لجريدة عمان:
2025-04-08@05:41:36 GMT

صـور العـرب والغـرب في وعـيـيـهـما

تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT

نـظرتان متبايـنـتان إلى العَـرب داخل الوعـي الغـربيّ، تُـقابِـلـهـما نظـرتان متـبايـنـتان إلى الغـرب داخل الوعي العربيّ. يـفـيـدنا تقـريرُ هذه الواقعـة، أيّـما إفادة، في تبـديـد اعـتـقادٍ شائـع بوجـود نظـرة واحـدة مغـلَـقة يُـلقـيـها على الآخَـر كـلٌّ من العـالميْـن. من البيّـن أنّ مثـل هذا الاعتـقاد لا يكـتفي بأن يُـنكِـر علاقات التّـناقـض وظواهـر التّـعـدُّد في الاجتـماع والفـكـر فحسب، بـل يُـفضي - أكـثـر من هـذا- إلى افـتراض تجـانُسٍ وهـميّ داخـل كـلٍّ من العـالميْـن (العـرب والغـرب) يـدخل، في امتـداده، العالَـمان ذيْـنـاك حالـةً من التّـقاطُـب والتّـقابُـل والتّضادّ يمـتـنع معـها أيُّ تـفاهُـم أو تبادُلٍ للـقيـم الثّـقافـيّـة، بـل تـتـأسّس عليها أسباب النّـزاع والصّـدام بينهما.

يَـنْـفُـل عـندنا القـول إنّ الاعـتـقـاد هذا مُـجَافٍ لطبائـع الاجتماع الإنسانيّ، وافـتراضٌ ذهـنيٌّ برّانيّ عن الواقع؛ ذلك أنّ ظـواهـر الاجتماع والفـكـر وما تـقـيمه الجماعاتُ الإنسانـيّـة من صـلاتٍ وتـمـثُّـلات متبادَلـة تُـطْـلِـعـنا على ميـدانٍ واسع من عـلاقات الاخـتـلاف والتّـنـوُّع والتّـنازُع في الرّأي يتـوزّع بـها النّـاس إلى جماعـات متبايـنـة. وحين يكـون مـدارُ النّـظـر على مسائـل الهـويّـات وتحديـدِها وتعريـفِ العلاقة بها: ذاتا وآخَـر/آخَـرين، فإنّ النّـظر إلى تلك المسائـل آيـلٌ -لا محالة- إلى الاخـتـلاف وربّـما التّـضادّ في مثـل هـذه الأحوال.

العـرب في الوعـي الغربيّ يرمزون إلى عالَـميْـن على طـرفـيْ نـقيـض؛ فهُـمْ، مـن جهـة، رمـزٌ للبربريّـة، والبـداوة، والتّـخـلّـف، والتّواكـل، والعـيش على الرَّيْـع، وغِـلظة الأخلاق، واضطهاد المرأة، والتّـعصّـب، وكراهـيّـة الآخَـر، والعـنف، والإرهـاب...إلخ؛ وهُـمْ رمـزٌ، في المقابـل، للمدنيّـة، والتّحضّـر، والإنتاج الفـكـريّ والأدبـيّ، والعـمل، والمروءة، والتّسامـح، والحوار والتّـفاهـم، والاعتـدال في الحياة والسّـلوك، والسّلام...إلخ. لكـلِّ غـربٍ عَـربُـه إذن؛ وإذا كان العـرب قـد بَـدَوْا فريـقـيْـن متـناقـضيـن، فلأنّ الرّائيّ إليهـم (= الغـرب) فريـقان. الفـارق بين الوعَـيـيْـن أنّ أوّلهما يحاول أن يؤسِّـس نفسَـه وأحكامَـه على مبانٍ علميّـة وثـقافـيّـة يـشـدُّهـا هـدف واحـد: معرفة هـؤلاء العـرب: تاريخـا وتراثـا وحاضـرا، بـغـية تبـديـد الأحكـام المسبـقة أو حالة الجهـل بهـم؛ فيما ينصرف الوعـي الثّـاني إلى اصطنـاع الصّـورة المرغوبـة عنـهم لتسخيـرها في عـمليّـة التّـعبئـة ضـدّهم والتّحريض عليهم. يـتولّـد النّمـط الأوّل من الوعـي الغـربيّ، في الغـالب، في بعض البيئـات الفـكـريّة العـلميّـة والأكاديميّـة، المتجـرّدة من نـزعـة التّـعصّب الغـربيّ والتّـمركـز على الذّات، كما يـتـبدّى في تـأليف المؤرّخيـن ودارسي الأديان والحضارات والفلاسفة وعلماء الأنـثروبـولوجيا، فيما ينـشأ النّـمط الثّـاني في بيئـات إيـديولوجيّـة وصِـحـفـيّـة وإعـلاميّـة غـربـيّـة مرتبطـة بالمؤسّسـة (الخارجيّـة، الجيـش، الاستخبارات)، أو بقـوى المال والأعمال وقـوى الضّـغط الصّـهـيونيّ فيها المـدعومـة من مراكـز القرار في دول الغـرب.

في المقابـل، لا يـعني الغـربُ معـنًـى واحـدا في الوعـي العـربيّ؛ إذْ هـو، من وجْـهٍ، رمـزٌ للشّـرّ المطلق، تجـتـمع فيـه المنـكَـرَاتُ السّياسيّـة والثّـقافـيّـة جميـعُـها وهـو مَـوْطِـنُـها والمصدر: الاستعـمار؛ النّـهبُ والاستـغلال؛ الهيـمـنةُ والتّسـلّـط؛ الحروبُ الظّالمـة؛ اهتـضـامُ الحـقوق؛ هندسةُ التّـجزئـة والتّـقسيـم؛ رعاية المشروع الصّـهيـونيّ ودعـمُـه؛ العـنصريّـة وادّعـاء التّـفـوّق العِـرقيّ والحضاريّ والدّيـنيّ؛ الكيْـد الدّائـم للعـرب والمسلميـن وتحـقيـرُ قـيـمهـم... إلخ؛ في المقابـل، هـو رمـزٌ- لـدى قسـم ثـانٍ - للمـدنـيّـة، والعـقـلانـيّـة، والعـلم، والإنـتاج، والنّـظام السّـياسيّ الحـديـث، والتّسامح الدّيـنيّ، وحـريّـة الفـكـر، والمساواة، والعـدالة، والحريّـة، والدّيـمـقـراطيّـة، وحقـوق الإنسان، وحـقـوق المرأة... إلخ. لـكـلٍّ غـربُـه من العـرب ونُـخبِـهـم الثّـقافـيّـة والسّياسيّـة؛ وهُـم إذْ ينـقـسمـون عليـه، فلأنّ كـلّ فـريـقٍ يـمتـح نـظـرتَـه إلى ذلك الغـرب من منـاهـلَ متـبايـنـة ويـحـدِّد لنـفسـه المـوقـعَ الذي منـه ينـظـر إليه. يـقـدّم المـوقـف الأوّل نـفسَـه بوصـفـه تمـثيـلاً أصيـلاً للهـويّـة والذّاتـيّـة الحضاريّـة العربيّـة؛ وهـي، بحسبـه، تـنـتصـب نقـيضا للآخَـر ولنـموذجـه الحضاريّ والقـيمـيّ؛ فيما يـقـدّم المـوقـف الثّاني نـفسَـه بما هـو تعـبيـر عـن إرادة التّـقـدّم: الإرادة التي تـقـضي بالاعـتـراف بعظيـم عـوائـد فتـوحات الغـرب العـلميّـة والفـكـريّـة والصّـناعيّـة والسّياسيّـة على الإنسـانيّـة جمـعاء، وتـقـضي بالحاجـة إلى استـلهـام دروس منجزاتـه. يـزدهـر المـوقـف الأوّل في بيـئات القُـوى الأصاليّـة والسّـلـفـيّـة المعاديـة للحـداثـة، فيما يـفـشو الثّـاني في بـيئـات النّخـب المنـفـتحـة على الحـداثـة.

يُـطْـلِـعـنا انـقـسامُ الغـرب على العَـرب وانـقسـامُ العَـرب على الغـرب على حـقـيـقـتـيْـن متـلازمتـيْـن: أنّ الانـقـسام هـذا ذاتـيّ، مـن وجـه، ومـوضوعيّ من وجـهٍ ثـان بحيث لا يَـقْـبـل اختـزالَـه إلى واحـدٍ منهـما حصـريّـا. فأمّـا أنّـه انـقـسامٌ ذاتـيّ فـيُـسـتَـدلّ عليه بـما بين الفـريـقيـن من تـبايُـنٍ يفـسّـره الاصطـفـاف الاجتماعيّ والسّياسيّ وما يتولّـد منه من تعـبـيـرات إيـديـولوجيّـة في كـلّ مجتـمع، ويكـاد الانـقـسامُ هذا (على تعـريف الآخَـر) يشـبـه الانـقـسام الدّاخـليّ على مسائـل السّلطـة والثّـروة والسّيـاسات: الانـقسـام الذي لا يَـعْـرَى مجـتـمـعٌ منـه. وأمّـا أنّـه انـقـسامٌ موضوعيّ فـدليلُـه ما يـنـطوي عليه الموضوعُ نـفـسُـه (العـرب، الغـرب) من تعـدُّدٍ وازدواجيّـة وتناقـض؛ إذْ مَـن ذا الذي يمكنه أن يُـنْـكِـر ذلك التّـقابُـل، الذي لا ينـي يعيـد إنتـاجَ نـفسـه، بيـن المـدنيّـة العربيّـة (الماضيـة) والانحطـاط الحاضر؛ بين صنـاعـة التّاريخ والعيـش عالـة على التّاريخ؛ بين قيـم الإنتاج وقيـم الرّيـع؛ بين الاجتهاد العـقليّ والانـغلاق النّصّـيّ؛ بين الوسـطيّـة والاعتـدال... والتّـطرّف؛ بين الأمّـة والجماعـة... والطّائـفة والقبيلـة والمـذهـب؛ بين الدّولة الإمـبراطوريّـة ودويـلات التّـجزئـة الميـكروسـكوبـيّـة... إلخ؟ ثـمّ مَـن ذا الذي يَـقْـوى على إنكـار حقيـقـة أنّ الغـرب لا يـَني يُـسْـفِـر، في الوقـت عـيـنِـه، عـن وجـهـيْـه النّـقيـضيـن: الأنـواريّ والاسـتعـماريّ؛ الإنسـانـويّ والعـنصـريّ؛ الدّيـمـقراطيّ والدّيـكـتـاتـوريّ؛ التّـحرّريّ والاستـعـبـاديّ؛ المُـشـرِق والظّـلامـيّ... إلخ؟

يـؤدّيـنـا التّـشـخيـصُ السّابـق إلى الاستـنـتـاج أنّ واحـدةً من أَظْـهـر معـضـلات تلك التّـمـثُّـلات المتبادَلَـة بين العـرب والغـرب هيـمنـة نـزعـةٍ انـتـقـائـيّـة فيها؛ بيـانُ ذلك أنّ كـلّ فـريـقٍ يـنـتـقي لـه مـن آخَـرِه سمـاتٍ بـعيـنـها مـن دون أخـرى، سلـبيّـة أو إيـجابيّـة، ويَـطَّـرح أخـرى أو يسـكـت عنـها. هـكـذا يـقـدِّم عـن آخَـره نـصـفَ الحـقيـقة ويحـجـب الثّـاني؛ ولـيس هـذا من المعـرفـة - بمعـناهـا الدّقـيـق - بـل هـو أقـرب إلى التّـمـثّـل الإيـديـولوجيّ والافـتـراضيّ منـه إلى المعـرفة: التّـمـثُّـل الذي يُـنْـتِـج صُـوَراً نَـمَـطيّـة لا مـعارف!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الس یاسی الث ـانی

إقرأ أيضاً:

موقف عربي بالقياس إزاء قرارات ترمب ونتياهو

موقف عربي بالقياس إزاء قرارات ترمب ونتياهو
فايز شبيكات الدعجه
الموقف الشعبي العربي ازاء قرارات ترمب والمجرم نتياهو موقف انفعالي مرتبط بثقافة التعايش مع طبيعة السلطة العربية وقياسا عليه، ومستنبط من أثر الحكم الأحادي السائد.
قرارات ترمب ليست فردية ارتجالية كتلك التي يتخذها العرب. قراراته تشاركيه علمية وخاضعة لدراسة المستشارين ومؤسسات عملاقة قبل إصدارها سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ومن السخرية إذن نقدها عربيا، ذلك أن العرب أمة عاجزة ومتناحرة وغارقة في الحروب الداخلية بفعل ذاتي عربي وليس لاسباب يهودية أو استعمارية كما يحاول اقناعنا من يعتقدون أنهم ساسه عرب. ثم إن قرارات المجرم نتياهو تخضع لرقابة المعارضة الإسرائيلية الصارمة، إضافة لدهائة الخبيث الذي قاده إلى السير بتحقيق أهداف الصهياينه بخطى واثقة وثابته أهمها شل القوة العسكرية العربية وتحييدها في حرب غزه، وتقييد مواقف الانظمة السياسة الفاعلة ومنعها من إعاقة مجريات خططه الميدانية، واقترابه من حسم حرب غزة لصالحه، واحتلال أراضي سوريا ولبنان، وتدمير منشأءات الاقتصاد اليمني. وهزيمة حزب الله وإيران. وقتل وفقدان ما يقارب من مائة ألف عربي في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.إضافة لكسب مواقف اغلب اوروبا وكثير من الدول الكبرى.
التحليل والتقييم الذي يجريه العربي بدائي وينسجم مع واقعه البائس..وأخطر ما في المسألة أن تفكيره يستند إلى فهم خاطيء لروح الدين الإسلامي واصول المعتقد وانتظار حصول معجزة إلهية تهزم اليهود وأمريكا دون توحد وإعداد قوة عربية مناسبة . وغاب عن ذهنه أن المعجزات إنتهت بإنتهاء الأنبياء والرسل، ولم تحصل معجزة انتصرت بها جيوش المسلمين بعد وفاة الرسول الكريم دون اعداد عسكري مسبق. بل إن سيدنا خالد بن الوليد انسحب من معركة مؤته بسبب فارق القوة مع العدو، ولم يغامر بدخول الحرب والتسبب بهزيمة ومقتل كل جيش المسلمين، وقد أثنى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على قراره العسكري الحكيم .
لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن العرب ابدعوا إعلاميا، وتفوقوا في نقل وبث ما يجري في غزه وفلسطين ولبنان، لكنه يبقى في المحصلة جهد صوري فضائي فقط، ولم يحدث أثر أو تغيير في مجرى الاحداث أو التخفيف من حدتها، ولم تتبدل المواقف، ولا زال حال المجازر والتجويع والتشريد كما هو عليه منذ بدء الحرب.

مقالات مشابهة

  • مجلة أمريكية: هكذا استخدمت إسرائيل والغرب الهولوكوست لتبرير إبادة غزة
  • هل ينجو العرب من الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي؟
  • العالم العربي.. "وعي مُزيف" و"واقع" غير مُكتشف
  • الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (1/2)
  • طاهر المصري: كي لا يكون مصيرنا التلاشي
  • كي لا يكون مصيرنا التلاشي
  • بعد انقضاء عطلة عيد الفطر.. استئناف الدراسة في مراقبات التّربية والتّعليم كافة
  • ولد الوالد: هكذا انتصر العرب على الروس في أفغانستان وأسسوا تنظيم القاعدة
  • موقف عربي بالقياس إزاء قرارات ترمب ونتياهو
  • طريق الشيطان وطريق الرحمن.. علي جمعة يوضح الفرق بين نظرة علماء المسلمين والغرب للنفس الأمارة