لولا بعضٌ من الأمل وقليلٌ من التفاؤل لأمكَن الجزمُ بأنّا تجاوزنا فرصَ استعادة الدولة الموحدة إن لم نكن توغلنا على سكة التفتت.أكثر من عنصر يعزز تلك الفرضية المُرّة . لعل بينها-إن لم يكن أبرزها- العقليةَ المتحكمة في إدارة الأزمة الراهنة . فحتى عند ثبوت صدقية بيانات العسكر بتحقيق انتصار حاسم على الجنجويد ،سيجد الجنرالات أنفسهم في النهاية أمام معارك لا تقل شراسة.
*****
هي حرب حتمية كذلك حال تحقيق عصابات الجنجويد أحلامهم المستحيلة بانتصار يتيح لهم اغتصاب الدولة. فهم مصطدمون لامحالة مع ثوار ديسمبر إذا ما حسموا معاركهم المبعثرة على خارطة الوطن كرا وفرا مع الجنرالات وميليشياتهم المستأنسة و المستنفرة . هذه السيناريوهات تطيل أمد الاقتتال فتطول عذابات الأبرياء وتزداد أعداد الجياع بينما تنحسر هيبة الجيش والدولة و تتضعضع مؤسساتها. مما يعزز فرضية استطالة الأزمة كذلك لجهة التفتت غياب قائد يتمتع بجاذبية الزعامة يُشهد له بالحنكة العسكرية أو الحكمة السياسية، أوالدربة المهنية . فغالبية الهواة الجوالين على خشبة المسرح -لا جميعُهم درءاً للتيئيس - يفتقرون للفضائل المهنية ،الأخلاقية و الفكرية .
*****
فالحرب الدائرة طوال سنتين على اتساع مساحة البلد محورها ووعظمها السلطة ليس غير . هذا الصراع المشرّب بالدماء المهدرة والأرواح المزهقة هو في جوهره اصطراع على مفاصل الحكم والثروة ومفاتيحها. لا مجال للنكران خاصة إذا صدقت تسريبات عن إتفاق ثلاثي على تأمين إعادة ضخ نفط الجنوب مقابل اقتسام العائدات .جميع الأطراف المشاركين في الحرب متورطون في تخليق الكارثة وتأجيجها حتى أمسوا جزءً منها.فإن ذهابُهم جميعا يمثل أحدَ خطوط خارطة الخروج من الأزمة . إذا كان الجنرالات يتحملون المسؤولية الكبرى بدءً من خطيئة الانقلاب مروراً بإثم الحرب وتداعياتها بما في ذلك التفريط في حماية العائلات على نحو ما يعرّضهم للنزوح الجماعي والانفرادي فإن شركاءهم في السلطة يتحملون أثقالا من أوزارٍ تبلغ درجة السقوط في الفشل أو الخيانة.
*****
التلويح بنصر حاسم وشيك أكذوبةٌ اكثر من حقيقة كونها أمنية .كثرةَ تردادها عرّتها من الصدقية حتى غدت كأنها مستحيلة. أكثر من ذلك أرباكا ً فالتقدم المعلن عنه لايُنسب ألى الجيش ،بل إلى الميليشيات المؤدلجة والمنفّعة. في حالات محددة تُذكر ميليشيات العصابات المسلحة بحوافز و إغراءات .ذلك إن لم يكن ليٌّ في الحقيقة فإنه طعن ٌفي المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرالات . معضلة هؤلاء الضباط العظام عدم استيعابهم الدرس باهظ الكلفة والنتائج على الجيش ،الشعب والوطن ، وهو لايزال ساخنا. زبدة الدرس (من مأمنه يأتي الحذر). إذ الجنجويد استيلاد من قبل الجنرالات العظام .على أيديهم نشأ وتربى ثم تضخم حتى انقلب عليهم . لمّا يستوعبوا الجدار الشعبي أكثر منعة ووفاءاً من العصابات. استيلاد ميليشيات جديدة مؤدلجة ومحفْزة يؤكد عمليا ضعف المؤسسة العسكرية مهنيًا،اخلاقيا وفكريا. من المؤكد ستعمل هذه الميليشيات على اختطاف أي نصر على الأرض .بل هي بدأت بالفعل في تعظيم دورها إبان العمليات العسكرية الراهنة.كما لم تتردد في نقد الجنرالات عند تحقيق الجنجويد تقدما على جبهات أو هجمات ارتدادية.
*****
أكثر من ذلك فكلما بعُد ذلك النصر المزعوم كلما اتسعت رقعة معاناة الجماهير ، كلما اهترأت الثقة بين الشعب والجيش. مالم يخرج أحد أباطرة الحرب بالاعتذار للشعب عما لحق به من أذى وأضرار ماحقة ومعاناة جسيمة ، لن تسترد المؤسسة العسكرية بعضا مما اهدرت من ثقة الشعب المضاعة . صحيح ارتكبت ميليشيا الجنجويد غالبية إن لم يكن كل الجرائم المستنكرة ضد بنات وأبناء الشعب .لكن كل العقوبات الممكن فرضها على أؤلئك القتلة المتوحشين لا تبرئ القيادات العسكرية والمدنية على الضفة الأخرى من الجريمة في حق الشعب والوطن . چفالتاريخ الطازج يذكر افتتائهم في اختلاق الميليشيا ،تجذيرها،تسمينها استثمارها في العمليات القذرة ضد بنات وابناء الشعب ثم الاستماتة في الدفاع عنها في وجه الجماهير المنادية بتصفيتها الفورية.
*****
أقصر الخطوط إلى طي هذه التراجيديا يتجسد في امتشاق الأطراف المتورطة في إشعال و تأجيجها إرادة سياسية تقبل بموجبها العودة إلى طاولة التفاوض.بغية استكمال هذا المسار السلمي ينبغي إلى جانب التجرد من الشروط المسبقة نزع الخلاصات النهائية الملتبسة بألوان النصر والهزيمة. الهدف ذو الأولوية القصوى هو استعادة هيبة الدولة،عودة الجماهير إلى سكناها،استعادة الاستقرار وفرض الأمن.قبول الحوار يعبّر تلقائيا عن قبول الآخر على حدٍ سواء مع الاقتناع بحتمية إنهاء الحرب. أحد أبرز الدروس المستخلصة من أتون هذه الكارثة الماحقة بألّا بديل عن المعايشة السلمية والعيش المشترك في وطن واحد.إسكات نار الحرب يفتح تلقائيا ملف إعادة بناء الدولة.ما لم تنهض القوى المدنية بمؤسساتها الحزبية بمهام إعادة بناء قواها فردية وموحدة يظل البلد وأهله في المستنقع .كل سياسي يطمع إلى تقدم صفوف الشعب خيارا عليه أداء فريضة النقد الذاتي اعترافا بمساهمته في سقوط الشعب في مستنقع الفتنة.
*****
واهمٌ كل من يتظنى إندثار القضية الوطنية المنادية بالحرية والسلام والعدالة تحت ركام الحرب .أكثر وهما من ياتأسى ضياع الحس الوطني لدى الجماهير إبان الشتات في ملاذات النزوح اللجوء والنزوح . واهمٌ أكثر من يراهن على فتور المناضلين من اجيال المخضرمين ،الفتيات والفتيان الحالمين بصنعاة سودان أفضل .
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
الآن أدرك الجنجويد بأس القوات المسلحة وقُدرتها المستمدة من شعبها بعد الله
بسم الله الرحمن الرحيم
٢٦ رمضان ١٤٤٦ هجرية
26 مـارس 2025 م
*الهرووووب المُذل*
✍️???? لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد
المشهد المصوّر من على جسر جبل أولياء اليوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر رمضان مشهد محتشد بالمعاني، ذاخر بالعبر، إحتل موقعه في ذاكرة التاريخ البشري الأكثر إثارة، تضاهي هزائم الجيوش، والهجرات القسرية.
هذه الألوف من الجنجويد تتزاحم مناكبهم على صراط الممر الضيّق في خزان جبل أولياء هربًا مما يكرهون، ورغبًا في النجاة، وطلبًا للسلامة ( *لا سلّمهم الله* ) كأسراب النمل، أو قطعان رزايا المعز الموبوء بداء ( *أبونيني* ) عليهم سرابيل من قطران الذُل وعلى أعناقهم واذقانهم أغلال الخزي والهزيمة، وجوههم مقمحة تنوء ظهورهم بالأوزار، وأثقال ما إكتسبوا، يشيعون في هذا الموكب الجنائزي نعش آل دقلو، وأطماع الإمارات وشهوات القحاطة الشاذة، يحملونها إلى المزابل حيثُ تستحق.
تتبعهم اللعنات، وتلاحقهم دعوات المظلومين التي ليس بينها وبين الله حجاب، فقد غدروا بالناس في ذات اليوم السادس والعشرين من رمضان العام ٢٠٢٣م، وبعيد عامين دارت عليهم الأيام فشربوا المُر، وتجرّعوا السم، وسيموا سوء العواقب والعذاب، فأُخرجوا صاغرين، مشيًا على الأقدام، عُراة من أزياء الدعم السريع الفاخرة، وعلامات الزيف والخلا، خرجوا عالة حُفاة دون مركبات الدعم السريع بعشرات الآلاف التي تلقفتها آلة القوات المسلحة، فتبددت بين مغنمٍ وحطام، خرجوا مذعورين كالفئران وتخلّوا عن رفع أصابعهم ( *يا نصُر، يا شهادة* )
والآن تأكّد لهم أنه لا نصر لهم ولا شهادة، ببيّنات أعمالهم، فحال الأسرى الذين تم تحريرهم اليوم يشرح مقدار بطش ووحشية هؤلاء الجنجويد، وإنعدام الحسّ الإنساني فيهم،
أمّا حاويات حرق الأسرى فذلك شأنٌ لم يسبقهم به أحد، إلا دعاية اليهود في جرائم الهولوكوست في عهد النازيّة،
وقد ظهر أحد قادتهم من قبل ( *عميد خلا* ) يشرح طريقة التعذيب والحرق داخل الحاويات، بإيقاد النار من تحتها وتغطية الرؤوس في أكياس مليئة بالشطّة، ووضح أنّ هذا النوع من التعذيب له نتائج إيجابية،
هي نفس مقتلة أصحاب الأخدود وظُلم النمرود ( *حميدتي البعاتي* ) ضاقت عليهم رحاب الخرطوم، ولفظتهم العمارات والبيوت التي إحتلوها بغير حق، وجلبوا عوائلهم من كل مكان للإستيطان في ديار ( *الجلابة ودولة ٥٦* ) وهم يتفكهون على هذا الفيء السهل الذي حازوه برفقة آل دقلو.
الآن وفي هذه اللحظات بالتحديد والكون يلبس جلابيب الظلام، هم هائمون بلا هداية ولا قيادة، امامهم رمال كردفان القاحلة في هذا الفصل، وإنسان كردفان الذي بالغوا في أذيته ونهبوا مُدنه، وتشهد أم روابة والرهد، والخوي، والأُبيض على جرائمهم، ولذلك لن يرحّب بهم أحد، لن يضيّفهم أحد، لن يتعاطف معهم أحد، فهم لا يستحقون الضيافة، ولا القرى ( *الطعام* ).
سيتعذّبون بالجوع والمرض، والعطش والإحساس بالقهر والمهانة والخسران، سيلعنون آل دقلو الذين أوردوهم موارد الهلاك، وتخلّوا عنهم، ولفظوهم، ولا أحد يُجيب عن سؤالهم: أين ( *حميدتي وأخوانه وعوائلهم* ؟ ).
الآن أدرك الجنجويد بأس القوات المسلحة وقُدرتها المستمدة من شعبها بعد الله سبحانه وتعالى،
وقد رأوا مصارعهم رأي العين، وشهدوا الشعب السوداني كيف فرح وإحتفل بالإنتصار عليهم ( *عدا القحاطة طبعًا* ) وكيف أعلن القائد العام من داخل القصر الرئاسي بالخرطوم أنّ الخرطوم العاصمة المثلثة خالية من الجنجويد، بعدما هبط بطائرته في مطار الخرطوم الدولي،
لتنتهي القصة وتخلص الحكاية، وينقشع الظلام ويزول الأذى، ويذهب الخوف والهم والغم،
وتعود العوافي للمدينة الجميلة، وترفرف رايات النصر وأعلام الحق فوق السواري.
إنه نصرٌ عزيز وفتحٌ كبير كان مهره أنفس عزيزة، وأرواح غالية وطاهرة، قيادات، وضبّاط، وصف، وجنود، ومجاهدين، ومشتركة، وأمن، وإحتياطي مركزي، وعمل خاص، وقوات إسناد ظاهرة ومستترة، كلّها مهرت هذا النصر بالدماء، بلا منّ ولا أذى، ليسلم الوطن، والدين، والعرض، والنفس ة، والمال.
الحمد لله الذي شفى صدور أهل السودان وهم يرون الجنجويد أذلاء، مهزومين، مقهورين، مجندلين، أسرى، مشرّدين، هاربين، تاركين المسروقات وراءهم.
الحرب ضد الجنجويد ما تزال مستمرة، كما وعد القادة، وكما يريد الشعب، تجب ملاحقتهم إلى أي جحر دخلوه، ولن تعصمهم الحواضن الفاسدة في دارفور وجنوب وغرب كردفان، ولن تُغني عنهم شيئًا بحول الله.
يجب أن يدفعوا الثمن غاليًا، لا تراود أحدًا كائنًا من كان، أن يفكر من جديد، بتحدّي القوات المسلحة السودانية.
أمّا الدول الداعمة فإن الحساب ولد.
وقسمًا سيرُد السودان الصاع صاعين .
والرهيفة التنقد.
*عيد بلا جنجويد*
*الله اكبر والنصر لنا*
*والخزي والعار للجنجويد والقحاطة*