سوريا وتركيا نواة لسوق مشتركة على غرار بدايات تأسيس الاتحاد الأوروبي
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
في عالم تتسارع فيه المتغيرات السياسية والاقتصادية، يصبح من الضروري أن تبحث الدول عن سبل التعاون والتكامل لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي. واحدة من أبرز الأفكار التي يمكن أن تساهم في تحقيق هذه الأهداف هي فكرة إنشاء سوق مشتركة شرق أوسطية شبيهة بالنموذج الأوروبي، حيث يمكن للدول الممتدة من كازاخستان شمالاً إلى السودان جنوبًا، ومن باكستان غربًا إلى موريتانيا شرقًا، التي تمتلك موارد اقتصادية هائلة وقوة بشرية تقارب المليار نسمة، أن تشكل بنية اقتصادية وإقليمية قادرة على مواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التكامل الاقتصادي.
الجغرافيا السياسية.. الشرق الأوسط كجسر للتكامل
يمتد الشرق الأوسط من غرب آسيا إلى شمال إفريقيا، ويضم مجموعة واسعة من الدول التي تتنوع ثقافاتها وسياساتها واقتصاداتها. ورغم هذا التنوع، إلا أن هناك نقاط التقاء عديدة بين هذه الدول تجعل من المنطقة بيئة خصبة للتعاون والتكامل.
سوريا تتميز بتنوعها الإثني والقومي، وبعد انتصار ثورتها على نظام الأسد، سيكون لها دور هام في تغيير وجه المنطقة. وهي تشكل بوابة للعالم العربي، حيث وصفها نابليون بـ"قلب العالم"، فيما اعتبرها تشرشل "مفتاح الشرق الأوسط". وعلى الرغم من الأزمة الطويلة التي عانت منها، تبقى سوريا واحدة من المكونات الحيوية للمنطقة بفضل موقعها الجغرافي وتاريخها المشترك مع دول الجوار وثرواتها الباطنية والبشرية الهائلة. كما أن هذه التحديات يمكن أن تشكل حافزًا لإعادة النظر في أساليب التعاون بين دول المنطقة، حيث يمكن تحويل تسوية الأزمات إلى فرصة لتحقيق تقدم اقتصادي وسياسي مستدام.
إن فكرة تأسيس سوق مشتركة شرق أوسطية تمتد من كازاخستان شمالًا إلى السودان جنوبًا، ومن باكستان شرقًا إلى موريتانيا غربًا، تمثل خطوة طموحة نحو تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز التعاون بين دول المنطقة. ومن خلال تبني نموذج شبيه بالاتحاد الأوروبي، يمكن مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية بشكل جماعي والمساهمة في تحقيق الاستقرار والازدهار.أما تركيا فبحكم موقعها الجغرافي الذي يصل بين الشرق والغرب، رابطًا جغرافيًا وثقافيًا مهمًا بين القارتين الأوروبية والآسيوية، مما يجعلها نقطة انطلاق مثالية لأي مشروع تكامل إقليمي. وهي بوابة للجمهوريات التركية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي. ولا شك أن التقدم التكنولوجي الكبير الذي حققته تركيا في العقدين الماضيين يعزز من أهميتها في هذا السياق، كما أن انضمامها المستقبلي المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي سيزيد من تأثيرها الإقليمي.
نموذج الاتحاد الأوروبي.. درس مهم
عند النظر إلى الاتحاد الأوروبي الذي بدأ كاتحاد اقتصادي محدود في خمسينيات القرن الماضي، نجد أن تأسيسه اعتمد على عدة عوامل أساسية: الحاجة إلى تعزيز التعاون بين دول عاشت صراعات تاريخية طويلة، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة عانت من أزمات وحروب مدمرة.
في البداية، ضم الاتحاد الأوروبي عددًا محدودًا من الدول (ست دول مؤسسة)، لكنه سرعان ما توسع ليشمل دولًا أخرى، معتمدًا على مؤسسات مشتركة تقوم بحل الخلافات وتنسيق السياسات الاقتصادية.
بالنسبة للشرق الأوسط، يمكن تطبيق فكرة مشابهة من خلال إنشاء "سوق شرق أوسطي مشترك". بدلاً من التركيز على النزاعات والحروب، يمكن للدول أن تركز على التحديات الاقتصادية المشتركة مثل تحسين التجارة البينية، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمياه والموارد الطبيعية والبشرية والتكنولوجيا والتنمية المستدامة.
الاقتصاد والتكامل بين دول المنطقة
إن تأسيس سوق مشتركة شرق أوسطية يمكن أن يكون له أثر إيجابي كبير على النمو الاقتصادي للدول المشاركة، كما حدث مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويشمل هذا التكامل الجوانب التالية:
1 ـ تعزيز التجارة البينية: من خلال إزالة الحواجز الجمركية والقيود التجارية بين دول المنطقة، مما يسهل تدفق السلع والخدمات ويشجع الإنتاجية والاستثمار.
2 ـ تطوير البنية التحتية المشتركة: التعاون لتحسين شبكات النقل والطاقة، بما في ذلك بناء شبكات طرق وموانئ مشتركة وتطوير مشروعات الطاقة، ومنها المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
3 ـ استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي: العمل على معالجة التضخم، وتحقيق استقرار أسعار العملات، وتقليل البطالة، بالإضافة إلى تنسيق السياسات النقدية.
4 ـ تشجيع تدفقات الاستثمارات: توفير بيئة أكثر استقرارًا وتعاونًا لجذب المستثمرين المحليين والدوليين.
5 ـ حل مشكلات الأقليات: على غرار ما حدث في الاتحاد الأوروبي، حيث ساهم التكامل الاقتصادي في معالجة قضايا الأقليات وتعزيز التعايش السلمي.
تأسيس منظمة لحل الأزمات والمشكلات
أحد الدروس المهمة التي يمكن تعلمها من تجربة الاتحاد الأوروبي هو ضرورة وجود آليات لحل الأزمات والصراعات بين الدول الأعضاء. في هذا الإطار، يمكن لدول السوق المشتركة في الشرق الأوسط إنشاء منظمة مشابهة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OECO)، وكذلك مفوضية ومحكمة عدل لها، بحيث تكون منصات لحل النزاعات وتعزيز التعاون.
إن التاريخ يُظهر أن التعاون بين الدول هو السبيل الأنجع لبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة. وستكون سوريا وتركيا النواة الصلبة لمشروع قرن الواحد والعشرين الواعد، وبدايته ستكون بخطوة مشابهة لتلك التي بدأ بها الاتحاد الأوروبي: خطوة مثل مسافة الألف ميل التي تبدأ بخطوة.1 ـ آلية تحكيم للنزاعات: إنشاء محكمة إقليمية أو لجنة دائمة لحل النزاعات بين الدول الأعضاء من خلال الحوار والمفاوضات، مما يساهم في تقليل التوترات السياسية.
2 ـ إدارة الأزمات: تطوير آليات لإدارة الأزمات الإنسانية والسياسية التي تهدد استقرار المنطقة، بهدف منع تفاقم الأزمات.
3 ـ التعاون الأمني: تعزيز التعاون في مجال الأمن، بما يشمل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يعزز من استقرار المنطقة.
التحديات والصعوبات
رغم الفوائد المحتملة، يواجه مشروع إنشاء سوق مشتركة شرق أوسطية تحديات كبيرة، منها:
1 ـ الاختلافات السياسية: التنوع الكبير في الأنظمة السياسية بين دول المنطقة، مما قد يجعل الاتفاق على قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان صعبًا. ومع ذلك، يمكن للمشروع أن يبدأ بالتعاون الاقتصادي كخطوة أولى.
2 ـ الأزمات الأمنية: الصراعات المستمرة في بعض الدول مثل السودان واليمن، مما قد يشكل عقبة أمام تحقيق الاستقرار.
3 ـ التنمية غير المتوازنة: التفاوت في مستويات التنمية بين الدول يمثل تحديًا كبيرًا، لكنه يتيح أيضًا فرصة لتبادل الخبرات ودعم الدول الأقل نموًا.
إن فكرة تأسيس سوق مشتركة شرق أوسطية تمتد من كازاخستان شمالًا إلى السودان جنوبًا، ومن باكستان شرقًا إلى موريتانيا غربًا، تمثل خطوة طموحة نحو تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز التعاون بين دول المنطقة. ومن خلال تبني نموذج شبيه بالاتحاد الأوروبي، يمكن مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية بشكل جماعي والمساهمة في تحقيق الاستقرار والازدهار.
رغم التحديات وضخامة هذا المشروع الكبير، فإن التاريخ يُظهر أن التعاون بين الدول هو السبيل الأنجع لبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة. وستكون سوريا وتركيا النواة الصلبة لمشروع قرن الواحد والعشرين الواعد، وبدايته ستكون بخطوة مشابهة لتلك التي بدأ بها الاتحاد الأوروبي: خطوة مثل مسافة الألف ميل التي تبدأ بخطوة.
*نائب ألماني سابق
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا سوريا سوريا تركيا علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی تحقیق الاستقرار بین دول المنطقة التعاون بین دول وتعزیز التعاون الشرق الأوسط استقرار ا بین الدول من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
وافق مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، على المادة (35) من مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي المُقدم من الحكومة، والتي تجيز إعفاء من قام بصرف الدعم النقدي دون وجه حق، من رد المبالغ التى صرفها، بشرط ثبوت إعساره بالبحث الاجتماعى.
فقد نصت المادة على أن: يجوز للوزير المختص أو من يفوضه، بناء على عرض المديرية المختصة، إعفاء من قام بصرف الدعم النقدي دون وجه حق، من رد المبالغ التى صرفها، بشرط ثبوت إعساره بالبحث الاجتماعي، وفى جميع الأحوال لا يجوز إعفاء من يثبت أن له دخلًا يزيد على أربعة أمثال قيمة المساعدة التى كان يحصل عليها.
كما يجوز، بناء على بحث اجتماعي، تقسيط هذه المبالغ على أقساط شهرية لمدة لا تجاوز أربعة وعشرين شهرًا، وعلى الوزارة والمديرية المختصة إبلاغ سلطات التحقيق المختصة لإعمال شئونها، حال عدم السداد أو التوقف عن سداد الأقساط.
ويسقط الحق فى المطالبة باسترداد هذه المبالغ بالتقادم الخمسي من تاريخ الواقعة أو الوفاة.
أهداف قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي
يستهدف مشروع قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي تحسين شبكة الأمان الاجتماعى وتوسعة مظلة الضمان الاجتماعي، وإحداث مرونة فى ربط التدخلات الاجتماعية المتكاملة بالمتغيرات الاقتصادية بما يشمل نسب الثراء والفقر، ونسب التضخم، وذلك بهدف تحقيق أفضل حماية الأسر الأفقر والأقل دخلا، وكفالة حقوق الفئات الأولى بالرعاية وتوفير أقصى حماية ممكنة لها مثل ذوي الإعاقة، والمسـنين، والأيتام، فضلا عن منهج الدعم المشروط بهدف الاستثمار فى البشر وتحسين مؤشرات التنمية.
كما يستهدف مشروع القانون أيضا، المساهمة في تكافؤ الفرص فى المجتمعات المحلية بما يشمل النوع الاجتماعي، والفئات العمرية، والنطاق الجغرافي، وبما يشمل قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والتمكين الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية بتبنى قواعد الاستهداف وتحديد مستوى الفقر للأسرة معادلة من خلال إختبارية تقيس مؤشرات الفقر وآليات الاستحقاق، والمساهمة فى الانتقال من الدعم للإنتاج والتمكين الاقتصادى للأسر المستفيدة من الدعم النقدى وتنفيذ مشروعات متناهية الصغر، لخروجها تدريجيا من الفقر متعدد الأبعاد، وتحسين مؤشرات جودة حياتها.