زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
على خطى الكواكبي وسليمان الحلبي مشى كثير من أدباء وكتاب سوريا، لم يخشوا سيف السلطة، ولم تلههم الوعود، ولم تردعهم ظلمة السجن ولا قبضة السجان، وواصلوا طريقهم، فلما ضاق عليهم الخناق قفزوا هاربين بجلدهم وعمرهم إلى فضاء أوسع من الحرية.
ولكن طالت سنوات القهر واستطال جحيمها وامتد ليل القهر لعشرات السنين، وانكوى بناره الأهل والأحباب، دون أن يبدو فجر في الأفق.
هنا فقط، انتبهنا إلى مأساة شعب سجن وعذب وسلخ جلده حيا بدعوى الدفاع عن الوطن. وهنا فقط علمنا كم عاني الكتاب وتعذبوا من أجل أن يكتبوا نص الحرية التي لا تجيء، فكان عذابهم مضاعفا.
زكريا تامر، ولد في دمشق عام 1931، نشأ في حي البحصة بين ساحة المرجة وبوابة الصالحية، وعمِل حدّادا قبل أن يتحوّل إلى حرفة الأدب وكتابة القصة والصحافة، ظل زكريا تامر مخلصا وملتزما لقلمه ومبدئه، وبالرغم من أنه يعيش خارج سوريا في منفى اختياري في بريطانيا، فلم يكن من زمرة المثقفين المتاجرين بالشعارات، وبقي ملتصقا بنقاء حروفه، مثل حدَّاد يعرف كيف ينقي الكلمات بالنار والكير، وعندما اندلعت ثورة شعبه السوري وقف إلى جانب الناس، ورفض محاباة القتلة، وفي لقاء صحفي، سألوه: متى تعود إلى سوريا؟
إعلانقال "ليس مهما أن أبقى في أكسفورد أو أعود إلى دمشق..!!".
وبطول عمره في الكتابة كان كثيرا ما يراهن على الشعب الذي يراه المستبد خاضعا، ولكنه ليس خنوعا، بل صبرا مريرا وهو ينزف كرامته وشرفه ودمه، ويقول تامر للطاغية المستبد: لا تأمن لهذا الشعب، لأنك لا تعرف متى سيكون انفجاره، ولهذا شبه الشعب بالنمر، لأن النمر لا يمكن ترويضه، وفي قصة "النمور في اليوم العاشر" يقول للطاغية: لا يغرك طاعة الشعب وخضوعه ومسايرته لجبروتك، لأنه مهما طال الزمان أو قصر سينتفض ضدك، وبدلا من أن تكون فوق ظهره ستصبح تحت أقدامه.
زكريا تامر كان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد (مواقع التواصل) النمور تأكل الحشائشوكان كثيرا ما يسخر من النظام في كتاباته، وحملت نصوصه غواية العبث بالشرطة ومداهماتها من خلال كتاباته وتحولاته التي كانت تبدعها مخيلته، عندما تدهمه الشرطة وهو جالس مع زوجته لكنها لا تراه لترحل بدون صيد ثمين، وفي كل مرة كان زكريا تامر يسخر منهم كثيرا كما جاء في قصة "سنضحك.. سنضحك كثيرا":
"في يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّي وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّي تحوّلت مشجبا، وتحوّلت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين.
وفي يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أي غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا رجال الشرطة يدهمون البستان بعد دقائق طامحين إلى الإمساك بنا، ولكنهم لم يوفقوا لأنّي تحوّلت غرابًا أسود اللون، دائم النعيب، وتحوّلت زوجتي شجرة خضراء، غزيرة الأغصان. وضحكنا كثيرًا من إخفاقهم،..".
ويعدد لنا تحولاته في المطعم، عندما يتحول سكينا أما زوجته فتتحول لكأس، وفي الشارع يتحول هو لحائط وزوجته لإعلان ملون، وفي المستشفى يتحول هو لرداء أبيض متسخ وزوجته لخزانة خشبية مليئة بالثياب، ويتحول طفلهم لبوق في سيارة إسعاف مسرعة، .. "وضحكنا كثيرًا من بلاهتهم، وسنظلّ نضحك".
إعلانوكان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد، ومن مقولاته الشهيرة: "يحترق الطاغية فيستعيد كل مواطن وجهه الإنساني المفقود منذ عقود، وينبت الياسمين في دماء الشرايين".
عن زكريا تامر، يقول الناقد صبري حافظ إن "قصصه التي خلصها من زيادات الطابع القومي، والطابع القصصي أيضا، يتحدث فيها عن الإنسان العربي، الدمشقي غالبا، وهو يعاني من الفقر المادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى عالم نظيف وهادئ ومليء بالمنطق والعدالة، هذا الإنسان الفقير المحبط الذي تبهظه أثقال هذا الركض اليائس وراء رغيف الخبز اليابس الذي لا يكاد يسد رمقه في شتى أنحاء عالمنا العربي هو بطل زكريا تامر الأثير".
ويتابع حافظ واصفا بطل قصص تامر بأنه "إنسان بسيط يحب الحياة ويريد أن ينفلت من شرائع الموتى، وأن يطرح خلف ظهره كل المواريث القديمة، ولكن دونما جدوى، فالجميع يطاردونه، ويعيش هذا البطل، وهو بطل مضاد بالطبع في عالم يسوده منطق مقلوب، يحاكم بمقتضاها رجاله ويسامون العذاب، وتقطع أوصالهم وتلقى في نهر يشير إلى الصعيد الجغرافي كثيرا إلى نهر بردى، وإلى أنهار 7 هي منابعه الـ7".
ولأن زكريا تامر فنان مبدع، غايته إرهاف وعي الإنسان وإثارة القلاقل، وإقلاق المستنيمين إلى دعة التردي والفساد، وتهديد الطغاة بتذكيرهم دائما بأن نهايتهم بشعة ووشيكة، وهذا ما تفعله كل قصص مختاراته السبعة، بحسب حافظ، "وهمه في بعض مجموعاته هو الكشف عن عسف السلطة السياسية، وتعرية أشكال القمع الاجتماعي والاقتصادي المراوغة وهي تفعل فعلها في الإنسان العربي، وتسومه شتى صنوف العذاب، فإن همه في بعضها الآخر صدمة القارئ لاكتشاف دوره هو كإنسان عادي في إحكام سيطرة هذا القمع عليه، وفي تكريس مواضعات الواقع الشائه، وإحكام قبضة منطق المقلوب على كل ما حوله".
القصة في "النمور في اليوم العاشر" عن الاستبداد والتجهيل والسياسة ولعنتها وسلوكها المنافق وعن الوطن وظلمه وحنين المغترب إليه (الجزيرة) الحياة أحيانا أبشع من الموتومختارات زكريا تامر مثقلة بالكوابيس المرة عبر فانتازيا سوداء قاتمة يرتد فيها الميت إلى الحياة، فيرى أن الحياة أبشع من الموت، وقصصه تمسخ فيها الكائنات حتى تخرج عن طبيعتها التي جبلت عليها، وتستسلم لآيات القهر المراوغ في "النمور في اليوم العاشر" ، ويباع فيه الإنسان والأوطان بأبخس الأثمان "المخزن العربي"، و ترتكب فيه الجرائم لأوهى الأسباب "العشاء الأخير"، بينما تمر أبشع الجرائم بلا عقاب "رجل غاضب" أو تدهم البريء فيه تهمة لا يستطيع ردها "في ليلة من الليالي" ويقبل الجلادون بهمة على أبشع الأعمال وأكثرها وحشية ثم يتذمرون حينما يطلب منهم تنظيف الغرفة في "الجريمة"، وتلاحق التهم أبطال تاريخنا القومي "الذي أحرق السفينة" بينما تستمتع النماذج الشائهة بكل ثمار الحضارة الحديثة (بحسب صبري حافظ).
إعلانوللحلم والأسطورة في أدب زكريا تامر نصيب كبير، لأن الحلم نوع من الخيال التعويضي ذي الصبغة العقلية، يرتق به البطل واقعه المهلهل، وفي قصة "شمس صغيرة" التي تقدم ذروة الالتحام بين الأسطورة الشعبية والواقع المعاش، فيكسب كل منهما الآخر بعدا جديدا.
مجموعة قصصية (مكونة من 11 قصة قصيرة) أصدرها زكريا تامر كثاني إنتاجاته الأدبية سنة 1963 بعنوان "ربيع في الرماد" وهو عنوان إحدى القصص التي تضمنتها المجموعة (الجزيرة)قصص زكريا تامر مشغولة بتفكيك آلية عمل السلطة وأجهزتها الأيديولوجية من الداخل سواء أكانت هذه السلطة مبنية على القوة الغاشمة، أم على الحق الوراثي، أم على الاستبداد المطلق، أم على أجهزة المخابرات، أم على أجهزة الإعلام الحديثة، أم على الانتخابات المزورة لإرادة الجماهير والمتاجرة بها، فإنها في النهاية سلطة غاشمة وعبثية، وسلطة لا تعترف بالحرية وليس لها مشروعية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ماغديبورغ: مراسم حداد وزهور تكريماً لضحايا هجوم سوق عيد الميلاد
شهدت مدينة ماغديبورغ الألمانية تجمعا للمواطنين، حيث وضعوا الزهور وأشعلوا الشموع تكريما لضحايا الهجوم الذي استهدف سوق عيد الميلاد يوم الجمعة، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم طفل في التاسعة من عمره، بالإضافة إلى إصابة حوالي 200 آخرين.
اعلانوعكست كنيسة يوهانيسكيرشه، القريبة من موقع الهجوم، روح الحداد والتضامن، مع تزيين الرصيف الواسع أمامها بالزهور تكريماً للضحايا.
وأعاد الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير صياغة خطابه السنوي بمناسبة عيد الميلاد ليشمل الإشارة إلى الهجوم، حيث قال: "ما حدث في ماغديبورغ يبعث على الحزن والألم والذهول". وجدد دعوته للألمان: "علينا أن نكون متحدين، فالكراهية والعنف لا مكان لهما".
وألقت السلطات القبض على طبيب سعودي يبلغ من العمر 50 عاماً، كان يمارس الطب في ألمانيا منذ عام 2006، للاشتباه في تورطه بجرائم القتل والشروع في القتل والتسبب في أذى جسدي.
Relatedألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ طبيب ولاجئ وملحد.. من هو السعودي المشتبه به تنفيذ هجوم الدهس في سوق عيد الميلاد في ألمانيا؟جريمة تهز ألمانيا.. قتلت شبيهة لها لتزوير وفاتهاويصف حساب المشتبه به على منصة "إكس" نفسه بأنه مسلم سابق، ويحتوي على موضوعات معادية للإسلام، حيث انتقد السلطات لفشلها في مكافحة ما أسماه "أسلمة ألمانيا"، وأعرب عن دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) المناهض للهجرة.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تكريم الضحايا في ماغديبورغ: نصب تذكاري وحزن يعم المدينة ماغديبورغ تودع ضحايا الهجوم المأساوي في أجواء يملؤها الحزن كيف اختزلت حادثة ماغديبورغ مدى الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي الذي ينخر في جسد الوطن العربي؟ ألمانياالإرهابهجوماعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. إسرائيل تحدّث خطتها الأمنية في غزة وكاتس يتوعد الحوثيين: "سنلاحق قادتهم في كل مكان باليمن" يعرض الآن Next جنود مصريون في القرن الإفريقي.. ما أسباب مشاركة القاهرة في بعثة حفظ السلام في الصومال؟ يعرض الآن Next حريق في برج إيفل.. إجلاء السياح وإغلاق المعلم الشهير مؤقتًا يعرض الآن Next بين عواصف الشتاء وغارات إسرائيل.. نازحون فلسطينيون يكافحون من أجل البقاء في خيام مهترئة في النصيرات يعرض الآن Next سفينة شحن روسية تحمل شحنات أسلحة إلى سوريا تغرق في البحر الأبيض المتوسط اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادسوريابشار الأسدروسيادونالد ترامبإسرائيلشرطةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني هيئة تحرير الشام غزةحكم السجنحريقالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024