روى النضال الفلسطيني في أزواد.. أحمد أبو سليم: أدب المقاومة إنساني والنظام السياسي يتطور بالثقافة
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
في روايته "أزواد" يقدم الروائي والشاعر الفلسطيني أحمد أبو سليم النضال الوطني الفلسطيني منذ ثورة 1936، سعيا -كما يقول- إلى "مقابلة المقولة بالمقولة والسردية بالسردية"، وتحاول الرواية الإجابة عن سؤال لماذا تزغرد النساء في جنازات الشهداء؛ إذ "يحاولن أن يهزمن الموت بالزغاريد ويفوتن على جنود المحتل لذة الانتصار".
وبمناسبة فوزه بجائزة فلسطين للآداب 2024 في بغداد من بين 360 عملا أجرت "الجزيرة نت" هذا اللقاء مع أبو سليم، حيث جلس على كرسي الاعتراف، وذكر أن رواية "أزواد" مستوحاة من عملية البطل الفلسطيني "ثائر حمّاد"، قناص وادي الحرامية المحكوم بـ"11" مؤبدا في السجون الإسرائيلية، وأن عنوانها يشير إلى المسافر الذي يحمل "زوادة طعامه" أثناء السفر.
تعد تلك الرواية هي السادسة لأحمد أبو سليم بعد رواياته: الحاسة صفر، وذئاب منوية، وكوانتوم، وبروميثانا، ويس.
وقال: "لقد زرت المنطقة واجتمعت مع العديد من الأشخاص بهدف التعرف على البطل، وأقدم من خلال تلك الرواية نموذجا للإنسان القناص المتمرس المثقف، وأبين أن النضال الفلسطيني ليس نبتا شيطانيا، بل هو مواجهة للسردية الإسرائيلية". وأضاف أنه يسعى من خلال أعماله الأدبية والشعرية إلى طرح الأسئلة بهدف الوصول إلى إجابات حقيقية.
إعلانووصف ما يجري في مخيم جنين بـ"الخطيئة"، وقال: "يجب أن تُوجَّه البندقية نحو العدو المحتل الذي لا يفهم غير لغة القوة، وليس نحو صدر أي فلسطيني"، فإلى الحوار:
حازت روايتكم "أزواد" على جائزة فلسطين العالمية، وهي توثق لبطل فلسطيني هو "ثائر حماد"، وتستحضر النضالات الفلسطينية. هلا حدثتمونا عن أحداث الرواية وشخصياتها وأجوائها والأماكن التي تدور فيها؟رواية "أزواد" مستوحاة من عملية ثائر حماد، قناص وادي العيون المعروف بـ"وادي عيون الحرامية". تحتوي الرواية على كثير من العناصر المتخيلة، وتجري أحداثها في سلواد ومجموعة من القرى المحاذية أو المتاخمة لمدينة رام الله. قمت بتوثيق الأحداث بعد زيارة جميع هذه القرى، إيمانا مني بأن الإنسان ابن بيئته وجغرافيته، وأن طبيعة الشخصية تنعكس من خلال الجغرافيا المحيطة بها. وتتابع الرواية بدقة متناهية تفاصيل العملية.
التقيتُ رئيسَ بلدية سلواد ومجموعة من أهاليها للتعرف على شخصية "ثائر" عن قرب. ومع ذلك، لا أستطيع القول إنه بطل الرواية بذاته، فالشخصية الروائية متخيلة وموازية للشخصية الحقيقية. قدمت من خلال تأطير الوطن الفلسطيني نموذجا رفيعا للإنسان المناضل، القناص المتمرس، والمثقف. وأردت أن أبين أن النضال الفلسطيني، خاصة أن العملية وقعت أثناء انتفاضة الأقصى، ليس نبتا شيطانيا بل تواصل نضالي.
كما عرضت النضال الوطني الفلسطيني منذ ثورة عام 1936 من خلال شخصية "عياض" وهو الجد الذي يتبنى بطل الرواية ويعلمه كيفية الدفاع عن فلسطين، مؤكدا أنه صاحب الأرض الشرعي، ردا على ما يزعمه الاحتلال أو يصدره من سرديات كاذبة. حاولت أن أقدم السردية الفلسطينية مقابل السردية الإسرائيلية، متعمقا في فلسفة الصراع وطبيعته والنضال الفلسطيني، معتمدا على مخزون من الفلسفة والميثولوجيا والموروث الديني. سعيت إلى مقابلة المقولة بالمقولة والسردية بالسردية، منتصرا للسردية الفلسطينية العربية والإسلامية.
أتفق مع الرأي القائل إن "الكثير من الجوائز مؤدلجة"، فالعديد من الجوائز تُمنح بناءً على توجهات معينة. والذين يقللون من قيمة الجوائز لا يستطيعون إنكار أن الجائزة تعد وسيلة إعلامية لتسليط الضوء على عمل معين وتقديمه للقارئ.
الجائزة ليست مقياسا، فهناك العديد من الأعمال الجيدة التي لا تفوز قد تكون أحيانا أفضل من الأعمال التي تحصل على الجوائز. والحقيقة أنني لم أتقدم لنيل الجائزة، بل تم اختيار العمل وتقديمه بالمصادفة وفاز، وهذا بحد ذاته أمر جيد.
وقد يكون عدم الحصول على بعض الجوائز هو بمثابة جائزة، والجميع يعرف أنني قمت بسحب ترشيح رواية "بروميثانا" من الجائزة العالمية للرواية العربية في وقت سابق، احتجاجا لأسباب سياسية. ومع ذلك، هناك بعض الجوائز التي تصدر عن الاتحادات أو المؤسسات المدنية التي تكون أقل سوءا من الجوائز الأخرى.
أما بالنسبة للتشكيك في أدب المقاومة، فهو في النهاية أدب إنساني، ما دام هناك احتلال إسرائيلي في فلسطين وأناس يعيشون تحت الاحتلال، فإن كل ما يُكتب يندرج تحت أدب المقاومة، حتى لو كان قصة حب، فالروايات التي نكتبها ليست فقط مقاومة بل حب وحياة وصراعات داخلية تعكس الحياة تحت الاحتلال بكل جوانبها.
ومن ثم، فالحياة في حد ذاتها هي مقاومة. فقد كانت وصية الجد لبطل الرواية: يوصيه كلما خرج قائلا: "إياك أن تموت.. فحياتك هنا، في فلسطين، حيث أن مجرد حياتك فوق هذه الأَرض المقدسة، والمروية بدماء الشهداء، هو نضال لا يتوقف، وعليك أن تبقى على قيد الحياة كي تستمر المقاومة لنيل الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية".
أدب المقاومة، فهو في النهاية أدب إنساني، ما دام هناك احتلال إسرائيلي في فلسطين وأناس يعيشون تحت الاحتلال، فإن كل ما يُكتب يندرج تحت أدب المقاومة، حتى لو كان قصة حب، فالروايات التي نكتبها ليست فقط مقاومة بل حب وحياة وصراعات داخلية تعكس الحياة تحت الاحتلال بكل جوانبها. ومن ثم، فالحياة في حد ذاتها هي مقاومة.
تجمعون بين هندسة الميكانيك والأدب، كما يفعل آخرون بين الطب والأدب. ما السر وراء هذا الجمع، ولماذا توجهتم نحو الأدب والشعر؟لا يوجد تعارض بين الهندسة والفن. فقد حاولت دراسة الصحافة، ولكن الظروف شاءت أن أدرس الهندسة، ولم أندم على ذلك. ففي منطقتنا العربية، الأدب وحده لا يوفر للإنسان ما يكفيه للعيش. لذا، رأيت كيف يمكنني من خلال الهندسة أن أعيش حياة كريمة، بينما قد تتعقد الحياة إذا اقتصرتُ على ممارسة الأدب فقط.
في منطقتنا العربية، الأدب وحده لا يوفر للإنسان ما يكفيه للعيش.
في روايتكم "الحاسة صفر"، وجهتم انتقادات لمسار النضال الفلسطيني في لبنان. بصفتكم مبدعا طليعيا، ما رأيكم فيما يجري حاليا في مخيم جنين؟ إعلانفي رواية "الحاسة صفر"، أكدت أن الحاضر هو نتاج الماضي، ومن ثم عدت إلى الماضي لأستخلص منه الجذور، خصوصا أن هناك تجربة شخصية. حاولت أن أقدم رؤى معينة لما كان يجري حتى ندرك إلى أين نحن ذاهبون. فمجرد الدخول في طريق معين يعني أن هذا الطريق يقودنا باتجاه محدد وسنصل إلى وجهة معينة. من هذا المنطلق، قدمت رؤية وتفسيرا للواقع من خلال الماضي وتجربة الثورة الفلسطينية أو ما عايشته من التجربة.
وما يجري الآن في مخيم جنين هو صورة مصغرة لما يحدث في فلسطين بأسرها. لكن إذا نظرنا إلى الصراع بين السلطة الفلسطينية والمقاتلين، أعتقد أنه خطأ كبير. دم الفلسطيني على الفلسطيني حرام، والمعركة يجب أن تكون مع العدو الصهيوني والنضال ضده. يجب أن توجه البنادق نحو صدور العدو، ولا يمكن لأي فلسطيني شريف أن يقبل قتل أو تحييد البندقية سواء في غزة أو الضفة الغربية تحت أي ذريعة. فالعدو الصهيوني لا يفهم غير لغة القوة. أعتقد أن علينا النضال حتى آخر لحظة لأنه الطريق الوحيد لاسترجاع فلسطين.
بطبيعتي، أنا شخص قلق أو شبق معرفيا. أحاول التنقيب تحت الرماد أو التراب لأرى الأشياء على حقيقتها، وليس كما تبدو في الظاهر. وأسعى من خلال أعمالي الروائية إلى طرح الأسئلة في المكان الصحيح للوصول إلى إجابات حقيقية أو صحيحة.
أعتقد أن أكبر مشكلة نواجهها هي الثقة المطلقة واليقين المطلق. وأرى أن التطور يتوقف عند لحظة الإيمان المطلق واليقين الكامل بأنني أعرف كل شيء ولست بحاجة إلى التطور. لذا في جميع أعمالي، أطرح الأسئلة بهدف زعزعة اليقين على المستويين العربي والفلسطيني.
إعلانوفي رواية "الحاسة صفر"، حاولت زعزعة النظرة المقدسة للمقاتل الفلسطيني، موضحا أنه ليس "سوبرمان"، بل إنسان يخطئ ويتألم ويجوع. ومن ثم، فإن الخيط الذي يربط بين هذه الأعمال جميعها هو محاولة طرح الأسئلة أو تعميق بؤرها الوجودية لدى الإنسان العربي، ليتمكن من الخروج من هذه القوقعة التي حشر نفسه فيها، ويتطور ويفكر بطريقة مختلفة. فالجمود في التفكير مشكلة كبيرة، وهي إحدى سمات العقل العربي.
في رواية "الحاسة صفر"، حاولت زعزعة النظرة المقدسة للمقاتل الفلسطيني، موضحا أنه ليس "سوبرمان"، بل إنسان يخطئ ويتألم ويجوع. ومن ثم، فإن الخيط الذي يربط بين هذه الأعمال جميعها هو محاولة طرح الأسئلة أو تعميق بؤرها الوجودية لدى الإنسان العربي، ليتمكن من الخروج من هذه القوقعة التي حشر نفسه فيها.
توصف الثقافة بأنها الرافعة الحقيقية لأي مشروع نهضوي عربي. لماذا، في رأيكم، تحتل الثقافة آخر أولويات الأنظمة السياسية؟ وكيف تفسرون انصياع العديد من المثقفين لإغراءات السلطة السياسية؟دعنا نتفق أولا أن آخر أولويات السلطة السياسية هو المثقف، لأن الثقافة الحقيقية تزعزع معظم الأنظمة في الوطن العربي التي تكون غير شرعية وغير منتخبة وغير مقبولة شعبيا، وتفرض نفسها بالقوة. ومن ثم، فإن كل ثقافة حقيقية بالضرورة ستتعارض مع هذه الأنظمة، لأنها ستقوم بالمحاسبة وطرح الأسئلة وستكشف آليات الفساد.
الثقافة هي سلوك وحزمة من الأسئلة التي لا يستطيع النظام السياسي الإجابة عنها، وإذا حاول القيام بذلك، فإنه يكشف عن عيوبه. من هذا المنطلق، يحاول النظام السياسي تحييد المثقفين ومحاربتهم، على عكس ما يجب أن يكون. فالنظام السياسي لا يمكن أن يتقدم أو يتطور إلا بالاستناد إلى الموروث الثقافي.
الثقافة هي سلوك وحزمة من الأسئلة التي لا يستطيع النظام السياسي الإجابة عليها، وإذا حاول القيام بذلك، فإنه يكشف عن عيوبه. من هذا المنطلق، يحاول النظام السياسي تحييد المثقفين ومحاربتهم، على عكس ما يجب أن يكون. فالنظام السياسي لا يمكن أن يتقدم أو يتطور إلا بالاستناد إلى الموروث الثقافي. والمثقفون هم من يرون ما هو استراتيجي لمصلحة الوطن، فهم يفكرون ويقدمون الحلول الشاملة، ويمكنهم توفير الأرضية التي يعمل عليها السياسي بثقة واطمئنان. الثقافة تعني الرؤية الشاملة، ولذلك يجب على السياسي الحقيقي الاستعانة بمستشارين يقدمون له المشورة في كل المفاصل والمنعطفات السياسية والثقافية والاجتماعية والإنسانية.
مع الأسف، يعتبر السياسي المثقف عدوا. المثقف محارب، وبذلك يكون جائعا. فكثير من المثقفين يواجهون خيار "العمل معي أو الجوع"، حيث إن الأنظمة تستفيد من واجهة ثقافية تقدم تبريرا أخلاقيا لسلوكها، مهما كان مذموما. ومن هنا، تستخدم بعض المثقفين ليدافعوا عنها ويصبحوا أبواقا لها مقابل الامتيازات والحياة المريحة. بمعنى أن المثقف يواجه مقايضة وهي أن يعمل لصالح النظام ويحصل على الامتيازات مقابل دفاعه عنهم، أو يُهمَّش إلى الأبد ولن يُسمع به أحد ولن يستطيع إطعام نفسه. وبهذا الشكل، يتنازل المثقف أمام الضغط الذي تمارسه السلطة السياسية.
إعلان يُنظر إلى أمتنا على أنها محكومة بأمجاد الماضي مقارنة بالحاضر، ويُعتبر المثقف لديها بمثابة المخلّص. هل تعتقدون بوجود فخ سياسي لتحميل المثقفين مسؤولية انهيار الثوابت كما نشهد في الوقت الراهن؟لا شك أن هناك أفخاخا سياسية، لكني لا أعتقد أن المثقف هو المخلص. وحتى هذه اللحظة، لا نمتلك مشروعا ثقافيا حقيقيا في الوطن العربي، ولسنا متفقين على الأساس الثقافي الذي يمكن أن ننطلق منه، لأن الأصل لأي مشروع هو الثقافي وليس السياسي. فنحن غير متفقين على إجابة أسئلة بسيطة مثل: "هل نحن أمة واحدة؟ هل يمكن توحيد العرب أم لا؟ هل ترتيبات سايكس بيكو في تطور مستمر أم أنها تتراجع؟".
لدينا محاولات كثيرة بدأت، لكن طوفان الموروث الاجتماعي والديني يقف أحياناً أمام المثقف ويمنعه من الأكسجين وحرية التعبير. فقد اغتيل أو هُدد بالقتل العديد من المثقفين. ولذلك، كل مشروع ثقافي بحاجة إلى أفق واسع من الحرية. فـ "بالحرية تُبنى الأوطان والإنسان" بحيث نستطيع التفكير وطرح مشاريعنا من دون خوف، حتى نصل إلى مشروع ناضج يمثل أمتنا العربية.
ما يميز الرواية هو تعدد التأويلات، لأننا عندما نطرح الأسئلة، ينشأ التأويل، فلا يوجد سؤال يمكن الإجابة عنه بإجابة قاطعة، وأي نص إبداعي يجب أن يحتوي على أفكار فلسفية.
من مميزات العمل الإبداعي تعدد التأويلات. كيف تتجلى هذه الميزة في عوالمكم الأدبية؟أعتقد أن ما يميز الرواية هو تعدد التأويلات، لأننا عندما نطرح الأسئلة، ينشأ التأويل، فلا يوجد سؤال يمكن الإجابة عنه بإجابة قاطعة. النص الذي يدوم هو ذلك الذي يولد أسئلة جديدة. فإذا أردنا القول إن القرآن الكريم دام مئات السنين، فإن ذلك يعود إلى أن النص القرآني مفتوح على التأويل. وبالتالي، في كل مرة ومع تطور الواقع وما يصل إليه العقل البشري، نعيد طرح الأسئلة لنجد إجابات جديدة.
أي نص إبداعي يجب أن يحتوي على أفكار فلسفية. شخصيا، أحاول تقديم رؤية فلسفية عميقة للواقع الذي أقدمه، حتى يكون القارئ شريكا في النص، وليس مجرد متلق، ويستطيع أن يقدم إجاباته بطريقته الخاصة وفقا لوعيه وخلفيته الثقافية. "يجب أن يكون النص مفتوحا على التأويل".
إعلان ما انطباعاتكم عن تجربتكم في مسابقة "شاعر المليون" في أبو ظبي، وحصولكم على لقب "شاعر القضية"؟في الحقيقة، كانت التجربة جيدة، إذ سلط البرنامج الضوء على الشعر مجددا، والأجمل من ذلك مشاركة حوالي 200 شاعر في عام 2008. وما زلت على تواصل مع مجموعة من الشعراء الذين يرسلون لي أعمالهم وأرسل لهم أعمالي، ولكن هناك شوائب في التجربة، منها أن المقياس لم يكن فنيا بشكل مطلق. فقد كانت اللجنة المشرفة تتساءل عن أي دولة يمكن أن تفوز بالجائزة، كما أن وجود العنصر النسائي كان مطلوبا بغض النظر عن المستوى الفني.
وسائل الاتصال الحديثة أعادت خلط الأوراق على صعيد الحضور الثقافي، فأصبح لكل شخص منبر خاص يعبر من خلاله عن ذاته ويكتب ما يريد، حتى وإن لم يمتلك أدوات الكتابة الأساسية، وهذا أدى إلى فوضى في التلقي بحيث أصبح من الصعب على المتلقي التمييز بين الغث والسمين.
كيف تقيّمون تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشعر؟ هل ترون دورها إيجابيا أم سلبيا؟من وجهة نظري، فإن وسائل الاتصال الحديثة أعادت خلط الأوراق على صعيد الحضور الثقافي، فأصبح لكل شخص منبر خاص يعبر من خلاله عن ذاته ويكتب ما يريد، حتى وإن لم يمتلك أدوات الكتابة الأساسية، وهذا أدى إلى فوضى في التلقي بحيث أصبح من الصعب على المتلقي التمييز بين الغث والسمين. كما أسهمت هذه الوسائل في قتل دور الناقد المثقف الذي يمتلك خلفية عن العمل الأدبي ويستطيع تقييمه، ومعرفة ما يستحق وما لا يستحق النشر، وهذا أدى إلى تراجع دور الصحف والمجلات التي كانت تشكل الحارس على النشر، فتفرز الجيد وتبعد السيئ.
كما أن دور النشر أصبحت شركات تجارية تهدف إلى الربح، لهذا أطالب الدولة واتحاد الناشرين واتحادات الكتاب بوضع آليات رقابة على الكتب، حماية للأجيال من تزييف وعيهم، لأن هناك كتبا "قد تقود الأجيال إلى الضلال".
أخيرا، بصفتك روائيا وشاعرا، هل تشعر بالرضا تجاه ما تناله من حقوق كمبدع في المشهد الوطني؟بصراحة، لم أحصل على شيء من حقي، فلدي الكثير من الأفكار والمشاريع التي أود تقديمها. هناك "لاءات" تفرض على الكاتب وإملاءات على المبدع، فإذا جدف عكس التيار، عليه أن يدفع الثمن. ودائما ما تُسلط الأضواء على الكتّاب الذين يسيرون مع التيارات المختلفة، بينما من يحاول أن يعاند ويقدم صورة مختلفة تُغلق أمامه الأبواب.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النضال الفلسطینی النظام السیاسی تحت الاحتلال أدب المقاومة الإجابة عن العدید من فی فلسطین أبو سلیم أعتقد أن من خلال یمکن أن یجب أن ومن ثم
إقرأ أيضاً:
الغازي ومرسي.. جبهة إعلامية صلبة في ملاعب أوروبا تواجه الرواية الإسرائيلية
منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات عديدة للتنديد بجرائم الاحتلال، والتضامن مع الفلسطينيين المنكوبين في القطاع.
وشارك عشرات اللاعبين العرب والمسلمين وآخرون رافضون لما يجري في قطاع غزة، في حملات تدعو إلى وقف العدوان، وفتح المعابر، وتمكين نحو مليوني فلسطيني في القطاع من الحصول على حق الطعام، والعلاج، والسفر.
إلا أن حجم التفاعل مع واحدة من أبشع الحروب التي تُرتكب في العصر الحديث، كان متفاوتاً بين اللاعبين العرب في الملاعب الأوروبية.
وتصدّر النجم المصري محمد صلاح، هدّاف ليفربول الإنجليزي، قائمة المحترفين لكن من الناحية السلبية، حيث كانت مواقفه تجاه العدوان على غزة خجولة، وظهر في فيديو واحد بعد صمت طويل، لكنه لم يصطف صراحة إلى جانب الفلسطينيين الذين فقدوا أكثر من 50 ألف شهيد، وتحدث بعموميات أثارت انتقادات واسعة ضده.
وشارك جلّ اللاعبِين والمشاهير في حملات جماعية مثل "كل العيون على رفح"، ونشروا آيات قرآنية، وأعلام فلسطين، وصوراً لأطفال غزة الجرحى والشهداء، ولكنهم توقفوا تدريجياً عن النشر المتعلق بالحرب على قطاع غزة، لا سيما أن "إنستغرام" و"فيسبوك" حاربا المحتوى الداعم لفلسطين، وقيّدا الوصول إلى الحسابات التي تبنّت القضية.
لكن على الطرف الآخر، برز صوتان جريئان بشكل غير معهود ضد المسلّمات المعمول بها في ملاعب كرة القدم الأوروبية، ورفضا بشكل قاطع تجميل الواقع، وتحدثا صراحة عن إيمانهما بحق الفلسطينيين في كل فلسطين، واعتبرا إسرائيل كياناً محتلاً يقتل المدنيين.
واللاعبان هما أنور الغازي، لاعب منتخب هولندا السابق، والذي ينشط حالياً في صفوف كارديف سيتي الإنجليزي، إضافة إلى النجم المصري سام مرسي، قائد فريق إيبسويتش تاون الإنجليزي.
"لغة الشجاعة"
ولد أنور الغازي في مدينة باريندريخت غربي هولندا لأبوين مغربيين مهاجرين، فيما وُلد سام مرسي (سامي مرسي) لأب مصري وأم إنجليزية في وولفرهامبتون بإنجلترا. اللاعبان الاثنان لا يتحدثان اللغة العربية على الإطلاق.
وبرغم ذلك، شكّل الغازي ومرسي جبهة إعلامية قوية ضد الرواية الإسرائيلية والسردية التي يتبناها الإعلام الغربي، إذ لم يقتصر نشاطهما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قاما بتنظيم مباراة خيرية لدعم أطفال غزة، استطاعا خلالها جلب عدد من كبار نجوم كرة القدم.
ففي مطلع حزيران/ يونيو من العام الماضي، نظم النجمان الغازي ومرسي مباراة خيرية بالتعاون مع جمعية "نجوم سبورتس" المعنية بالاهتمام النفسي باللاعبين المسلمين في بريطانيا.
وأعرب الغازي عن فخره بتنظيم هذا الحدث، مؤكداً التزامه بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بينما أشاد سام مرسي بالروح الإنسانية للمبادرة، مشدداً على أهمية التضامن مع أطفال غزة.
As the world watches on ???????????? https://t.co/ANwVaNuDb3 — Sam Morsy (@sammorsy08) October 14, 2024
وقال ناشطون إن الغازي ومرسي، اللذين وُلدا وترعرعا بعيداً عن الشرق الأوسط والمنطقة العربية، أثبتا أن التمسك بالمبادئ غير مرتبط بالضرورة بمكان النشأة أو الظروف المحيطة.
معركة طويلة
دوّن أنور الغازي اسمه في سجلات التاريخ الرياضي، بسبب تمسكه بمبادئه، وخوضه معركة قانونية طويلة ضد فريقه السابق ماينز الألماني.
الغازي، الذي سخّر حسابه للحديث عن الجرائم الإسرائيلية في القطاع، واجه حرباً معلنة ضده من قبل إدارة ناديه السابق ماينز الذي كان يلعب في صفوفه عند بدء العدوان على غزة.
وأطلق الغازي عبارته الشهيرة بعد أيام من العدوان قائلاً: "من النهر إلى البحر، ستتحرر فلسطين"، وهو ما دفع النادي الألماني إلى مطالبته بالتراجع عن العبارة والاعتذار.
زعم النادي لاحقاً أنه طوى الخلاف بعد اعتذار داخلي قدّمه الغازي، إلا أن المفاجأة كانت بتكذيب النجم صاحب الـ30 عاماً لمسؤولي النادي، وإصراره على تبني السردية الفلسطينية، وهو ما دفع "ماينز" إلى فسخ عقده.
نقل الغازي معركته مع "ماينز" من الإعلام إلى القضاء، ونجح في استصدار حكم لصالحه من محكمة العمل الألمانية، التي اعتبرت أن فسخ عقده غير قانوني.
وحكمت المحكمة على ماينز بدفع 1.7 مليون يورو كحقوق متأخرة للغازي، الذي استثمر القرار وأعلن عن تبرعه بنصف مليون يورو لصالح أطفال غزة.
وقال الغازي في بيان تاريخي: "شكراً لنادي ماينز لأنني قررت التبرع بـنصف مليون يورو لأطفال غزة. شكراً لنادي ماينز على محاولتكم إسكاتي، لأنه بسبب ذلك أصبح صوتي أعلى لنصرة المظلومين في غزة".
وانضم الغازي لاحقاً إلى نادي كارديف سيتي الإنجليزي، المملوك لرجل الأعمال الماليزي فنسنت تان، والذي يضم في صفوفه عدداً من اللاعبين المسلمين، حيث قال الغازي لمجلة "ذا أثلتيك" إنه اختار النادي لأنه شعر بالترحيب، ولأنه يستطيع التعبير عما بداخله بأريحية.
View this post on Instagram A post shared by Anwar El Ghazi (@elghazi21)
"المبادئ تُحترم"
لم يكتفِ النجم المصري سام مرسي بالتصريح بموقفه الصارم تجاه حرب الإبادة في غزة، إذ أظهر موقفاً مماثلاً تجاه رفض ارتداء شارة "المثليين" في الدوري الإنجليزي "راينبو ليسز".
وفي الجولة المخصصة لدعم المثليين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفض مرسي ارتداء شارة ألوان قوس قزح، ليكون الوحيد بين 20 قائداً لأفرقة الدوري لا يرتدي الشارة.
واللافت أن نادي إيبسويتش تاون احترم قرار مرسي ومبادئه، وقال في بيان إنه يدعم "المساواة"، لكنه "يحترم قرار القائد سام مرسي الذي اختار عدم ارتداء شارة القيادة الملونة بسبب معتقداته الدينية".
مواقف جريئة
شارك بعض اللاعبين منشورات جريئة كلّفت بعضهم ثمناً باهظاً، إذ انتقد النجم المغربي حكيم زياش حكومة بلده بشكل علني بسبب تطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكان موقف زياش متقدماً عن جلّ اللاعبين العرب في أوروبا، ونشر عن انتهاكات وجرائم جيش الاحتلال في الضفة الغربية أيضاً.
كما تصدر النجم المصري أحمد حسن "كوكا" وسائل التواصل الاجتماعي بنشر فيديوهات وتصريحات تدين العدوان على غزة، وهاجم الإعلام الغربي الذي فبرك الحقائق، وتغاضى عن جرائم الاحتلال، قائلا إنه يعيش في أوروبا منذ 11 عاما، معتبرا الغرب يريد إنكار أن الإرهابيين الحقيقيين هم جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أما اللاعب الذي دفع الثمن الأكبر بسبب موقفه من الحرب على غزة، فهو النجم الجزائري يوسف عطال، لاعب نادي نيس الفرنسي سابقاً.
وبسبب مشاركته فيديو للداعية الفلسطيني محمود الحسنات تضمّن "دعاءً على اليهود"، طُرد عطال من ناديه ومن فرنسا بالكامل، وحُكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 45 ألف يورو.
ورغم اعتذار عطال وحذفه الفيديو، إلا أن القضاء الفرنسي ثبّت الحكم ضده، علماً أن ناديه الحالي السد القطري أعلن تضامنه التام معه.
لا يزال اللاعب الدولي الجزائري يوسف عطال يواجه تداعيات منشوره التضامني مع القضية الفلسطـ ـينية بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث إنه يواجه خطر السجن النافذ في #فرنسا ، في انتظار النطق بالحكم النهائي نهاية شهر أبريل الجاري.
تعود وقائع القضية إلى 12 أكتوبر 2023، حينما قام عطال، الذي… pic.twitter.com/R3nmIzSUW5 — عربي21 (@Arabi21News) April 3, 2025
ومن أبرز اللاعبين المتضامنين مع قطاع غزة، النجم المصري محمد النني، الذي يضع علم فلسطين كصورة شخصية لحسابه، وشاعت أنباء عن دخوله في مواجهة مع زميله السابق في أرسنال الإنجليزي، اللاعب الأوكراني ألكسندر زينتشنكو الداعم للاحتلال، قبل انتقاله إلى الجزيرة الإماراتي الصيف الماضي.
وكان النجم المغربي نصير مزراوي قد تعرّض لضغوطات كبيرة من قبل إدارة ناديه السابق بايرن ميونيخ، بسبب نشره آيات قرآنية تم تفسيرها على أنها تؤيد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وتعرّض مزراوي لتحقيق داخلي من إدارة النادي التي لم تجد حرجاً في التعبير عن دعمها المطلق لإسرائيل، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بينه وبين النادي، الذي باعه لاحقاً إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي.
ونشر نجوم كرة القدم الجزائريون رياض محرز، وإسماعيل بن ناصر، وآخرون مثل الألماني التركي مسعود أوزيل، والفرنسيين كريم بنزيما، وبول بوغبا، صوراً تعبّر عن تضامنهم مع قطاع غزة بشكل متقطع طيلة شهور الحرب الماضية.
ماكلين وفرض الواقع
عند النظر إلى مواقف سام مرسي وأنور الغازي، وإجبار أنديتهما وجماهير الكرة الأوروبية على احترام مبادئهما، تعود الذاكرة إلى قصة اللاعب الإيرلندي الشمالي جيمس ماكلين، الذي لعب لسنوات طويلة في الملاعب الإنجليزية.
ماكلين، الذي نشأ في منطقة كريجان، التي كانت مركزاً للتوترات الطائفية والصراع بين الكاثوليك (الساعين لتوحيد إيرلندا) والبروتستانت (المؤيدين للبقاء ضمن بريطانيا)، كان يرفض بشكل قاطع ارتداء "زهرة الخشخاش"، قائلاً إن الخشخاش لا يرمز فقط لضحايا الحربين العالميتين، بل يشمل جميع الصراعات التي شاركت فيها بريطانيا، بما في ذلك "الاضطرابات" في إيرلندا الشمالية.
ويقول ماكلين إنه يعتقد أن ارتداء "زهرة الخشخاش" سيكون بمثابة "عدم احترام" للمدنيين الأبرياء الذين قُتلوا على يد الجيش البريطاني، خاصة في مذبحة الأحد الدامي عام 1972، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على متظاهرين مدنيين في ديري، مما أسفر عن مقتل 13 شخصاً.
وخلال تنقله بين أندية سندرلاند، وويغان أتلتيك، وويست بروميتش ألبيون، وستوك سيتي، وريكسهام، رفض ماكلين ارتداء "زهرة الخشخاش"، والتي يضعها اللاعبون في تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.
وبعد تعرضه لانتقادات لاذعة من قبل روابط جماهير الأندية البريطانية التي لعب بها، قال ماكلين في رسالة تاريخية: "لدي احترام كامل لمن قاتلوا وماتوا في الحربين العالميتين، لكن الخشخاش يُستخدم لتذكّر ضحايا صراعات أخرى منذ عام 1945، وهنا تبدأ المشكلة بالنسبة لي. بالنسبة لأشخاص من إيرلندا الشمالية مثلي، وخاصة من ديري، مسرح مذبحة الأحد الدامي عام 1972، فإن الخشخاش يعني شيئاً مختلفاً تماماً. ارتداؤه سيكون بمثابة عدم احترام للأبرياء الذين فقدوا حياتهم في الاضطرابات، وخاصة في الأحد الدامي".
واللافت أن ماكلين يرفض أيضاً الوقوف دقيقة صمت على أرواح جنود الجيش البريطاني في مناسبات تأبينهم، وبرغم ذلك لم تصدر أي عقوبة ضده.
وعلى غرار مرسي والغازي، قال ماكلين في تصريح سابق إن العديد من زملائه الإيرلنديين يؤيدون ما يقوم به، لكنهم لا يجرؤون على فعل ذلك خوفاً من ردات الفعل.
Massive respect for James McClean … a man who has the courage of his convictions and who refuses to be bullied by the “poppy police”. ???????????????? pic.twitter.com/IIetC7Kp59
— Séamus.1798????????☠️ (@1057Seamus) November 9, 2024James McClean is known for his principled stance on not wearing the poppy on his football kit during the annual Remembrance Day period in the UK. McClean, from Derry, Ireland, cites his reasons as being rooted in the history of the Bloody Sunday massacre in 1972, where British… pic.twitter.com/VtjWu22mHi
— The Extreme Football Enthusiast (@ExtremeFootbal4) June 19, 2024