القيم الاستراتيجية للعمليات اليمنية الأخيرة ضد أمريكا و”إسرائيل”
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
في تطور جديد يعكس حجم التحديات التي تواجه القوات الأمريكية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، واجهت القوات الأمريكية موقفاً محرجاً إثر إسقاط طائرة حربية في البحر. الرواية الأمريكية حول الحادثة أشارت إلى أن الطائرة أسقطت بسبب “نيران صديقة”، محاولة تقديم الحادثة معزولة عن سياقها، ولأنها رواية ركيكة ومضللة فقد قوبلت بتشكيك من مراقبين أمريكيين، ليظهر بيان القوات المسلحة اليمنية كاشفاً حقيقة جديدة ومؤكدة حول الواقعة.
التأكيد جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الذي كشف أن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة، قد نجحت في إحباط عدوان أمريكي-بريطاني على اليمن، مبيّناً أن الهجوم اليمني تزامن مع عدوان جوي أمريكي-بريطاني على اليمن، ففيما كانت الطائرات تقصف صنعاء، كانت الصواريخ والمسيّرات اليمنية تقصف بالتزامن حاملة الطائرات الأمريكية “يو أس أس هاري أس ترومان” وعدداً من المدمرات الأمريكية، وذلك باستخدام ثمانية صواريخ مجنّحة و17 طائرة مسيرة.
وخلال العملية، نجحت القوات اليمنية في إسقاط طائرة أمريكية متطورة من طراز “أف 18” أمريكية، ونجحت كذلك في إجبار معظم الطائرات الحربية المعادية على الانسحاب من الأجواء اليمنية إلى المياه الدولية في البحر الأحمر، كما هي حال حاملة الطائرات الأمريكية “هاري أس ترومان” التي أجبرت هي الأخرى على الانسحاب إلى شمال البحر الأحمر بمحاذاة السعودية وربما أبعد. الرسالة كانت واضحة: اليمن لن يتهاون في الدفاع عن أراضيه ولن يسمح بالعدوان عليها، كما لن يتوقف عن عمليات إسناد غزة.
القيمة الاستراتيجية لعمليات الرد
قيمة ما حصل في العمليات الأخيرة مختلفة تماماً عن كل ما حصل في العمليات السابقة، على أهميتها، ذلك أن الأعداء أرسلوا طائراتهم إلى أجواء اليمن وضربوا أهدافاً مدنية، وبالتزامن، ولأول مرة، ردّ اليمن النار بالنار بعمليات مشتركة فعلت فعلها وأثرت تأثيراً كبيراً. وهذا ينسحب على العدو الإسرائيلي، إذ تصاعدت العمليات اليمنية إلى عمقه، كمّاً ونوعاً ودقة وفعالية في التأثير، وآخرها الصاروخ الذي ضرب قلب الكيان ” تل أبيب” من دون أن تتمكّن طبقات الدفاع من اعتراضه.
ومن أبرز القيم الاستراتيجية التي يمكن استنتاجها من العمليات الأخيرة الآتي:
أن القوة اليمنية لم تعد قوة رد، بل تحوّلت إلى قوة قادرة على ردع المعتدين.
– الهجوم المنظم الذي جمع بين الصواريخ والطائرات المسيرة جاء متزامناً وبوتيرة مؤثرة بشكل فاعل ضد القوات الأمريكية والبريطانية، وهو ما يعكس تطوراً لافتاً في الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية اليمنية.
– العمليات العسكرية ضد «هاري أس ترومان» تمثل تحوّلاً جذرياً في مفهوم الصراع البحري على المستوى الجيوسياسي.
– هذه العمليات تؤكد قدرة اليمن على مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية، ما يضع هذه الأساطيل في مأزق استراتيجي، خصوصاً بعد انسحاب ثلاث حاملات طائرات أمريكية من منطقة العمليات وبعضها قبل أن تصل إليها.
هذا التراجع يحمل إشارات لا غبار عليها لنهاية زمن حاملات الطائرات، وربما عهد السيطرة الأمريكية على البحار، وتحديداً في تلك المنطقة المشتعلة منذ عام وأكثر.
العمليات العسكرية في اتجاه عمق كيان العدو: تطور استخباري وتقني لافت
لم تكن التطورات حصراً في ما حصل في البحر، بل سجلت القوات المسلحة نجاحاً لا يقل أهمية عنه، باستهداف قلب كيان العدو بصاروخين فرط صوتيين من دون اعتراض أو حتى استشعار، وخصوصاً مع الصاروخ الذي انطلق فجراً بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية في صنعاء والحُدَيْدة.
إن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة أثبتت بشكل قاطع تطوّراً ملحوظاً على مستوى الاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية. من خلال استهداف صواريخ باليستية فرط صوتية قلب «إسرائيل» في «تل أبيب»، وتجاوزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، يظهر أن اليمن قد أصبح قوة إقليمية رادعة تسعى لتحدي الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة.
وفي هذا الصدد، أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن قلقهم من تطور هذه القدرات، إذ أكدت التقارير الصحفية أن اليمن قد طوّر صواريخ فرط صوتية تجاوزت سرعتها 12 ماخ، وهي تقنية لم تتوصل إليها حتى الولايات المتحدة.
رسائل استراتيجية واضحة
التصعيد الأخير في العمليات العسكرية اليمنية كان بمنزلة رسالة حاسمة للقوى الكبرى المعادية، مفادها أن اليمن قادر على الدفاع عن نفسه ضد أي عدوان وهو ما يترجم تأكيد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الجهوزية لمواجهة أي عدوان أمريكي أو إسرائيلي. الرسالة التي وجّهتها القوات المسلحة اليمنية جاءت ترجمة لذلك الإعلان، وعكست ثقة كبيرة في القدرة العسكرية، وأثبتت أن اليمن ليس هدفاً سهلاً قابلاً للاستباحة متى شاء الأعداء، بل قوة عربية إسلامية قادرة على تدفيع الأعداء أثماناً باهظة مقابل عدوانهم واستمرارهم في استباحة غزة وسوريا وقبلها لبنان.
اليمن: قوة عربية رادعة
بعد عشرة أعوام من العدوان والحصار بأيدٍ عربية، خرج اليمن كالمارد أقوى من أي وقت مضى، متمسكاً بعزته وسيادته. النموذج الذي يقدمه اليمن يجب أن يكون مصدر فخر للعالم العربي، إذ لا يزال في قلب المعركة من أجل الشرف العربي في فلسطين وسوريا، متحدياً القوى الكبرى التي حاولت إخضاعه.
وقد أثبت اليمن أنه القوة الرادعة التي لا يمكن إيقافها، في وقت تراجعت بعض الدول العربية عن دعم قضايا المنطقة. ولا نبالغ إن قلنا إن اليمن بات يتربع على عرش القوة العسكرية العربية التي تحمي ولا تهدد مصالح الشعوب العربية ولا تستسلم لتهديدات الخارج.
الخلاصة التي يجب أن نصل إليها أن الولايات المتحدة و»إسرائيل» في مأزق استراتيجي كبير، فمع تطور قدرات اليمن العسكرية، بات من الواضح أن الخيارات أمامهما أصبحت محدودة. في هذا السياق، لا مفر من إعادة التفكير في السياسات العسكرية في المنطقة، سواء تجاه اليمن أو تجاه غزة، إذ لا يمكن الاستمرار في فرض الحصار والعدوان من دون دفع ثمن باهظ.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كابوس تطوُّر القدرات اليمنية يطاردُ قادة الجيش الأمريكي بعد هزيمة البحر الأحمر
يمانيون../
ما يزال تطوُّرُ القدراتِ العسكرية اليمنية يطاردُ الولاياتِ المتحدةَ ككابوس مُستمرّ، بعد هزيمتها المُذِلَّةِ في البحرِ الأحمر، حَيثُ عبّر مسؤولون أمريكيون هذا الأسبوع عن مخاوفَ من امتلاك اليمن صواريخ أرض جو متطورة لمواجهة المقاتلات الأمريكية الحديثة مثل طائرات (إف-16) التي قالوا إن إحداها تعرَّضت لإطلاق نار في الأجواء اليمنية لأول مرة، إلى جانب طائرة أُخرى من نوع (إم كيو-9)، وهو ما لم يصدر بشأنه أي بيان رسمي، لكنه إن صح فهو يحملُ رسالةً واضحة تكرس واقع انهيار الردع الأمريكي في مواجهة اليمن، وجاهزية القوات المسلحة اليمنية لمواجهة أي تطور.
ووفقًا لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، فقد قال ثلاثة مسؤولين دفاعيين كبار في الولايات المتحدة: إن القوات المسلحة اليمنية أطلقت في 19 فبراير الجاري، صاروخ أرض- جو، على طائرة حربية أمريكية من طراز (إف-16) كانت تحلق قبالة السواحل اليمنية فوق البحر الأحمر.
وأشَارَ المسؤولون إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق صاروخ أرض -جو ضد هذا النوع من المقاتلات الأمريكية فوق اليمن، مؤكّـدين أن ذلك يمثلُ “تصعيدًا كبيرًا” في الاشتباك بين القوات المسلحة اليمنية والقوات الجوية والبحرية الأمريكية.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أمريكي قوله: إن إطلاق الصواريخ على مثل هذه المقاتلات يشير إلى أن جهودًا يمنية “لتحسين القدرة على الاستهداف” وهو ما يعني وجود تطور ملحوظ في الدفاعات الجوية اليمنية.
وبحسب المسؤولين الأمريكيين فقد أطلقت القوات المسلحة اليمنية في اليوم ذاته صواريخ دفاعية ضد طائرة أُخرى من طراز (إم كيو-9) كانت تحلق في أجواء المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان ومرتزِقته.
وبرغم عدم وجود أي تأكيد رسمي من قبل القوات المسلحة اليمنية لعمليات الإطلاق، فَــإنَّ تصريحات المسؤولين الأمريكيين تعكس صدمة جديدة لدى قيادة الجيش الأمريكي إزاء استمرار تطور القدرات العسكرية اليمنية في مجال الدفاع الجوي، وهو الأمر الذي يشكل صفعة إضافية تضاعف وقع وتأثير حالة العجز العسكري للولايات المتحدة في مواجهة اليمن، والذي ظهر بشكل فاضح في معركة البحر الأحمر، وتضمن المجال الجوي، حَيثُ تمكّنت الدفاعات اليمنية من إسقاط 14 طائرة من نوع (إم كيو-9) المتطورة غير المأهولة خلال عام واحد، بتكلفة إجمالية تجاوزت 450 مليون دولار.
وفي حال صحت تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول إطلاق الصواريخ الدفاعية على مقاتلة (إف-16) وطائرة (إم كيو-9) فربما أن عمليات الإطلاق لم تخطئ، بل كان الهدف منها هو إبعاد الطائرتين وإجبارهما على مغادرة الأجواء، كرسالة تحذيرية واضحة للجيش الأمريكي بأن القوات المسلحة اليمنية جاهزة للتعامل مع أي تطور في الوقت الفعلي، وأنها تمتلك مفاجآت جديدة تبدأ من حَيثُ انتهت مفاجآت معركة البحر الأحمر التي لا زالت أصداء الهزيمة الأمريكية فيها تتردّد بلا توقف.
ويبدو أن الرسالة قد وصلت، حَيثُ يرى محللون أن قيام المسؤولين الأمريكيين بتسريب تعرض المقاتلات الأمريكية لعمليات إطلاق جديدة يأتي بدافع القلق من نوعية الصواريخ التي تم إطلاقها ومحاولة البحث عن أية معلومات عنها، على أمل تفادي وقوع مفاجآت كبيرة في حال عاد التصعيد.
وقد ظهر جليًّا أن قلقَ الجيش الأمريكي لا يقتصر فقط على احتمالات تطور القدرات العسكرية اليمنية في مجال الدفاع الجوي، بل يشمل كافة المجالات بما في ذلك العمليات البحرية المباشرة، حَيثُ ذكرت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أن “كبار القادة العسكريين يعتقدون أنها قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن يصيب صاروخ حوثي سفينة تابعة للبحرية الأمريكية؛ مما قد يتسبب في إصابات مدمّـرة وأضرار لحاملات الطائرات والمدمّـرات” وهو ما يعني أن قادة الجيش الأمريكي يدركون بوضوح أن التحدي الذي يواجهونه فيما يتعلق باليمن لا يقتصر على محاولة التعافي من الهزيمة المذلة في البحر الأحمر من خلال التفكير في تعديل الأساليب والأدوات والتكتيكات، بل يمتد إلى وجود مفاجآت جديدة مفتوحة السقف تجعل محاولاتِ “التعافي” تلك بلا معنى.
وفي هذا السياق أَيْـضًا ذكر تقرير الشبكة الأمريكية أن هناك “نقاشًا سياسيًّا على الأعلى المستويات في الجيش الأمريكية” بشأن الطريقة الأفضل لمواجهة اليمن، لكن يبدو أن هذه النقاشات تواجه طُرُقًا مسدودة، حَيثُ أوضح التقرير أن الخيارات المطروحة هي التصعيد تحت مظلة قرار التصنيف، وعنوان “مكافحة الإرهاب”، أَو مواصلة الاستراتيجية التي اعتمدتها إدارة بايدن، لكنَّ الخيارين لا يضمنان تحقيق أي ردع بل يحملان مخاطرَ وقوع تداعيات عكسية؛ فخيار التصعيد الأول “سيكون مكلفًا في الوقت الذي يتم فيه تحويلُ الموارد العسكرية نحو الحدود الأمريكية الجنوبية” وفقًا للتقرير، بينما سبق أن ظهر فشل الخيار الثاني على مدى أكثر من عام في البحر الأحمر.
ويقول التقرير: إنه “سيكون على البيت الأبيض في النهاية أن يتخذ قرارًا سياسيًّا” وذلك يعني أن اعتبارات الردع العسكري لم تعد قابلة للتطبيق كما يريد قادة الجيش الأمريكي، وهو ما كان قد تم الاعتراف به بوضوح على لسان عدد من قادة البحرية الأمريكية، منهم قائد الأسطول الخامس جورج ويكوف الذي قال بصراحة إنه “لا يمكن تطبيقُ استراتيجية الردع التقليدية” في مواجهة اليمن، الأمر الذي ينسفُ كُـلّ الدعايات التي تزعُمُ أن هزيمة الولايات المتحدة في معركة البحر الأحمر كان سببها “تردّد” إدارة بايدن في اتِّخاذ القرارات اللازمة، إذ بات واضحًا أنه لا يوجد أُفُقٌ لتغيير الواقع بأية قرارات أصلًا.
هذا الانسداد الواضح في أُفُقِ التعامل العسكري مع اليمن ينحسب أَيْـضًا على المسارات الأُخرى، بما في ذلك مسار الضغوط السياسية والاقتصادية؛ إذ لا يمكن تطبيق مثل هذه الضغوط بالشكل الذي تأمله الولايات المتحدة مع تجنب انفجار الوضع، الأمر الذي يعني أن اليمن قد ثبّت بالفعل معادلة ردع استراتيجية تأريخية فعالة ضد كُـلّ المساعي الأمريكية العدوانية، بغض النظر عن هُوية من يجلس في البيت الأبيض.
المسيرة