ما دلالات عفو السيسي عن سيناويين طالبوا بالعودة إلى رفح المصرية؟
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
أثار إصدار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، قرارا بالعفو بحق 54 من السجناء "المحكوم عليهم" من أبناء شمال سيناء المتاخمة للحدود مع جنوب قطاع غزة، الجدل والتساؤلات والتكهنات حول دلالات توقيت القرار وسط أوضاع إقليمية مؤثرة، وأسباب إلغاء الحكم القاسي بحق الأهالي والذي لاقى انتقادات، والصادر قبل أسبوع من محكمة عسكرية.
الرئاسة المصرية، في بيان لها، أعلنت أن السيسي أصدر قرارا جمهوريا بالعفو الرئاسي عن 54 من المحكوم عليهم من أبناء سيناء الذين اعتقلوا وجرى احتجازهم بسجون عسكرية بتهمة المطالبة بالعودة إلى مدينة رفح المصرية خلال تظاهرات لقبيلتي السواركة والرميلات، في رفح والشيخ زويد، تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
"بداية الأزمة"
منذ تولي السيسي حكم البلاد في العام 2014، وقام بعمل منطقة عازلة بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقام بإخلاء مدينة رفح المصرية وقرارها من السكان وترحيلهم إلى العريش والإسماعيلية ومدن الدلتا، وذلك بدعوى محاربة الإرهاب وهدم الأنفاق الحدودية.
رضوخ الأهالي لقرارات التهجير كان مشروطا بحسب نشطاء بعودتهم لأراضيهم ومزارعهم وقراهم، والتي تعهد بها قادة الجيش الثاني، والتي تأجلت توقيتاتها مرارا ما دفع الأهالي للتظاهر مرات عديدة للمطالبة بحق العودة، ما قابلته السلطات باعتقال العشرات منهم.
البداية كانت في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وبعد نحو 3 شهور من تولي السيسي، حكم البلاد، شن حملة أمنية واسعة في شمال سيناء.
حينها، أمر الجيش المصري، القاطنين بمدن وقرى مدينتي رفح والشيخ زويد، قرب حدود قطاع غزة، بإخلاء 900 منزلا بواقع 500 متر وبطول نحو 13 كيلو مترا، تمهيدا لتدميرها، وإقامة منطقة عازلة بالشريط الحدودي مع القطاع، بدعوى منع تهريب الأسلحة بين مصر وغزة.
وفي 7 كانون الثاني/ يناير 2015، قررت السلطات المصرية إزالة مدينة رفح لزيادة مساحة المنطقة العازلة بإزالة 1220 منزلا تؤوي 2044 عائلة، فيما منحت السلطات كل عائلة مبلغ 1500 جنيه مصري لاستئجار منزل جديد.
وإزاء التهجير القسري للأهالي؛ أعلن محافظ شمال سيناء حينها اللواء عبدالفتاح حرحور، عن إنشاء مدينة "رفح الجديدة" يقوم على تنفيذها الجيش، ما اعتبره المهجرين وعدا بالعودة لأراضيهم وللمدينة الجديدة.
لكنه، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قررت السلطات تمديد المنطقة العازلة لتصل 1500 مترا، بعدما كانت كيلومترا واحدا، نُفذت على مرحلتين، ومن ثم إخلاء وإزالة مباني ومزارع جديدة.
وإثر انتهاء العمليات العسكرية ضد "تنظيم ولاية سيناء" طالب الأهالي بالعودة لقراهم ومزارعهم، وفي 22 آب/ أغسطس 2023، احتشدت قبيلة "السواركة، للمطالبة بالعودة لأراضيهم برفح والشيخ زويد.
وبعدها بثلاثة أيام، وعقب انتهاء مهلة منحها الجيش للأهالي للعودة لم يتم تنفيذها، اعتصم مئات من قبيلة الرميلات بـ"جمعة الأرض"، مطالبن بحق العودة، في أزمة تفاقمت إثر منع الجيش لهم من دخول قراهم.
في حين أنهى الأهالي اعتصامهم مع وعود جديدة من الجيش بالعودة يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الأمر الذي لم يتحقق وقابله الأهالي بالتظاهر بعد انتهاء المهلة، وواجهته السلطات باعتقالهم ومحاكمتهم.
وأدانت "المحكمة العسكرية" بالإسماعيلية (شرق القاهرة)، الشيخ صابر حماد الصياح، أبرز رموز قبيلة الرميلات، بالسجن 7 سنوات، ونجليه عبدالرحمن ويوسف بالسجن 10 سنوات و3 سنوات على التوالي، كما أدانت 11 معتقلا بالسجن 7 سنوات، و41 بالسجن 3 سنوات.
وأصدرت أحكاما غيابية بسجن 7 متهمين 10 سنوات، بينهم الصحفيان حسين القيم من جريدة "الوطن"، وعبدالقادر مبارك، العضو بنقابة الصحفيين.
"ردود فعل مرحبة.. ولكن ماذا بعد؟"
"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" المهتمة بالشأن الحقوقي لأهالي شبه الجزيرة المصرية، من جانبها رحبت بالقرار الرئاسي واعتبرته "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وطالبت بـ"إسقاط التهم عن 8 معتقلين آخرين من بينهم صحفيين، لم يشملهم قرار العفو"، وإنهاء القضية التي شابها "انتهاكات قانونية وإجرائية"، وفق المنظمة الحقوقية.
وعبر نشطاء سيناويون عن فرحتهم ونقلوا فرحة الأهالي بالقرار، الذي قرأ فيه متابعون مصريون للشأن السيناوي، تراجعا مثيرا من رأس النظام المصري، له دلالاته خاصة في توقيته الحالي.
"توقيت القرار"
ويأتي القرار في توقيت تقترب فيه الفصائل الفلسطينية من توقيع اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء حرب الإبادة الدموية الجارية على حدود سيناء منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ما دفع البعض للتكهن بأن قرار العفو هو خطوة نحو تهدئة للوضع في سيناء ومع الأهالي الغاضبين، وله ما بعده من قرارات أو اتفاقات أو تمهيد لما قد يجري من ترتيبات بالإقليم خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة، التي تبدأ في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.
وتثار مخاوف أهالي سيناء وخاصة منطقة رفح من تنفيذ خطط إسرائيلية بتهجير أهالي غزة إلى سيناء ضمن ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق، والقادم للبيت الأبيض مجددا، دونالد ترامب، والذي قال إنه "سينفذها"، وهو ما لاقى قبول وترحيب السيسي، بل وإعلانه عن "الصفقة" للعالم رسميا في نيسان/ أبريل 2017.
وتحدث سياسيون مصريون مهتمون بالشأن السيناوي لـ"عربي21"، راصدين دلالات توقيت عفو السيسي عن 54 من أهالي سيناء المعتقلين بسجونه العسكرية، وبعد 10 أيام من حكم محكمة تابعة للجيش، وفي توقيت تشهد فيه المنطقة توترا في غزة وسوريا، ما أثار المخاوف من تكرار المشهد السوري بمصر.
"تأثير نظرية الدومينو"
وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "لتوقيت العفو تفسيرات مختلفة في ظلّ غياب المعلومات بدولة بوليسية، فلا شك أنّ سقوط نظام الأسد أثار مخاوف السيسي فحاول امتصاص غضب أهالي سيناء والمجتمع المدني بعد الأحكام القاسية التي صدرت قبل أيام قليلة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هذا يشير إلى أن النظام استشعر خطرا محتملا من تصاعد التوتر الشعبي في شمال سيناء، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مصر".
وتابع: "فلا ننسى أنّ مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ترفض رفع علم الثورة السورية علـى السفارة السورية بالقاهرة، في خطوة أثارت اندهاش واستغراب كثيرين واعتبروها دليل علـى كم الفزع التي يشعر به النظام، فالسيسي لايزال مسكون بالخوف من تأثير نظرية الدومينو، والتي ما أن تسقط قطعة منها حتّى تتتابع سقوط باقي القطع".
لكن المنير، لا يعتقد أنّ "للقرار صلة بمفاوضات الفصائل الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة، فقد وضع نتنياهو شروط تعجيزية جديدة لتعطيل إبرام الصفقة كما فعلها في مرات عديدة سابقة، كما أنّ موضوع غزة أكبر من قدرات السيسي، فهو مجرد جندي في رقعة الشطرنج يتم تحريكه من قبل اللاعبين الكبار في المنطقة".
ويرى أنه "لذلك فالهاجس الأمني هو التفسير الأقرب للصحة فهي محاولة لاحتواء الغضب القبلي في سيناء، خاصة قبيلة الرميلات ذات النفوذ"، مؤكدا أن "النظام يعتمد بشكل كبير على دعم بعض القبائل في مواجهة التنظيمات المسلحة، وبالتالي يسعى للحفاظ على تحالفاته هناك".
ولفت إلى أن "الأوضاع المضطربة في الجهة الشرقية مع غزة تجعل من الحكمة محاولة تهدئة الأوضاع في سيناء وعدم استعداء الأهالي، خاصة أنّ الجميع في مصر في حالة غليان بسبب الموقف المتخاذل والمتآمر على غزة من قبل السيسي ونظامه".
وواصل: "كما أنّ النظام المصري يدرك أن ولاية ترامب الثانية قد تحمل سياسات مختلفة في الشرق الأوسط، وربما تضغط على مصر لتقديم تنازلات، سواء في ملف سيناء أو حقوق الإنسان، والعفو قد يكون خطوة استباقية لتحسين صورته أمام الإدارة الأمريكية القادمة".
وقال الباحث المصري: "يمكن أنّ نكون باختصار أمام نظام لديه أزمة ثقة في شرعيته وبقائه وأنّ قرار العفو يحمل دلالات تتجاوز كونه مجرد استجابة لضغوط داخلية أو تعبيرا عن النية الحسنة".
ويعتقد أنه "يبدو كخطوة محسوبة تهدف إلى: احتواء التوترات الداخلية، خصوصا في سيناء، وتحضير الأجواء لاستحقاقات إقليمية قادمة خاصة على صعيد ملف غزة وسيناريو التهجير وصفقة القرن لا يزالان على طاولة ترمب، وإرسال رسائل للخارج مفادها أن النظام لا يزال قادرا على المناورة واستيعاب الأزمات".
وختم بالقول: "السؤال الأكبر الذي يبقى: هل هذه الخطوات كافية للحفاظ على استقرار النظام في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها داخليا وخارجيا؟ أم أنّ قطعة الدومينو قد سقطت بالفعل وأصبحت مسألة وقت فقط حتى تسقط القاهرة".
"سيناريو فيه العرجاني"
وحول الوضع القائم على الأرض، قال الناشط السيناوي أشرف أيوب، إن "القرار صدر بصفة الحاكم العسكري وليس رئيس الجمهورية لأن الحكم صادر من محكمة عسكرية"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أنه "نهاية لسيناريو محبوك لدعم حزب العرجاني الجديد".
وأوضح أن "حكم المحكمة العسكرية صدر بحق 63 من طالبي (حق العودة)، والذين تزامنت وقفتهم للمطالبة به مع انطلاق (طوفان الأقصى) في غزة، وفي اليوم التالي للحكم عليهم، قامت زوجات وأمهات وبنات المحكوم عليهم بوقفة أمام مكتب مؤسسة أهلية تابعة للسيناوي المثير للجدل إبراهيم لعرجاني مطالبين السيسي بعدم التصديق على الحكم".
ولفت إلى أنه "عقب الوقفة النسائية خرجت اللجان تبشر أهالي سيناء بأن هناك قوائم عفو رئاسي عن المحكوم عليهم من أصحاب الرأي والسياسيين والمختفين قسريا، لكن لم تخرج إلا هذه القائمة بعدم التصديق على الحكم كحاكم عسكري وإعفاء المحكوم عليهم من العقوبة".
وأضاف: "هذا بجانب أن الأحداث في المنطقة والترتيبات التي تُجهز في دواليب إدارة ترامب، تُحتم تغيير سياسة التعامل مع سكان المنطقة (ج)، وإصرار نتنياهو على البقاء في المنطقة (د) حسب الملاحق الأمنية لاتفاقية (كامب ديفيد) 1978، ووضع محور صلاح الدين (فيلادلفيا) بحسب إتفاقية المعابر 2005".
"في الأصل أبرياء"
وثمن السياسي المصري، والنائب السابق بـ"مجلس الشعب" عام 2012، عن شمال سيناء يحيي عقيل، "قرار العفو"، مؤكدا أن "هؤلاء الناس في الأصل أبرياء، والمطالبة بالعودة لم تكن شيئا من بنات أفكارهم، إنما بحسب وعود قطعها النظام على نفسه، بأنه سينتهي من الإجراءات وسيعود الناس لبيوتهم".
عقيل، أحد رموز قبيلة "البياضية"،أضاف لـ"عربي21": "حتى مدينة رفح الجديدة التي تخالف مبانيها التي تشبه علب الكبريت طبيعة الناس في هذه المنطقة والذين تعودوا على سكن بيوت كبيرة في مزارعهم؛ ومع ذلك لم تف الدولة بوعودها لهم".
وأوضح أن "الأهالي تظاهروا للمطالبة بحق العودة لأراضيهم بعدما اندحر الإرهاب، ولم تعد هناك عمليات عسكرية ضد (تنظيم الدولة) وغيره، ولم تعد هناك عمليات من جانب العدو الإسرائيلي، وكان من الطبيعي مطالبتهم بالعودة لانتفاء أسباب تهجيرهم، فاعتقولهم وحاكموهم وأصدروا عليهم أحكاما جائرة".
وأكد أنه "عندما يعود النظام لرشده، ويصدر السيسي قرارا بالعفو عن هؤلاء، يجب أن ثمن القرار، ونبارك خرجهم من السجن، وقد رأينا بالسجون السورية كيف هي سجون العساكر، وأظن أن مقارنة أقبح سجون سوريا بسجن العزولي في الإسماعيلية يتضح أن سجون سوريا رحيمة".
"انتفاء المبررات"
ومضى يقول: "يجب على النظام إذا كان يحترم نفسه وعهوده والشعب أن يوفي بهذا الالتزام، ويسمح بعودة الناس المهجرة لبيوتهم بقرى رفح والشيخ زويد، فلم يعد هناك مبررا لعدم العودة، وإطلاق الشبيحة والبلطجية الخارجين عن القانون لتفزيع كل من يحاول العودة، في سبة وعيب لا يليقان بالدولة".
وتساءل البرلماني المصري السابق: "ما المانع الآن من المكاشفة والشفافية؟"، مطالبا بأن "يخرج أحد رجال الجيش للتوضيح، كون هذه المنطقة يتعامل بها الجيش والمخابرات الحربية ومخابرات حرس الحدود، ويشرح للناس أسباب تأخير عودة الأهالي، ويطلع الشعب على خطة الدولة تجاه هؤلاء، ومتى سيعودون لبيوتهم؟، والخطر الذي يمثله عودتهم لقرى ونجوع فارغة مات فيها الزرع وهدمت البيوت".
وأكد أن "الشيخ صابر الصياح، وأولاده يعبرون عن نسيج هذا المجتمع، وهم جزء من قبيلة الرميلات، ولا يمكن لعاقل اتهامهم بالخروج عن القانون أو محاربة الدولة أو ممارسة الإرهاب، لأنهم كانوا في صف الدولة والالتزام بأوامرها ومناصرة الجيش فيما ذهب إليه بكل المراحل".
وبين أن "موقف مشايخ القبائل أصبح صعبا مع كثرة ما أعطاهم رجال الدولة والجيش وعودا لا تنفذ، ولما غضب الشيخ الصياح، ومن معه ولجأوا إلى نوع بسيط من التظاهر جرى اعتقالهم ومحاكمتهم محاكمة عسكرية، ثم قرار العفو، وأظن أن الأمر معيب من بدايته لنهايته".
وخلص للقول: "تظل القضية كما هي، فمتى يعود الناس لبيوتم وقراهم؟، ومتى توفي الدولة بوعودها للمهجرين، وتيسير العودة، وتوفير متطلبات الحياة؟".
وختم موضحا أن "الإصرار على إبقاء تلك المنطقة خالية من السكان، يجعل فكرة تهجير الفلسطينيين تداعب عقول الأهالي، رغما عنهم"، متسائلا: "فلماذا الإصرار على إبقاء المنطقة خالية، ومنع الناس من العودة؟"، مجيبا بقوله: "لا أحد يستطيع تقديم إجابات".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصري السيسي سيناء الفلسطينية مصر السيسي فلسطين سيناء المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رفح والشیخ زوید قبیلة الرمیلات المحکوم علیهم تشرین الأول أهالی سیناء قرار العفو شمال سیناء مدینة رفح فی سیناء
إقرأ أيضاً:
هل يشكل المقاتلون المصريون في سوريا خطرا على نظام السيسي؟
تحل اليوم الذكرى الـ14 لثورة 25 يناير في مصر وسط حالة من التطورات الإقليمية المتسارعة وفي مقدمتها سقوط النظام السوري وهروب رئيسه المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، وهو حديث من شأنه أن يلقي بظلاله على المشهد السياسي في المنطقة، بما في ذلك مصر.
وكان الحدث السوري الذي جاء بعد ما يقرب من 14 عاما من مواجهة النظام المخلوع الذي كرس ترسانته العسكرية بالكامل لقمع الاحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى العسكرة، أحد أبرز محاور الإعلام المصري خلال الأسابيع الأخيرة، لاسيما بعد ظهور مقاتلين مصريين في صفوف المعارضة السورية.
وطغت لهجة الانتقاد اللاذع والتحذير من النموذج السوري على طريقة تناول العديد من الإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام المصري للتطورات في سوريا.
كما بدا التحفظ المصري إزاء المشهد الجديد في سوريا عبر تصريحات أدلى بها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي واصفا الإدارة السورية الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع بأنها "سلطة أمر واقع".
ويرى المحلل السياسي عزت نمر أن "هناك حالة من التوتر والهياج في الإعلام الرسمي لنظام السيسي والأمر أبعد من ذلك حيث أن كل ظهور للسيسي من بعد أحداث سوريا يبدو من كلماته حالة من التوتر البالغ عليه هو نفسه، وتظهر بوضوح في كلماته ، حتى أنه لا يتكلف في إخفائها".
ويضيف في حديثه إلى "عربي21"، أن نجاح المعارضة السورية بالإطاحة بنظام الأسد "ألقى بظلاله في صورة تجديد الأمل في تجدد الربيع العربي في موجته الحاسمة، والأمل في حراك جديد يغير الأوضاع في مصر خاصة أن الاحتقان في مصر بلغ مداه".
وكان السيسي شدد بعد سقوط النظام السوري في أكثر من مناسبة على عدم تلطخ يديه بالدماء أو سرقة مال أحد، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من رئيس النظام المصري لتفادي سيناريو بشار الأسد.
ومن ضمن الهواجس المتعلقة بسوريا والتي أثارها الإعلام المصري خلال الأسابيع الماضية، يبرز ملف المقاتلين المصريين في صفوف المعارضة السورية، بما في ذلك المصري أحمد المنصور الذي أعلن عن تشكل حركة ثورية للإطاحة بالسيسي.
حركة ثوار ٢٥ يناير pic.twitter.com/wigbhtD4jH — أحمد المنصور (@sweed_08) January 11, 2025
والمنصور هو شاب مصري انخرط في القتال مع المعارضة السورية ضد نظام الأسد، قبل أن يظهر في مقطع مصور بعد انهيار النظام السوري معلنا عن تشكيل "حركة ثوار 25 يناير"، بهدف إسقاط السيسي.
وأثارت إعلان المنصور موجة من الانتقادات اللاذعة ضد الإدارة الجديدة في سوريا من الإعلام المصري، في حين شد وزير الخارجية المصري على ضرورة "عدم إيواء عناصر إرهابية" على الأراضي السورية، داعيا إلى تكاتف الجهود الدولية لمنع تحول سوريا إلى "مصدر لتهديد الاستقرار في المنطقة أو مركز للجماعات الإرهابية".
في غضون ذلك، تحدثت تقارير عن اعتقال السلطات السورية للمقاتل المصري وذلك بالتزامن مع بيان لمتحدث مزعوم باسم "حركة ثوار 25 يناير" يؤكد فيه اختفاء المنصور بعد تلقيه دعوة للقاء وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مرهف أبو قصرة.
البيان الأول باسم المتحدث الرسمي
لحركة ثوار 25 يناير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيطيب للإخوة المؤسسين لحركة ثوار 25 يناير، أن يتقدموا بأسمى آيات الشكر للشعب المصري الكريم، ولجميع المتابعين للشأن العام في ساحات الربيع العربي، وذلك لمواقفهم النبيلة الداعمة لإعلان… — المتحدث الرسمي (@Almthdth25jan) January 14, 2025
يشدد الباحث محمود علوش على أن "التحول السوري يجلب هواجس مُتعددة لمصر"، مشيرا إلى أن "هذه الهواجس تُشكل الموقف المصري من التحول. ويظهر القلق من المقاتلين المصريين وتحول سوريا إلى ملاذ لتنظيمات إرهابية كأحد هذه الهواجس الرئيسية".
ويوضح في حديثه مع "عربي21"، أنه "من الممكن لهذه الهواجس أن تضغط بقوة على علاقة القاهرة بالإدارة السورية الجديدة في حال لم يكن هناك تعاون بين الطرفين لتبديد هذه الهواجس"، لافتا إلى أن "دمشق حريصة على التعاون مع مصر ودول المنطقة الأخرى التي لديها أية هواجس بهذا الخصوص".
ملف المقاتلين المصريين
وكان ملف المقاتلين الأجانب في سوريا أثار حفيظة العديد من الدول الغربية بعد إعلان القيادة السورية الجديدة عن سلسلة من الترقيات في الجيش، والتي شملت مقاتلين عرب وأجانب، من بينهم علاء محمد عبد الباقي، وهو مواطن مصري، قدم إلى سوريا قبل سنوات للانخراط في صفوف الفصائل المسلحة.
وجرت ترقية عبد الباقي إلى رتبة عقيد في الجيش السوري بموجب مرسوم صادر عن وزارة الدفاع بتوقيع من قائد الإدارة السورية الجدية أحمد الشرع.
يوضح علوش أن "القاهرة عبّرت بوضوح عن مخاوفها من تحول سوريا إلى ملاذ للإرهاب. مع ذلك، فإن التعبير عن هذا الهاجس يُخفي في الواقع هواجس أخرى كبيرة من تداعيات التحول السوري على المنطقة لجهة عودة صعود تيار الإسلام السياسي ونجاح تنظيم ذو خلفية جهادية في حكم بلد كسوريا".
ويضيف أن "هذا سيناريو لا يُمكن للدول المعادية لتيار الإسلام السياسي أن تتقبله أو تتعايش معه"، لافتا إلى أن "التعامل مع هذا الملف حاجة لسوريا قبل أن يكون حاجة لدول المنطقة".
ومن الواضح، بحسب الباحث، أن "الإدارة الجديدة تُدرك حساسية هذه القضية وتأثيرها على العلاقة مع دول المنطقة. والخطوات التي تقوم بها تُرسل رسائل مُشجعة".
وكان الشرع تحدث عن عدم اعتزام سوريا تصدير الثورة السورية إلى الخارج بعد نجاحها، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة العمل بعقلية الدولة بعد ما قال إنه "انتهاء الثورة" إثر تحقيق هدفها بإسقاط نظام الأسد.
وبالرغم من تواصل توافد الوفود الإقليمية والغربية إلى سوريا من أجل اللقاء بقادة الإدارة الجديدة منذ سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي، إلا أن القاهرة لم ترسل بعد أي وفد إلى دمشق، وما يشير إلى حالة من التحفظ لا تزال مسيطرة على النظام المصري.
ويرى عزت نمر أنه " من الممكن إرجاع حالة التوتر في أروقة النظام في مصر، إلى وجود الشباب مصري المقاتل في سوريا وهذا يزيد التخوف من نقل فكرة الثورة المسلحة بشكل ما".
ويشير إلى أن "النظام المصري ظل سنوات يخوف المصريين من النموذج السوري ، وكانت سوريا هي الفزاعة التي استخدمها اعلام السيسي، كيف واليوم أصبحت سوريا أيقونة عودة الربيع العربي، خاصة مع هروب رئيسها إلى روسيا وهو مشهد ربما مماثل قد يحدث في مصر غداً أو بعد غد".
ويشدد على أنه "سيكون هناك تداعيات لأحداث سوريا في مصر وربما في مواطن أخرى من الإقليم ،إذ لا يمكن تجاوز حقيقة أن الثورة عدوى وأن حالة انتصار إرادة الشعب في دولة تغري الشعوب الأخرى بالأمل والحركة".
وفي تعليق على إمكانية أن يتسبب المقاتلين المصريين في سوريا بتهديد للنظام السيسي، يوضح نمر أن "أحداث سوريا وهروب بشار، ستظل ضاغطة على النظام المصري طالما استمرت حالة الاحتقان والغضب الشعبي".
ويلفت إلى ضرورة "التركيز على متغير شديد الحرج وهو أن طبقة كبيرة من ضباط الجيش في المستويات الدنيا والمتوسطة باتت هي الأخرى تشكو من الواقع الاقتصادي، وهو لغم شديد الخطورة إذا ما تأثر بالأوضاع أو تعاطى مع الأحداث أو انتقل إلى مربع الاحتقان والغضب".
ثلاث اتجاهات "ترعب" السيسي
يوضح عزت نمر أن "الأنظمة الاستبدادية القمعية هي بالأساس أنظمة خوف ، يحسبون كل صيحة عليهم"، مشيرا إلى أنه "من الطبيعي أن تشكل صورة المقاتلين المصريين في المشهد السوري صورة مرعبة للسيسي ونظامه في اتجاهات متعددة".
ويلخص الباحث المصري الاتجاه الأول في أن "يتحول هؤلاء بخبراتهم العسكرية والثورية إلى الملف المصري وهو لغم شديد الانفجار خاصة مع حالة الاحتقان الشعبي الموجودة في مصر حيث ستجد بيئة خصبة للثأر والانتقام من نظام ترك ثارات متعددة مع كل فئات الشعب".
أما الاتجاه الثاني، فيوضح الباحث أنه يعود إلى "تبني آخرون نفس النهج في مصر، خاصة أن السيسي وأجهزته رصدت حالة التفكك السريع والانهيار لكل قوات نظام سوريا المسلحة ومليشياته بمجرد جدية الحل العسكري"، معتبرا أن هذا السيناريو "يرعب النظام".
وثالثا، يرى نمر أن التخوف الثالث لدى النظام المصري يتمثل في أن "يؤتى السيسي من مأمنه حيث لا يزال يأمن جانب الجيش في مصر إلى حد ما"، ويضيف متسائلا "ماذا لو تبنى أفراد من الجيش هذا النهج وتحركوا فجأة وهذا سيناريو مرعب لأي نظام استبدادي والأخص في الواقع المصري".