل بشخص ما، فقط لأجد أن البطارية قد نفدت، بدت اللحظة وكأنها تتحداني، وكأن العالم يريد مني أن أتوقف وأعيد التفكير في كل شيء.

خرجت من السيارة تحت المطر الخفيف الذي زاد من برودة الجو، وقفت هناك، أنظر حولي بلا أي فكرة عمّا يمكن أن أفعله، الطريق كان فارغًا تمامًا، إلا من صوت قطرات المطر وأوراق الأشجار التي تحركها الرياح، كان شعورًا غريبًا، كأنني الوحيد في هذا العالم.

بعد دقائق، ظهرت من بعيد إضاءة خافتة، كان هناك رجل يسير ببطء، يحمل حقيبة صغيرة، ارتدى معطفًا طويلًا وقبعة سوداء، تخفي ملامحه بشكل جزئي، اقترب مني بهدوء، وعندما أصبح قريبًا بما يكفي، لاحظت أن وجهه كان يحمل تعبيرًا غامضًا، مزيجًا من الحكمة والهدوء.

"تبدو في ورطة"، قال بصوت هادئ.. "السيارة تعطلت، وهاتفي بلا بطارية لا أعرف ما الذي يمكنني فعله الآن".. ابتسم وقال: "ربما توقفك هنا ليس مجرد صدفة أحيانًا، الحياة تعطينا لحظات كهذه لتُرينا شيئًا مختلفًا".

رغم غرابة كلماته، شعرت بالراحة، كان هناك شيء مطمئن في وجوده، وكأن حضوره يزيل بعضًا من التوتر الذي كنت أشعر به.. بدون أن ينتظر إجابتي، بدأ الرجل في فحص السيارة، تحرك بثقة وكأنه يعرف ما يفعل، بينما بقيت أنا واقفًا أراقب، بعد دقائق، رفع رأسه وقال: "المشكلة بسيطة، لكن عليك أن تنتظر قليلًا، المحرك بحاجة لبعض الوقت ليبرد".

جلس الرجل على حافة الطريق، وأخرج من حقيبته قطعة قماش صغيرة مسح بها يديه، نظرت إليه بفضول وسألته: "هل تسير دائمًا في هذا الطريق؟ يبدو مكانًا غير مأهول".. ضحك بخفوت وقال: "أنا هنا دائمًا، لكنني لا أرى أحدًا إلا نادرًا، هذا الطريق ليس لمن يبحث عن اختصار، بل لمن يبحث عن طريق طويل ليعيد التفكير".. كلماته بدت وكأنها تحمل معاني أكبر مما يقول، لكنها أثارت فضولي أكثر.

بينما كنا نجلس ننتظر، بدأ يحدثني عن حياته.. قال إنه كان يعيش حياة مزدحمة، مليئة بالعمل والسعي خلف النجاح، لكنه أدرك في لحظة ما أنه فقد نفسه في الزحام "كنت أركض طوال الوقت، أبحث عن المال والمكانة، لكنني لم أكن سعيدًا، حتى أنني لم أكن أعرف لماذا أفعل كل ذلك، الحياة ليست سباقًا يا صديقي، بل رحلة، وكل ما عليك هو أن تعرف كيف تستمتع بالمحطات".

شعرت وكأنه يتحدث عني، كنت قد قضيت سنوات في السعي وراء أهداف لم أكن متأكدًا من معناها، كل يوم كان يمر وكأنه نسخة مكررة من الذي سبقه.. سألته: "وكيف عرفت أنك بحاجة للتغيير؟".. قال: "عندما توقفت فجأة، تمامًا كما توقفت سيارتك الآن، تلك اللحظة كانت دعوة للحياة أن تقول لي: توقف، فكر، وابحث عن المعنى".

مر رجل آخر بدراجة قديمة، يبدو عليه التعب، لكنه توقف عندما رآنا "تحتاجون إلى مساعدة؟" سأل بصوت خشن.. "لا بأس، الأمور تحت السيطرة"، أجاب الغريب بابتسامة ودودة.

لكن الرجل بالدراجة لم يذهب، جلس بجانبنا وبدأ يشاركنا الحديث، قال إنه يعمل في الحقول القريبة، وإنه يمر من هذا الطريق كل يوم، بدأ يحكي عن حياته البسيطة.. لفت انتباهي تلك الجملة التي كانت نصلًا في روحي "السعادة ليست في الأشياء الكبيرة، بل في التفاصيل الصغيرة"، قال وهو ينظر إلى السماء الممطرة.

بعد حوالي نصف ساعة، حاولت تشغيل السيارة مرة أخرى، وعادت للعمل بشكل مفاجئ، شعرت بالارتياح وشكرت الغريب على مساعدته، لكنه لم يبدُ مستعجلًا للمغادرة، نظر إليّ وقال: "قبل أن ترحل، تذكر شيئًا: كل توقف هو فرصة. فرصة لتعيد التفكير، لتسأل نفسك: هل أنا على الطريق الصحيح؟"، ثم أضاف بابتسامة غامضة: "وأحيانًا، الأشخاص الذين تقابلهم في هذه اللحظات يكونون مجرد رسائل".

ركبت السيارة وبدأت في القيادة، بينما كان الغريب والرجل بالدراجة يلوحان لي، شعرت بشيء غريب، وكأنني غادرت مكانًا ليس مجرد طريق، بل محطة من محطات الحياة.

عندما وصلت إلى المنزل، جلست أفكر في كل ما حدث، الغريب، الرجل بالدراجة، الكلمات التي قيلت، أدركت أنني كنت أحتاج إلى تلك اللحظة، ليس لأن سيارتي تعطلت، بل لأن حياتي نفسها كانت بحاجة إلى إعادة تشغيل.

ومنذ ذلك اليوم، بدأت أتعامل مع الحياة بشكل مختلف، أصبحت أبحث عن المعنى في التفاصيل، وأتوقف عند كل لحظة لأفهمها "الحياة مليئة بالإشارات، لكننا نحتاج فقط إلى أن نفتح أعيننا لنراها".

مقالات مشابهة

  • إبداعات|| الغريب الذي غيَّر مساري.. محمود الجوهري- القاهرة
  • إبداعات|| "قلبي كتاب مفتوح".. د. حفني محمود الحساني - قنا
  • “أرحومة” يجتمع بمدراء بعض الشركات التي قدمت خدماتها للجنة الطوارئ لمدينة سبها ومدن الجنوب الغربي
  • اختتام فعاليات “الوثبة للزهور” في مهرجان الشيخ زايد
  • “بن قدارة” يناقش الصعوبات التي تواجه مستخدمي القطاع النفطي
  • “يونيفيل” تعبر عن قلقها إزاء الضرر الذي تسببه قوات العدو الصهيوني في جنوب لبنان
  • “المشري” يبحث مع ممثلين عن التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني عدد من الملفات السياسية
  • شاهد بالفيديو.. بعد وصوله لمليون متابع.. الممثلة السودانية الحسناء “هديل” تهدي زوجها “كابوكي” المقطع الذي يحبه
  • شاهد الفيديو الذي حظي بأعلى نسبة مشاهدات وتداول.. المئات من المواطنين بمدينة أم درمان يخرجون في مسيرات لاستقبال “متحرك” للجيش على أنغام الموسيقى الصاخبة