فرنسا: حكومةٌ تولد بعد طول مخاض ومأزقٌ سياسي ليس وليد الساعة فما هي أسباب الأزمة ومآلاتها؟
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
بينما كانت دورة الألعاب الأولمبية في باريس بمثابة فترة صيفية ساحرة، وقعت فرنسا تدريجيًا بين مخالب أزمة سياسية خطيرة، كما ترى الصحيفة السويسرية "Neue Zürcher Zeitung". على الرغم من أن المسؤول الرئيسي عن ذلك هو إيمانويل ماكرون، إلا أن المشاكل المؤسساتية ليست جديدة.
اعلانلم تنتهِ الأزمة بعد، لكن عام 2024 سيبقى مخلّدا في كتب التاريخ الفرنسية تقول الصحيفة.
وبعد طول مخاض، تم الإعلان عن حكومة جديدة برئاسة فرانسوا بايرو، ولتفادي الإغلاق الحكومي، تمت المصادقة في 18 ديسمبر الحالي على قانون خاص يضمن سيرة المصالح العمومية البرلمانية لتحرم البلاد الشهر المقبل من قانون للمالية وقانون تمويل الضمان الاجتماعي رغم وجود ديون ثقيلة، لا تنوي فرنسا تقليص نفقاتها.
عام 2017، اختارت اللجنة الأولمبية الدولية العاصمة الفرنسية لاستضافة الألعاب الصيفية. وفي نفس العام، منح الناخبون الفرنسيون أصواتهم لمرشح الرئاسة الشاب ممثلا في شخص إيمانويل ماكرون، الذي وعد بإصلاح النظام وجعل الاقتصاد أكثر تنافسية.
كان تنظيم هذه الألعاب الأوليمبية إنجازًا فذًا حيث بلغت كلفته حوالي 4.4 مليار يورو، مع فائض يقدر بـ 26.8 مليون يورو، ولكنه أفاد البلاد في سمعتها، ومع ذلك، وفي منتصف فترة ولايته الثانية، يجد ماكرون نفسه وسط ما تبقى من مشروعه السياسي وديون تصل إلى 3,228 مليار يورو أي زهاء 112% من الناتج المحلي الإجمالي.
أعضاء البرلمان اليساريون يغادرون بينما يلقي رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه خطابه في الجمعية الوطنية بالاثنين 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 في باريس. Michel Euler/2024 APوفجأة، أصبحت فرنسا ثاني قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي دولة ذات مشاكل مستعصية، فكيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟
ويوجّه المعارضون أصابع الاتهام إلى ماكرون باعتبار المسؤول عن هذا الفشل، ومع ذلك، فإن هناك ثلاثة عوامل رئيسية أدت إلى هذه الأزمة:
الانقسام السياسيحاول ماكرون الخروج من الثنائية التقليدية بين اليمين واليسار التي ميزت النظام الفرنسي منذ عقود، ومع ذلك، لم يتمكن من إقناع الناخبين بأنه مختلف عن سابقيه، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تناوب الاشتراكيون واليمين المحافظ على السلطة. ولكن، سرعان ما سئم الناخب الفرنسي من هذه الثنائية الأمر، وأصبح يصوت بشكل متزايد لليمين المتطرّف أو يمتنع عن التصويت.
زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تجلس في الجمعية الوطنية مع تحرك نواب المعارضة نحو التصويت بحجب الثقة من حكومة بارنييه، الاثنين 2 ديسمبر 2024 في باريس. AP Photoاقترح ماكرون مسارًا مختلفًا، مسارًا بدا أن غالبية الناخبين يطمحون إليه. ومع حزبه الجديد En marche، فاز بأغلبية مطلقة في البرلمان. ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين، من الواضح أن الرئيس وأنصاره فشلوا في الإقناع.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن حزب En marche (الذي تحول اسمه ل”النهضة“) لم يكن له ديناميكيته الخاصة. فقد كان دائمًا ”حزب ماكرون“. وكان كل من يحاول أن يغرّد قليلا خارج السرب ينتهي به الأمر إلى مغادرة الحزب. وعلاوةً على ذلك، استمر تقييم إيمانويل ماكرون وحكومته وفقًا للنمط القديم بين اليسار واليمين. وأصبح يُنظر إلى ماكرون على أنه ”رجل اليمين“، ثم أدار الناخبون الاشتراكيون السابقون ظهورهم له.
إيمانويل ماكرون يلوح بيده خلال اجتماع في باريس، الاثنين 17 أبريل 2017، قبل فوزه بالرئاسة كمرشح من خارج التصنيف التقليديChristophe Ena/ 2017 APوخسر بعدها الحزب، الانتخابات التشريعية المبكرة هذا الصيف، بينما تقدم حزب ”فرنسا الأبية“ بزعامة جان لوك ميلونشون من أقصى اليسار، وحزب ”التجمع الوطني“ بزعامة مارين لوبان من أقصى اليمين، فيما لا يزال الاشتراكيون والمحافظون موجودين وهم الذين كان يُعتقد أنهم غابوا عن المشهد بعد الانتخابات التي انتصر فيها ماكرون قبل سبع سنوات.
الأزمة الماليةورث الرئيس الفرنسي وضعًا ماليًا متدهورًا وعجْزًا هيكليًا، بينما كان يسعى لإجراء إصلاحات، وواجه تحديات اقتصادية كبيرة مثل احتجاجات "السترات الصفراء" وزيادة تكاليف المعيشة.
إن ديون فرنسا مشكلة هيكلية، فالفرنسيون مدينون لدولتهم بشكل خاص، وهم يساعدون على زيادة العجز العام، إذ عندما تسوء الأمور، يقع على عاتق الدولة حماية مواطنيها، وقد كانت الإصلاحات أقل بكثير من التوقعات.
مزارعون يتجمعون حول موقد نار أثناء تظاهرهم ضد معاهدة الاتفاق التجاري لميركوسور، الثلاثاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في ستراسبورغ، شرق فرنسا. Jean-Francois Badias/2024 APلم يكتف إيمانويل ماكرون بالإعلان عن الإصلاحات، بل قام بتنفيذها. كما أنه واجه في السنوات الأخيرة أزمات لم تقتصر على فرنسا. فقد صمد على الرغم من المعارضة الكبيرة لإصلاحاته بشأن سن التقاعد وإلغاء بعض الامتيازات لموظفي الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية.
كما حاول الوقوف في وجه ”السترات الصفراء“ التي هزت البلاد في خريف 2018. ومع ذلك، كان الغضب كبيراً جداً بسبب الزيادة في ضرائب الوقود والتضخم بشكل عام لدرجة أنه بعد بضعة أسابيع لم يجد إيمانويل ماكرون حلاً آخر سوى تخفيف الإجراءات التقشفية.
شخصية الرئيسيُنظر إلى ماكرون على أنه "رئيس الأغنياء"، مما أثر سلبًا على شعبيته وأدى إلى دعوات لاستقالته، إذ أنّ شخصية الرئيس هي أيضًا جزء من المشكلة. "رئيس الأغنياء، جوبيتر، ملك عصري غير مهتم بشعبه": هكذا ينظر الفرنسيون إلى رئيسهم الذي تراجعت شعبيته بشكل مطرد على مر السنين.
اعلانالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت ماكرون بعد الوقوف دقيقة صمت يوم الاثنين 23 ديسمبر/كانون الأول 2024 في قصر الإليزيه في باريسThomas Padilla/2024 APلذلك فإنّ معارضيه يطالبون باستقالته، وفي هذا الصدد، فإن إيمانويل ماكرون ليس استثناءً. وهنا تكمن المشكلة: لقد فشل في إقناع الفرنسيين بأنه مختلف حقًا عن أسلافه. فقبل بضعة أشهر فقط، كان يسعى إلى التواصل مع الفرنسيين ويتحاور ويبتسم أمام الكاميرات، لكنه كان يعطي الانطباع أحيانًا بأنه يعرف كل شيء أفضل من أي شخص آخر، وفي النهاية كان يفعل ما يريد، وفي كثير من الأحيان، لم يكن ذلك يتوافق مع ما كان يتوقعه الناس أو حتى المقربون منه. كان الاضطراب جزءًا من أسلوبه.
تدفع فرنسا الآن ثمنًا باهظًا لقرار رئيسها الأخير غير المتوقع، بعد انتصار حزب التجمع الوطني وهزيمة حزب النهضة في الانتخابات الأوروبية، دعا إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. ومع ذلك، لم تحقق هذه الانتخابات النتيجة المرجوة المتمثلة، الشيء الوحيد الواضح اليوم هو أن البلاد منقسمة، والفرنسيون غير راضين.
واليوم، يطالب معارضو الرئيس علنًا باستقالته، وإذا صدقت استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن معظم الفرنسيين لن يعارضوا استقالته بل سيرحبون بها.
استنتاجات حول الوضع الحالي
اعلانتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الفرنسيين لا يعارضون مغادرة ماكرون المفاجئة، إذ أثارت الانتخابات الأخيرة انقسامات عميقة داخل المجتمع الفرنسي، مما جعل النظام السياسي الذي عمل لعقود يتعطل اليوم. فالناخبون يطالبون بمزيد من التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية، لكن الحكومات تتوالى دون أي تغيير حقيقي.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمشي على مدرج المطار لدى وصوله إلى مطار أجاكسيو للقاء البابا الزائر، في جزيرة كورسيكا الفرنسية، الأحد 15 ديسمبر 2024. Ludovic Marin/APمن المؤكد أن إيمانويل ماكرون يتحمل بعض المسؤولية عن المأزق الحالي. ولكن بذور الأزمة كانت موجودة بالفعل، فقد اتسعت الفجوات في المجتمع الفرنسي إلى حد أن النظام السياسي الذي عمل لخمسة وخمسين عامًا قد انهار الآن. وكما هو الحال في البلدان الأوروبية الأخرى، لم يعد الناخبون يختارون أغلبية واضحة، إذ قد يكون الائتلاف هو الحل، ولكن الشعب لم يتعوّد على ذلك. يقول علماء السياسة وعلماء الاجتماع منذ سنوات إن الفرنسيين يريدون رأيًا أكبر في السياسة، لكن الحكومات تأتي وتذهب ولا يتغيرأي شيء.
Relatedبايرو يصفع طفلاً.. فيديو قديم يُشعل الجدل بعد تعيينه رئيسًا لوزراء فرنسا"فرنسا ارحلي".. مظاهرات في تشاد تطالب بسحب القوات الفرنسية بعد إنهاء الاتفاق العسكريمن هو فرانسوا بايرو، رئيس وزراء فرنسا الجديد؟يشكو الفرنسيون من الضرائب المرتفعة، وانعدام الأمن المتزايد في بعض الأحياء، والصعوبات التي يواجهونها في دفع فواتيرهم، والمشهد ”المروّع“ الذي تعرضوا له من قبل أعضاء مجلس النواب خلال الأشهر القليلة الماضية.
أثار انتخاب إيمانويل ماكرون آمالًا كبيرة، ليس فقط لأنه أطلق وعودًا كبيرة، لكن انتخابه قبل ثماني سنوات كان أيضًا تعبيرًا عن رغبة أغلبية الناخبين الفرنسيين الذين أرادوا تغييرًا حقيقيًا، لكنهم ما زالوا ينتظرون.
اعلانالمصادر الإضافية • Neue Zürcher Zeitung
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية سائق قطار سريع في فرنسا يقفز من قمرة القيادة وينتحر ليلة عيد الميلاد والسلطات تفتح تحقيقا في الحادث فرنسا: إنقاذ 240 شخصا في جبال الألب بعد أن بقوا عالقين في الجو بسبب انقطاع الكهرباء عن مصعد التزلج مايوت تحت وطأة إعصار "شيدو".. فرنسا تواصل إرسال المساعدات في ظل دمار غير مسبوق أزمة سياسيةفرنساإيمانويل ماكروناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة وهجوم إسرائيلي واسع على اليمن يعرض الآن Next يورونيوز نقلا عن مصادر حكومية أذرية: صاروخ أرض جو روسي وراء تحطم الطائرة في كازاخستان يعرض الآن Next من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأمريكيون بهوياتهم الأصلية؟ يعرض الآن Next كله إلا سارة.. نتنياهو ينتقد وسائل الإعلام دفاعًا عن زوجته: ارتكبوا جريمة اغتيال معنوية خطيرة بحقها يعرض الآن Next لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والاستراتيجية ولا يمكن السماح بانهيار سوريا اعلانالاكثر قراءة فرنسا: إنقاذ 240 شخصا في جبال الألب بعد أن بقوا عالقين في الجو بسبب انقطاع الكهرباء عن مصعد التزلج أردوغان يهنئ الشعب السوري على رحيل "الأسد الجبان الذي فرّ" ويحذر الأكراد من استغلال الظروف غواتيمالا: السلطات تستعيد عشرات الأطفال والنساء من قبضة طائفة يهودية متشددة كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى 38 قتيلا و29 ناجيا هجوم روسي ضخم بالصواريخ الباليستية على قطاع الطاقة في خاركيف وإحباط محاولة اغتيال في روسيا اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحايابشار الأسدقطاع غزةعيد الميلادروسياكازاخستانوفاةسورياتركياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أذربيجانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: ضحايا بشار الأسد قطاع غزة عيد الميلاد روسيا كازاخستان ضحايا بشار الأسد قطاع غزة عيد الميلاد روسيا كازاخستان أزمة سياسية فرنسا إيمانويل ماكرون ضحايا بشار الأسد قطاع غزة عيد الميلاد روسيا كازاخستان وفاة سوريا تركيا أبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أذربيجان إیمانویل ماکرون یعرض الآن Next فی باریس ومع ذلک رئیس ا
إقرأ أيضاً:
أفضل أفلام الرعب عام 2024 علم النفس يخبرنا أسباب نجاحها
يمكن إطلاق لقب "عام الرعب" على 2024 سواء على المستوى الواقعي أو السينمائي، وذلك بأحداث عالمية شديدة المأسوية، واتجاه سينمائي واضح لإنتاج أفلام الرعب التي تلاقي النجاح على الصعيد التجاري، كما لو أن المتفرج العادي يتجاوب مع هذه الأفلام حتى يتناسى الرعب الذي يعيشه كل يوم.
وفي هذه القائمة جمعنا بعضا من أفضل أفلام الرعب العالمية المعروضة هذا العام والتي رغم أن الرعب -كنوع فيلمي (Gener)- هو المظلة الواسعة التي تضمها، فإن لكل منها خصوصية معينة في نوعها الفرعي، وهو ما يدفعنا لاستكشاف نوع الرعب السينمائي بصوره ونغماته المختلفة، وذلك بالاستعانة بعلم النفس التطوري، وهو فرع مستجد في علم النفس يدرس الجذور البدائية لأفلام الرعب، وقد كتب عنه "كارول أل فراي" مؤلفا بعنوان "الجذور البدائية لسينما الرعب" وصدر بالعربية عام 2021.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأرباح الذهبية.. نجوم هوليود الأعلى دخلا في 2024list 2 of 2لماذا يعد "رامايانا" أكثر أفلام بوليود انتظارا؟end of list المادةفيلم "المادة" (The Substance) من إخراج كورالي فارجيت ويدور في إطار من الخيال العلمي والرعب حول ممثلة ناجحة للغاية تتراجع شهرتها بعدما بلغت 50 عاما، وبدأت في فقدان جمالها وشبابها بالتدريج، ويأتي لها حل ذهبي يتمثل في تناول عقار دوائي يصنع منه نسخة أخرى أكثر شبابا، ولكن بجانب مثل كل الاتفاقات الأخرى المماثلة هناك شرط واحد على البطلة ونسختها الفاتنة اتباعه، وهو أن لكل منهما أسبوعا واحدا فقط، ثم تخلد إلى النوم مثل الأميرة النائمة لأسبوع آخر، وهكذا بالتبادل بينهما، ومرة أخرى مثل كل هذه الاتفاقات يخل أحد الطرفين به مما يؤدي إلى نتائج كارثية.
الملصق الدعائي لفيلم "المادة" (مواقع التواصل)يقدم "المادة" الرعب من وجهة نظر "تَمَثُّل الاستحالة" أو التحول الجيني، حيث يقترح علم النفس التطوري أن هناك ما يشبه جرس الإنذار بداخل الإنسان يحذرنا من تلوث وفقدان إرثنا الجيني، وفي هذا الفيلم سعي نحو الشباب الدائم بتناول العقار أو "المادة" مما يحول البطلة في النهاية من إنسانة إلى مسخ، في تحذير واضح من الانغماس في ثقافة الإجراءات والعمليات التجميلية خلال السعي للشباب الدائم.
إعلان بيتلجوس بيتلجوسيجمع "بيتلجوس بيتلجوس" (Beetlejuice Beetlejuice) لتيم بيرتون بين الرعب والكوميديا في تتمة للفيلم الذي حمل نفس الاسم الذي عرض في ثمانينيات القرن الماضي، مستكملا أحداث الجزء السابق. وبعد مرور هذا العدد الكبير من السنوات، أصبحت فليديا ديتز الآن خمسينية وابنتها مراهقة في نفس سن شخصيتها بالجزء الأول، وتعود لمنزل الأشباح بعدما توفي والدها فتجد في انتظارها الشبح الشرير "بيتلجوس" الذي يحاول الزواج منها رغما عن إرادتها مستخدما حيله السحرية.
فيلم "بيتلجوس بيتلجوس" (الجزيرة)وبالعودة إلى علم النفس التطوري نجد أن هذه الثيمة ترجع إلى "تَمَثُّل التزاوج في الرومانسية القوطية" وهي الرومانسية ذات طابع الرعب الذي يميل للنظر للعالم بشكل سوداوي وحزين مع احتفاء زائد بالموت، وهي الصفات التي تنطبق على "ليديا" البطلة وابنتها "أستريد" غير أن الفيلم يغير من هذا التمثل لأن الزواج هنا هو الفخ الذي تهرب منه ليديا وليس الهدف الذي تسعى إليه.
لا تتحدث بشر"لا تتحدث بشر" (Speak no evil) نسخة أميركية من فيلم دانماركي بنفس الاسم، من إخراج جيمس واتكينز، وتدور الأحداث حول عائلة أميركية تعيش في بريطانيا حيث يعاني الأب بن دالتون من إحباط شديد من حياته، وبينما تقضي الأسرة عطلتها بمنتجع إيطالي صغير يقابلون عائلة بريطانية تحيا في الريف، وبعد صداقة سريعة تتلقى أسرة دالتون دعوة لزيارة المنزل الريفي لبادي وزوجته وابنه، وهناك يكتشفون أن تلك الدعوة ليست مبطنة بالنوايا الحسنة، خصوصا بعد ما تغير سلوك رب الأسرة ليصبح مخيفا للغاية.
الملصق الدعائي لفيلم "لا تتحدث بشر" (الجزيرة)ويفسر علم النفس التطوري الرعب في أفلام مثل "لا تتحدث بشر" إلى "تَمَثُّل الآخر" بأنه الرعب الذي ورثه الإنسان من أسلافه البدائيين حول الرعب والخوف وكراهية من ننظر إليهم بارتياب. وللتقسيم الأولي لـ"نحن" و"هم" بالفيلم لدينا وجهتي نظر مغايرتين في الحياة بشكل عام، بين العائلتين الأميركية والبريطانية، بما تحمله هذه الفروقات الثقافية من عادات وتقاليد مختلفة، وتم استخدام هذا الارتياب لزرع أول بذرة للرعب، قبل أن يتطور إلى أحداث مخيفة حقيقية.
إعلان قارة"قارة" (Continente) فيلم برازيلي أرجنتيني من إخراج ديفي بريتو، يبدأ بعودة البطلة أماندا من خارج البلاد إلى قريتها البسيطة في البرازيل لظروف احتضار والدها الذي دخل في غيبوبة كاملة، غير أن هناك الكثير من التفاصيل التي نسيتها أماندا عن القرية خلال غيابها 15 عاما، منها وضع والدها كأهم شخصية في البلدة، والحاكم الآمر الذي يطيعه الكثيرون، الأمر الذي ظنته في البداية لسطوته أو نفوذه وأمواله. لكن خلال الأحداث تبدأ الشكوك تتصاعد بداخلها -وداخل المتفرج- حول علاقات القوة التي تحكم هؤلاء الفلاحين البسطاء بالإقطاعي الثري، فهم يجنون عندما يحتضر، ويطالبون ابنته باحتلال مكانه مهما تطلب الأمر، حتى وإن تحولت إلى نوع عجيب من مصاصي الدماء.
ويمكن قراءة فيلم "قارة" عبر "تَمَثُّل الإقليمية" وهو الذي يتناول السلوك الإقليمي حول رقعة من الأرض تُحتَل بتوظيف القوة أو دون توظيفها ودائمًا ما تحتوي على مورد دائم والإقليم في الفيلم يتمثل في البلدة الصغيرة، والمورد الدائم هنا متبادل بين السكان والإقطاعي المتحكم. فبينما هم يعملون في أراضيه ويكدحون بمقابل محدود، يتحكم هو فيهم بشكل شرير ومرعب فيظنون أن مص دمائهم المجازي والحقيقي هو أسمى ما قد يصلون إليه، ولا يتخيلون حياتهم بدونه.
ويشير الفيلم كذلك بشكل متوار إلى الإقطاع في البرازيل وتحكم أصحاب رأس المال والأرض في الفقراء بشكل يجعلهم لا يرون أن هناك خيارات أخرى أفضل في الحياة، فيسعون إلى الاستبداد بأقدامهم.
لا تتركني أبدايدور "لا تتركني أبدا" (Never Let Go) في منزل منعزل تحيا فيه أم وابناها التوأم، وتؤكد هذه الأم على أن العالم بالخارج يسكنه الشر، لذا عليهما البقاء دوما متصلين بالمنزل بحبل، ولا يخرجان إلا في ظروف خاصة، وإلا لمسهما الشر مثلما لمس جديهما ووالدهما أيضا وباقي البشر.
الشر في "لا تتركني أبدا" يمكن إرجاعه طبقا لعلم النفس التطوري لـ"تَمَثُّل المفترسين" والذي يمكن تلخيصه بثيمة "شيء ما هنا يتربص بنا وهو ليس بشرا" سواء كان هذا الشيء وحشا كاسرا أو فيروسا قاتلا لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، أو الفضائيين الأشرار الذين يصطادون البشر أو كما في فيلم "لا تتركني أبدا" وهو "الشر" غير محدد الهيئة.
فيلم "لا تتركني أبدا" (الجزيرة)ويخمن المختصون بعلم النفس التطوري أن همسات الصيادين من أجدادنا مازالت تتردد في عقولنا قادمة من إرثنا الجيني، لذلك يتجاوب مخ المتفرج مع هذا الرعب تجاه الكائن الشرير المجهول.
إعلانويتيح تحليل هذه الأفلام -من وجهة نظر علم النفس التطوري- فهم أسباب نجاح أفلام الرعب عاما بعد عام، حيث تداعب داخل عقول المتفرجين مخاوف أجدادنا البدائيين، والتي لم تطمسها الحضارة والتعليم حتى اليوم ومازال لها بقايا تتجاوب مع الرعب الذي نشاهده على الشاشة.