وزير الخارجية السوداني: وساطة أردوغان بين السودان والإمارات واعدة وإيجابية
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
علي يوسف الشريف في مقابلة مع للأناضول: تركيا بقيادة الرئيس أردوغان وقفت موقفا كريما وعظيما مع الشعب السوداني ودولته وكانت واضحة في دعمها، - السودان تربطه "علاقات طيبة جدا" مع الإمارات ونأمل أن تنجح مبادرة الرئيس أردوغان في التوسط
عادل عبد الرحيم / الأناضول
** وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف في مقابلة مع للأناضول:
- تركيا بقيادة الرئيس أردوغان وقفت موقفا كريما وعظيما مع الشعب السوداني ودولته وكانت واضحة في دعمها
- آخر ما تقدم به الرئيس أردوغان هو الوساطة بين السودان والإمارات وهذه المبادرة سيكون لها مردودا إيجابيا
- السودان تربطه "علاقات طيبة جدا" مع الإمارات ونأمل أن تنجح مبادرة الرئيس أردوغان في التوسط
- لا عودة إلى مسار مفاوضات جدة إلا بتنفيذ المليشيا (الدعم السريع) لمخرجاته وعلى رأسها الانسحاب من مواقع تحتلها
- المعركة تسير بصورة جيدة والجيش يحقق انتصارات وتعاوننا مع تركيا يلعب دورا بصمود الشعب والجيش
- منفتحون على إنهاء الحرب بشرطين: أن يكون هناك جيشا واحدا للسودان وألا يكون لقادة "الدعم السريع" دور سياسي
صرّح وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف بأن مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للوساطة بين الخرطوم وأبو ظبي "سيكون لها مردود إيجابي" على بلاده.
وأضاف الشريف في مقابلة مع الأناضول: "في هذه الحرب، وجدنا تفهما من القيادة التركية للأوضاع في السودان، وبُحثت المسائل المتعلقة بالحرب بصورة وثيقة جدا".
ومنذ أبريل/ نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق بيانات أممية ومحلية.
وأضاف الشريف أن "تركيا بقيادة الرئيس أردوغان وقفت موقفا كريما وعظيما مع الشعب السوداني والدولة السودانية، وكانت واضحة في كل مواقفها، وهي مع سيادة الدولة السودانية والحفاظ مقدراتها".
وشدد على أن السودان وشعبه تربطه علاقات "وطيدة ووثيقة وتاريخية" مع تركيا حكومة وشعبا.
و"آخر ما تقدم به الرئيس أردوغان هو (عرض) الوساطة بين السودان والإمارات، وهذه المبادرة سيكون لها مردود إيجابي على السودان حكومة وشعبا وقيادة"، كما أردف الشريف.
وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري قالت الرئاسة التركية إن أردوغان أبلغ رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال اتصال هاتفي، استعداد أنقرة للتوسط في حل النزاع بين السودان والإمارات.
واتهم مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، في وقت سابق، الإمارات بإشعال الحرب في بلاده، عبر دعم قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية.
لكن الإمارات نفت تدخلها في الشؤون السودانية الداخلية، وقالت إن "تلك الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها".
** شرط العودة لجدة
ووفق الشريف فإن المبادرة التركية ليست وحدها، فهناك مسار منبر جدة (بين الجيش وقوات الدعم السريع) وهو موجه إلى الجوانب الإنسانية، واتخذ قرارات في مايو/ أيار 2023.
واستدرك: لكن "لم تلتزم المليشيا المتمردة (الدعم السريع) بتنفيذ مخرجات جدة (..) ولا عودة لمسار جدة إلا بتنفيذ المليشيا لمخرجاته، وعلى رأسها الانسحاب من المواقع التي تحتلها".
ومنذ 6 مايو/ أيار 2023 رعت السعودية والولايات المتحدة محادثات بين طرفي الحرب، أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة.
ونصَّ الاتفاق على حماية المدنيين والخروج من الأعيان المدنية، إضافة إلى إعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات وتبادل الطرفان الاتهامات، ما دفع الرياض وواشنطن لتعليق المفاوضات.
** انتصارات كبيرة
وبالنسبة للمعارك على الأرض، شدد الشريف على أن الجيش السوداني يحقق هذه الأيام "انتصارات" كبيرة في "معركة الكرامة"، في إشارة إلى الحرب ضد "الدعم السريع".
وقال إن "هذا يحدث بجهد كبير من الدولة، التي واجهت مؤامرة كبرى منذ 15 أبريل 2023.. مؤامرة استهدفت هوية السودان ومقدرات شعبه".
وأكد أن "الذي يدفع فاتورة هذه الحرب والثمن الغالي لها هو الشعب السوداني؛ لأنه هو الذي يتعرض للانتهاكات غير المسبوقة في تاريخ الشعوب" .
و"ما يتحقق من نصر الآن تلعب فيه المقاومة الشعبية (متطوعون يقاتلون بجانب الجيش) دورا أساسيا، وهم من بين أبناء الشعب قرروا أن يدافعوا عن أرضهم وعرضهم وأهلهم. الآن المعركة تسير بصورة جيدة جدا"، حسب الشريف.
** علاقات متميزة
وبخصوص علاقات بلاده مع تركيا، قال إنها "متميزة" وإن التعاون يمتد في مختلف المجالات، ويلعب دورا كبيرا جدا في صمود الشعب والجيش السوداني وفي الانتصارات التي تتحقق.
وأردف: "في الوقت الذي نخوض فيه المعركة، نقول أيضا إننا منفتحون على أي جهود لإنهاء الحرب والتوصل إلى سلام دائم والوصول لاستقرار السودان وإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
واستدرك: "لكن هناك شرطين أساسيين لهذا السلام، الأول هو أن تنتهي كل الجيوش ويكون هناك جيش واحد للسودان، والثاني ألا يكون لقادة الدعم السريع ومَن وقفوا معهم أي دور سياسي في مرحلة السلام".
وشدد على أن "هذا شرط أساسي، متروك للشعب السوداني أن يحدد مَن يحكمه بعد أن تستقر الأوضاع وتنتهي فترة انتقالية بانتخابات حرة ونزيهة".
** تركيا والإمارات
وبشأن الخلاف مع أبو ظبي، قال الشريف إن "تقرير لجنة الخبراء في مجلس الأمن المُشَكَلَة بموجب القرار 1591، هو الذي أشار إلى أن الإمارات تقدم مساعدات عسكرية (للدعم السريع) عبر مطار في تشاد".
وأضاف: "بعد ذلك حدثت دراسات إحصائية عديدة قامت بها مؤسسات أمريكية وغربية، وأوضحت أن هذا الدعم يأتي من الإمارات".
وأكد أن السودان تربطه "علاقات طيبة جدا" مع الإمارات، وشارك العديد من السودانيين في نهضتها.
الشريف أعرب عن تمنياته بأن "تنجح بعض المبادرات، وبينها مبادرة الرئيس التركي القائد الحكيم المحنك الذي أبدى استعداده، بعد نجاح وساطته بين إثيوبيا والصومال، للتوسط بين السودان والإمارات".
ورأى أن "هذه فرصة يمكن أن تقود إلى مزيد من التفاهم ومزيد من العمل الجاد لوقف الحرب بالصورة التي يريدها السودان".
** روسيا والغرب
وعن العلاقات مع موسكو، قال الشريف إن "علاقتنا مع روسيا واضحة وجيدة جدا وتسير بصورة إيجابية".
وتابع: "الموقف الروسي (من الحرب) إيجابي جدا، والدليل أن روسيا أوقفت قرارا في مجلس الأمن بالفيتو كان يرمي إلى استخدام المجلس لإرسال قوات لحماية المدنيين في السودان".
ورأى أن الموقف الروسي أعطى "درسا هاما" للولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الدول الغربية "أنهم لا يمكن أن يسيروا في اتجاه فرض إرادتهم على الشعوب والدول".
وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قدمت بريطانيا مشروع قرار إلى المجلس يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين من النزاع، دون تحديد الجهة المسؤولة عن تنفيذ ذلك.
وحصل المشروع على موافقة 14 عضوا من أصل 15، بينما عارضته روسيا، إحدى الدول الخمس دائمة العضوية التي تمتلك سلطة النقض (الفيتو).
الشريف قال إن "الولايات المتحدة و الدول الغربية ودول الاتحاد الأوروبي لا ترى في الحرب بالسودان إلا حربا بين طرفين، يعني لا ترى أنها حرب ضد الشرعية، إنما حرب بين طرفين أو جنرالين، وهذا فيه عدم أمانة وازدواجية معايير".
وأردف: "هذه الدول تتحدث عن حقوق الإنسان السوداني والمجاعة، هناك بعض المناطق بها فقر، ولكن الفقر موجود في أمريكا نفسها".
واستدرك: "لكن لا توجد مجاعة (في السودان) بالصورة التي تحاول هذه الجهات تصويرها".
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
وتطرق الشريف إلى انتقال السلطة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
وقال: "نتمنى أن تكون السلطة الجديدة استفادت من الدروس التي مرت علينا جميعا، وأن يكون لها موقف مختلف عن الإدارة الراهنة (برئاسة جو بايدن)، وأن تنظر إلى ما يجري في السودان على أنه محاولة لتفتيته وطمس هويته".
وبشأن التعامل مع الاتحاد الإفريقي، قال الشريف إن "منظمة الاتحاد الإفريقي عندما أنُشئت كان السودان من الدول المؤسسة".
وأشار إلى أن مجلس السلم والأمن الإفريقي اعتبر ما حدث في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، انقلابا وعلق مشاركة الخرطوم في أنشطة الاتحاد.
وقرر الاتحاد تجميد عضوية السودان في 27 أكتوبر 2021، بعد يومين من فرض البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ.
واعتبرت قوى سودانية هذه الإجراءات انقلابا عسكريا، بينما قال البرهان إنها تصحيح لمسار الفترة الانتقالية، وعدد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني، لكن بدأت الحرب الراهنة.
وختم الشريف بقوله: "الآن نعمل من أجل عودة السودان للنشاط في الاتحاد الإفريقي".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بین السودان والإمارات الشعب السودانی الرئیس أردوغان مبادرة الرئیس الدعم السریع فی السودان یکون لها على أن
إقرأ أيضاً:
تحديات السودان مع مطلع 2025
في نهاية 2024 يبدو المشهد في السودان مختلفاً تماماً عما كان عليه في الأيام الأخيرة من العام الماضي. آنذاك واجه الجيش خسارة كبيرة عندما اجتاحت «قوات الدعم السريع» مدني، عاصمة ولاية الجزيرة و«صرة السودان»، بعد انسحاب قيادة الفرقة الأولى مشاة من دون معارك تذكر. تبع ذلك موجة من التساؤلات بشأن مسار الحرب، وحملات من التشكيك بعد أن خسر الجيش مواقع عديدة ومدناً حيوية، وتمددت «قوات الدعم السريع» في مساحات شاسعة، ومعها اتسعت دائرة النزوح القسري للمواطنين، ودورة الانتهاكات الفظيعة والتدمير الممنهج لقدرات البلاد.
اليوم تظهر الصورة مختلفة بشكل كبير بعد الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني والقوات المشتركة وكتائب الإسناد من المستنفرين، متمثلة في استرداد مناطق استراتيجية، واستهداف خطوط الإمداد بما في ذلك تدمير قاعدة الزرق في شمال دارفور التي تعد أهم قواعد «قوات الدعم السريع» وشريان الإمداد بالوقود وشحنات الأسلحة القادمة من الخارج. في غضون ذلك واصل الجيش وحلفاؤه التقدم نحو مدني، واستعادوا السيطرة على معظم أنحاء مدينة بحري وتقدموا للالتقاء مع القوات التي كانت معزولة في سلاح الإشارة، ليبدأ من هناك الزحف لاستكمال استعادة الخرطوم.
ينظر كثيرون إلى هذه التطورات المتسارعة كمؤشر على نقلة نوعية في مسار الحرب توحي بأن مطلع العام الجديد سيشهد تحولات ميدانية ستكون لها انعكاساتها على مجمل الأوضاع، مع تغير موازين القوى بشكل كبير وواضح. ومع ذلك، فإن مستقبل الوضع في السودان يعتمد على جملة من العوامل العسكرية، والسياسية، والإنسانية، والاقتصادية، والخارجية أيضاً.
الانتصارات العسكرية التي تحققت للجيش وحلفائه تمثل فرصة حقيقية لتعزيز الجهود نحو إنهاء الحرب، لكنها ليست حلاً نهائياً بحد ذاتها. فالوضع أعقد من ذلك بكثير، والمعالجات تحتاج إلى نظرة متعمقة في كيفية معالجة آثار هذه الحرب التي هزت السودان بشكل غير مسبوق، وأحدثت فيه جروحاً غائرة واستقطاباً حاداً، بما يستدعي تضافر الجهود، ورؤية حكيمة لكيفية عبور هذا المنعطف بسلام وبالطريقة التي تحافظ على وحدة السودان، وتصد عنه المكايد والمؤامرات التي غذت هذه الحرب.
خلال العام الجديد يمكن أن يشهد السودان نقلة مهمة إذا تم البناء على التحولات العسكرية الأخيرة بطريقة استراتيجية وشاملة تعالج الأزمة بمختلف أبعادها. فتحقيق السلام يتطلب أكثر من الانتصار في المعارك؛ إنه يتطلب رؤية للمعالجة السياسية تتجاوز دعوات الإقصائيين، وتفتح الباب أمام الحوار الشامل، الذي من دونه لن يكون هناك حل حقيقي، أو استقرار يحقق للبلد الوقوف على قدميه لمواجهة حرب أخرى أصعب هي إعادة البناء والإعمار، وجذب المساعدات والاستثمارات الضرورية في المرحلة المقبلة.
التحديات كثيرة، والطريق لن يكون سهلاً. بداية هناك التحدي المتعلق بكيفية معالجة الوضع الإنساني المتفاقم، والمعاناة التي تشتد كلما طال أمد الحرب. فالسيطرة على الأرض لا تعني انفراجاً إذا لم يتبعها توفير الظروف الأمنية، والخدمات الأساسية التي تتيح عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، وتضمن تقديم الإغاثة العاجلة التي يحتاجونها. فالسودان اليوم يواجه واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية المركبة نتيجة التهجير القسري، والتدمير الممنهج للبنى التحتية والمنشآت الخدمية، وتعطل وسائل الإنتاج، وشل الحياة الطبيعية بما في ذلك العمل والتعليم.
تحدٍّ آخر سيتمثل في الطريقة التي سترد بها «قوات الدعم السريع»، والأطراف الخارجية الداعمة لها، وهل ستمضي في الحرب بما يعني إطالة أمدها. فالواضح الآن وفقاً للتحولات في الميدان، وفي موازين القوى، أن محاولة فرض السيطرة على السودان تبددت، وأن أقصى ما يمكن أن يحدث هو فرض واقع تقسيمي في غرب البلاد إلى حين، أو حدوث تحول في موقف الجيش الأخير وقبوله العودة إلى منبر جدة، للتفاوض هذه المرة على شكل انتهاء الحرب انطلاقاً من مفهوم أن الحروب تنتهي عادة بترتيبات عبر التفاوض حتى ولو كان هناك نصر ميداني.
في هذا الإطار فإن هناك عدة أسئلة شائكة مثل: هل بعد كل الانتهاكات التي حدثت، يمكن أن يكون هناك دور لـ«الدعم السريع» في أي مشهد مستقبلي؟ وهل يمكن استيعابها في الجيش الوطني «المهني» الواحد الذي يفترض أن يكون من بين أهداف وخطط مرحلة ما بعد الحرب التي ستشمل أيضاً الفصائل والحركات المسلحة الأخرى؟ وهل أن منحها أي دور مستقبلي سيعني نهاية الحروب في السودان، أم أنه سيشجع آخرين على تكرار تجربتها بكل مرارتها؟
يبقى بعد ذلك التحدي المتمثل في الإرادة السياسية للحل، وما إذا كانت الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش وحلفاؤه ستفتح مجالاً للبدء في خطوات نحو إطلاق حوار وطني سياسي شامل حول مستقبل السودان، وكيف يُحكم بما يحقق له الاستقرار، ويفتح طريق التنمية المتوازنة والمستدامة، ويعالج القضايا الجوهرية المتجذرة بما ينهي دوامة الحروب المستمرة منذ ما قبل الاستقلال والتي كبلت البلد وكلفته أثماناً باهظة.