جدلية الحكم:
حتما ليس طول مدة الحكم ولا بقائه عنوان نجاحه ولا خلوه من الأصوات المضادة أو الإصلاحية دليل صلاحه؛ ولا الحق بكثرة مناصريه ولن يمسي باطلا بقلتهم، والنصح لا يأتي من منافق، ولا الصواب إلا من حصيف. فما سأكتبه هنا نصرة لمستقبل أمة تتراجع عندما لا نعظم الجوانب الإيجابية ممن سبقنا أو من معنا، رغم أن الدارج هو مرآة الساحرة، لذا كثر النفاق والتسول بالتقرب من المتمكنين في أمل تدفعه الأنا عند الطرفين ويصدق "اُتْرُكُوهُمْ.
من أجل هذا نجد أن مراجعة ضرورية لمسار حرج فيه نجاحات وفيه إخفاقات، ونركز على الإخفاقات بغية إصلاحها، وإذا بحثنا في الواقع العربي فإننا سنجد إخفاقات مع سلطات تفتقر إلى الاستقرار. ومن المتجاوز لمتن هذا المقال البحث في الفشل المتواصل وسوء الإدارة فيها، بيد أننا إن نظرنا إلى النظم الوراثية من الملوك والأمراء والمشايخ نجد أنها مستقرة ومعالم الإخفاق فيها ممكن حصرها، لأن فيها أيضا تقدم وتطور مدني يسير بخطى واثقة تعلو وتهبط لكنها بالاتجاه المقبول وأحيانا تسبق الأحلام وأحيانا تقصر عنها وهنالك تخلف في بعضها واضحا أيضا، بيد أن هنالك مفقودات مهمة جدا في الرحلة هذه وهي تختلف من بلد إلى آخر منها:
* معالم الشخصية الحضارية التي لم يبق منها إلا العنوان.
* الاستيراد للمدنية دون اهتمام الأكثرية بأن توطن وتتوالد في البلد.
* التشتت في الجيل الثاني وتهدم فيما بناه الجيل الأول من إيجابية.
* غياب الرؤية الحضارية والمدنية.
مفقودات الأمة:
لم تتعامل الأمة مع الدين سواء الإسلامي أو غيره إلا بصيغة المقدس، وافعل ولا تفعل، وفي دول تحكمها الشريعة المتوارثة ووفق فهم محدد لسلطة هذا حلال وذاك حرام أو صالح وكافر. يولد الطفل ليكبر متمسكا بالمظهر وما يظن أنه الدين بفاعلية الغريزة، فينقسم ما بين متعصب وبين منافق يزعم الالتزام ولكن سلوكياته ظرفية وليست ملتزمة بمعايير القيم، خالٍ من الأهداف حتى في توجهه إلى تأدية فرائضه فهو يكون نموذجا في السلوك السيئ المنفر، وأناس عابدين طيبين، فكانت استفاقة بتأثير ما ليس محددا ولم تدع مجالا واسعا للاعتدال بل إلغاء كل شيء بشكل مبرمج وخروج نقاط الضعف في التربية السابقة لتكون فوضوية... هذا يؤشر كتراجع يحتاج إلى تكييف.
هنالك تطور مدني كبير لكن هذا التطور بالشكل ينقصه بناء الإنسان وتعلمه كيف يعمل على صيانة هذه المدنية بنفسه دون حاجة لأعداد تفوق أعداد السكان الأصليين من دول مختلفة عنه ثقافيا ودينيا وقوميا، وربما الزمن وطول الإقامة تستوطن هؤلاء الناس فيخلق مشاكل حقوق بينما لو تدربت الكوادر على خدمة نفسها وصيانة منشآتها والدخول في الإبداع والإعمار وانتقلت من حالة شراء المدنية واستيرادها إلى المشاركة في بنائها لكان الوضع مختلفا، فاستيراد المدنية وهم لتجلي الحلم لكن ليس واقعا في يقظة.
الجيل الأول من الأنظمة المستقرة وهي في مجلس التعاون الخليجي والمغرب والأردن بنت وتكيفت، وأنتجت دول الخليج مجلس التعاون الخليجي، وهي الآن وفق الإحصائيات لبعض المنشور على الإنترنت نحو 25 مليون نسمة من السكان الأصليين، وهو مجلس لضبط إيقاع تلك الدول وتسوير نفسها بتنسيق القرار والحماية وجوانب من المال والأعمال، هذا المجلس تعرض لنوع من التفكك مع الجيل الثاني، تجاوز غياب التنسيق والتماهي والانسجام بينما الواقع العالمي وبنظرة الشباب الذي يحكم كان عليه أن يتجه إلى العكس تماما لخلق موضع لدول الخليج في النظام العالمي، وأن يكون كل أمر مدروس ومحسوب حتى التكتيك بدرجة من التخطيط المحكم. فهذا نوع من التراجع ومسار عكس المطلوب وتسهيل لابتلاع وتجيير المصالح بشكل منفرد وإبقاء دول الخليج ضمن الغنائم التي تتقاسمها الدول المتصارعة كمناطق نفوذ كذلك بقية الدول العربية، بينما لو اتحدت وأعادت تنظيمها بما يلائم المستجدات وضمت في أطرافها الدول العربية باتفاقات إما توسعة العضوية أو التعاون المشترك أو التحالف البيني؛ لكان الأمر مختلفا وستخرج المنظومة قوية لها كلمة فصل وقوة قرار.
جدلية الأهداف
لا شك أن هذه المنطقة تجمعها منظومة أخلاقية قيمية حضارية مختفية برمال التاريخ المتحركة وعواصفه، وأن الأمة لا تقوم بغير هذه القيم إلا كما تشيّد عمارة بلا أسس. وهذا ثابت من حركة التاريخ نفسه، بيد أنها تحتاج إلى رؤية وفتح الطيات (المثاني) القرآنية، وهذا يأتي من خلال تحرير المنظومة المعرفية وإبراز ثقافة وشخصية الأمة بشكل واضح جلي له الكلمة أمام منظومة نفعية تنهار ولا بديل لها، وستأتي بمنظومة أشد مسخا من هذه بغياب يقظة فنهضة تقودها دول وتتبناها لتوضح الرؤية والبرنامج بواسطة مفكرين ينبغي أن يبحث عنهم لانهم الأمل وليس ينظر لهم بعين الارتياب أو من خلال الهزيمة الحضارية، فمن الطبيعي أن من يصلح الواقع لا يوافق الواقع ولكن هذا لا يعني أنه من المخاطر بل هو من سيعين الحكام بالفكرة على تصويب المنظومة المعرفية.
إن أي جدلية إيجابية بين الحكم والأهداف تحدده الرؤية وبرامج تبني أيديولوجيا وتحدد مسارات، وهذا لا يأتي بالتقليد أو استيراد المدنية أو البرامج المتماهية مع ثقافات مختلفة وإنما من داخل المنظومة يكون الإصلاح، وعدا ذلك سيخلق القلق ثم الفوضى والانكسار وتشتت الأمة. فلا بد أن ينظر القادة إلى هذا ويستخدموا شواهد ودلائل من داخل الأمة، فالمفكر الناصح الأجنبي أو المنبهر بثقافات أخرى أول ما يفعله يفقدك الثقة والاحترام لكينونتك كي تسمع الهراء الذي يبثه في ترسيخ الدونية أو الازدواجية والانبهار بما سيقدمه، وهو بالتأكيد لن يفهم قيم الأمة ليتواصل مع ثقافة ينتزعها ليحل محلها تجنيد القرار وتكييفه لصالح إبقائك متلقيا منه.
هذا ليس تآمرا بل مثله كمثل الواعظ الذي يستنبط من الذاكرة المعرفية المنقولة ويريد أن يتطبع الحاضر بها كقالب فيشوه الفكر ويقطع سبل تصحيح المسارات، كذلك المفكر الأجنبي يستنبط من ثقافته كقالب ليضع شعب الدولة التي تستعين به ويرى انه الأكثر تمدنا أمام متخلفين، وتبخل هذه الدول على إنشاء مراكز فكرية لنهضة مجتمعها بفكرها من خلال استقراء الواقع واستنباط ما يصلح لعلاجه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الحكم الإصلاحية الإصلاح الحضارة التغيير الحكم مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة:الحرب الأمريكية الجديدة وتطبيقاتها
مدلولات الجيل الرابع من الحرب الأمريكية خطوات وخطوط سير الحرب الجديدة الأطماع الأمريكية في العالم العربي واستغلالها لثورات الربيع لتفكيك الأنظمة واستبدالها بأنظمة تابعة أمريكا ترى أن نمو العالم العربي يهدد مصالحها ولذلك قامت بإشعاله بالحروب اليمن يكشف الخطط الأمريكية لحروبها الجديدة بالوكالة
الثورة / صلاح محمد الشامي
• أول من أطلق اسم ( الجيل الرابع من الحرب ) غير المتكافئة، على الحرب الأمريكية الجديدة، هو البروفيسور ( ماكس يوراينك ) ، خلال محاضرته في معهد الأمن القومي الإسرائيلي.
• وقد عَرَّفَها بأنها : – حربٌ بالإكراه، يتم فيها إفشال الدولة المستهدفة، وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية.
• ولقد وضع ( ماكس يوراينك ) نقاطاً أساسية للحرب الجديدة «حرب الجيل الرابع» ، وهي:
-1 دعم الإرهاب.
2 – خلق قاعدة إرهابية متعددة الجنسيات داخل الدولة المستهدفة.
3 – حرب نفسية متطورة للغاية، بواسطة الإعلام، والتلاعب النفسي.
-4 استخدام كافة وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
-5 استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد.
• نرى حالياً، ومنذ اندلاع العدوان الأمريكي على اليمن، بمجيئه بأيد سعودية وإماراتية، وبأيدٍ عربية وغير عربية، أن هذا العدوان الأمريكي، الذي نطلق عليه ( العدوان الأمريكي السعودي ) أو ( السعودي الأمريكي )، يسير وفق مقاصد الإدارة الأمريكية، مستخدماً كل النقاط السالفة الذكر ، فهو يستخدم أبناء البلد ، أو بعضهم ممن يطمح للسلطة بكل سبيل ووسيلة ، حتى ولو أدى ذلك إلى سحق شعبه الذي كان يرجو أن يحكمه ، ولذلك صار تابعاً لأمريكا وللإدارة الأمريكية ، تلعب به كيف تشاء ، بينما هي تُمَنّيه بالسلطة، والحماية تحت المظلة الأمريكية.
• ولنفند ذلك نقطة نقطة :
1 _ دعم الإرهاب: وهنا لن آتيَ بجديد، فالجميع يعلم علم اليقين ما هو الإرهاب، ثم صناعة من هو، إنه بيادق أمريكا التي تحركها على طول خارطة العالم، العالم الذي هو بالنسبة لأمريكا وللإدارة الأمريكية عبارة عن رقعة شطرنج كبيرة تسرح وتمرح فيها كيف تشاء، ولذلك تجد حاملاتها وبارجاتها وقواتها في كل بحر وخليج، وعند كل ممر ومضيق، وحول كل منطقة تمثل أطماعاً للأمريكي.
• يأتي (دعم الإرهاب) بعدة أوجه، منها الصناعة من الألف إلى الياء، ومنها التمويل والإمداد، بشكل مباشر، وغير مباشر، عبر أذرعته حول العالم، وخاصة المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، حتى تُلصَقَ لعنةُ الإرهاب بالأمة العربية والإسلامية، ولما تمثله هذه الدول من أهداف استراتيجية اقتصادية للغول الأمريكي، حتى إذا ما شاءت أمريكا وضع يدها عليها، ألصقت بها تهمة الإرهاب، وقد رأينا هكذا سفسطة عبر الوقح ( ترامب ).
2 _ خلق قاعدة إرهابية غير وطنية ( متعددة الجنسيات ) :
يتجلى ذلك بوضوح لكل متابع للأنباء، عبر الفضائيات، ففي كافة أنحاء العالم العربي نجد هؤلاء وراء كل جريمة يتم الإعلان عنها بكل وقاحة وجرأة، لماذا ؟ – حتى تُحَيَّدَ أمريكا عن المشهد، فنرى السعودي واليمني والباكستاني والأوروبي والأمريكي من أصل كذا، أو أمريكي محض، مع العلم أن أمريكا تحاول جاهدة تحييد ذوي الحنسيات الأمريكية عن هذا المشهد قدر الإمكان، ومن كل جنسيات العالم، وهي، بنظري خطة قديمة نفذتها قريش في محاولة قتل رسول الله صلى اللَّهُ وسلم عليه وعلى آله، إذ أجمعت قريش على أن تجمع من كل قبيلة رجلاً فيضربون ( محمداً ) ضربة رجل واحد، فيضيع دمه بين القبائل.
• نعم ، أمريكا تستفيد من التاريخ الإنساني، ولكن بصورة لا إنسانية، تقرأ التاريخ، وتضع الخطط، من واقعٍ دراستها للحاضر، ونظرتها للمستقبل .. أمريكا تعمل، وتبتكر، وتقلد في آن واحد.. وهي هنا تأتي بجنسيات مختلفة، تحت إشراف إدارة مختصة تتبع الرئيس الأمريكي نفسه، وتحت إشراف المخابرات الأمريكية، فتنفذ إرهابها داخل الدولة المستهدفة، فإذا ما قبض على أفراد المجموعة الإرهابية، استعصى على الدولة إلقاء اللوم على أي دولة، أو تحميلها المسؤولية.
3 _ حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي : تطورت الحرب النفسية على يد أمريكا، لكن بداياتها كانت على يد ( جوزيف جوبلز ) وزير ( البروبجاندا ) النازي في عهد ( هتلر )، والتي طورها الإعلام ( الصهيوني ) بالعقول الأمريكية .. لقد تطورت الحرب النفسية مع تطور العلوم ووسائل الاتصال، ومع ظهور دراسات نفسية «سيكولوجية» جديدة، تدرك جيداً كيف تستغل الأهداف النبيلة -ظاهرياً- في تحقيق نتائج مدمرة فعلياً .. ثم ظهرت دراسات ( التأثيرات غير الإدراكية ) التي تتسلل إليك حتى دون أن تدرك أنك واقع تحت تأثيرها.
• وتطبيقاً على الواقع، في العدوان على اليمن، نرى ونسمع يومياً، كل ناعق وزاعق، يصنف ما يحدث على اليمن من عدوان أنه حرب داخلية، مردداً ما تبثه وسائل الإعلام الصهيوأمريكي الموجه للعالم العربي ، وهو ما أكده السيد عبدالملك الحوثي قائد الثورة، في خطابه يوم الخميس الـ 25 من مارس لعام 2021 ، من أن الإدارة الأمريكية ومنظمة الأمم المتحدة، عندما تصل جرائمهم بحق الشعب اليمني إلى حد مأساوي يأتون ليسوِّقوا مصطلح الحرب الداخلية، ثم يدعون الجهات اليمنية إلى التصالح، وكأنهم ليسوا صُنّاع العدوان وصُناع أدواته وأسلحته، وهم أصحاب أهدافه.
• إن السلاح الأقوى في حرب الجيل الرابع هو سلاح الحرب النفسية، من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، التي تُستخدم فيها كل فنون الشائعات.
4 _ استخدام كل وسائل الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية : استخدمت أمريكا في العدوان على اليمن كافة الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ضد الشعب اليمني، تمثلت بالقصف المتعمد، واستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية، وتدمير البُنى التحتية، كما استخدمت الضغوط السياسية بكافة أشكالها وألاعيبها، وكذلك الضغوط الاقتصادية متمثلة في الحصار الخانق، وقصف المطارات والمنافذ البرية والبحرية، وإغلاقها بقوة السلاح، دفعاً لخنق الاقتصاد الوطني، في محاولة لدفع القيادة السياسية للاستسلام والرضوخ، ونقل البنك المركزي، ومن ثم جعله وودائعه نهباً للمرتزقة الذين يحكمون الجنوب.. وأخيراً الضغوط الاجتماعية بشتى وسائلها وأساليبها، وبواسطة النقطة السابقة ( الحرب النفسية عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ) يتم التدمير الممنهج لبنية المجتمع اليمني، عبر خلق الخلافات، وتضييع الحقائق بالمناقشات والمناكشات والحوارات الجوفاء، وإظهار التباينات في الآراء والرؤى والأفكار تجاه كل جزئية تتعلق بالقضية العامة، وهي العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وبواسطة النقطة التالية ( حروب العصابات ) تصنع أمريكا العصابات داخل المجتمع اليمني، وتمولها، وتوجهها لنشر الشائعات، وتغييب الوعي، وكذلك توجهها لعمل جرائم اغتيالات واختطاف وسرقات، إلى جانب التجسس، لخلخلة الوضع الأمني، ثم التحجج بأن الحكومة والدولة اليمنية هي من يقوم بهذه الممارسات، أو هي من ترعاها، أو تتستر عليها، أو أن الدولة والحكومة تعجز عن توفير الأمن للمجتمع اليمني، بينما دور هذه العصابات هو خلخلة الأمن والاستقرار، وتفكيك الترابط المجتمعي، وهذا من أهداف ووسائل الإدارة الأمريكية لتنفيذ حربها الجديدة، أو ما يُطلق عليه : ( الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة ) .
#الحرب الناعمة:
• من ناحية أخرى، نرى أن الحرب الناعمة – كنوع من الضغوط الاجتماعية – تتخلل المشهد، بتوجيه ودعم أمريكي، وتخطيط صهيوني، الهدف منها صناعة جيل لا يُعنى بما يدور حوله من أحداث، ولا يهتم بما يصيب وطنه وأمته، لأنه أمسى يعيش في عالم آخر، يسرق منه كل اهتماماته، حتى ولو كان مصيره هو نفسه ومصير أسرته متعلقاً بتحركه أو جموده.
5 _ استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد : وقد رأينا استخدام أمريكا في العدوان على اليمن عصابات ( بلاك ووتر ) و ( الجانجويد ) وغيرها، علماً بأن غرفة العمليات الأمريكية حولت حتى وحدات الجيش اليمني التابع للدنبوع إلى مجرد عصابات ، حتى اختفى مبدأ الأخوة والزمالة بين أفراد الكتيبة الواحدة ، وهذا ما تسعى إليه أمريكا، وهو التفكيك ثم التفكيك ثم التفكيك ، حتى لمفردة الجندي الواحد، تجعله منفصلاً عن نفسه وعن واقعه وعن وطنه وعن أهله وعن كيانه الشخصي وكيانه الوطني والعملي في مجال عمله الأدائي الآني باختصار، تحول الجندي إلى ( روبوت ) ينفذ بلا تفكير، ويطيع بلا مناقشة.
خلاصة:
• من خلال النقاط السابقة، نرى أن أمريكا استخدمتها كلها على وطننا، في كل بند منها، وكذلك على بقية دول العالم العربي، وبمراحلها المزمنة، تبعاً لظروف كل دولة، مما يؤكد الهدف من الحرب الحالية، وهو بث الفوضى وروح الفُرقة في الدولة المستهدفة تمهيداً لإسقاطها، وهو ما عملت وتعمل عليه الإدارة الأمريكية بمشاركة دولة الكيان الصهيوني وبريطانيا، منذ اندلاع براكين الربيع العربي، الذي حولته الإدارة الأمريكية وتابعوها إلى خريف دائم، لن تعود فيه دول الربيع إلى ما كانت عليه -على الأقل- من استقرار، ولو جزئي، مادامت أطماع أمريكا قائمة، ومادام الوعي الجماهيري لعبة بأيدي عتاولة صناعة الإعلام والشائعات والحرب النفسية وتزييف الحقائق..
ماذا تريد أمريكا من حربها الجديدة؟
• ترى أمريكا أن نمو العالم العربي قد يخلق قوة أو كياناً قوياً يهدد المصالح الأمريكية على المدى البعيد، لذا فهي تحارب كل الأنظمة العربية في آن واحد، وتستخدم بعض الأنظمة على بعضها الآخر، كما هو حاصل في العدوان على اليمن، إذ استخدمت المملكة السعودية والإمارات وبعض دول الخليج للقضاء على الثورة اليمنية ووأدها في مهدها.
• تعمل أمريكا على هدم الدول العربية، واستخدام المعارضة للعمل على تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة متطاحنة، تنشغل بحروب داخلية تستنزف مواردها وتعوق نموها وتدمر شبابها وقوتها.
• أما في اليمن، فإن هدف أمريكا هو هدم النظام، وإنشاء نظام بديل، يكون تابعاً تبعية مُطلقة للإدارة الأمريكية، وللمصالح الأمريكية، كما فعلت في سوريا.
• تريد أمريكا من خلال حربها الجديدة ( الجيل الرابع من الحرب غير المتكافئة ) أن تستحوذ على ثروات ومقدرات العالم العربي، والسيطرة عليه سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية، لما يمثله من موقع استراتيجي، ولمخزونه الهائل من الثروات، وتريد قطع الطريق على سواها في الاستيلاء عليه، فهي تخشى -بقوة- ظهور ( التنين ) الصيني، باعتبار الصين قوة اقتصادية لا يستهان بها، وهي قوة لا تزال صاعدة، ونموها يتعاظم كل يوم، بينما الاقتصاد الأمريكي أصبح عرضة للزوال، فقد غدت تتهدده الأزمات، وينخره الفساد، لأنه لم يُبْنَ على أسس مجتمعية وأخلاقية سليمة، وأقحمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تدخلاتها العسكرية والسياسية، لخلخلة معظم الأنظمة العالمية بشكل عام .. لذا فهي ترى أن استغلالها للربيع العربي وتدويره لخدمة مصالحها، واستباقاً للدول العربية من أن تتذوق طعم الحرية التي نادى بها شباب 2011 ، فتقوم أنظمة حرة ونزيهة ترى أمريكا أنها تهدد مصالحها، لذلك كله استهدفت العالم العربي، وعملت على إسقاط الأنظمة، لتنصيب أنظمة عميلة ومنقادة، وأشعلت حروباً عدوانية -كما هو حاصل في اليمن-، بالإنابة.
• لقد تجلت صورة الحرب الجديدة، أو الجيل الرابع من الحرب الأمريكية، بصورة واضحة، فكل هذه الحروب، وكل هذا العدوان، ولم يدخل في المعادلة جندي أمريكي واحد.
ورغم وضوح الحرب أنها أمريكية، عبر صفقات السلاح مع الدول المعتدية فعلياً، وغرف العمليات الأمريكية، ومشاركة طيارين أمريكيين وإسرائيليين وغيرهم، إلا أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تنأى بنفسها، وتبث عبر وسائل إعلامها الأعرابي، أن الحرب غير ذلك، وهذا لأنها حرب أمريكية جديدة، أو هي ما يُطلق عليه الجيل الرابع من الحرب الأمريكية غير المتكافئة.
#متغيرات طوفان الأقصى:
• يلاحظ القارئ أنني لم أعقب على طوفان الأقصى، وأنني ركزت على العدوان على اليمن فقط، وذلك لحصول متغيرات استراتيجية في الحرب على غزة، ومحاولة إسكات دول المحور بالقوة الأمريكية المباشرة، فقد دخلت أمريكا (بايدن) الحرب بشكل مباشر، بسفنها وقطعها الحربية وبثلاث حاملات للطائرات وغواصة نووية، لكن تم ضربها وطردها ولم تتحمل القوة البحرية الأمريكية الخسائر، فأعلنت أمريكا (ترامب) سحب كل قطعها الحربية من البحر الأحمر، لتعود أمريكا ترامب إلى استخدام الحرب بالوكالة، عبر الضغط على دول الطوق (الأردن ومصر والسعودية) لتنفذ هي إرادة الإدارة الأمريكية، ممارسة كل الضغوط السياسية والاقتصادية، وملوحة بالضغوط الأخرى القذرة التي استخدمتها في إسقاط سوريا الممانعة، وحولتها إلى سوريا المُطاوِعة.
• إذن، مازلنا ندور حول خطط (الجيل الرابع أو الخامس من الحرب غير المتكافئة).. ولابد للجميع أن يعيَ هذا المد الغربي الغاشم، قبل أن تكتسح موجة التجهيل الأغلبية النائمة في أوهام الحرب الناعمة، فنصحو لنجد أنفسنا بلا أوطان ولا هوية، كما يعاني الشعب السوري اليوم.
• إن الصمود المبني على وعي، والتمسك بمبادئنا وعروبتنا وديننا، والثبات على هويتنا الإيمانية، والالتفاف حول قيادتنا الثورية والسياسية هو ما يضمن لنا عدم الاضمحلال، وها هي الانتصارات تشيد قصور العزة، على أرض راسخة، وتطوير القدرات القتالية، والتكتيكات الدفاعية، ومعرفة أساليب وطرق إدارتهم للحرب، ثم مقاومتها، ودحر وكشف الشائعات، سواءً تلك التي تأخذ صفة الديمومة، أو تلك الشائعات الآنية، التي تطلَق ذيولاً للأحداث، ثم الحفاظ على شبابنا من الضياع، وتحصينهم التحصين الثقافي الديني، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، وبث الوعي في أوساط المجتمع، ولن يسبقونا إلى قلوب شعبنا، فنحن الأقرب والأحرص عليه، والنصر قاب قوسين أو أدنى، وسيثبت الشعب اليمني أن كل مخططاتهم مهما بلغت من الدقة والإحكام، ليست سوى فراشات تحوم حول محرقة، محرقة اسمها اليمن .. اليمن ( مقبرة الغزاة ).