فى أثناء شرح المعلم الدرس يتقدم طالب ويطلب بابتسامة خجولة ان يبسط معلمه يديه أمامه، يطيعه وهو فى حالة استغراب ولكنه يفعل، وفى أقل من ثانية يضع بين راحتيه قطعة من الشيكولاتة الصغيرة، يبتسم المعلم متصورا انه يريد ان يشكره عن شرحه الوافى بطريقته، ولكن سرعان ما يتدفق تلاميذ المعلم نحوه كل يضع ما يجود به مصروفه من قطع الحلوى وزجاجات المياه الغازية الصغيرة، وحتى أكياس الشبيسى الملونة فى تظاهرة حب وتقدير لمعلمهم، فيحاول المعلم ان يتماسك ولكن تمتلئ عيناه بالدموع تأثرًا بهذا الحب الجارف من طلابه.
هذا المشهد الاستثنائى الذى يجتاح موقع التواصل الاجتماعى الشهير «التيك توك» منذ عدة أيام حتى وصل ان يكون «ترند» تقريباً فى كل محافظات مصر، يعيد مرة أخرى قيمة إنسانية كبيرة فى تصورى افتقدناها منذ سنوات بعيدة ، تعلى من قيمة المعلم ومدى تأثيره في طلابه وقدرته فى اكتشاف مواهبهم ومناطق النور والإبداع لديهم، فهم بهذا الفعل البسيط يريدون ان يرسلوا رسالة للمجتمع مفادها: نحن نحب معلمنا فهو يساعدنا على تحقيق أحلامنا.
ولا أعرف إذا كان هذا التكريم العفوى والبسيط اختراعًا مصريًّا إنسانيًّا انتشر كالنار فى الهشيم عبر موقع «التيك توك» الشهير، أم نحن من استحضرنا التجربة فى محاولة لرد الجميل والقيمة للمعلم، فقد تابعت فيديوهات بالطقس الطلابى نفسه داخل الفصول وفى حرم الجامعات فى تونس ولبنان وحتى فى الدول الغربية.
المشهد لا يتعدى الستين ثانية بالضبط ولكنه كان قادرا على ان يطهر ذاكرة أجيال سابقة تحترم المعلم وتقدر قيمته ولكنها وقعت ضحية أعمال سينمائية وتليفزيونية تصور المعلم بالشخص الانتهازى الذى لا هم له غير جمع المال من الدروس الخصوصية.
ماذا لو أتيح لى أن أعود بالزمن وأشارك فى أحد هذه الفيديوهات المبهجة احتفالًا «بالمعلم»؟ من ستسعفنى الذاكرة لكى أطلب منه ان يبسط يديه فأقوم بتقبيلها امتنانًا وعرفانًا؟
الإجابة عن تلك الأسئلة صعبة، فالقائمة طويلة وكم من عراب ومعلم كان بالنسبة إليَّ بقعة ضوء تتحرك فتشع علمًا وثقافة ونصائح للحياة والعمل، أتذكر جيدًا أبلة «سميحة» معلمتى فى خامسة وسادسة ابتدائى، تلك المعلمة الفاضلة بملامح وجهها الأبيض المريح وقامتها القصيرة وهى تشرح لنا دروس اللغة العربية وتحببها إلينا بأسلوب بسيط وسلس.
أما فى الصفين الأول والثانى الإعدادى فكانت أبلة «فاطمة» الممتلئة الجسم والحنان والطيبة، تدخل الفصل فتنادى باسمى واسم زميلتى العزيزة التى لم أرها منذ أيام الجامعة «هناء شاكوش» مطالبة باقى الزميلات بأن يقرأن موضوع التعبير الخاص بى وبهناء فى إعجاب وحماس.
تزدحم الأسماء فى ذهنى ولكن تظل جملة أبلة «ناهد» معلمة الفلسفة والمنطق فى ثالثة ثانوى عالقة حينما أشادت بتفوقى فى مادتها متنبئة لى بأن أكون فى المستقبل مثلها مدرسة فلسفة شاطرة.
تأتى مرحلة التشكيل والتكوين لنعرف فى اى طريق سنسير فى هذه الدنيا، وأى معانٍ نبيلة سنعتنقها بداخلنا، تقفز فى الذاكرة على الفور معلمتى الأهم والأثيرة إلى قلبى متعها الله بالصحة والسعادة الدكتورة «عواطف عبدالرحمن» أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، التى كانت جارتنا فى بيت والدتى فى وسط البلد قبل انتقالها منذ سنوات للإقامة فى الجيزة، كان يفصل بين حجرتنا أنا وأخواتى وحجرتها حائط ، أوقات كثيرة قضيتها معها فبابها مفتوح لنا طول الوقت، هى من جعلتنى أعشق أفريقيا، وأعرف لأول مرة معنى الوطن الضائع فلسطين، ولا أنسى ثقتها بي وأنا مازلت فى بداية عملى بالصحافة، فأتمنتنى على سيرتها، وقمت بتسجيل أكثر من خمس وعشرين ساعة معها، حكت لى فيها ذكريات طفولتها وسنوات الزواج والعمل بالجامعة، لتخرج هذه الساعات على شكل أدب السيرة فى كتاب بعنوان «صفصافة».. و«صفصافة» بالمناسبة هى أخت جدتها الضريرة، والتى كانت معلمتها الأولى فى الحياة.
أخيرًا هناك من رحل ولم أستطع ان أرثيه بكلمة واحدة من شدة حزنى وفقدى له، وهو أستاذى ومعلمى الجميل الحاضر الغائب «حازم هاشم» الرئيس الأسبق للقسم الثقافى بجريدة الوفد، الذى عملت تحت إشرافه محررة فى الصفحة أكثر من سبعة عشر عامًا، معلمى «حازم هاشم» لو قال لى أحد فى يوم ما إننى أكتب جيدًا فأنت صاحب الفضل فى ذلك.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ترند المعلم موقع التواصل الإجتماعى التيك توك ترند
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: البحث عن البحث
وكنفاني يكتب عن رجل ينقل الماء بالصهريج .. عبر حدود غزة مع إسرائيل …
وغيره ممنوع من العبور
وللعبور الرجل يجعل مجموعة من الشباب داخل الصهريج …. وفيه ما يكفي من الهواء حتى يعبروا
لكن الجنود الإسرائيليين/ أصدقاء الفلسطيني صاحب الصهريج/ يركبونه بالدعابة والهزل … وكلما أراد العبور حبسوه أكثر
ثم يفلت
ويفتح الصهريج ليجد أنهم قد ماتوا
كنفاني يحذر من أي تعامل مع العدو…
ولا تفرح .. فنحن لا نسمع الصايحة
…….
ومن فلسطين ذاتها حكاية حقيقية عن شقيقين
الأصغر منهما يقارب الجنود الصهاينة على الحدود ويخدمهم
وذات يوم يحذرهم من أن أحد الشباب سوف يقوم بتهريب أسلحة
وأن الشاب هذا هو شقيقه
وبالفعل يضبطون الشقيق ويعدمونه
كان هذا بالاتفاق بين الشقيقين
والهدف هو كسب ثقة الجنود
والشقيق يكسب الثقة
وبعدها الشقيق / الذي ما عادوا يفتشونه/ يقوم بتهربب شحنة من المتفجرات
هي ما استخدمها الشقيق هذا لنسف بص مشحون بالجنود داخل تل أبيب
…….
وجندي من جيشنا يقاتل الدعم عند بوبة سلاح المهندسين .. وزملاؤه الخمسة يستشهدون لكنه يقاتل وينسف خمس ناقلات للدعم .. ويهربون
…..
بطولة؟ نعم لكن لا تبتهج فنحن لا نشارك إلا بالهتاف….
……
وعالم التفاهات هو….
من نعجب بهم هم نجوم الكورة…الغناء….نجوم الكذب….نجوم ال….ال
..والنموذج هو.. نجوم قحت..
و ضجيج الحرب يحذفهم .. ثم؟
ثم يعودون …. فالآن نجوم الدرهم الإماراتى يطلون بأعناقهم مجددًا… ويتسللون إلى اللجان التى تقوم بالتنظيم والإعمار….
واقرأ كتابات وفيديوهات من يزعمون أنهم يدعمون الجيش
والبحث عن البحث…عنوان الحديث نعني به أن الحاجة الأعظم الآن هي…غربال…. نفرز به جراثيم الخراب هذه…
ما نبحث عنه ليس هو روشتة العلاج…. ما نبحث عنه لبناء السودان القادم هو…..معرفة ( المرض ذاته)
المرض الذى جعلنا نطرب لقحت…. ونطرب للإعتصام…ونطرب لخمس حكومات مابين 2020 و 2023
ونطرب للسفه الذى يهتف ما عندنا جيش
ونطرب لحل جهاز الأمن ونطرب لحل شرطة المجتمع … ونطرب لإعلان الشذوذ الجنسى ووزيرة ووزارة لذلك
وأحد المثقفين حين يحدثه أجنبي عن ضرورة الشذوذ والحرية يقول له
: لكن ما قلت لى أنت راجلك منو
وأنت متوقع تلد قريب؟
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب