عربي21:
2024-12-27@01:26:35 GMT

الثورة السورية وانعكاساتها على الإسلاميين

تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT

ما من شك أن تاريخ ثورات الشعوب ضد أنظمة الاستبداد والفساد يؤكد أن نجاحها يتحقق بإسقاط النظام وإقامة بديل عنه يحقق العدل ويضمن الحرية والكرامة. وبهذا المعنى فإن الثورة السورية قد قطعت منتصف الطريق بتجاوز مرحلة الهدم إلى النصف الثاني المتعلق  بمرحلة البناء .

ورغم أهمية المرحلة الأولى بمعاناتها ومآسيها وجراحاتها وما خلفته من آثار فإن تحديات مرحلة البناء  ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا ولا تعويل فيها إلا على وعي الشعب السوري بكل مكوناته السياسية والعرقية والطائفية ونضج قياداته من كل الأجيال والمراحل الذين طحنتهم عشرية التآمر على الثورات العربية طحنا ذاقوا أثناءه ويلات استبداد البعث أضعافا مضاعفة وجحيم التدخل الأجنبي ومرارة الصراع العرقي والطائفي وعربدة المليشيات جعلت من إمكانية  تشكل قوى مضادة للثورة مثل بعض التجارب الأخرى أمرأ في غاية الصعوبة .



لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .

إن تسلسل الأحداث يفضي بالضرورة إلى حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي أن الثورة السورية من سلالة الثورات العربية في موجتها الأولى والتي عبرت بوضوح عن مدى رغبة شعوب المنطقة في الحرية وعن ثقتها في الإسلاميين وانتخابها لهم لإدارة الحكم.

لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .والظاهر أن كلا التوجهين قد اعتبرتهما دوائر القرار الغربية ووكلائها من الأنظمة العربية خطرين استراتيجيين على مصالحهم ووجودهم ووجود ذراعهم الطولى الكيان الصهيوني في المنطقة. وكان التوجه نحو إسقاط كل تجارب الانتقال الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين.

إلا أن حالة عدم الاستقرار ورياح التحولات الدولية والإقليمية والمحلية قد جرت بما لا تشتهيه سفن  الهيمنة والاستبداد والمشاريع الطائفية المغشوشة وأعادت الأمة وقضاياها المركزية وقواها المتجذرة في عمقها الحضاري إلى صدارة الأحداث وعلى رأسها قضية تحرير فلسطين من خلال معركة طوفان الأقصى، ثم قضية حرية الشعوب وتحرير إرادتها من خلال انتصار الثورة في سوريا وإسقاط حكم البعث.

ومن مكر الله الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (سورة الانفال الاية 30) أن عاد الإسلاميون بنسخ أكثر نضجا وفاعلية من تحت أنقاض فلسطين  وسوريا. وللإشارة فإن معنى مكر الله هو تدبيره الخفي وفق سننه الكونية التي يجري من خلالها  قضاؤه وقدره لإبطال مكر الماكرين وظلم الظالمين واعتداءات المعتدين .

فما هي دلالات هذه العودة وانعكاساتها على عموم  واقع الإسلاميين؟ وما هي آفاقها المستقبلية؟

رغم محدودية عودة الاسلاميين وخصوصيتها  لتصدر المشهد الاقليمي بأبعاده الدولية ومن قلبه النابض  الشام وما لموقعه الجيواستراتيجي من أبعاد قديما وحديثا فإن لها دلالات عميقة  لعل من أهمها :

ـ سقوط الأفكار الكبرى ومحاملها السياسية من أنظمة وأحزاب في معاقلها سقوطا لا رجعة فيه، لعدم جاذيتها وعزلتها المجتمعية آخرها القومية وآخر نظام حكم يستند إليها في المنطقة العربية ومن قبلها الماركسية ولم يبق لحامليها سوى وضع أنفسهم في خدمة أنظمة الفساد الاستبداد في انتظار ما سيؤول إليه أمرهم من اندثار .

ـ أزمة القيم التي تعيشها الإنسانية عموما والغرب خصوصا وحالة الفراغ الروحي والخواء الفكري والسياسي والتناقض الصارخ بين الشعارات والممارسات في علاقة بالحقوق والحريات والعدالة والكرامة التي يتم الكيل فيها بمكيالين زادتها فضائع النظام السورى المنهار وجرائم الإبادة الجماعية في غزة تعرية وجعلت من الإسلام كعقيدة وكمنظومة قيم إنسانية خير بديل حضاري لملء الفراغ وجعل مشاريع الإصلاح المنبثقة عنه رغم ما حصل فيها من انحرافات وتعثرات وانزلاقات أفرغتها أحيانا من أسسها القيمية والأخلاقية هي الوحيدة ذات الجاذبية والقدرة على التجدد وتحقيق الشهود الحضاري للأمة.

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة.. ـ تكثف الدروس والعبر المستخلصة من التاريخ القديم والحديث ومن مختلف تجارب الثورات العربية وتجارب الإسلاميين بمختلف تشكلاتهم  في التجربتين الفلسطينية والسورية في علاقة بالفكرة الإسلامية  ومحاملها وبالمجتمع وبالدولة وبمنهج الإصلاح دون إغفال للسياقات والخصوصيات.

إن هذه الخلاصات تقود بالضرورة إلى البحث في انعكاسات تطور الأحداث خاصة في سوريا باعتبارها معركة حرية وكرامة على واقع الإسلاميين ما بعد فشل الثورات العربية وانتقالها الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين أنفسهم في نسختهم التقليدية رغم ما حصل فيها من تعديلات في بعض التجارب إلا أنها لم تسعفها بالصمود أمام تحديات الواقع .

أولا ـ ضرورة النقد الذاتي والمراجعات للتأقلم مع متغيرات الواقع والاستجابة لتحدياته تحت سقف المنظومية القيمية الإسلامية المتجذرة في عمق المجتمعات العربية الإسلامية والقائمة على أساسها الدولة الوطنية وفي إطار الجمع بين المبدئية والواقعية والانفتاح دون تشدد أو تحلل.

ثانيا ـ إدراك عمق التحدي الحضاري في التعاطي مع عملية الإصلاح والبناء في علاقة بالمحيط الإقليمي والدولي وبالغرب خصوصا الذي يعتبر أصحاب المرجعية الإسلامية نقيضا حضاريا له بما يدعو للتفكير في صيغ التواجد وعناوين الفعل السياسي الإصلاحي ومراجعتها .

ثالثا ـ إعادة النظر في الرؤية للمجتمع والدولة الوطنية الحديثة ومنهج إصلاحهما والعلاقة بهما بين المرونة والاندماج أو القطيعة والصدام والاجتهاد في دراسة تجارب الإصلاح والتغيير لاستنباط المنهج السلمي المدني المناسب لتحقيق تتطلعات الشعوب للحرية والكرامة .

رابعا ـ جعل الالتزام بالقيم والأخلاق والقانون والديمقراطية والمأسسة الحقيقية ووضوح الرؤية ووحدة الأهداف والوسائل وإعداد البرامج واحترام قواعد الشفافية والإدارة العصرية حجر الزاوية لبناء أي إطار سياسي  بعيدا عن الولاءات  للأشخاص والزعامات  بدل الأفكار والخيارات  .

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة..

فهل يدرك الإسلاميون بمختلف مكوناتهم وتنوع تجاربهم وخبراتهم خطورة المرحلة ومتطلباتها؟


*كاتب وناشط سياسي تونسي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا التحولات سوريا سياسة رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورات العربیة الثورة السوریة

إقرأ أيضاً:

وزير الاتصالات يشهد حفل تخرج الدفعة الأولى من المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية"

شهد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فعاليات حفل تخرج الدفعة الأولى من المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية" التى أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب بهدف تنمية المهارات الرقمية لقيادات الجهاز الادارى للدولة بما يسهم فى تمكين جيل من القادة الرقميين القادرين على قيادة التحول الرقمى فى جميع قطاعات الدولة وتعزيز ثقافة الابتكار. أقيم الحفل فى مقر الأكاديمية بحضور الدكتورة رشا راغب المدير التنفيذى للأكاديمية الوطنية للتدريب، والمهندسة غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتطوير المؤسسى.

ضمت الدفعة الأولى من المبادرة 176 قيادة حكومية بما فى ذلك مساعدى ومستشارى ومعاونى السادة الوزراء ونواب ومساعدى ومعاونى المحافظين وسكرتيرى عموم المحافظات، بالإضافة إلى رؤساء الإدارات المركزية بالوزارات والمحافظات والهيئات العامة. ومثل المتدربون قطاع حكومى واسع يشمل 23 وزارة و6 محافظات و8 هيئات عامة.

وفى كلمته؛ أكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن إطلاق المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية" تأتى فى إطار تضافر الجهود بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأكاديمية الوطنية للتدريب للتعاون فى تنفيذ برامج التطوير المؤسسى انطلاقا من أهمية بناء الكوادر والقيادات الحكومية على النحو الذى يتواكب مع التطورات الرقمية المتسارعة وذلك في ضوء الجهود المبذولة لتنفيذ استراتيجية مصر الرقمية؛ موضحا أن التعاون يستهدف تطوير المهارات الرقمية للمتدربين بالإضافة إلى المهارات الشخصية بما فى ذلك مهارات الاتصال والعمل الجماعى؛ مشيرا إلى أهمية توافر الكوادر البشرية المدربة كعنصر رئيسى لتحقيق التحول الرقمى؛ مؤكدا أن الاستثمار فى منظومات رقمية بالغة الحداثة لن يحقق النجاح المنشود إلا بوجود قادة يمتلكون المهارات والقدرات اللازمة لإدارة هذه المنظومات بكفاءة.

وأكدت الدكتورة رشا راغب المدير التنفيذى للأكاديمية الوطنية للتدريب، أن التعاون مع وزارة الاتصالات مستمر في مجالات التدريب المتخصص، مشددةً على أن الأكاديمية تساهم بشكل فعال في تحسين الكفاءات في مختلف المجالات التكنولوجية من خلال تقديم حزمة برامج تدريبية متقدمة بالتعاون مع الوزارة. ويهدف هذا التعاون إلى رفع مستوى الأداء الوظيفي للموظفين الحكوميين وتعزيز القدرات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مستوى الدولة؛ مضيفة أن الأكاديمية تسعى من خلال هذه البرامج إلى بناء كوادر قادرة على مواجهة تحديات العصر الرقمي وابتكار حلول تكنولوجية لخدمة المجتمع المصري. وأشارت إلى أن هذه المبادرة تأتي ضمن خطط الأكاديمية الوطنية ووزارة الاتصالات لتطوير رأس المال البشري وتنمية القدرات الإبداعية والمهارات التقنية.

وأكدت المهندسة غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتطوير المؤسسى أن المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية" تأتى استكمالًا لجهود الدولة فى تنفيذ خطة التطوير المؤسسى الرقمى، التى تهدف إلى التهيئة لاستيعاب مشروعات التحول الرقمى والميكنة واستدامتها من خلال تنفيذ برامج متنوعة ومتكاملة لتنمية وبناء القدرات الرقمية للقيادات والعاملين بالجهاز الإدارى بالدولة؛ مشيرة إلى أن المبادرة تستهدف تنمية وبناء القدرات القيادية الرقمية لعدد (650) قيادة من قيادات الجهاز الإدارى للدولة من غير المتخصصين بالوزارات والمحافظات والهيئات العامة.

وخلال الحفل؛ استمع الدكتور عمرو طلعت إلى بعض القيادات الحكومية من خريجى المبادرة، والذين أشادوا بهذه المنحة وما حققته لهم من قيمة مضافة فاعلة أثرت على حياتهم الشخصية والعملية وساهمت بشكل كبير فى إثراء مهاراتهم الرقمية بما يتواكب مع متطلبات العمل الحكومى الاحترافي.

الجدير بالذكر أنه تأتى مبادرة قادة مصر الرقمية على قمة الهرم والبرامج التدريبية التى أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتى يتم تقديمها بالمجان لقيادات الجهاز الإدارى للدولة من غير المتخصصين فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. 
وتستهدف المبادرة تطوير مهارات القيادات العاملة بالقطاع الحكومى لتمكينهم من إدارة المؤسسات الحكومية بشكل كفء وفعال لدعم اتخاذ القرار وتقديم خدمات متميزة للمواطنين، فضلا عن تعظيم الاستفادة من الذكاء الإصطناعى والبيانات والتقنيات الرقمية الناشئة فى إدارة الأعمال الحكومية، بما يساهم فى رفع كفاءة استخدام موارد الدولة، وتعزيز الشفافية، وتحقيق الاستدامة فى تنفيذ أعمال التحول الرقمى ومنظوماته بالمؤسسات الحكومية.

وتتضمن المبادرة عدد من المعارف والمهارات والتطبيقات العملية فى موضوعات التحول الرقمى والتكنولوجيات الناشئة، والقيادة الرقمية الابتكارية للمؤسسات، واستراتيجية ومنظومات الدولة المصرية للتحول الرقمى والتطوير المؤسسى، وإدارة الأزمات والمخاطر الرقمية لضمان استمرارية الأعمال، والأمن السيبرانى للبيانات والأصول الرقمية، فضلًا عن تعزيز المهارات القيادية والوظيفية الرقمية كالقيادة الرقمية الفعالة لفرق العمل، والمرونة الرقمية الاستراتيجية وإدارة التغيير، ومهارات الإدارة الرقمية للمشروعات، وقواعد الإتيكيت والبروتكول فى بيئة العمل الرقمية.

وقد استغرق البرنامج التدريبى بالمبادرة 54 ساعة موزعة على 9 أيام تدريبية على مدار 5 أسابيع، وتنوعت أساليب التدريب بالمبادرة بين التدريب النظرى المعنى بصقل المعارف والمهارات إلى جانب التطبيقات العملية ونماذج المحاكاة وورش العمل.

مقالات مشابهة

  • وزير الاتصالات يشهد حفل تخرج الدفعة الأولى من المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية"
  • تخرج الدفعة الأولى من المبادرة الوطنية "قادة مصر الرقمية"
  • توكل كرمان: الثورة السورية ستستعيد كل العواصم التي احتلتها ايران وستسقط حكم الملالي في طهران
  • تخرج الدفعة الأولى من «المبادرة الوطنية لتأهيل قادة مصر الرقمية»
  • ‏القيادة العامة للإدارة الجديدة في سوريا تعلن تعيين أنس خطاب رئيسًا جديدًا لجهاز الاستخبارات العامة للجمهورية العربية السورية
  • الدرقاش: قادة الثورة السورية يمتلكون الفكر ولم تغريهم المكاسب المادية
  • سوريا.. القوات الروسية تخلي قاعدة بعد 5 سنوات من التمركز فيها
  • سوريا .. تغيير أسماء بعض المراكز الصحية واستبدال اسم الأسد فيها
  • فرص وتحديات ومخاطر أمام الثورة السورية