أدت الحرب في السودان إلى تغييرات جذرية في أوضاع السودانيين داخل بلادهم وخارجها. من بين هذه التغييرات، برزت تحويلات السودانيين المغتربين إلى مصر كعامل اقتصادي مهم، ساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المصري، ولكنه في الوقت ذاته يعكس الخسائر الاقتصادية التي تكبدها السودان بسبب الحرب.

---------------------------------

*تحويلات السودانيين: مصدر للعملة الصعبة في مصر*

مع تصاعد وتيرة الحرب في السودان، نزح ملايين السودانيين إلى دول الجوار، وكانت مصر الوجهة الأكثر استقبالًا لهم.

أصبح هؤلاء اللاجئون يعتمدون بشكل رئيسي على الدعم المالي من أقاربهم المغتربين في دول أخرى. إذا افترضنا أن هناك مليون أسرة سودانية في مصر، وكل أسرة تصلها تحويلات بقيمة 1000 دولار شهريًا من الأقارب، فإن إجمالي التحويلات سيكون مليار دولار شهريًا، أي ما يعادل 12 مليار دولار سنويًا.

قد يعتقد البعض أن هذا الرقم مبالغ فيه، لنقلل هذا الرقم ولنفترض أن المبلغ ثلثي هذا الرقم، أي حوالي 8 مليارات دولار سنويًا (ما يعادل 666 دولار للأسرة الواحدة بدلاً من 1000 دولار). حتى بهذا التقدير المتحفظ، يظل الرقم كبيرًا للغاية، متفوقًا على إيرادات قناة السويس في عام 2023، التي بلغت 7.2 مليار دولار سنويًا.

---------------------------------

*دور التحويلات في دعم الاقتصاد المصري*

تبرز أهمية هذه التحويلات بشكل أكبر عند النظر إلى إعلان البنك المركزي المصري في أغسطس 2024 عن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 61.4% خلال الربع الثاني من عام 2024، لتسجل 7.5 مليار دولار مقارنة بـ4.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. بينما تُعزى هذه الزيادة جزئيًا إلى الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها مصر مثل تحرير سعر الصرف ورفع معدلات الفائدة، فإن التدفق الهائل لتحويلات السودانيين إلى مصر كان بلا شك عاملاً رئيسيًا في هذه الزيادة الكبيرة.

تحويلات السودانيين لا تقتصر على دعم الاقتصاد الوطني بشكل عام فقط، بل تتجلى أهميتها على المستوى الفردي أيضًا، حيث تسهم بشكل مباشر في تحسين مستوى معيشة العديد من الأسر المصرية. ومن أبرز الفوائد:

1. توفير مصادر دخل ثابتة للأسر: ساعدت تحويلات السودانيين في تحسين الظروف المعيشية للأسر المستفيدة منها، سواء كانت أسر سودانية تقيم في مصر أو أسر مصرية على صلة تجارية وخدمية باللاجئين السودانيين.

2. تنشيط الاقتصاد المحلي: إن الأموال المحولة لا تُنفق فقط على الاحتياجات الأساسية، بل تُضخ أيضًا في الاقتصاد المحلي، حيث تُستخدم في شراء السلع والخدمات، ما يؤدي إلى تنشيط الأسواق المحلية، ويدعم التجار والموردين المصريين.

3. توفير فرص عمل إضافية: مع زيادة الإنفاق المحلي الناتج عن التحويلات، ارتفع الطلب على بعض المنتجات والخدمات، ما أدى إلى خلق فرص عمل جديدة للمصريين.

4. دعم الشرائح الأكثر تأثرًا بالتضخم: ساعدت التحويلات الأسر على تحمل أعباء ارتفاع الأسعار، مما قلل من تأثير التضخم.

5. تعزيز الاستقرار الاجتماعي: قللت هذه التحويلات من مستوى الفقر لدى بعض الأسر، مما ساهم في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي.

---------------------------------

*تدهور الاقتصاد المصري وتحويلات السودانيين: عامل إنقاذ في الأوقات الحرجة*

في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من تدهور حاد، بفعل الأزمات الاقتصادية المستمرة مثل التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات، تُعتبر تحويلات السودانيين إلى مصر من العوامل التي ساعدت في تخفيف آثار هذه الأزمات. مع ضعف احتياطيات مصر من العملة الأجنبية نتيجة تراجع الإيرادات من السياحة وقناة السويس، كانت تحويلات السودانيين بمثابة طوق نجاة، حيث ساعدت في تعزيز السيولة النقدية في الأسواق المحلية. وبالرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، فإن الدعم المالي الذي تقدمه التحويلات من المغتربين السودانيين يعد بمثابة عامل إنقاذ أساسي في هذه الأوقات الحرجة، حيث تساهم في استقرار الاقتصاد المصري في ظل الظروف الراهنة.

---------------------------------

*شراء السودانيين للعقار في مصر*

إلى جانب التحويلات المالية التي تساعد في دعم الاقتصاد المصري، أصبح شراء السودانيين للعقارات في مصر ظاهرة ملحوظة في السنوات الأخيرة. فمع الظروف الاقتصادية الصعبة في السودان، وجدت العديد من الأسر السودانية في مصر ملاذًا آمنًا، سواء من حيث الاستقرار الاجتماعي أو كاستثمار طويل الأجل.

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن السودانيين يشكلون نسبة كبيرة من سوق العقارات في بعض المناطق المصرية، مثل القاهرة والإسكندرية. قد تكون القيمة التقديرية لتلك الاستثمارات في قطاع العقارات تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار سنويًا.

---------------------------------

*الترجيح بين المنفعة والضغط على المواطن المصري*

من المهم هنا أن نبحث في الترجيح بين الفوائد التي حققتها التحويلات السودانية للاقتصاد المصري، وبين الأضرار التي قد تتسبب فيها لبعض المواطنين المصريين، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الإيجارات. ففي الوقت الذي نشهد فيه تماسكا في الاقتصاد المصري بفضل هذه التحويلات وغيرها، فإن هذا الاستقرار الاقتصادي لا يخلو من تبعات، إذ يترتب عليه زيادة الضغوط على المواطنين المصريين، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الإيجارات.

من جانب المنفعة، تعد تحويلات السودانيين إلى مصر واحدة من أبرز مصادر العملة الصعبة في البلد. فهذه التحويلات تُسهم بشكل كبير في تعزيز السيولة النقدية داخل الأسواق المحلية، مما يدعم الاقتصاد المصري ويُحسن قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية مثل التضخم وقلة احتياطي العملة الأجنبية. وبفضل هذه الأموال، شهدت الأسواق المحلية زيادة في الطلب على السلع والخدمات، مما ساهم في تحفيز التجارة المحلية ودعم النشاط الاقتصادي بشكل عام.

إضافة إلى ذلك، فإن الأموال التي يتم تحويلها من قبل السودانيين تساعد في رفع مستوى معيشة العديد من الأسر المصرية التي تتعامل مع السودانيين سواء من خلال الأنشطة التجارية أو الخدماتية، وبالتالي تساهم بشكل غير مباشر في دعم الاقتصاد الشعبي المحلي. هذا يعني أن التحويلات لم تقتصر على الفائدة المباشرة للاقتصاد الكلي، بل ساهمت أيضًا في تحسين الوضع الاقتصادي للأفراد.

على الجانب الآخر، يبقى الضرر المترتب على هذا التدفق الكبير للتحويلات المالية، والمتمثل في ارتفاع أسعار الإيجارات، عاملًا يؤثر سلبًا على المواطن المصري. حيث يجد المواطن نفسه مضطراً لدفع أسعار مرتفعة مقابل إيجار شقة أو منزل، مما يزيد العبء المالي عليه. هذه الزيادة تؤثر بشكل خاص على الطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل التي تعاني أساسًا من التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ورغم أن ارتفاع أسعار الإيجارات يعود جزئياً إلى زيادة الطلب الناتج عن تدفق التحويلات السودانية، فإن هذه الزيادة يمكن أن تُعتبر ضارة إذا تم النظر إليها من زاوية المواطن العادي الذي يواجه صعوبة في تغطية نفقات حياته اليومية. هذه الزيادة في الأسعار تشكل عبئًا إضافيًا في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ما يجعل من الصعب على البعض تحمل تكاليف المعيشة.

لكن، من جانب آخر، إن استقرار الاقتصاد المصري الذي تحققه هذه التحويلات لا يمكن التقليل من أهميته. هذه التحويلات لا تقتصر فقط على تحسين الوضع المعيشي للمستفيدين منها، ولكنها أيضًا تعزز قدرة مصر على تلبية احتياجاتها المالية في وقت الأزمات. وبالتالي، رغم أن تأثير هذه التحويلات قد يؤدي إلى زيادة في الأسعار في بعض القطاعات مثل قطاع العقارات، فإن الفائدة الكبرى تبقى في دعم الاستقرار المالي والاقتصادي العام، وهو ما يجعل من الصعب تجاهل الفوائد الاقتصادية التي توفرها هذه التحويلات.

وبالتالي، في ظل الظروف الحالية التي تمر بها مصر، تظل التحويلات السودانية جزءًا أساسيًا من استقرار الاقتصاد المصري، رغم الآثار الجانبية التي قد تترتب على المواطن المصري البسيط، خاصة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة. ولكن، في النهاية، من الضروري النظر إلى هذه التحويلات باعتبارها أحد المصادر الحيوية التي تدعم الاقتصاد في وقت الأزمات، رغم تحدياتها المحلية التي قد تحتاج إلى إدارة دقيقة.

---------------------------------

*أزمة السودان: "رب ضارة نافعة"*

وكما يقولون؛ رب ضارة نافعة، فقد كانت أزمة السودان سبباً غير متوقع لدعم الاقتصاد المصري في هذه الأوقات الحرجة. ولعل من المهم توضيح أن الفائدة التي تحققها مصر من الأزمة السودانية ليست محل قلق لنا كسودانيين، بل تسعدنا؛ فنحن نتمنى كل الخير والرخاء لأشقائنا المصريين. مصر كانت وستظل بلدنا كما هي بلدهم.

ومع ذلك، اضطُررنا لذكر هذه المعلومات لأن هناك أصواتًا تتحدث عن السودانيين باعتبارهم عالة على مصر أو سببًا في تفاقم الأزمات الاقتصادية. فقط أردنا من هذا المقال أن نسلط الضوء على الحقائق لإزالة هذه الصورة السلبية، حتى لا يُظلم السودانيون مرتين؛ مرة بسبب الحرب التي شردتهم من بلادهم، ومرة بسبب سوء الفهم في بلد اللجوء.

------‐--------------------------

*الأصوات الساخطة وقضية الغرامات*

في الآونة الأخيرة، ازدادت الأصوات الساخطة على اللاجئين السودانيين، حتى أن البعض طالب بفرض غرامات مالية باهظة تصل إلى 2000 دولار سنويًا على كل لاجئ. هؤلاء يؤكدون أن مصر تستضيف 9 ملايين لاجئ، مما يعني أن هذه الغرامات ستدر 18 مليار دولار على الخزانة المصرية سنويًا، وفقًا لطرحهم.

هذه الفكرة تجعلنا نتساءل: هل يريد البعض تحويل قضية اللاجئين إلى وسيلة استثمارية لدعم الاقتصاد المصري؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن هذه النظرة تُفقد القضية بعدها الإنساني تمامًا.

لابد أن نتذكر أن الأزمة السودانية هي كارثة إنسانية قبل أن تكون فرصة اقتصادية. ما حدث للسودانيين اليوم قد يحدث لأي شعب آخر، بما في ذلك الشعب المصري لا قدر الله. فهل سيرضى هؤلاء أن يتم التعامل معهم بالطريقة نفسها إذا كانوا في موضع اللاجئين؟

---------------------------------

*الحكومات السودانية وتحويلات المغتربين*

في الوقت الذي استطاعت فيه مصر الاستفادة بشكل مباشر من تحويلات السودانيين لدعم احتياطياتها من العملة الأجنبية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، عجزت الحكومات السودانية المتعاقبة عن الاستفادة من تحويلات المغتربين السودانيين. ويرجع هذا الفشل إلى عدة أسباب، أبرزها السياسات المصرفية الخاطئة التي دفعت التحويلات إلى السوق السوداء بدلًا من النظام المصرفي الرسمي.

---

*كلمة شكر للشعب المصري*

في الختام، لا ننسى أن نتقدم بخالص الشكر والعرفان للشعب المصري الذي جسّد أسمى معاني الأخوة واحتضن السودانيين خلال هذه الظروف العصيبة. لقد تجلى كرم الشعب المصري في فتح بيوتهم وقلوبهم لأشقائهم السودانيين، مما خفف من معاناتهم وساهم في تحسين ظروفهم المعيشية.

*كما نأمل أن يستمر التعامل مع قضية اللاجئين السودانيين من منظور إنساني يعكس أخلاق الشعب المصري وتاريخه المشرف في احتواء الأزمات، بدلاً من تحويل القضية إلى أداة اقتصادية بحتة.*

*سيد محمد*

sayedalsaga@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ارتفاع أسعار الإیجارات دعم الاقتصاد المصری الاقتصادیة التی الأسواق المحلیة فی دعم الاقتصاد السودانیین إلى هذه التحویلات دولار سنوی ا هذه الزیادة على المواطن ملیار دولار فی السودان المصری فی فی الوقت فی تحسین إلى مصر فی مصر

إقرأ أيضاً:

إلهام شاهين تكشف سبب فشلها في الإنتاج وتأثير عداواتها على شقيقها

متابعة بتجــرد: حلَّت الفنانة إلهام شاهين ضيفةً على برنامج “سابع سما”، الذي تقدّمه الإعلامية راغدة شلهوب، حيث تحدّثت خلال اللقاء عن مواضيع مختلفة، ومن بينها فشلها في الإنتاج.

وعن فشلها في مجال الإنتاج، أوضحت إلهام أن السبب هو أنها ليست “تاجرة”، إذ إن السينما تحتاج فناً وصناعة قوية وتجارة، وفي ذلك الوقت لم تكن تملك الخبرة الكافية في كيفية تسويق أعمالها وبيعها، وقالت: “أنا لست تاجرة… ومن أجل عمل سينما، لا بدّ من التركيز على الفن والصناعة والتجارة، لكنني أغفلت الجانب الأخير، ولم تكن لدي الخبرة الكافية لتسويق الأعمال من أجل الحصول على المال”.

أما بالنسبة الى عدم تحقيق شقيقها أمير شاهين الشهرة في مجال التمثيل، فقالت إنه تأثر بعداواتها في الوسط الفني، وشدّدت على أن شقيقها قدَّم أدوار بطولات، قبل أن تنخرط هي في مجال التمثيل.

وعلّقت إلهام شاهين على الجدل الذي حصل في وقتٍ سابق، بعدما وصفت زميلتها الفنانة نبيلة عبيد بـ”والدتها”، قائلةً: “معلش دي حاجة ما تزعّلش، بس أنا ماما كانت صغيرة أوي، كان بيني وبينها 16 سنة، وهو مش فرق كبير، أنا قلت ذلك احتراماً لها”.

ولفتت إلى أنهما تصالحتا بعدما شعرت نبيلة بالإساءة من كلامها، وأشادت إلهام بها معدِّدةً خصالها الحَسنة، مُشيرةً الى أن قلبها طيب وتتصل دائماً مع الآخرين للاطمئنان عليهم.

main 2025-03-04Bitajarod

مقالات مشابهة

  • برلماني: تحقيق توازن العملة الصعبة يعكس قوة الاقتصاد المصري
  • رئيس الوزراء يشرح عددا من المؤشرات الإيجابية التي تتعلق بالاقتصاد المصري
  • نائب وكيل الملك: شبكة التشهير والابتزاز المعلوماتي التي تنشط انطلاقا من كندا تضم مشتبه فيهم تلقوا تحويلات مالية من ضحايا الابتزاز
  • شاهد بالصورة والفيديو.. في مشهد خطف القلوب وأعاد للمتابعين أيام “السيدة سنهوري”.. المئات من السودانيين بمدينة بورتسودان يتسابقون ويسجلون رقم قياسي خلال أداء صلاة التراويح مع الشيخ الزين محمد أحمد
  • إلهام شاهين تكشف سبب فشلها في الإنتاج وتأثير عداواتها على شقيقها
  • وزيرة التخطيط: نتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% بنهاية يونيو 2025
  • مركز الملك سليمان للاغاثة يقدم الرعاية لمرضى الفشل الكلوي من السودانيين بمصر
  • المشاط: نتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% بنهاية يونيو 2025 و4.5% في العام المالي المقبل
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • مذكرة من الكُتّاب والأدباء والنشطاء السودانيين إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب بوقف الحرب في السودان وحماية المدنيين