سودانايل:
2025-02-27@05:01:47 GMT

مسارب الخروج من المحنة

تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT

لولا بعضٌ من الأمل وقليلٌ من التفاؤل لأمكَن الجزمُ بأنّا تجاوزنا فرصَ استعادة الدولة الموحدة إن لم نكن توغلنا على سكة التفتت.أكثر من عنصر يعزز تلك الفرضية المُرّة . لعل بينها-إن لم يكن أبرزها- العقليةَ المتحكمة في إدارة الأزمة الراهنة . فحتى عند ثبوت صدقية بيانات العسكر بتحقيق انتصار حاسم على الجنجويد ،سيجد الجنرالات أنفسهم في النهاية أمام معارك لا تقل شراسة.

فالعقلية المهيمنة على إدارة الأزمة تجعلها آخذة في الاستفحال. فالجنرالات سيواجهون حتما الميليشيات المستولدة إبان الحرب الراهنة .هؤلاء هم أدعياء الانتصارات المعلنة حاليا على الجنجويد . أو تستمر المعارك بينهما من جهة ومعسكر الثورة على الجانب الآخر. هذه حربٌ حتمية مؤجلة لم يفطن لها الجنرالات المهوسون بالحرب و المفتونون بها بعد.
*****

هي حرب حتمية كذلك حال تحقيق عصابات الجنجويد أحلامهم المستحيلة بانتصار يتيح لهم اغتصاب الدولة. فهم مصطدمون لامحالة مع ثوار ديسمبر إذا ما حسموا معاركهم المبعثرة على خارطة الوطن كرا وفرا مع الجنرالات وميليشياتهم المستأنسة و المستنفرة . هذه السيناريوهات تطيل أمد الاقتتال فتطول عذابات الأبرياء وتزداد أعداد الجياع بينما تنحسر هيبة الجيش والدولة و تتضعضع مؤسساتها. مما يعزز فرضية استطالة الأزمة كذلك لجهة التفتت غياب قائد يتمتع بجاذبية الزعامة يُشهد له بالحنكة العسكرية أو الحكمة السياسية، أوالدربة المهنية . فغالبية الهواة الجوالين على خشبة المسرح -لا جميعُهم درءاً للتيئيس - يفتقرون للفضائل المهنية ،الأخلاقية و الفكرية .
*****

فالحرب الدائرة طوال سنتين على اتساع مساحة البلد محورها ووعظمها السلطة ليس غير . هذا الصراع المشرّب بالدماء المهدرة والأرواح المزهقة هو في جوهره اصطراع على مفاصل الحكم والثروة ومفاتيحها. لا مجال للنكران خاصة إذا صدقت تسريبات عن إتفاق ثلاثي على تأمين إعادة ضخ نفط الجنوب مقابل اقتسام العائدات .جميع الأطراف المشاركين في الحرب متورطون في تخليق الكارثة وتأجيجها حتى أمسوا جزءً منها.فإن ذهابُهم جميعا يمثل أحدَ خطوط خارطة الخروج من الأزمة . إذا كان الجنرالات يتحملون المسؤولية الكبرى بدءً من خطيئة الانقلاب مروراً بإثم الحرب وتداعياتها بما في ذلك التفريط في حماية العائلات على نحو ما يعرّضهم للنزوح الجماعي والانفرادي فإن شركاءهم في السلطة يتحملون أثقالا من أوزارٍ تبلغ درجة السقوط في الفشل أو الخيانة.
*****

التلويح بنصر حاسم وشيك أكذوبةٌ اكثر من حقيقة كونها أمنية .كثرةَ تردادها عرّتها من الصدقية حتى غدت كأنها مستحيلة. أكثر من ذلك أرباكا ً فالتقدم المعلن عنه لايُنسب ألى الجيش ،بل إلى الميليشيات المؤدلجة والمنفّعة. في حالات محددة تُذكر ميليشيات العصابات المسلحة بحوافز و إغراءات .ذلك إن لم يكن ليٌّ في الحقيقة فإنه طعن ٌفي المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرالات . معضلة هؤلاء الضباط العظام عدم استيعابهم الدرس باهظ الكلفة والنتائج على الجيش ،الشعب والوطن ، وهو لايزال ساخنا. زبدة الدرس (من مأمنه يأتي الحذر). إذ الجنجويد استيلاد من قبل الجنرالات العظام .على أيديهم نشأ وتربى ثم تضخم حتى انقلب عليهم . لمّا يستوعبوا الجدار الشعبي أكثر منعة ووفاءاً من العصابات. استيلاد ميليشيات جديدة مؤدلجة ومحفْزة يؤكد عمليا ضعف المؤسسة العسكرية مهنيًا،اخلاقيا وفكريا. من المؤكد ستعمل هذه الميليشيات على اختطاف أي نصر على الأرض .بل هي بدأت بالفعل في تعظيم دورها إبان العمليات العسكرية الراهنة.كما لم تتردد في نقد الجنرالات عند تحقيق الجنجويد تقدما على جبهات أو هجمات ارتدادية.
*****

أكثر من ذلك فكلما بعُد ذلك النصر المزعوم كلما اتسعت رقعة معاناة الجماهير ، كلما اهترأت الثقة بين الشعب والجيش. مالم يخرج أحد أباطرة الحرب بالاعتذار للشعب عما لحق به من أذى وأضرار ماحقة ومعاناة جسيمة ، لن تسترد المؤسسة العسكرية بعضا مما اهدرت من ثقة الشعب المضاعة . صحيح ارتكبت ميليشيا الجنجويد غالبية إن لم يكن كل الجرائم المستنكرة ضد بنات وأبناء الشعب .لكن كل العقوبات الممكن فرضها على أؤلئك القتلة المتوحشين لا تبرئ القيادات العسكرية والمدنية على الضفة الأخرى من الجريمة في حق الشعب والوطن . چفالتاريخ الطازج يذكر افتتائهم في اختلاق الميليشيا ،تجذيرها،تسمينها استثمارها في العمليات القذرة ضد بنات وابناء الشعب ثم الاستماتة في الدفاع عنها في وجه الجماهير المنادية بتصفيتها الفورية.
*****

أقصر الخطوط إلى طي هذه التراجيديا يتجسد في امتشاق الأطراف المتورطة في إشعال و تأجيجها إرادة سياسية تقبل بموجبها العودة إلى طاولة التفاوض.بغية استكمال هذا المسار السلمي ينبغي إلى جانب التجرد من الشروط المسبقة نزع الخلاصات النهائية الملتبسة بألوان النصر والهزيمة. الهدف ذو الأولوية القصوى هو استعادة هيبة الدولة،عودة الجماهير إلى سكناها،استعادة الاستقرار وفرض الأمن.قبول الحوار يعبّر تلقائيا عن قبول الآخر على حدٍ سواء مع الاقتناع بحتمية إنهاء الحرب. أحد أبرز الدروس المستخلصة من أتون هذه الكارثة الماحقة بألّا بديل عن المعايشة السلمية والعيش المشترك في وطن واحد.إسكات نار الحرب يفتح تلقائيا ملف إعادة بناء الدولة.ما لم تنهض القوى المدنية بمؤسساتها الحزبية بمهام إعادة بناء قواها فردية وموحدة يظل البلد وأهله في المستنقع .كل سياسي يطمع إلى تقدم صفوف الشعب خيارا عليه أداء فريضة النقد الذاتي اعترافا بمساهمته في سقوط الشعب في مستنقع الفتنة.
*****

واهمٌ كل من يتظنى إندثار القضية الوطنية المنادية بالحرية والسلام والعدالة تحت ركام الحرب .أكثر وهما من ياتأسى ضياع الحس الوطني لدى الجماهير إبان الشتات في ملاذات النزوح اللجوء والنزوح . واهمٌ أكثر من يراهن على فتور المناضلين من اجيال المخضرمين ،الفتيات والفتيان الحالمين بصنعاة سودان أفضل .

aloomar@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر

في ذات مرة كان المتمرد حميدتي جالساً مع عدد من الضباط الكبار أو في احتفال عسكري لا أذكر بالضبط و فجأة ذكر أنه فريق أول من غير (ركن) لأن هذه الدرجة تُطلق على الضباط الذين التحقوا بالمعاهد العسكرية و نالوها بعد جهدٍ و مثابرة و علم غزير، و أردف قائلاً (هذه تحتاج لقراية كتيرة).
بدأت الحرب الأخيرة بغتة و مفاجأة للجمهور السوداني في أبريل 2023 ، بعد أن أُكملت كل خيوط المؤامرة بالخارج و من ضمنها زيادة قوات الدعم السريع أضعافًا مضاعفة من ما كانت عليه ، و الانتشار في كل المراكز الحيوية و المهمة التي كانت تحرسها و تُؤتمن عليها، و على طريقة تدريبها كانت الخطة تهدف لانقلاب خاطف و سريع لكن كما يعلم الجميع جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
و بعد ذلك أمر المجرم عبدالرحيم دقلو قواته ، و قد كانت كثيرة العدد و العتاد، أن تستبيح منازل المواطنين فعاثوا فيها الفساد و سرقوا كل محتوياتها من مقتنيات وأثاثات و ذكريات، فلم يتركوا شيئا حتى الأواني المنزلية التي تراكمت بطول السنين لأجل مناسبات الأفراح و الأحزان، و في أحيان أخرى حتى أرضية المنازل لم يتركوها إضافة إلى تدمير البنيات التحتية من مستشفيات و محطات للكهرباء و المياه لتزيد من آلام و معاناة المواطنين، و لذا نجد أن الغُبن و الكراهية تتعاظم و تكبر و كأن الحرب قامت من أجل تعذيب الناس، هذه الحرب قد دمرت كل شيء إلا الإرادة الوطنية السامية.
و من قصص معركة الكرامة التي نشهد خواتيمها الآن، بذلت القوات المسلحة صمودا نادرا في الدفاع عن مقراتها و اصطف الشعب من حولها اصطفافا غير مسبوق و هذه من كرامات المعركة و دعوات أهل السودان أن يلطف الله بوطنهم، حيث كان من المفترض استبدال الشعب كله بشعب آخر و من ثمة سرقة موارد البلاد رويدا رويدا و بيعها أو تقديمها للكُفلاء على طبقٍ من ذهب. و الناس و العالم كله يرى بأم عينه ما جرى في السودان من انتهاكات يندى لها وجه الإنسانية.
الكفيل الشرعي يدفع بسخاء لتزويد المتمردين بالأسلحة المتطورة و جلب المقاتلين المرتزقة من بعض دول الجوار ليقاتلوا في المعركة و يزيدوا من أوار الحرب و يحققوا كل أغراضها كما جاء في خططهم الأولى … و لكن الجيش و القوات المساندة الأخرى، و مِن خلفهم الشعب استردوا شيئا فشيئا، وعنوة واقتداراً، كل ما استلبه التمرد ، و عمت الفرحة كل السودانيين في الداخل و الخارج في مواكب فرح لا نهائي بعد أن أذاقهم التمرد (الفاشي) كل ويلات الحرب من إبادة جماعية و تطهير عرقي و قتل على الهوية و اغتصاب للنساء الحرائر و ترويع للطمأنينة العامة للأطفال و كبار السن، و في انتظار العُرس الخاتم بطرد التمرد من كل شبر دنسه من أرض السودان لتكون الأمة السودانية قد قاومت بدماء الشهداء أكبر مشروع استيطاني و تآمري على دولة حرة ذات سيادة.
هذا البذل الوطني الكبير يحتاج إلى توثيق دقيق و ممنهج من كل الجهات المبدعة في السودان من الكُتّاب و الصحفيين و المخرجين و التشكيليين و السينمائيين إضافة للإعلام العسكري لإنتاج أفلام و كُتب عن معركة الوجود السوداني الذي تمثله معركة الكرامة، و ذلك بتجميع القصص و الروايات عن بسالة القوات المسلحة و صمود الشعب و صدهما للهجمة التتارية الهوجاء.
الحرب مَسّت كل مواطن في السودان بدون استثناء الغني و الفقير و المهمش و غير المهمش و الذي يعمل عمل عملا راتبا و الآخر الذي على باب الله، كلهم خسروا خسارات فادحة حتى ذكرياتهم من الصور الفوتغرافية و الشهادات الأكاديمية و مكتباتهم الشخصية ناهيك عن أكبر الأشياء و أبسطها.
سنلتقي في الوطن قريبا بإذن الله من أماكن النزوح في المناطق الآمنة و عواصم اللجوء المختلفة. شكرا كثيرا و جزيلا و حميما لأبناء السودان المغتربين في كل فجٍّ عميق على المساندة اللازمة و المساهمة الفاعلة في حفظ كيان و كرامة أهله.

عادل عبدالرحمن عمر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • جهاد الحرازين: أمي رفضت الخروج من غزة للعلاج وفضلت الموت على ركام المنزل
  • الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر
  • إقالة كبار الجنرالات لضمان الولاء المطلق والسيطرة.. هل يعيد ترامب تشكيل البنتاغون؟
  • الجنجويد الموجودين حالياً في الخرطوم هم جنجويد درجة سابعة
  • محللان: استعادة حماس قوتها العسكرية ترفع سقفها التفاوضي مع إسرائيل
  • أستاذ علوم سياسية: أكثر من 72% من الإسرائيليين يرغبون في وقف الحرب
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. «نتنياهو» يهدد باستئناف الحرب في غزة ويوسع العمليات العسكرية بالضفة
  • العدو يمسح بيانات أكثر من ألفى أسرة بالكامل في غزة
  • العدوان الصهيوني أدى إلى مسح بيانات أكثر من ألفى أسرة بالكامل
  • الحرب الأوكرانية.. كيف تحدد الجغرافيا العسكرية مسار الحل السلمي؟