«لبنان 2024».. حرب ودمار من دون رئيس
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
أحمد مراد (بيروت، القاهرة)
أخبار ذات صلة «يونيفيل» تدعو لانسحاب إسرائيل من لبنان في الوقت المحدد قصف إسرائيلي يستهدف لأول مرة منذ شهر شرق لبنانلم يكن عام 2024 على لبنان أحسن حالاً، فقد ظلت الأزمات تراوح مكانها مع استمرار المعاناة، بل تضاعفت تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل حاد، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية لملايين اللبنانيين، لا سيما مع تصاعد حدة الصراع بين «حزب الله» وإسرائيل منذ سبتمبر 2024.
وتجسدت أولى الأزمات التي عانى لبنان من تداعياتها خلال عام 2024 في استمرار الفراغ الرئاسي الذي دخل عامه الثالث منذ نوفمبر الماضي، حيث تدير البلاد حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة، غير قادرة على اتخاذ قرارات ضرورية وحاسمة في عدة ملفات.
ومع استمرار شغور المنصب الرئاسي، تعطلت واحدة من أهم الاستحقاقات الدستورية المتمثلة في الانتخابات البلدية التي كان من المقرر أن تُجرى في مايو 2022، ولكن تم تأجيلها إلى مايو 2023، ثم تم تأجيلها للمرة الثانية إلى مايو 2024، وتأجلت للمرة الثالثة إلى مايو 2025، في ظل تدهور مستوى الخدمات المحلية والبلدية بشكل غير مسبوق، إضافة إلى وجود العديد من البلديات المعطلة والمنحلة، وهو ما يُجسد واحدة من أبرز الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها اللبنانيون.
ووسط تفاقم الأزمات التي يُعاني منها لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، جاء التصعيد العسكري بين إسرائيل و«حزب الله» منذ 23 سبتمبر 2024، وشن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية برية في مناطق الجنوب اللبناني، وهو ما دفع نحو 1.5 مليون لبناني إلى النزوح من الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، وأسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية عن سقوط وإصابة آلاف ومحو قرى بشكل كامل، وذلك قبل الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر.
اقتصادياً، واجه لبنان في عام 2024 تحديات كبيرة في ظل معاناته من أزمة مالية طاحنة، لا سيما مع انهيار الليرة اللبنانية وفقدانها أكثر من 90% من قدرتها الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد، وتراجع احتياطيات مصرف لبنان، وتجاوزت خسائر القطاع المصرفي 70 مليار دولار، وانخفض الناتج المحلي بنسبة 50%، وهو ما جعل 80% من اللبنانيين تحت مستوى خط الفقر.
وأظهر تقرير للبنك الدولي في ديسمبر، انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنحو 6.6% ليصل الانخفاض التراكمي منذ عام 2019 إلى أكثر من 38%، وانكماش النشاط الاقتصادي بنحو 5.7%، وهو ما يعادل خسارة 4.2 مليار دولار.
تداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان، ومن قبلها تشابك الأزمات السياسية والاقتصادية أدت في مجملها إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في لبنان بشكل حاد، فبحسب تقديرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولي فإن هناك 2.5 مليون شخص كانوا يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، وهو ما يعادل 40% من السكان.
وأوضحت الكاتبة والمحللة السياسية اللبنانية، ميساء عبد الخالق، أن 2024 كان عاماً صعباً وقاسياً على لبنان، حيث لم يسلم أي قطاع أو أي فئة من تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد ضاعفت الهجمات الإسرائيلية من حدة تداعيات هذه الأزمات، ما جعل ملايين اللبنانيين يُعانون من أوضاع معيشية صعبة للغاية، وأن بعض المنظمات الأممية والدولية تُصنف لبنان كواحدة من بؤر الجوع الساخنة في العالم.
وذكرت الكاتبة اللبنانية في تصريح لـ«الاتحاد» أن العام القادم، 2025، قد يشهد انفراجة لأزمة «الفراغ الرئاسي» عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويتبع ذلك خطوات مهمة في سياق مواجهة بقية الأزمات التي يُعاني منها لبنان، وبالأخص تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: لبنان أزمة لبنان لبنان وإسرائيل جنوب لبنان أزمة لبنان الاقتصادية الأزمة اللبنانية الاقتصاد اللبناني وهو ما
إقرأ أيضاً:
قتل ودمار وحرق.. هذا ما خلّفه الاحتلال في مخيمات طولكرم
طولكرم– بالكاد وجدت السيدة ماجدة أبو مريم طريقا إلى منزل عائلتها في مخيم طولكرم، واستطاعت أن تجتاز أكواما من التراب المتراكمة أمام المنزل وتدخل إليه، لتبدأ بعد ذلك بعملية تفقد واسعة وجمع ما تبقى من أثاث المنزل المهدم يمكّنها من استمرار العيش فيه مجددا.
وخلَّفت العملية العسكرية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مخيمي طولكرم ونور شمس للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، واستمرت لأكثر من 40 ساعة، حالة من الدمار والخراب الكبيرين للبنية التحتية، وثمانية من الشهداء بينهم سيدتان وعديد الجرحى.
واستخدمت إسرائيل طيرانها المسيَّر والحربي في قتل بعضهم، بينما قتل آخرون برصاص الجنود خلال الاقتحام.
جانب من الدمار الذي لحق بمخيم طولكرم (الجزيرة) مرة تلو أخرىماجدة أبو مريم (62 عاما)، التي كانت قد غادرت منزل عائلتها بوسط المخيم، حيث كانت تعيش وحدها، غادرت إلى بيت شقيقها هربا وخوفا من اقتحام جنود الاحتلال للمنزل والاعتداء عليها، ولكنها ما لبثت أن عادت إليه بعد أن انسحب جيش الاحتلال.
بيدها أشارت ماجدة إلى المنزل المدمر مدخله بالكامل والمحترق من الداخل، وقالت للجزيرة نت "هذه المرة الخامسة التي يتعرض بها المنزل للدمار، أخذت جرافات الاحتلال بطريقها مدخل المنزل وجدرانه وحتى الأثاث دمر ولم يعد يصلح لشيء".
رغم معاناتها، صبَّرت ماجدة نفسها بعد أن شاهدت ما حلّ بجيرانها ومنازلهم التي لم تعد تصلح للسكن نهائيا، بل إن المكوث فيها يعرضهم للخطر، بعد أصبحت آيلة للسقوط.
إعلانكان محمد عثمان أحد جيران ماجدة قصة وحده، فقد هدمت جرافات الاحتلال سلم الدرج الوحيد الواصل للطابق العلوي الذي يسكنه، وأصبح محاصرا داخله، ولا يعرف كيف ينزل، خاصة وأنه يعاني إعاقة حركية في رجله بفعل كسور أصابته.
المواطن بسام عوفي يحاول إصلاح مدخل متجره ليواصل عمله (الجزيرة) عنوان الاجتياحواختلف هذا "الاجتياح" كما يطلق عليه أهالي المخيم عن سابقه من عمليات عسكرية كثيرة شنها جيش الاحتلال، فقد أحدثت آليات الاحتلال وجرافاته العسكرية تدميرا كبيرا بشوارع المخيمين وطرقاتهما الداخلية بين الأزقة، وطال التدمير مسجد المخيم وعشرات المنازل، وكذلك خدمات البنية التحتية من خطوط ماء وكهرباء واتصال أيضا.
كما أحرقت الكثير من المنازل لا سيما في مخيم طولكرم، وتركزت اعتداءات الاحتلال على المحال التجارية والمؤسسات الخدماتية للمواطنين، التي تعد مصدر دخلهم الوحيد، إضافة لإجراءات عسكرية انتقامية تمثلت في اقتحام البيوت وتفتيشها وإجراء التحقيقات الميدانية مع أصحابها واقتياد بعضهم كدروع بشرية للتنقل بين أزقة المخيم.
وآخرون اعتدى عليهم جنود الاحتلال بشكل وحشي "ووضعوا رؤوسهم في المراحيض"، كما حال الشاب "إسلام" الذي التقته الجزيرة نت وهو عائد من عيادة المخيم بعد أن تلقى العلاج وضمَّد الطبيب رأسه بفعل جروح أصابته جراء ذلك.
ومثل كثير من المواطنين، لا سيما أصحاب المحال التجارية، سارع الخمسيني بسام عوفي، وبواسطة معوله الخاص، لإزالة ركام التراب من أمام متجره الخاص ببيع الألبان وإبعاده قدر الإمكان عن الثلاجات حيث تتكدس البضائع هناك.
ويقول عوفي، بينما كان يحاول إصلاح محله مثل العشرات من أصحاب المتاجر غيره، إنه لم يعد به طاقة لإحصاء مرات وتكاليف الدمار الذي يلحق به مع كل اجتياح، غير أنه أكد للجزيرة نت أن خسارته الكبيرة جدا "ليست بالطبع مثل جيراني الذين هدمت متاجرهم بالكامل".
إعلانالمسنة نعيمة السعدي (أم أحمد) لم تكن أفضل حالا، فالاحتلال أحرق مكتبة خاصة تملكها عائلتها وتديرها منذ 30 عاما، فقد أحرقت المكتبة بأدواتها من القرطاسية والمطبعة والأجهزة الإلكترونية وبعض الألعاب.
وتقول نعيمة (67 عاما) بينما كانت تجلس أمام مكتبة يافا في حارة "مربعة حنون" شمال مخيم طولكرم "هذه المكتبة أعتاش منها وزوجي وعائلتي المكونة من 6 أفراد، ومنها علمت أبنائي، وأدفع حوالي 300 دولار أميركي شهريا علاجا لزوجي الذي يعاني من غيبوبة منذ 7 سنوات".
نعيمة السعدي تجلس أمام مكتبتها التي أحرقها الاحتلال خلال اقتحامه مخيم طولكرم (الجزيرة) تبييض المخيماتوخطورة هذه الاجتياحات والعمليات العسكرية لجيش الاحتلال لم تعد تقف على التدمير والتخريب، بل بات الاحتلال يعمد لتهجير السكان منها لإنهاء قضيتهم السياسية الممتدة لعقود طويلة، وبات المواطنون مع كل اجتياح يفقدون الشعور بالأمن والأمان ما يدفعهم للنزوح من تلك المخيمات وهجرها.
وهذا ما يفسره حديث فيصل سلامة، رئيس اللجنة الشعبية للخدمات بمخيم طولكرم ومنسق فصائل العمل الوطني في مدينة طولكرم، ويقول للجزيرة نت إن مخيمي طولكرم ونور شمس تعرضا، خلال عامين حتى الآن لأكثر من 60 اجتياحا، تخللها تدمير 500 منزل بشكل كلي وأكثر من 5 آلاف دمرت جزئيا، ومئات المركبات، وفقد معظم السكان فيه عملهم، كما هو الحال بمخيم طولكرم الذي يعمل 80% منه داخل إسرائيل.
وأتت عمليات الاحتلال العسكرية على البنية التحتية بالكامل، فدمرت كل القطاعات الخدمية من طرقات وماء وكهرباء وصرف صحي وغيرها، وتسبب بخسارة قدرت بأكثر من 100 مليون دولار أميركي في المخيمين.
ويقول سلامة للجزيرة نت "الاحتلال يقوم بتجارب بالمخيمات في طولكرم، وكل اجتياح أصعب من سابقه، وهذه المرة زاد عنفا فأحرق المحال والمنازل والمؤسسات، وأصبح جزء كبير من هذه المنازل لا يصلح للسكن الآدمي"، وأضاف "يعمل الاحتلال على تأليب الوضع الاجتماعي والسياسي للسكان في المخيمات، ويريد خلق بيئة طاردة لهم منها".
إعلانومن 28 ألفا يشكلون عدد سكان مخيم طولكرم، وفق إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، أصبح يقطن في المخيم وفق سلامة 15 ألفا، وكذلك تراجع سكان مخيم نور شمس من 12 ألفا إلى 7 آلاف.
المقاومون أكدوا للجزيرة نت أنهم مستمرون وأنهم أفشلوا تحقيق الاحتلال لأهدافه عند كل اجتياح (الجزيرة) رد المقاومةوأمام ذلك كله، يرفض المقاومون في المخيمين التسليم بما يريد الاحتلال فرضه، وظهروا مجموعات وأفرادا بكامل عتادهم العسكري خلال جنازات التشييع للشهداء، وبين أزقة المخيم المغطاة بالقماش الأسود حماية لهم من الطائرات المسيّرة.
وبكلمات مقتضبة، تحدث بعضهم للجزيرة نت مؤكدين مواصلة مقاومتهم تحت كل الظروف، ويقول أحدهم رافضا الإفصاح عن اسمه "رسالتنا لجيش الاحتلال أننا ثابتون بأرضنا ولن نتراجع، وماضون على درب رفاقنا الشهداء".
وأضاف المقاوم "نحن جند لله، وموحدون من فصائل العمل الوطني والإسلامي من فتح وحماس والجهاد الإسلامي".
وعما أحدث الاحتلال بالمخيم من دمار وخراب، رد المقاوم بأن 40 ساعة من العملية كان جيش الاحتلال يقاتل بها من داخل آلياته العسكرية وعبر طيرانه الحربي "ولم يقاومنا وجها لوجه داخل الأزقة، وبالتالي هو لم ولن يردعنا، وقد أفشلنا مهمته، وكل مرة يقتحمون بها المخيم نقوى أكثر، وستظل المقاومة مستمرة طالما ظل الاحتلال يواصل إجرامه ضد شعبنا واحتلاله لأرضنا".