داخل قرية لا يتأتى اسمها على مسمع الكثير من أبناء الوطن ، كان يسكن كاتبنا رحمه الله ، منزلا صغيرا تخيره بعيدا عن العمار متوسطا جسرا يمر على شريط القطار وارضا زراعية على يساره ،مع اختين لم يتزوجا وكأنهما صاحبوا جميعا الوحدة والعزلة ،وكنت أنا الشاهد على هذا اللقاء الذي مر عليه عقدان ونصف من الزمن ، إذ ذهبت قاصدا تلك القرية "شبشير الحصة " محاولا البحث عنه بسبب تغيبه عن حضور جلسات نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا .

وقد سولت لي نفسي أني بمجرد السؤال عن اسم كاتبنا سيدلني أول شخص ألتقيه،لكن الواقع كان مناقضا لما ظننت وتوهمت ،فلم يكن أحدا من أهل القرية يعرفه أو يسمع عنه ،دلني بعض الأهالي على شخص يعمل في صحيفة ورقية تهتم بحوادث المحافظة ،قالوا أن هذا هو الكاتب الأشهر في بلدتنا ...ولم نسمع عن كاتب اسمه سعد الدين حسن .

كانت نهاية التسعينيات ومطلع الألفية هي الرواج الفعلي للثقافة داخل الأقاليم التي تبعد عن العاصمة ،فكانت نوادي الأدب هي المقصد الأهم لكل من يبحث عن ري لموهبة الكتابة الإبداعية بمختلف مجالاتها ،شعرية أو نثرية ،حيث كانت هذه الفترة هي الأكثر خصوبة للقصة القصيرة وكتابات أجيال جديدة تعبر عن هموم قضايا لم يكن يحملها كتاب الستينيات أو السبعينيات أو الثمانيينيات ،لم تكن أجهزة الجوال قد ظهرت بعد ولم يكن هناك ثمة عوالم افتراضية لنشر الإبداع الشبابي ،فكانت نوافذ الإبداع التي تفتح لمن هم في مثل حالتي هي نوادي الأدب بقصور الثقافة داخل المحافظات في ربوع الوطن .وحيث كان مقعده مبتعدا أيضا عن الجموع التي تستقبل المنصة والصدارة وجالسا في ركن يجاوره شاب قد أتى لأول مرة ،كان يجلس كاتبنا راهب القصة المصرية القصيرة سعد الدين حسن ،متواضع في جلسته ،مقل في حديثه ،يتدافع الجميع للإدلاء بأرائهم بينما هو يظل صامتا لأن تنتهي الندوة ثم يرحل منصرفا في صمت ،وعقب الندوة تجد الجالسين على المنصة يتدافعون لمصافحته فكانت هذه هي النبضة الأولى بداخلي للتساؤل عن هذا الرجل ،من هذا الرجل .....؟ فكان الجواب من الشاعر طارق بركة :"ده الأستاذ الكبير سعد الدين حسن ،وكان صديق نجيب محفوظ ،وتربطه صلة كبيرة بالوزير فاروق حسني " ..وربما لأمر بساطة مظهر الكاتب ظننت أن الشاعر طارق بركة بالغ في الأمر ونسيت أن بعض الظن إثم .

ودفعني تواضع الرجل للتقرب منه لمحاولة فهمه وايجاد اسباب ترفعه وابتعاده عن الوسط ،مقلا لا زال في حديثه يأتي اسبوع ثم يتغيب عدة أشهر ،لأواصل البحث عنه لعلي أرضى شغف فضولي واكتشافه ،ثم كان اللقاء فطلب مني ان نلتقي صبيحة اليوم الثاني بمقهى بسيط في شارع البورصة بمدينة طنطا ..

مقهى بسيط ، يتعاملون مع الكاتب كونه شخصا وافدا من عالم آخر ، اقتربت من منضدته وكانت الساعة لم تقر بالعاشرة بعد من صباح هذا اليوم ،كان بيده كتاب الفتوحات المكية وقد تلصصت على الكتاب من عنوانه الذي كان باديا جليا . سحبت مقعدا وفي يدي عملي الأدبي الذي سيعرض على الكاتب ، وإذ بصاحب المقهي يأتي مسرعا لكاتبنا ويتحدث بلهجة متعثرة :"يا أستاذ تلفون لسعادتك بيوقولوا مكتب وزير الثقافة ..." قام كاتبنا في فتور ، متوجها لموضع الهاتف ليرد ، وإذ بصاحب المقهي يسألني هو مين الأستاذ :"فأجابته انه كاتب كبير زي يوسف ادريس ونجيب محفوظ لكنه متواضع بزيادة "..عاد كاتبنا ،فسألته ،هل الأمور خير :فأجاب مافيش كان فيه ميعاد بس اعتذرت عنه ..فسألته ميعاد مهم ؟...قالي وزير الثقافة فاروق حسني ..فكانت اجابته كفيلة بصمتي .

بضعة أشهر مرت على رحيل الكاتب سعد الدين حسن رحمه الله ،الكاتب الذي دون الوزير فاروق حسني في خانة المهنة لديه "كاتب قصة قصيرة " وكان يعتز ويخلص لهذا الفن الأدبي لم يحد عنه ولم يتخطاه أو يتعداه لكتابة الرواية إلا محاولة واحدة من اصدارات اتحاد الكتاب بل كانت كتابته أشبه بقصاصات متوسطة الحجم تحمل لغة شاعرية ،الامر الذي دفع الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا لأن يبادر ويشجع باحثا لعمل أطروحة للماجستير تتولى وتكشف عن ابداع سعد الدين حسن .

الندوة التي أقامها فرع اتحاد الكتاب بالغربية لتأبين سعد الدين حسن ،جمعت رفاقه الذين كانوا بصحبته ،الكاتب محمد حمزة العزوني ،الذي تحدث عن كاتبنا الراحل موضحا أنه كان مكتفيا بوظيفة كاتب القصة القصيرة ، ورغم محاولات الوزير فاروق حسني في توظيفه بأكثر من إصدار ينتمي لوزارة الثقافة ليكفل قوت يومه ، كان سعد رحمه الله يتحجج ولا يستمر إلا شهرين ثم يعتذر ، عائدا إلى بيته غير مخالط لأحد ولا يتحدث مع أحد .

بينما أوضح الشاعر طارق بركة أن سعدا كان مقربا له متداخلا معه في مشكلاته الروحية والحياتية ،فهو الدرويش سعد الدين حسن وهو الزاهد سعد الدين حسن الذي كانت كرامته وكبريائه فوق رأسه ، لدرجة أنه طلب من الشاعر أن يشيع إشاعة أن سعد الدين حسن قد ورث إرثا ماليا كبيرا حتى لا يعرض أحد مساعدة مادية عليه تخدش من كرامته أو تنال من اعتزازه بنفسه ، فلم يكن سعد يتاجر بصدافته لوزير الثقافة السابق بل كان يتأخر عن المنصة ويقدم غيره ، كان متيما بكتابات كبار المتصوفة وربما كان واحدا منهم دون أن نعلم .

وهو بتعبير الناقد صبري قنديل حالة الكاتب الذي يمسك بعين القاريء لا يتركها حتى ينتهي مما يكتب سعد الدين حسن ، فعلي الرغم من صداقته وعلاقته الطيبة بالكاتب الراحل يحيي الطاهر عبد الله إلا أن سعد الدين حسن كان ينتمي لمدرسة القصة التلغرافية وموسيقى الفظ التي تظن لوهلة أنك امام قصيدة نثر لا قصة قصيرة من عذوبة ما يكتب سعد الدين حسن .

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: طنطا فاروق حسنی لم یکن

إقرأ أيضاً:

في الذكرى الأولى لرحيله| العامري فاروق.. الوزير الأهلاوي المحبوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحل اليوم الأحد 26 يناير، الذكرى السنوية الأولى لرحيل العامري فاروق نائب رئيس النادي الأهلي ووزير الرياضة الأسبق والذي توفي في مثل هذا اليوم 26 يناير 2024 بعد صراع مع المرض.

الأهلي يحيي ذكرى رحيل العامري فاروق

حرص النادي الأهلي على إحياء ذكرى رحيل العامري فاروق، نائب رئيس القلعة الحمراء.

ونشرت الصفحة الرسمية للنادي الأهلي عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صورة للوزير الراحل العامري فاروق وكتبت: ويبقى العامري فاروق في قلوبنا إلى الأبد . 

مرض العامري فاروق

تعرض العامري فاروق لوعكة صحية مفاجئة خلال شهر نوفمبر الماضي، أثناء تاديه عمله داخل النادي الأهلي نقبل على اثرها إلى المستشفى ودخل بعدها في غيبوبة لمدة 80 يوما قبل وفاته.

العامرى فاروق.. مسيرة عطاء 

ولد العامرى فاروق في الثامن من شهر نوفمبر عام 1970 بمحافظة القاهرة داخل عائلة أهلاوية كبيرة وتدرج في العمل الإداري داخل النادي الأهلي.

ويعد العامري فاروق أحد أبرز الرموز داخل النادي الأهلي عبر التاريخ الذين خدموا القلعة الحمراء في أكثر من منصب، على رأسها عضوية مجلس إدارة النادي لسنوات طويلة قبل أن يتولى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة في المجلس الحالي ورئيس المكتب التنفيذي. 

دخل العامرى فاروق انتخابات الأهلي للمرة الأولى عام 1996 على منصب العضوية تحت السن ولم يوفق ثم التحق باللجنة الثقافية داخل النادي لمدة 4 سنوات وبعدها اختاره الراحل صالح سليم فى قائمته تحت السن للمرة الثانية فى انتخابات 2000 وبعدها خاض انتخابات فوق السن مع قائمة حسن حمدى رئيس النادى الأهلى السابق في عام 2004 وحصل على ثانى أعلى الأصوات واستمر العامري فاروق فى مجلس إدارة الأهلى منذ عام 2000 وحتى عام 2009 الذى خاض انتخابات القلعة الحمراء مستقلا عن قائمة حسن حمدي ضد محمود باجيند على منصب أمين صندوق ونجح للمرة الثانية في الانتخابات.

العامرى فاروق نائب رئيس الأهلى

عاد العامرى فاروق إلى مجلس إدارة النادي الأهلي في نوفمبر عام 2017 في منصب نائب رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي مع قائمة محمود الخطيب.

العامري فاروق وزيرا للرياضة

تولى العامرى فاروق منصب وزير الرياضة في شهر أغسطس عام 2012 واستمر حتى شهر يوليو عام 2013 وكان أول وزير دولة للرياضة في مصر بعد فصل وزارة الشباب عنها.

تمثال العامري فاروق في الأهلي

أزاح مجلس إدارة النادي الأهلي، برئاسة محمود الخطيب رئيس النادي، الستار عن تمثال الوزير العامري فاروق نائب رئيس النادي، وكذلك تم إطلاق اسمه على المبنى الإداري بمقر النادي بالجزيرة، وذلك في حضور أعضاء مجلس الإدارة، وأسرة الفقيد، ورؤساء الأندية والاتحادات الرياضية، ومسئولي الرياضة المصرية.

    

مقالات مشابهة

  • محمد سمير ندا.. على الكاتب أن يمتلك الجرأة على إلقاء الحجارة في البحيرات الراكدة
  • الشركة المتحدة تعلن تعيين الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى مستشارا لمجلس الإدارة
  • تعيين الكاتب الصحفي أحمد الطاهرى مستشارا لمجلس إدارة الشركة المتحدة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. مُشتاقٌ لعمّان
  • في الذكرى الأولى لرحيله| العامري فاروق.. الوزير الأهلاوي المحبوب
  • نيفين الكاتب تتقدم بطلب إحاطة لحل أزمة عمال التشجير بوزارة الزراعة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الأماكن كلها مشتاقة لك
  • من ملتقى المثقفين إلى رمز الثورة.. حكاية مكان شهد تحولات سوريا (صور)
  • «بهي الدين»: شعار «القاهرة للكتاب» يحمل دلالات تتسق مع الثقافة المصرية والعربية
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. مغادرة من وظيفة الموت!