مسيحيو سوريا قلقون بشأن مستقبلهم في ظل النظام الجديد
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
في مدينة دمشق القديمة، رفع أطفال يرتدون قبعات عيد الميلاد أعناقهم لمشاهدة الألعاب النارية في السماء فوق شارع مستقيم.
"عندما تعيش في خوف لسنوات عديدة ثم فجأة يختفي هذا الخوف، يبدو كل شيء جديداً. إنه أمر غريب"، هكذا قال ميلاد كنهير من مدخل متجر صديقه في المركز القديم للمدينة، الذي يقع بين العديد من كنائس المدينة العريقة.
وقال الشرطي السابق في حديث مع صحيفة "تايمز" البريطانية: "أنا متوتر بعض الشيء"، بينما كانت أجراس الكنائس تدق "ليس لدينا رئيس أو جيش لحماية الشعب".
وكان الحاكم الفعلي الجديد لسوريا، أحمد الشرع، المعروف باسم "الجولاني"، قد أكد زعيم جماعة "هيئة تحرير الشام" المتمردة التي أطاحت ببشار الأسد في وقت سابق من هذا الشهر، للمسيحيين والجماعات الأخرى أنهم سيكونون بأمان تحت حكمه.
وقام الشرع قام بقص لحيته واستبدال ملابسه العسكرية ببدلة عمل. وقال لمسؤولين غربيين إن هيئة تحرير الشام لن تسعى للانتقام من نظام الأسد العلوي أو قمع الأقليات الدينية. ومع ذلك، لا يزال العديد من المسيحيين متشككين في هذا الأمر.
يوم الاثنين، تم تداول شريط فيديو على الإنترنت لشجرة عيد الميلاد تحترق في مدينة السقيلبية ذات الأغلبية الأرثوذكسية اليونانية، شرق اللاذقية. جاء ذلك بعد تقارير الأسبوع الماضي عن قيام مسلحين بإطلاق النار على كنيسة أرثوذكسية يونانية في مدينة حماة، قبل دخولها ومحاولة سرقة الصليب.
Christians in Syria hope for freedom as the country has been taken over by a feared Islamist government – but for now, the Christmas spirit has overtaken political anxiety pic.twitter.com/nKZZ6iUxYZ
— i24NEWS English (@i24NEWS_EN) December 22, 2024 احتجاجاتوخرج المسيحيون إلى الشوارع احتجاجاً على ما ذكر مساء الاثنين. وساروا على طول الطرق القديمة المرصوفة بالحصى في منطقة باب توما، ممسكين بالصلبان وهم يهتفون "ارفع صليبك". في وقت لاحق، تم رفع المصاحف إلى جانب الصلبان في إظهار للوحدة حيث هتف الحشد "الإسلام والمسيحيين".
ومتجر عماد هو واحد من أفضل الأماكن لشراء زينة عيد الميلاد في المدينة القديمة. ومع ذلك، يتحدث بنبرة خائفة عن هيئة تحرير الشام: "يمكنهم التحدث كثيراً لكننا بحاجة إلى رؤية الإجراءات على أرض الواقع".
وأضاف: "المزيد من الناس يبقون في المنازل ما لم يكن من الضروري الخروج. نحن ننتظر لنرى".
وعدلت معظم الكنائس في المدينة القديمة جداولها لاستيعاب مخاوف الناس. وتم تقديم الخدمات التي تقام تقليدياً في منتصف الليل عشية عيد الميلاد إلى الساعة 5 مساء أو 6 مساء.
Syria's Christians fearful of new Islamist leaders as Christmas approaches https://t.co/wygnkBp63A
— The Straits Times (@straits_times) December 23, 2024ومع ذلك، لم يكن الجميع يشعرون بالحذر الشديد.
فقال القس بطرس زاعور، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية الوطنية في باب توما ونائب رئيس الطائفة بأكملها في سوريا ولبنان، إن مخاوف الناس لم تكن ناتجة عن القلق على سلامتهم، ولكن من عدم اليقين بشأن ما ينتظرنا.
تفاؤل حذر
جالساً خلف مكتبه مرتدياً طوقاً كتابياً وعلى وجهه ابتسامة كبيرة، يقول زاعور: "لست خائفاً، أنا متفائل"، مضيفاً أنه كان جزءاً من مجموعة من جميع الكنائس في دمشق تتواصل إلى هيئة تحرير الشام.
وتابع "سيكون عيد الميلاد هذا أكثر استرخاء بطريقة ما، حيث توجد الآن حرية وسهولة. نحن نتوقع حتى أن يأتي الضيوف من هيئة تحرير الشام إلى خدمتنا في يوم عيد الميلاد".
وعلى بعد حوالي 250 متراً من منبر زاعور، كان مقهى القشلا يطن بالبهجة الاحتفاليات، حيث جلست نساء يرتدين الحجاب الدمشقي الأبيض يتحدثن على القهوة أثناء تدخين الشيشة.
في العاصمة، يحب الناس المزاح بأن لا أحد يحتفل بعيد الميلاد أكثر من المسلمين. واتفقت فاطمة وحورية، وهما صديقتان مسلمتان من السنة وطلاب المعهد العالي لإدارة الأعمال، على أن عيد الميلاد كان مختلفاً هذا العام، لأسباب إيجابية.
If the gov't won't protect us, we will leave': Syrian Christians protest burning of Christmas treehttps://t.co/ls4DGziwTb
— Andrew Bostom, MD, MS (@andrewbostom) December 25, 2024وبالقرب من الساحة الأموية، في وسط دمشق، كان سوق عيد الميلاد على قدم وساق، حيث أحاطت أكشاك الطعام بالساحة، والتقطت العائلات صور "سيلفي" أمام الأضواء بينما كان فيلم يبث على شاشة كبيرة.
وبالعودة إلى الشارع المستقيم، بعد ومضات الألعاب النارية الساطعة، ركب شاب الشارع على حصان يلوح بعلم المعارضة السورية. وتبعته شاحنة صغيرة مليئة بمقاتلي هيئة تحرير الشام ووجوههم مغطاة، يرقصون على أغنية "جهادية" مع طائرات "إيه كيه-"47 إلى جانبهم.. هذا هو عيد الميلاد في سوريا الجديدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الجولاني ببشار الأسد هيئة تحرير الشام سقوط الأسد الحرب في سوريا الجولاني هيئة تحرير الشام هیئة تحریر الشام عید المیلاد
إقرأ أيضاً:
قالن.. الفيلسوف والموسيقار الذي قدم استشارات مهمة لهيئة تحرير الشام
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت قوات المعارضة السورية عملية عسكرية ضد نظام بشار الأسد، وتطورت بشكل سريع أربك العالم بأسره، لتتمكن خلال 11 يوما من الوصول إلى مركز دمشق.
سقط نظام عائلة الأسد الذي استمر 53 عاما في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 وأصبح جزءا من التاريخ.
وبينما ارتبكت الدول الكبرى في تحديد موقفها إزاء هذا التطور السريع والاستثنائي، أدلى زعيم حركة هيئة تحرير الشام أحمد الشرع بتصريحات مفاجئة وبدت مدهشة للكثير من الساسة والمراقبين.
وخلال 4 أيام فقط، عادت الحياة في المدن إلى طبيعتها. لم تكن هناك فوضى، ولا مجازر، ولا أعمال انتقام، وتكيّف الشعب مع الوضع الجديد بسرعة لافتة.
التصريحات الدبلوماسية لأحمد الشرع وخطاباته المطمئنة لفتت انتباه الساسة ووسائل الإعلام.
وما إن استوعب الناس التغيرات المتسارعة، حتى بدؤوا يتساءلون عما إذا كانت هيئة تحرير الشام تلقت استشارات من رجل دولة يملك خبرة كبيرة في التخطيط والتنظيم.
وفي الحقيقة، فإن هيئة تحرير الشام والمجموعات المنضوية تحت لوائها شهدت تغييرات فكرية وتحديثات سياسية عميقة في السنوات الأخيرة.
قالن ظهر بشكل مفاجئ في الجامع الأموي بدمشق (مواقع التواصل الاجتماعي) الصورة تسرد الحكايةوبينما كانت الدول تفكر في كيفية بناء علاقاتها أو تحديد مواقفها تجاه الإدارة الجديدة في سوريا، بدأت وسائل الإعلام في تداول خبر مفاجئ مفاده أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن، قد وصل بالفعل إلى دمشق.
إعلانجرت محاولات مكثفة للتحقق من الخبر عبر المصادر المتاحة، لكن تعذر الحصول على إجابة واضحة.
ولاحقا، تداول مواطنون سوريون مقطع فيديو التُقط في شوارع دمشق. أظهر الفيديو قالن وقائد سوريا الجديد أحمد الشرع، جالسين في مقدمة سيارة. كان الشرع هو الذي يقود السيارة، بينما كان قالن جالسا بجانبه.
مع ذلك، لم تكن اللقطات واضحة تماما، وبدأ الجميع يسعى للتحقق من صحة هذا المشهد المذهل.
لكن ما أنهى النقاشات حقا هو صورة نُشرت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تُظهر رجل العوالم الخفية داخل الجامع الأموي في دمشق.
وهكذا تأكد للجميع وجود رئيس الاستخبارات التركي في دمشق، وأنه أجرى سلسلة من اللقاءات والزيارات.
منذ تلك اللحظة، بدأت الأوساط السياسية تتحدث عن تأثير تركيا في الثورة السورية.
وبإرسال رئيس استخباراتها إلى دمشق، كانت تركيا -عمليا- توجه رسالة واضحة إلى العالم: "وجودنا لا يقتصر على إدلب وإعزاز وجرابلس بل نحن في قلب دمشق ونقف إلى جانب الثوار السوريين".
❗️ Jolani is driving Turkey’s National Intelligence Organization chief, İbrahim Kalın, around Damascus. pic.twitter.com/mW1Jxg0NXO
— War Observation (@WarObservation) December 12, 2024
من إبراهيم قالن؟الشخص الذي ظهر يبتسم في الجامع الأموي وفي شوارع دمشق لم يكن شخصا مجهولا، لقد كان أحد الوجوه التي تظهر بانتظام في وسائل الإعلام العالمية أثناء توليه منصب المتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان، وكانت تصريحاته تتصدر الأخبار في مختلف وسائل الإعلام، كما أن أعماله الفكرية تُقرأ في الأوساط الأكاديمية بأميركا وبريطانيا.
لكنه أصبح شخصا غير مرئي منذ أن دخل عالم الاستخبارات في منتصف عام 2023.
ولإبراهيم قالن ملف شخصي يزداد تعقيدا كلما تم الكشف عن جوانب مجهولة من شخصيته، مما يزيد من دهشة المراقبين.
إعلان"في الواقع، لم يكن لدي أي خطة للعمل في السياسة أو المناصب الحكومية. منذ صغري، كنت أرى نفسي باحثا أكاديميا. وكان حلمي دائما أن أكون كذلك في المستقبل. والحمد لله، تحقق جزء من هذا الحلم، أي أن لدي حياة أكاديمية أيضا".
ففي مقابلة مع وسائل الإعلام، وصف إبراهيم قالن مسيرته المهنية التي خطط لها بنفسه بهذا الشكل. ولكن الحياة ربما أخذته إلى مكان لم يكن يفكر فيه أبدا.
عائلته من مدينة أرضروم الواقعة في أقصى شرق تركيا والمشهورة بشتائها البارد وجبالها الشاهقة وأغانيها الشعبية.
أما هو فقد وُلد في إسطنبول عام 1971، ودرس في معاهد مختلفة في مدن متنوعة. ثم عاد إلى مدينته الأم للدراسة الجامعية، حيث درس التاريخ في جامعة إسطنبول. وخلال دراسته، كان يتابع التطورات السياسية عن كثب، وقرر أن يتبع مسارا أكاديميا في ذلك الوقت.
في شبابه، كان يعرف بتصرفاته الودية والأخوية مع محيطه، حيث كان يُظهر طابعا حانيا ومساعدا مثل الأخ الأكبر.
وفي عام 1992، بعد تخرجه في الجامعة، سافر إلى ماليزيا للحصول على درجة الماجستير، حيث قام بأبحاث في مجالي الفلسفة والفكر الإسلامي.
أكمل الماجستير حول فلسفة "ملا صدرا" في عام 1994. ثم عاد إلى تركيا، وبعد عام واحد سافر إلى الولايات المتحدة.
هناك، درس أولا في جامعة "هولي كروس" ثم في جامعة جورج تاون في مجال العلوم الإنسانية المقارنة والفلسفة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في موضوع "نظرية المعرفة للملا صدرا وإمكانية الإبستمولوجيا غير الذاتية".
مفترق طرق
وفي عام 2002، حصل على درجة الدكتوراه من هذه الجامعة. وفي تلك الفترة، شعر أنه أمام مفترق طرق في مسيرته.
في العام الذي حصل فيه قالن على درجة الدكتوراه من جامعة جورج تاون، كانت تركيا تشهد تحولا سياسيا كبيرا. فقد حقق رجب طيب أردوغان فوزا كبيرا في الانتخابات.
إعلانوبعد النجاح السياسي الذي حققه التيار الإسلامي، بدأ التحول الكبير في تركيا.
بدأ أردوغان إحاطة نفسه بمثقفين من التيار المحافظ وبالتكنوقراط والشباب الموهوبين. وكان إبراهيم قالن واحدا من هؤلاء الذين لفتوا الأنظار في الأوساط الفكرية بفضل مسيرته وخبراته.
عرض المسؤولون في حزب العدالة والتنمية على الدكتور إبراهيم قالن العودة إلى تركيا لتأسيس مؤسسة فكرية دولية والعمل على تقديم أفكار لتركيا.
ظل لفترة مترددا بين الاستمرار في مسيرته الأكاديمية في جامعة جورج تاون أو العودة إلى تركيا والدخول في غمار الحياة السياسية.
في النهاية، قبِل العرض وعاد إلى تركيا في عام 2005، وهو في الـ34 من عمره، حيث أسس مؤسسة "سيتا" (SETA) (مؤسسة دراسات السياسة والاقتصاد والمجتمع).
ومنذ ذلك الحين بدأ العمل عن كثب مع أردوغان الذي كان حينها رئيسا للوزراء، وأصبح لاحقا رئيسا للبلاد.
البيروقراطية والأكاديميةاستمر إبراهيم قالن في عملية القراءة والكتابة المنظمة التي بدأها خلال سنوات دراسته الجامعية، وكانت هذه العملية أكثر سهولة في فترة رئاسته لمؤسسة "سيتا".
ومع ذلك، عرض عليه مهمة جديدة ليقربه إليه أكثر. عندما أصبح أحمد داود أوغلو وزيرا للخارجية، تولى إبراهيم قالن مكانه ودخل فجأة في العمل السريع والمكثف في رئاسة الوزراء.
ومع ذلك، أصر على عدم ترك أعماله الأكاديمية، فنشر العديد من الكتب، وفي عام 2020 حصل على لقب بروفيسور.
يقول عن هذه اللحظة "لقد أصبحت بروفيسورا، لكنني لا أستخدم هذه الألقاب كثيرا. الألقاب هي إضافات تابعة للإنسان. الأهم هو الجوهر، أي الإنسان نفسه. الألقاب مهمة من حيث التقدير، لكن هذه الألقاب ذات طبيعة مهنية. أن تكون بروفيسورا ليس مهمة أكاديمية، بل إدارية. أما الألقاب، فبصراحة، هي أشياء تحجب هوية الإنسان الحقيقية ومعرفته".
بعد أن أصبح أردوغان رئيسا للجمهورية، صعد إبراهيم قالن مرة أخرى في مسيرته السياسية حيث حمل صفة سفير وتولى منصب المتحدث باسم الرئيس.
إعلانومنذ ذلك الحين، انخرط في عمل مكثف في مجالات الإعلام والسياسة والأكاديمية والدبلوماسية.
ومع ذلك، لم يهمل تأليف الكتب الفلسفية والفكرية، فقد نُشرت له كتب في الولايات المتحدة وبريطانيا وتُرجمت إلى العديد من اللغات.
"لدينا جدول زمني مكثف بسبب أعمالنا، ولكننا نحاول إدارة الوقت بشكل جيد. أرى فائدة الانضباط في القراءة والكتابة الذي اكتسبته من كوني أكاديميا. في عملنا، لا توجد مفاهيم مثل عطلة نهاية الأسبوع أو الليل والنهار. نحن مستعدون في أي لحظة حسب المهمة. وبالتالي، تم كتابة العديد من صفحات هذا الكتاب في الطائرات، وفي فنادق البلدان التي زرناها، صباحا باكرا يوم الأحد، أو بالبقاء حتى ساعات متأخرة من الليل. بعد أن بدأت العمل فعليا مع رئيس جمهوريتنا، حاولت تعلم بعض الأمور من قدرته على استخدام الوقت بشكل منظم لأنه شخص يستخدم وقته بشكل فعال للغاية".
ذلك مقتطف من كتاب أصدره قالن حديثا تحت عنوان "الإسلام، التنوير والمستقبل".
الموسيقار والمؤلف ورئيس المخابرات
في سنوات الدراسة الثانوية، بدأ قالن الاهتمام بالموسيقى التركية، وتعلم العزف على آلة الساز في تلك الفترة. كان معلمه في الموسيقى الأستاذ ميحات في مدينة ألانيا هو من علمه العزف على الساز وحبّب إليه الموسيقى.
لم يكتف قالن بتعلم العزف على آلة الساز بيده، بل قام أيضا بغناء الأغاني التركية.
في أميركا، أسس مع أصدقائه مجموعة موسيقية صغيرة، وأقاموا حفلات موسيقية. لم يقتصر الأمر على العزف على الساز فقط، بل عزف أيضا على آلة الناي، كما لحن أغاني تركية في تركيا، غناها فنانون مشهورون.
تأثر بكُتب الفيلسوف الشهير الفارابي حول نظرية الموسيقى. وشرح علاقته بالموسيقى قائلا: "علاقتي بالموسيقى والفن ليست مجرد هواية أو شيء أفعله لقضاء وقت فراغي. أنا أراها جزءا من تحقيق نفسي، ومن سعيي لفهم الوجود. لأنها أمور تغني روحي وتعطي المعنى لعملي. هي أمور أحاول القيام بها لأنها ذات قيمة وأهمية في حد ذاتها".
إعلانليس من المعتاد أن يصبح أستاذ الفلسفة رئيسا لجهاز الاستخبارات، ولكن مر العقدان الأخيران من حياة إبراهيم قالن في العمل المكثف في السياسة والدبلوماسية والأمن قرب الرئيس أردوغان.
لقد أصبح على دراية تامة بجميع الملفات الأمنية والدبلوماسية التي كانت تركيا طرفا فيها.
بعد أن أصبح رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان وزيرا للخارجية، تم تعيين إبراهيم قالن خلفا له في يونيو/حزيران 2023.
يقال إن هذا التعيين كان نتيجة لتأثير مسيرته البيروقراطية وكذلك الثقة الكبيرة التي نشأت بينه وبين أردوغان.
بعد أن أصبح إبراهيم قالن رئيسا لجهاز الاستخبارات، بدأ التعامل مع ملفات خطيرة. خاض معركة ضد حركات تصفها تركيا بالإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني، وتنظيمي الدولة والقاعدة، إلى جانب منظمة "فيتو" التي يقال إنها تتبع لجماعة فتح الله غولن.
وكان له دور نشط في مساعي وقف إطلاق النار خلال الحرب الإسرائيلية الوحشية المستمرة في قطاع غزة.
في تلك الفترة، تمكن من تفكيك شبكة كبيرة من العملاء التابعين للموساد في تركيا.
في الأول من أغسطس/آب 2024، نظّم في أنقرة ما يقال إنها أكبر عملية تبادل رهائن في التاريخ الحديث، حيث تم إجراء عملية تبادل سجناء بين 7 دول، بينها الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا.
بدأ إبراهيم قالن دمج جانبه الأكاديمي في آلية عمل جهاز الاستخبارات. كانت أولى خطواته هي تأسيس أكاديمية الاستخبارات، حيث تم إطلاق برامج دراسات أمنية واستخباراتية وجيوسياسية على مستوى الماجستير والدكتوراه، كما بدأت الأكاديمية نشر تقارير منتظمة حول قضايا الأزمات العالمية.
بهذه الطريقة، جمع قالن بين تكوينه الأكاديمي وعمله في الاستخبارات. ومع كل هذه الانشغالات، ألّف كتابا بعنوان "الإسلام، التنوير والمستقبل"، وهو أمر مفاجئ بالنظر إلى كثافة العمل الاستخباراتي.
إعلان
إشكالية الموازنة بين الأمن والحرية
تُعد قضية التوازن بين الأمن والحرية من أقدم المناقشات السياسية، وهي موضوع بالغ الأهمية لكل دولة.
وتركيا هي واحدة من الدول التي عانت من تجارب مريرة في هذين المجالين. فالدولة محاطة بالأزمات والإرهاب والهجرة، والحروب الأهلية تعصف بجيرانها.
وغالبا ما تؤدي هذه البيئة إلى تدفق كثيف للمهاجرين، وأعمال إرهابية، بل حتى لانقلابات العسكرية.
وفي ظل هذه التحديات، تزايدت حساسية تركيا تجاه الأمن وأصبحت مركزا لمناقشات حول تقييد الحريات.
وفي كتبه ومقالاته ومقابلاته، كان إبراهيم قالن دائما يبرز جانبه الديمقراطي، مشددا على التعايش المشترك، والعيش بسلام مع جميع الهياكل العرقية والدينية، والتأكيد على الديمقراطية.
والآن، أصبح وهو في رأس أهم مؤسسة في البيروقراطية الأمنية، الفاعل الرئيسي في هذه المناقشات.
ظهر قالن، رئيس جهاز المخابرات الوطني، مرة واحدة أمام الجمهور وألقى خطابا.
في الحفل الذي أقيم بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس جهاز المخابرات وإطلاق أكاديمية المخابرات، أعلن سياسته "بتوفير الأمن دون التنازل عن الحريات". وملخص هذا الموقف جاء في قوله: "الأمن من أجل الحرية".
ومن الصعب التنبؤ بمدى صعوبة تطبيق هذا الموقف في جغرافيا الشرق الأوسط التي أصبحت حلقة نارية، ولكن بدأنا نرى بعض التأثيرات في سوريا.
ومن المحتمل أن يظل إبراهيم قالن الفيلسوف والموسيقار والأكاديمي ورجل المخابرات محط اهتمام في المستقبل.