خالد فضل

يلملم العام 2024م أيامه الأخيرة ليطوي من روزنامة الأعوام صفحاته الإثني عشر . بما مضى وليس فيه تجديد . ذات المتاهة التي خبرها الناس في السودان عام إثر عام منذ أنْ رفرف لهم فوق السارية (عنوان) لو دقق الناس في تفاصيل سنواتهم الطويلة 69سنة بالضبط , لألفوا أنّ  أحد عشر عاما فقط (مارس72_مايو1983م) هي الفترة الوحيدة تقريبا التي لم تُشرع فيها بنادق الحكومة ضد بنادق بعض ابناء الوطن على نطاق واسع , في شكل حرب مستمرة ضد ما يُسمى (التمرّد).

وحتى سنوات السلام تلك تخللتها معارك لثلاثة أيام في الخرطوم بين قوات الجيش وقوات الجبهة الوطنية المعارضة (الإخوان المسلمون, حزب الأمّة , الحزب الإتحادي الديمقراطي) في يوليو 1976م وبطبيعة حال الأنظمة العسكرية الديكتاتورية التي سيطرت على سبع وخمسين سنة  من سنوات الإستقلال , ظلّت الدعاية المستمرة ضد المعارضين بوصفهم خونة وعملاء ومرتزقة ومخربين , لم يوصفوا أبدا بأنهم معارضون لنظام الحكم . وقد ظلّت المفارقة كذلك حاضرة طيلة هذه العهود المظلمة من تاريخ القمع والإستبداد والحكم العسكري ؛ تتمثّل في أنّ ما من معارض أطلقت عليه صفات الذم كلها في مرحلة إلا وعادت ذات الجهات الحكومية تنعته بصفات المواطنة الصالحة , والوطنية القُحة , بل وتأهيله لتولي المناصب الرفيعة والمسؤوليات العظيمة في نفس دولاب الحكم . حدث هذا من أيام جوزيف لاقو وأنانيا الأولى  في عهد ديكتاتورية المشير النميري وإلى وقت أبوعاقلة كيكل الآن في ظل ديكتاتورية (البرهان/كرتي) ! لقد فقدت صفات القدح والمدح معناها , وباتت مثل القميص يُلبس ويُخلع حسب المزاج . أتصوّر لو أنّ صفة (معارض) فقط قد أُستخدمت في وصف المخالفين لتوجه السلطة , لكان في ذلك تمرين جيّد للشعب وتربية حسنة للأجيال المتلاحقة  , وتدريب ديمقراطي بحيث يقرُّ في أذهان الناس معنى الحكم والمعارضة , وهذا يجنّب البلاد شرور الإنزلاق المستمرنحو الهاوية بفضل خطاب الكراهية وتجريد الآخر من كل فضيلة , ومن ثمّ رفعه بدون مقدمات إلى مراقي التبجيل , حتى ليخال للناس أنّ صفات القدح تستخدم  رافعة نيل المدح.

ها هو العام 2025م يطلّ , والحرب تدخل عاما ثالثا بتوالي السنوات , وشهرها الحادي والعشرين بحساب الايام , وقد توقفت تقريبا مساعي وجهود وقفها , وصارت الدعوات خفيضة متناثرة هنا وهناك .لقد سئم العالم من بلد شيمة حكامه العسكريين الرفض  لكل مسعى للسلام , بلد يقوده  من هم أقصر قامة عن بلوغ مراقي الحكم , وسيلتهم العنف وطريقهم الإنقلاب العسكري عن طريق المؤسسة المتخصصة في الإنقلابات وتفريخ المليشيات  وممارسة أفظع الإنتهاكات . تلك هي الحقيقة المجرّدة لمن يروم طلبها .

تلوح في الأفق دعوات تكوين سلطة موازية , دعنا نمضي مباشرة للقول ؛ في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع . وتحت حمايتها , فهل ستكون أقلّ وطنية  من حكومة وزيرها  ذاك , ومليشياتها تتدرّب وتخرّج عناصرها في دولة مجاورة   !! ما الحق الذي يستند إليه البرهان ,هل هو  الإنقلاب ؟  وهل الإنقلاب فعل سلمي راشد منتخب لتصحيح مسار الثورة  ؟ أم هو مثل الحرب استحواز بالقوة على حقوق الآخرين , سلطة بفوهة البادق . بل الأدهى وأمر مباشرة شؤون الحكم بطريقة استفزازية , بقصر الخدمات الروتينية للدولة في نطاق هيمنة قوات مسلحة متعددة المليشيات وحرمان من هم خارج نطاق سيطرتها من تلك الخدمات النقدية والتعليمية والوثائق الثبوتية وتوصيل المعونات الإنسانية .هل مطلوب من المواطنين المصنفين أعداء  أنْ يهللوا ويكبروا لكل براميل مفخخة تهبط على رؤوسهم جزاءا وفاقا , وأنْ يمتدحوا إتهامهم بموجب قانون الوجوه الغريبة  أو يصفقوا طربا لمنشورات النائب العام وكروته السياسية ضد المعارضين للحرب الساعين للسلام !  سجل الدعم السريع موغل في الهمجية والانتهاكات , هذا صحيح لكنه مع ذلك يساوي في ظلمه وانتهاكه بدون فرز وقد قيل المساواة في الظلم عدالة . .                                              هل  هو الخوف من تقسيم السودان ؟ وهل كان السودان موحدا حتى يُخشى تقسيمه ؟ أم هي وحدة القمع والقهر والحروب المستمرة ؟ في الحقيقة الآن وقبل تشكيل حكومة الدعم السريع المزمعة توجد سلطات مدنية تدير شؤون الناس  في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق, وبعض مناطق جبل مرّة , فما هو التقسيم إذا كانت تلك هي الوحدة ؟                                   أنّ سلطة يقودها حميدتي و التعايشي و الهادي إدريس والطاهر حجر  تعادل سلطة البرهان والكباشي والعطا وجابر وعقار ؛ إذ جميعهم كانوا أعضاء مجلس السيادة الإنتقالي , فلا شرعية لمجموعة منهم تزايد بهاعلى الآخرين .إن أردنا الحق , صاحب الشرعية الوحيد من كل هؤلاء هو (التعايشي) , فهو من جاءت به الوثيقة الدستورية الأصل , وانقلب عليها الأخيرون في أكتوبر2021م. ولعل تجميد عضوية السودان في الإتحاد الإفريقي بموجب دستوره ؛ تقدّم أسطع دليل على عدم دستورية مجلس السيادة عقب الإنقلاب بمن فيهم حميدتي و الهادي وحجر . يبقى موضوع الشرعية غير ذي جدوى في هذه الحال . ولكن يمكن السؤال ماذا يمكن أن تفعل ؟

فهل  يمكن أن تعلن مباشرة استعدادها لإبرام إتفاق شامل , و وقف لإطلاق النار من جانب واحد _إلا في حالة الدفاع عن النفس_ لفترة محددة . فتح جميع الممرات لتوصيل المساعدات الإنسانية بوساطة المنظمات وتحت حمايتها , العمل مع الأمم المتحدة وكل وكالاتها وهيئاتها المعنية بما في ذلك برنامج تصنيف مرحلة الأمن الغذائي المتكامل .دعوة لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان والتعامل معها . التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية . منح الأوراق الثبوتية لجميع السودانيين دون تمييز . تأسيس نظام قضائي ونيابي بالتعاون مع الأمم المتحدة حتى يلبي مواصفات العدالة كما أقرتها مواثيق حقوق الإنسان .عقد تفاهمات مشهودة مع حركة جيش تحرير السودان /عبدالواحد , والحركة الشعبية شمال/الحلو يضمن على الأقل معاهدة عدم إعتداء  والتعاون في المسائل المشتركة بما يمكن من تطويره لإتفاق شامل يمكن أن تنضم إليه بقية اقاليم السودان . عقد مؤتمر أهلي شامل لجميع مكونات أقاليم سيطرتها لا يستثني أحدا  للخروج بعقد إجتماعي  للعيش المشترك ويوقف خطاب الكراهية و الحزازات الإثنية والقبلية والعنصرية والجهوية ويجرّمها. تأسيس جهاز شرطة مدنية وجهاز أمن ومخابرات مهني إحترافي تحت سيطرة السلطة المدنية . العمل على تنظيم وهيكلة وإصلاح قوات الدعم السريع  ودمج كل الفصائل لتكون جيش مهني موحد بالإستعانة بالخبرة الدولية في هذا المجال ودعوة الأمم المتحدة للإشراف على تلك الخطوات .فتح الابواب أمام التعاون الإقليمي والدولي في مجالات الإستثمار وتنمية وتطوير البنى التحتية والثروات المهولة في تلك الأقاليم . توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة مجانا . حرية التعبير والتنظيم السلمي وتكوين المنظمات السلمية وفقا لقوانين ديمقراطية ودعوة كل التنظيمات السياسية لعقد مؤتمر قومي تمهيدا للمؤتمر الدستوري .  كفالة حرية السفر والتنقل دون عوائق في داخل الإقاليم . إنشاء سلة عملات مختلفة للتعامل الإقتصادي والتجاري . وغير ذلك من مهام يمكن أن تؤديها .  فهل يمكن أن يكون ذلك طريق للجم تهوّر ومكائد الفاسدين من سدنة النظام المباد الذين أشعلوا الحرب , ويقودونها لحرق كل البلاد إنتقاما من الشعب الذي أعلن جهرا رفضه لحكمهم البغيض , أم على أسوأ الفروض تصبح كما قال القدال عليه الرحمة  مقتبسا الحكمة الشعبية (الممطورة ما بتبالي من الرش ) , تساؤلات مطروحة للنقاش , وسيد الرايحة يفتح خشم البقرة كما في مثل سائد عند أهلي في الجزيرة .

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل الدعم السریع یمکن أن

إقرأ أيضاً:

أطباء بلا حدود تعلق أنشطتها بمخيم «زمزم» للنازحين في السودان بسبب القتال

جنيف: «الشرق الأوسط» قالت منظمة «أطباء بلا حدود»، الاثنين، إنها اضطرت إلى تعليق أنشطتها في مخيم «زمزم» للنازحين شمال دارفور، المنكوب بالمجاعة، في السودان؛ بسبب تصاعد الهجمات والقتال داخله وفي محيطه، والمنظمة من المؤسسات القليلة التي لا تزال تعمل في مخيم «زمزم» المحاصر الذي يؤوي نحو نصف مليون نازح بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ 22 شهراً في السودان، وفقاً لوكالة «رويترز».

وكانت «أطباء بلا حدود» تدير مستشفى ميدانياً ساعد في علاج الجرحى خلال الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية هذا الشهر، كما عالجت آلاف الأطفال الذين يعانون سوء التغذية.

وقالت المنظمة، في بيان أرسلته للصحافيين: «رغم المجاعة المنتشرة والاحتياجات الإنسانية الهائلة، فإنه ليس لدينا خيار سوى اتخاذ قرار بتعليق جميع أنشطتنا في المخيم، بما في ذلك (المستشفى الميداني)» التابع لمنظمة «أطباء بلا حدود».

وأضافت المنظمة أن فرقها عالجت في مستشفاها الميداني هذا الشهر 139 مصاباً بطلقات نارية وشظايا، وسط اشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية.

وقال يحيى كليلة، رئيس بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في السودان: «لا توجد أمامنا خيارات تُذكر مع قرب المكان من أعمال العنف، والصعوبات الكبيرة في إرسال الإمدادات، واستحالة إرسال موظفين ذوي خبرة لتقديم الدعم المناسب، فضلاً عن عدم اليقين بشأن سبل خروج زملائنا والمدنيين من المخيم».

وأدت الحرب بين «قوات الدعم السريع» والجيش، التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023، إلى مقتل عشرات الآلاف من الضحايا ونزوح الملايين داخل وخارج البلاد، ودفعت بسكان نصف مناطق السودان ممن تبقوا في البلاد إلى الجوع، فيما تواجه مناطق عدة ظروف المجاعة.  

مقالات مشابهة

  • بعد تشكيل حكومة منافسة.. مخاوف في مجلس الأمن من تفكك السودان
  • واشنطن: لا يمكن أن يصبح السودان بيئة للإرهاب مجدداً
  • نهب وحرق.. رايتس ووتش تتهم قوات درع السودان بمهاجمة مدنيين وقتلهم
  • متحدث باسم الخارجية الأميركية : خطوة تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع قد تؤدي إلى خطر تقسيم السودان
  • الأمين العام للأمم المتحدة يبدي قلقا إزاء الإعلان عن ميثاق سياسي لإنشاء سلطة حاكمة في مناطق تخضع للدعم السريع
  • جوتيريش: المحافظة على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه أمر أساسي
  • السودان: الجيش يسيطر على جسر سوبا
  • السودان يتوعد كينيا بعد دعمها تشكيل حكومة للدعم السريع
  • أطباء بلا حدود تعلق أنشطتها بمخيم «زمزم» للنازحين في السودان بسبب القتال
  • شاهد بالفيديو.. قوات العمل الخاص بالجيش تنقذ نساء وأطفال من الموت بعد أن هربوا من انتهاكات الدعم السريع وتاهوا في الطريق وعاشوا يومين دون أكل أو ماء