يمانيون../
ممّا لا شك فيه أن المواجهة الصاروخية والجوية التي تحصل اليوم تحت عنوان إسناد غزة والشعب الفلسطيني بين الوحدات اليمنية وبين جيش العدو الإسرائيلي، قد أصبحت تمثل حالًا غريبة من الناحية العسكرية. فقد خرجت بالكامل عن المنطق الشائع والمعروف في مسار الحروب، وتجاوزت ما هو مفترض في العلم العسكري، حيث من يملك القدرات الأعلى بين طرفين يتواجهان، تكون له الغلبة والفوز، ويسيطر بالنهاية ويحسم لمصلحته.

الغرابة في هذا المجال تكمن في أنه ومع الفارق الكبير في الإمكانات والقدرات، استطاعت الوحدات اليمنية أن تخلق لـ”إسرائيل” مشكلة مستعصية. فقد أظهرتها غير قادرة على حماية عمقها وداخلها ومستوطنيها، وضد طرف يبعد نحو ألفي كلم عن فلسطين المحتلة، فما هي أسباب نجاح الاستهدافات اليمنية الصاروخية والمسيّرة ضد الكيان من دون توقف، ومن دون قدرة “إسرائيلية” على منعها ومواجهتها بشكل كامل؟.

تتوزع هذه الاسباب عمليًا، بين الجغرافية إلى الميدانية فالتكتيكية والعسكرية، والتي يمكن تحديدها بالآتي:

بداية، جغرافية اليمن واسعة ومترامية الأطراف، بشكل من الصعب جدًا؛ لا بل من المستحيل، أن تنجح “إسرائيل” أو حلفاؤها الغربيون، في ضبط وحصر ومحاصرة قواعد إطلاق الصواريخ والمسيّرات اليمنية، والتي يقوم أهم عنصر في مناورة استهداف هذه المقذوفات الجوية، على التدخل والإطلاق عبر قواعد متحركة ومنتشرة على مسافات متباعدة مئات الكيلومترات، ومحصنة تحت الجبال العصية، والتي تتميز فيها أراضي اليمن، وخاصة محافظاتها الشمالية والغربية من صعدة مرورا بصنعاء حتى الحديدة.

من جهة اخرى؛ أبناء اليمن هم من الشعوب النادرة تاريخيًا، والذين عاشوا حربا عنيفة وواجهوا عدوانا قاسيًا ولسنوات، وفي مواجهة قدرات جوية وصاروخية غربية من الأحدث عالميًا، وخبروا جيدًا مناورات المواجهات الصاروخية والجوية، دفاعًا وهجومًا، ويعد اليمنيون، اليوم، من الأوائل عالميًا، مقاتلين شرسين من الذين خاضوا أعنف المعارك وبأنواع الأسلحة كافة، وخاصة بالصواريخ وبالمسيّرات.

من بين الأسباب الأخرى، أيضًا، ثبات ونجاح اليمنيين في هذه المواجهة اليوم ضد “إسرائيل”، فهم يملكون، صناعة أو تطويرا أو استقداما من الخارج، أنواعًا ونماذج متقدمة جدًا من الصواريخ الباليستية الفرط صوتية وصواريخ “كروز” الجوالة ومن المسيّرات الأكثر تطورًا في العالم. وقد يكونون، أيضًا، الطرف الأقوى إقليميًا وعالميًا، الذين أفادوا من معارك حية على مدار سنوات، لتطوير وتحسين ميزات هذه الأسلحة وأدائها.

انطلاقًا من استعصاء الاستراتيجية “الإسرائيلية” في ضبط مناورة الاستهداف اليمنية للكيان …ومع هذه المروحة الواسعة من التأثيرات والتداعيات السلبية على نمط الحياة داخل “إسرائيل” بشكل عام … ومع انسداد كل خيارات “الإسرائيليين”، ديبلوماسيًا وعسكريًا، أمام الاستهدافات اليمنية، وخاصة إذا ما فكروا بالذهاب نحو الخيار المتهور والأخطر عليهم، والمتمثل بعملية واسعة ضد لأراضي اليمن، والتي يحكى لو حصلت لأنها ستكون مركبة بين الجو والانزالات البرية، حيث من الواضح للكثير من المتابعين والمحللين، وأغلبهم “إسرائيليون”، أن هذا الخيار حتما لا يملك أي نسبة من النجاح، ودونه صعوبات مخيفة في الخسائر البشرية لوحدات العدو…

لذلك كله، لم يعد لدى “إسرائيل”، إلّا الرضوخ للخيار الوحيد المتبقي لها، وهو القبول بتسوية تبادل وإنهاء العدوان على غزة.

العهد الاخباري – شارل أبي نادر

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

ورطة إسرائيل مع القوة التركية المتصاعدة في سوريا

سلط ضابط إسرائيلي رفيع الضوء على ما أسماه الخطر الذي يشكله تنامي نفوذ تركيا في المنطقة بعد أن تمكن الثوار السوريون من السيطرة على سوريا بعد إسقاط حكم بشار الأسد بمساعدة من أنقرة.

وفي مقاله في صحيفة معاريف دعا المقدم أميت ياغور، وهو النائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في مديرية التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس الساحة الشمالية في المخابرات البحرية، إلى مواجهة هذا النفوذ من خلال التعاون مع الولايات المتحدة عبر تفعيل "خطة مارشال" تشمل إعادة إعمار سوريا وتقديم الدعم المالي والاقتصادي من خلال تحالفات إقليمية ودولية.

تركيا.. القوة الصاعدة

وبدأ ياغور مقاله بمحاولة التهويل مما جرى في سوريا، معتبرا أن تركيا وقطر "تحاولان تشكيل نظام إقليمي جديد، ومنطقة قيادة ونفوذ لمحور الإخوان المسلمين السني المتطرف، الذي يحل فعليا محل محور المقاومة الشيعي الذي انهار بإخراج سوريا من المعادلة".

واعتبر الضابط الإسرائيلي أن الوجود التركي في سوريا يشكل تحديا غير مباشر لإسرائيل، يتعلق بقدرة تركيا على تجميع وتحريك قواتها العسكرية عبر الأراضي السورية، بما يهدد حدود إسرائيل سواء على مستوى الهجوم المباشر أو من خلال تمويل جماعات مسلحة معادية لإسرائيل.

إعلان

ويرى أن "هذا التهديد يزداد تعقيدا في ظل دعم تركيا لجماعات إسلامية متطرفة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تعتبرها إسرائيل تهديدا مباشرا على أمنها القومي".

وعن النفوذ الاقتصادي لتركيا، يشير ياغور إلى أن تركيا تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا حول تحديد الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط، وهو اتفاق سيسمح للبلدين بزيادة منطقة نفوذهما بحثا عن الطاقة، فضلا عن التعاون مع سوريا في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الموانئ.

وذكّر الضابط الإسرائيلي باتفاق مماثل وقعته تركيا مع ليبيا عام 2019 تم فيه ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مما سمح لسفن الأبحاث التركية بالتنقيب عن الغاز برفقة السفن العسكرية، حيث قدمت أنقرة في المقابل مساعدات عسكرية (أسلحة وطائرات بدون طيار ومستشارين عسكريين وقوات).

وربما الأهم من ذلك وفقا لياغور، أن من المرجح جدا أن تشمل خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضا إحياء الحلم التركي وتحويل تركيا إلى مركز لتسويق الغاز إلى أوروبا، حيث سيمر خط أنابيب الغاز من قطر، عبر أراضي البر الرئيسي السوري إلى تركيا، وصولا إلى ألمانيا التي وقّعت بالفعل اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر".

ويلفت ياغور الانتباه إلى أن هذا الطريق قد يكون منافسا لرؤية الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب ضمن صفقة القرن، والتي تتضمن تصورا لطريق بري جديد سيتم إنشاؤه من الشرق عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والذي من المفترض أن يمر عبر إسرائيل ومن هناك إلى أوروبا.

بديل عسكري أم مدني؟

وفي مواجهة التحديات التي يمثلها الوجود التركي في سوريا، يرى الضابط الإسرائيلي أن أمام تل أبيب عدة سيناريوهات، "السيناريو الأول الذي قد تطرحه إسرائيل هو معارضة الحكومة السورية الجديدة، واعتبارها "ذئبا في ثياب حمل"، بمعنى أن الإدارة التي ستحل مكان الأسد قد تكون خاضعة لنفوذ تركي قوي، مما يعرّض إسرائيل لخطر وجود محور سني متطرف يقوده أردوغان، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد طويل الأمد على حدودها، سواء عبر البحر أو البر أو الجو" على حد زعمه.

إعلان

وحسب ياغور، فهناك خيار آخر قد يفكر فيه صانعو القرار في إسرائيل، وهو الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة في محاولة للتأثير على صورة سوريا المستقبلية وضمان عدم هيمنة تركيا بشكل مطلق على المنطقة.

ويهدف "هذا السيناريو إلى إبطاء مساعي أردوغان في إقامة "أردوغانستان" إستراتيجي على حدود إسرائيل، ولكن هذا الخيار يحمل أيضا مخاطر كبيرة بما يخص الأمن الإقليمي".

ويضيف "رغم صعوبة كلا الخيارين، فإن البعض في إسرائيل يعتقد أن حياة المنطقة ليست بالأبيض والأسود، وأن هناك بديلا ثالثا قد يسمح لإسرائيل بالتحكم في مجريات الأمور بشكل أفضل، وهو مسعى يعكس التوجهات الأميركية في المنطقة".

إعادة الإعمار كأداة للنفوذ

البديل الثالث الذي يقترحه المقدم أميت ياغور هو استخدام "المدنية" كأداة للتأثير، وهي فكرة تتجاوز التوجهات العسكرية البحتة إلى لعب دور محوري في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، بالشراكة مع الولايات المتحدة ودول اتفاقيات أبراهام، مستفيدة من التمويل الاقتصادي والدعم السياسي في هذه المرحلة الحرجة.

ويمضي بالقول إن الولايات المتحدة قد تكون شريطا فعالا في هذه المبادرة عبر تفعيل "خطة مارشال" تشمل إعادة إعمار سوريا وتقديم الدعم المالي والاقتصادي من خلال تحالفات إقليمية ودولية. وهو ما يمكن إسرائيل من التأثير في عملية تشكيل سوريا الجديدة بما يخدم مصالحها على المدى الطويل".

ويضيف ياغور "إن إعادة الإعمار في هذا السياق ليست فقط مشروعا اقتصاديا، بل أداة إستراتيجية قد تعزز من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، مما يقلل من أهمية التدخلات العسكرية التركية".

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست”: “إسرائيل” أبلغت الولايات المتحدة بالهجمات على اليمن قبل تنفيذها 
  • “إسرائيل” تطلق اسم “نغمات الكرم” على هجوم اليمن
  • ورطة إسرائيل مع القوة التركية المتصاعدة في سوريا
  • القيم الاستراتيجية للعمليات اليمنية الأخيرة ضد أمريكا و”إسرائيل”
  • مصدر سعودي: الرياض لا تريد ان تتدخل في الحرب بين “إسرائيل” و”اليمن” 
  • “إسرائيل” تعلن سقوط مسيرة أطلقت من اليمن
  • الجبهة الشعبية تشيد بجبهة الاسناد اليمنية للشعب الفلسطيني
  • القيم الإستراتيجية للعمليات اليمنية الأخيرة ضد أمريكا و”إسرائيل”
  • العمليات العسكرية اليمنية تفاقم أزمة النقل الجوي في “إسرائيل”