العالم يتعرف إلى السلطة الجديدة في دمشق
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
كان رئيس جهاز الاستخبارات القومي في تركيا أول الواصلين الأجانب إلى دمشق واللقاء بأحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام. ثم جاء الأوروبيون والأمريكيون والأمميون والقطريون والأردنيون والسعوديون، في حين كانت روسيا حريصة على إعلان أنها “على تواصل” مع السلطة الجديدة، وكذا فعلت إيران التي لم تكتم شعورها بالهزيمة الكبرى التي منيت بها في سوريا.
وقررت الولايات المتحدة إزالة المكافأة الموضوعة على رأس أبي محمد الجولاني، مع “دراسة” إزالة اسم الهيئة التي يقودها من قائمة المنظمات الإرهابية والعقوبات المفروضة على سوريا في عهد النظام الهارب.
هذه إجراءات سالبة وحسب لا تعني إقامة علاقات طبيعية مع سوريا الجديدة، ناهيكم عن مساعدتها على تضميد الجراح والشروع في بناء دولة منهارة أو محاولة لجم حليفها الإسرائيلي، إضافة إلى دور واشنطن في المرحلة الانتقالية بحكم وجود قواتها على جزء من الأراضي السورية يصادف أنها تشتمل مصادر النفط والغاز.
الدول الأوروبية المعنية بسوريا من زاوية موضوع اللاجئين على الأقل ما زالت تتعامل بحذر مع السلطة الجديدة، ولم تطلق وعوداً بشأن المساهمة في إعادة الإعمار، لعلها تنتظر أن تسبقها الدول العربية الغنية المنتجة للنفط. تركيا المزهوة بإنجاز تكاد تنسبه إلى نفسها، أعني إسقاط نظام الأسد، عينها على فرص الاستثمار لشركاتها قبل كل شيء، والعين الأخرى على شمال شرق سوريا حيث تجد أن الفرصة سانحة للتخلص من قوات سوريا الديمقراطية وإدارتها الذاتية في مناطق سيطرتها قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة. ولعل طموحها يصل إلى درجة لعب دور “الأخ الأكبر” للسلطة الجديدة.
ربما كان أبرز المتوجسين بين الدول من سقوط نظام الأسد، مصر والإمارات العربية المتحدة، وسيكون عليهما التأقلم مع الوضع الجديد ولو على مضض. ربما ينطبق ذلك على الصين أيضاً التي ترى في سقوط النظام الذي واظبت على تأييده في مجلس الأمن منذ بداية الثورة مكسباً صافياً للتحالف الغربي الذي يسعى لتطويق طموحاتها.
أحمد الشرع المعروف بقدرته على الاقناع ولا يخفى طموحه السياسي على أحد، حذِرُ في تصريحاته، يتجنب الشراك التي تنصب له، ويقول ما هو مقبول في الداخل كما مع مندوبي الدول الذين يلتقي بهم أو وسائل الإعلام التي تلاحقه. أما في الإجراءات، كتشكيل حكومة تصريف الأعمال أو إعادة العمل في دوائر الإدارة العامة أو تعيين محافظين أو تنظيم العلاقة مع السكان في شؤون الأمن وغيرها، فهو يتصرف بصورة أحادية، ويبدو أنه حاسم في رفضه اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2254 أو التعاون مع أطر المعارضة المعترف بها دولياً في المهجر.
لعل أكثر ما يلفت النظر في “براغماتية” أحمد الشرع هو تعاطيه العاقل مع الاستفزازات الإسرائيلية، وانفتاحه على علاقة طبيعية مع موسكو، وتجنب إطلاق تصريحات استفزازية ضد طهران. هذه من علامات نضج سياسي بعد عمر أمضى الرجل جله في العمل الميداني الجهادي في العراق وسوريا، وفي حكم منطقة إدلب طوال السنوات السابقة والتعامل مع الفصائل الأخرى.
ويكاد يكون الشخص الوحيد الذي يمارس السياسة بمعناها الحقيقي في سوريا اليوم. هذا ما يجعل أكثر التساؤلات يدور حول مقدار سيطرته على هيئة تحرير الشام ومداها الزمني المحتمل، وعن مدى قدرته على ضبط الوضع الأمني بالعديد المحدود لقوات التحالف الذي يقوده، ومدى قدرته في الحفاظ على استقلالية القرار الوطني وسط قوى دولية عاتية تمارس على السلطة الجديدة ضغوطاً متفاوتة تحرّكها روائز مصالحها الخاصة في “الكعكة السورية”، ومدى استمرار حيازته على قبول شعبي يحتاجه في تعزيز شرعيته الثورية. وبقدر ما تتوقف هذه العناصر على استمرار أدائه الحالي، فهي ستتأثر أيضاً بمدى التجاوب المحلي والدولي مع المتطلبات العاجلة لبناء دولة جديدة من الصفر تقريباً تمثل جميع السوريين وتحظى بدعم من دول صديقة.
من مفارقات الأسبوعين الفائتين أن البيئة الموالية لنظام الأسد كانت، لأسباب مفهومة، الأكثر تجاوباً مع سياسة الهيئة تجاهها، وحين تتعرض مناطقهم لانتهاكات فهم ينسبونها إلى فصائل أخرى ويستنجدون بهيئة تحرير الشام لحمايتهم منها، بعد سنوات من شيطنتها والمساهمة الفعالة في الصراع ضدها. هذه أيضاً براغماتية مقابلة أو واقعية سياسية مطلوبة. بالمقابل ثمة أوساط تسعى ما وسعها ذلك إلى التخريب على هذا الوضع، سواء من فلول النظام المخلوع أو من أفراد من الفصائل “المنتصرة”.
وثمة أيضاً من يخلطون بين المتطلبات السياسية العاجلة ومسبقاتهم الإيديولوجية على ما شهدنا في مظاهرة ساحة الأمويين الأسبوع الماضي حين رأينا أصواتاً تنادي “علمانية! علمانية!” وكأنهم يحتجون على إقرار دستور ينص على إسلامية الدولة السورية وتطبيق الشريعة فيها. في السياق الذي ارتفع فيه هذا الشعار لا يمكن أن يعني غير “النضال” ضد السلطة الجديدة ولم يمض عليها أكثر من عشرة أيام، في الوقت الذي تحتاج سوريا فيه إلى كل شيء باستثناء الاستقطابات الداخلية الحادة.
المعارضة السياسية الموجودة خارج سوريا مرتبكة لا تجد لنفسها موقعاً في المشهد السياسي، كما لو أنها مستسلمة لانتهاء دورها بنهاية نظام الأسد. فهي تجني الحصيلة الهزيلة لعملها طوال العقد الماضي، ربما تنتظر أن تمنحها الدول الفاعلة في سوريا اليوم دوراً من خلال القرار 2254، بعدما فشلت في الحصول على أي نفوذ اجتماعي بين السوريين.
يجتهد المحللون في تحديد أبرز الرابحين والخاسرين في سوريا بعد الثامن من الشهر الجاري، فيعدّون تركيا وإسرائيل بين الأوّلين، وإيران وروسيا بين الأخيرين. ولا أحد يذكر النظام المخلوع كخاسر، فهو قد خسر مسبقاً منذ سنوات طويلة، وسقط كثمرة معفنة من تلقاء ذاته. وكذا قلما ينظر أحد إلى سوريا كدولة خسرت كل شيء لتفوز فقط بجائزة ترضية هي نافذة أمل مفتوحة على المستقبل، ويتوقف على السوريين أنفسهم أن يحولوها إلى مستقبل يستحقونه.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرع إيران سوريا إيران سوريا الاحتلال الشرع سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الجدیدة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
إزالة علم سوريا وتلميحات من نتنياهو.. ماذا يحدث في السويداء؟
في مشهد لم يعد غريبًا؛ سمحت الحرية التي تتمتع بها ساحة الكرامة في مدينة السويداء جنوب سوريا بخروج مظاهرات يمكن وصفها أنها "عكس التيار"، تجمَّع فيها العشرات صباح الخميس 6 مارس/ آذار 2025، ممن جاءت بهم دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أزال المتظاهرون علم البلاد عن مبنى المحافظة، واضعين مكانه العلم الديني لطائفة الموحدين الدروز المعروف باشتماله الرامز إلى حدود الدين الخمس، وردّدوا عبارات التأييد للشّيخ حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية في السويداء، وحملوا صورًا للشيخ موفق طريف، أحد أبرز المرجعيات الدينية للدروز في إسرائيل.
مظاهرة السويداء والمجلس العسكري الجديدمعظم المتظاهرين كانوا من المنتسبين أو الداعمين لـ "المجلس العسكري في السويداء" الذي يرأسه العقيد طارق الشوفي المنشق في وقت سابق عن جيش الأسد، وهذا المجلس تأسس في 24 فبراير/ شباط 2025، ليضم عسكريين وضباطًا منشقين عن النظام السابق، وعسكريين وضباطًا كانوا ضمن ملاك القوى الأمنية والعسكرية لنظام الأسد حتى سقوطه يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
في المقابل كان الشيخ الهجري الذي نادت المظاهرة بتأييده قد نفى أي علاقة له بالمجلس العسكري بعد تأسيسه، كما نفى العقيد الشوفي مجموعة واسعة من الاتهامات التي وجهت إلى المجلس، أبرزها ارتباطه بإسرائيل ومشاريعها الانفصالية، وتنسيقه مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتخطيط معها لدعم اللامركزية في السويداء، كما شمال شرق سوريا.
إعلان تنافس القوى المختلفة في السويداءالسويداء ليست على قلب رجل واحد، فكما كانت منقسمة بين المؤيدين لنظام الأسد والمناهضين له خلال العقد الماضي، فإنها اليوم منقسمة في الموقف من الحكومة السورية الجديدة والتعامل معها، وربما ليس من المصادفة أن يتشكل المجلس العسكري، وتخرج المظاهرة من المنتسبين له الذين أزالوا علم البلاد عن مبنى المحافظة بعد استقبال الرئيس أحمد الشرع في دمشق لقائدي أهم التشكيلات العسكرية في السويداء، وهما ليث البلعوس، وسليمان عبدالباقي.
في حين إذا صحت المعلومات بأن المجلس العسكري مرتبط فعلًا بالشيخ الهجري، فهذا يعني أن الشيخ الهجري وصل إلى قناعة أن المكانة الدينية لم تعد كافية بتأثيرها ودورها على توازنات المشهد الداخلي في السويداء، والتنافس الخفي للزعامة فيها، حيث في مجتمع مثل السويداء من الطبيعي أن تتنازع الحوامل الاجتماعية التقليدية، وأهمها المرجعيات الدينية مع الحوامل المجتمعية الناشئة خلال سنوات الثورة، وأهمها الفصائل والمجموعات العسكرية.
من هم الفاعلون في السويداء؟كانت السويداء قبل الثورة التي انطلقت عام 2011، تركن في قرارها مجتمعيًا إلى المرجعية الدينية المتمثلة بمشيخة العقل، والتي توارثتها ثلاث عائلات، هي: الهجري والحناوي، والجربوع، غير أن الثورة السورية بما حملته من ضغوطات أمنية ومجتمعية خلال سنواتها الممتدة، أوجدت قوى جديدة منافسة، ومختلفة مع القوى المرجعية التقليدية، أهمها:
قوات شيخ الكرامة بقيادة ليث البلعوس، وحركة رجال الكرامة بقيادة يحيى حجار، وتجمع أحرار جبل العرب بقيادة سليمان عبدالباقي، ولواء الجبل بقيادة شكيب عزام، وتجمع أبناء الجبل بقيادة لؤي أبو فاعور، ولواء "القاهرون" بقيادة عميد جريره، وقوات العليا بقيادة سامر بالي، وتجمع اللواء بقيادة سامر أبو العز، وسرايا الجبل بقيادة وائل أبو قنصول، وبقايا قوة مكافحة الإرهاب الذراع العسكرية لحزب اللواء السوري.
إعلان العلاقة مع إسرائيللا يمكن إنكار التواصل المستمر بين فاعلين في السويداء وإسرائيل، لكن هناك تضخيمًا كبيرًا وصورة نمطية غير دقيقة لحجم هذا التواصل وطبيعته وأهدافه ثم لمآلاته، وما قد ينتج عنه، نعم تحاول إسرائيل كسب حلفاء لها في السويداء، وفي غيرها من المناطق جنوب سوريا، لكن الاستجابة للمحاولات الإسرائيلية حتى اليوم محدودة جدًا.
بينما التواصل الذي تقوم به بعض المجموعات والقوى في السويداء، بدأ من طبيعة التواصل الدرزي السوري، مع الدرزي في إسرائيل، في مقابل التواصل الذي تقوم به مجموعات أخرى في المحافظة بطبيعة التواصل الدرزي السوري، مع الدرزي اللبناني، وهما – كما لا يخفى على أحد – مساران متضادان في الاتجاه.
المسار الأول الذي يبني على التنسيق الدرزي السوري مع الدرزي الإسرائيلي يقوده من طرف إسرائيل الشيخ موفق طريق، وبدأ تحت عنوان حماية المكون، بينما تنتشر المليشيات الطائفية في جنوب سوريا، ويتهم هذا المسار بأنه داعم للضغط الإسرائيلي الهادف إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومفككة، الأمر الذي يتعارض مع المسار الثاني الذي يتصل مع الزعيم وليد جنبلاط في لبنان، وهدفه أن يحمي خصوصية السويداء والمكون الدرزي فيها، لكن ضمن سيادة الدولة السورية الجديدة.
السويداء والعلاقة مع الحكومة في دمشقبعيدًا عن التصريحات الرسمية التي تجامل في المواقف، وغالبًا ما توارب في التوجهات، فإن هناك تنافسًا داخليًا في السويداء على الزعامة والمرجعية يعززه التواصل والتنسيق مع الأطراف الخارجية، وهو أمر جوهري يغلب طبيعة العلاقة مع العاصمة دمشق بصرف النظر عن الجهة التي تحكمها.
وربما لا يظهر التنافس في المرجعيات الدينية التقليدية بين الأسر الثلاث: الهجري والحناوي، والجربوع، إلا أن التنافس واضح بينها وبين القوى الناشئة، وخاصة رجال الكرامة، وشيخ الكرامة، ورجال جبل العرب، والتي بدورها أعلنت ولاءها للحكومة الجديدة التي يقودها الرئيس أحمد الشرع في دمشق.
إعلانليس من المرجح أن تكون السويداء في طليعة أي مشروع مناهض للإدارة الجديدة في دمشق، أو أن تكون السويداء جزءًا صريحًا فيه، إلا أن العامل الخارجي المرتبط بجزء منه مع مشاريع مناهضة للإدارة الجديدة، قد يستثمر حساسية الوضع مع المكون الدرزي لتمرير الضغوطات، أو حتى التهديدات للإدارة في دمشق.
خصوصية يحترمها الجميعوبعيدًا عن الصراعات السياسية والتنافس المحلي الجهوي، فإن ثَمة رأي الشارع في السويداء، وهو وإن كان متأثرًا بالفاعلين الدينيين أو السياسيين، إلا أنه يُجمع معهم على أن للمحافظة خصوصية من العادات والتقاليد والأعراف يجب أن تحترم وأن تقدر.
وقد أدركت الحكومة الجديدة في دمشق هذا الأمر، ويعتقد أنها تراعيه، أو أنها مضطرة إلى أن تراعيه بشكل جيد؛ لأنه جزء من ضمان السلم الأهلي والاستقرار المحلي، فالمحافظة لها ثقافتها في حل مشكلاتها، وإدارة المجتمع بما يتوافق مع الأطر المجتمعية والدينية للمحافظة.
ليس هناك مشروع جادّ انفصالي أو حتى شبه انفصالي للسويداء، لكن هناك خصوصية تطلبها المحافظة، ومن السهل أن تحصل عليها وتتمتع بها ضمن العقد الاجتماعي الجديد الذي تنتظره سوريا.
في المقابل فإن هناك نزاعًا داخليًا وتنافسًا ينعكسان على الموقف من القوى المحلية الأخرى، ومن ذلك العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة، ويعزز المشكلة استثمار القوى الخارجية لهذه الحالة، وتحديدًا إسرائيل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline