عربي21:
2025-02-27@09:54:38 GMT

هل يمكن توقّع «ترامب» في أيّام رئاسته الأولى؟

تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT

إذا انطلقنا من الحقائق التالية:
حروب أقلّ، وصراعات أقلّ حدّة مع الروس والصينيين، تعظيم الاقتصاد الأميركي، وإبقاء التحالفات في نطاق المردود الاقتصادي لها، مصالحات ومساومات مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة نفسها، والإبقاء على قاعدة دعم شعبية قوامها رفض منهجيّات وسياسات تدمير النسيج الاجتماعي الأميركي، ومعاداة موجات فكفكة الأسرة وقيم التمسّك بها.



إذا انطلقنا من هكذا مصفوفات سياسية وأيديولوجية حقيقية بقدرٍ ما، وليست ذرائعيّة أو تبريريّة، فإنّ الحزب الجمهوري في نسخته الترامبية، واستناداً على منطلقات وأُسس يمكن توقّع سياسات الرئيس دونالد ترامب في أيّامه الأولى، وهي الفترة التي تمتدّ إلى ما يقارب الثلاثة أشهر، أو ما تعرف بالأيّام المئة الأولى في العادات «الغربية» الدّارجة.

في هذه الفترة بالذات توضع أُسس وقواعد ناظمة، وأحياناً حاكمة لكامل الفترة الرئاسية، ولنصفها على الأقلّ، دون أن تحوّل تلك الأُسس والقواعد إجراء التعديلات والتصويبات التي تطرأ على الوقائع والأحداث كضرورات لا بدّ منها.

يرى البعض أنّ عدم «انضباطية» ترامب للأسباب المعروفة، وخصوصاً أنّه جاء من خارج المؤسّسات الرسمية في فترة ولايته الأولى، وجاء من حواف المؤسّسات الرسمية في الولاية الحالية، وليس من صميمها.. يعتقد البعض أنّ عدم الانضباطية هذه هي التي تحول دون القدرة على توقّعه.

الحقيقة بالنسبة لهذه الولاية، وخلافاً عن السابقة فإنّ مثل هذه القدرة على التوقّع أكبر وأعلى بكثير لأسباب سنأتي عليها، وخصوصاً فيما يتعلّق بالإقليم، بصرف النظر عن الطابع «الاستعراضي» الذي يميّز سلوكه الإعلامي، والذي من خلال «خلطه»، أي السلوك الإعلامي بجوهر السياسات وحدودها تتعزّز الصورة النمطية التي رُسمت في أذهان المتابعين من كونه شخصاً غير قابل للتوقّع، وأنّه يتقافز من مكان إلى آخر دون حسابات دقيقة، ودون رؤية العواقب، أو مراعاة الأصول والقواعد.

ما هي في ضوء هذه المقدمة المكثّفة القواعد الناظمة للرئيس الجديد؟ وإلى أيّ مدى يمكننا قراءة سياساته وطرائق تفكيره وسلوكياته على المستويات المختلفة؟

خلاصة «الفلسفة» الترامبية تتمثّل في أنّ ثمّة تناقضاً يكاد يكون من النوع التناحري بين الدور العالمي المهيمن عَبر الآليات التي باتت تقليدية للعولمة ما بعد تكريس القطب الواحد، أو الأوحد، وبين اطّراد نموّ الاقتصاد الأميركي إلى الدرجة التي تبقيه في حلبة التنافس من جهة، وتبقيه قادراً على تأمين متطلّبات النمو من جهةٍ أخرى. أقصد أنّ التناقض بات ما بين عظمة أميركا وقدرتها، أو بين أميركا العظيمة وأميركا العظمى.

هنا «فلسفة» ترامب بكلّ بساطة هي أنّ الأولوية في تحويل الوارد أوّلاً وقبل كلّ شيء إلى إعادة تعظيم الاقتصاد الأميركي حتى لا يكون الدور العالمي لها على حسابها، وحتى يتحوّل نموّ وعظمة الاقتصاد الأميركي إلى آليات متوازنة وليست متعارضة أو متناقضة ستؤدّي لاحقاً إلى الدور العالمي.
بطبيعة الحال هناك نقاشات «نظرية» عميقة حول هذه المفاهيم، وهناك من لا يرى أصلاً وجود هذا التناقض، وهناك من يرى أنّ هذه الأولوية ستطيح بالدور العالمي لأميركا وصولاً إلى حدود اللاعودة، وكيف أنّ الدور العالمي هو مصدر وخزّان الضخّ المباشر لقوّة ومكانة الاقتصاد، وللدور السياسي «الرائد» لها على المستوى العالمي.
ترامب منحاز بالكامل إلى أولوية أميركا
بصرف النظر عن هذا النقاش فإنّ الامر المؤكّد هو أنّ ترامب منحاز بالكامل إلى أولوية أميركا على دورها العالمي إذا جاز التعبير، ونحن هنا لا نتحدث عن الفصل المطلق.

وعلى هوامش وجوانب هذه النقطة الارتكازية الفلسفية يمكننا فهم سياساته الأوروبية مثلاً، أو الشرق أوسطية، وحتى يمكننا قراءة سياساته الاجتماعية وصولاً إلى «إدراك» مفاهيمه عن «الهجرة» والحدود وغيرها.

إذا أتيحت لنا الفرصة لمناقشة انعكاسات هذه القاعدة الارتكازية الفلسفية على سياساته في الحلبة الدولية، فسنفعل بقدر ما يتوفّر لدينا في وقائع ومعطيات، لكن السياسات الترامبية في الشرق الأوسط هي ما تهمّنا الآن، وهي التي تحظى باهتمام الناس، واهتمام دول الإقليم، واهتمام الحالة الوطنية الفلسطينية على وجه التحديد والخصوص.

في أغلب الظنّ أنّ الرئيس القادم سينفّذ وعوده الانتخابية لعتاة «اليمين» الأميركي من مؤيّدي «اليمين» الإسرائيلي بالموافقة على ضمّ القسم الأكبر من الكتل الاستيطانية دون أيّ تعويض يُذكر، أو «بتعويضات» شكلية، والموافقة على السيطرة الإسرائيلية الكاملة على شريط حدودي بعمق نسبي صغير، وذلك بالنظر إلى ضيق المساحة الجغرافية المتاحة على المناطق، أو من المناطق المتاخمة لـ»الخط الأخضر»، وسيكون هذا هو مفهوم ترامب للضم، وستكون هذه هي حدوده، وسيصار إلى دمج المستوطنات من خارج الكتل الكبيرة بأشكال معيّنة لكي تصبح جزءاً لا يتجزأ منها. وهذا هو الحدّ الأعلى الذي سيوافق عليه لاعتبارات كثيرة جُلّها مرتبط بحالة وتوازنات ومتطلّبات «القبول والتقبُّل» لسياساته وتصوُّراته في العالم وفي الإقليم.

باقي «المناطق» سيُصار ــ كما أرى ــ إلى وضع ترتيبات بموافقة إقليمية أوّلاً، ودولية ثانياً، وإسرائيلية ثالثاً، بحيث يتمّ «إدماج» قطاع غزّة بالضفة الغربية بشروطٍ سياسية وفنّية متوافق عليها من المستويات الثلاثة، وبحيث تكون العلاقة الجديدة، الأردنية الفلسطينية هي الإطار الذي يمنع أو يحدّ من تحويل «باقي المناطق» إلى دولة فلسطينية ذات سيادة، ولكن، وفي نفس الوقت يتم تجاوز حالة «الحكم الذاتي» المحدود على السكان، تحظى بدرجة معيّنة من السيطرة على بعض الموارد منسجمةً ومستمدّةً من نفس الإطار الأردني الفلسطيني الجديد.

لا يهمّ أبداً إعطاء وصف سياسي دقيق لهذا الإطار، ولا يهمّ أبداً الاسم الذي سيعطى لهذا الإطار بقدر ما يهمّ أن تتمّ عملية تسويق هذا «الحل» باعتباره الحلّ النهائي، لأنّ في إطاره ــ على ما يبدو - ستتمّ الإشارة، وستوضع البرامج والتصوُّرات «لحلّ» قضية اللاجئين في الجانب الفلسطيني من «الإقليم» الجديد، وفي نفس هذا الإطار ــ على ما يبدو، أيضاً ــ ستتم الإشارة، ووضع الترتيبات التي تتعلّق بالقدس.

وسيتمّ ترتيب مسألة «الحدود» والأمن بتعاونٍ «إقليمي»، وربّما بمشاركة رمزية دولية، وبمساهمة مباشرة من قبل الجانب الفلسطيني المعني بالتعاون الوثيق والموثّق مع الجانب الأردني.

واضح أنّ هكذا تصوُّر ربّما يكون مقبولاً من الرسمية الفلسطينية، وربّما يحتاج إلى المزيد من البحث في الجانب العربي الإقليمي، وربّما الجانب الأردني قبل كلّ طرف أو جانب، لكن المؤكّد أنّ «الموافقة» الإسرائيلية تحتاج إلى «ترويض» قد لا يتمكّن ترامب من فرضه بسرعة وبالكامل.
والسؤال الذي يبرز هنا هو:

هل سيقبل «اليمين» الفاشي بـ»الانضباط» إلى مثل هذا التصوُّر تحت طائلة الانقلاب عليه؟
وهل يقبل ترامب أن يبدو «ضعيفاً» للاستجابة الكاملة لـ»ضغوط» هذا «اليمين»، ويدير ظهره بالكامل لمواقف العالم والإقليم؟

وما هي حدود «التمرّد» الإسرائيلي، وما هي البدائل التي يمكن طرحها لإحباط هذا التصوُّر، أو لبناء موانع واعتراضات «عملية»، بما فيها الحروب الجديدة، والمغامرات الجديدة لهذا «اليمين»؟

وهل سيفكّر هذا «اليمين» بإقامة «دولته الخاصّة» في «يهودا والسّامرة» لإحباط المخطّط الترامبي أو لقطع الطريق على أيّ كيانيّة وطنيّة فلسطينيّة من أيّ نوعٍ كانت؟

أو بعبارةٍ أُخرى، هل ستصل الأزمة الداخلية الإسرائيلية إلى مستوى الصراع العلني بين دولة الشريعة اليهودية والدولة الليبرالية الإسرائيلية؟.. هذا ما يحتاج إلى معالجات قادمة ومنها التصوُّرات الترامبية للإقليم كلّه.

الأيام الفلسطينية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة الترامبية الولايات المتحدة غزة الاحتلال الضفة ترامب مقالات مقالات مقالات من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد صحافة سياسة من هنا وهناك سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصاد الأمیرکی الدور العالمی

إقرأ أيضاً:

ندوة حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

نظمت اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في دولة الإمارات، بالتعاون مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، وبمساهمة فكرية من المعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن، فعالية عامة حول الماضي والحاضر والمستقبل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أقيمت الفعالية، الثلاثاء، في مقر الأكاديمية، وهي الأولى ضمن سلسلة من 6 فعاليات ستُعقد بين فبراير ويونيو 2025.
وتأتي هذه السلسلة، استكمالاً للنجاح الذي حققته الجولة الأولى من 7 مناقشات عُقدت خلال عام 2024، والتي شهدت حضور أكثر من 700 مشارك من مختلف القطاعات، وأكثر من 20 متحدثاً من الأكاديميين وصانعي السياسات وممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وخلال الجلسة، تناول المتحدثون التاريخ الفريد والمكانة الخاصة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الوثيقة التي صيغت واعتمدت عام 1948 عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما ناقشوا كيفية تحقيق التوازن بين المبادئ العالمية واحترام التنوع الثقافي والأيديولوجي أثناء صياغة الوثيقة.
وأوضح المتحدثون، أن الوثيقة صيغت من قبل لجنة دولية، وشارك في صياغتها شخصيات بارزة من مختلف أنحاء العالم، وشهدت المناقشة المفتوحة التي أعقبت الجلسة طرح العديد من الأسئلة حول المبادئ الأساسية للوثيقة، وأهمية التنوع في الشخصيات التي أسهمت في صياغتها.
وتحدث السفير الدكتور إبراهيم سلامة، المدير السابق لفرع هيئات معاهدات حقوق الإنسان في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عن كيفية تسليط الاعتبارات التاريخية، الضوء على التحديات المعاصرة التي تواجه منظومة حقوق الإنسان المعقدة، مشدداً على الحاجة إلى تعزيز التنسيق وكسر الحواجز لتحقيق مزيد من التماسك في هذا المجال.
ومن أبرز النقاط التي تمت مناقشتها، تفنيد الفكرة القائلة بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو إطار معياري يعكس المفاهيم الغربية فقط.
وأكدت الدكتورة فيكتوري ستيوارت-جولي، كبيرة الباحثين في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أن العديد من المساهمات الأساسية التي تم دمجها في الإعلان جاءت من شخصيات بارزة.
من جانبه، قدّم الدكتور كيليتشي أكوبويزي، المستشار الفني الأول للأمين التنفيذي للجنة حقوق الإنسان في نيجيريا، وجهة نظر مهمة حول غياب الصوت الإفريقي في ذلك الوقت.
(وام)

مقالات مشابهة

  • المتحولون جنسيا خارج الجيش الأميركي خلال شهر
  • البنتاغون تقرر فصل العسكريين المتحولين جنسيًا من الجيش الأميركي
  • النواب الأميركي يقر مسودة للموازنة مصممة لتنفيذ أجندة ترامب
  • النفط الأميركي يتراجع إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل
  • دياب لـ سانا: قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات يمثل خطوة إيجابية نحو إعادة بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار في سوريا لكون قطاع الطاقة أحد الأعمدة الأساسية التي يمكن أن تسهم في إعادة إعمار سوريا
  • ندوة حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
  • الكرملين يرحب بالموقف الأميركي «المتوازن» بشأن أوكرانيا
  • وزير الخزانة الأميركي يصف الاقتصاد الأميركي بـالهش
  • تصريحات ترامب تعكس التحول الأميركي الكبير من الحرب الأوكرانية
  • ترامب: محادثات اقتصادية كبرى مع روسيا.. ما الذي يجري خلف الكواليس..!